الدكتور محمد عباس يرد على الدكتور الجوادي: أنت فنان كبير يا زميلي!

0 1٬882

مرحبا بك، أسعدني دخولك على موقعي زميلا عزيزا جمعتنا قلعة الطب “قصر العيني” ذات يوم، وإن كنت سبقتك بعقد أوعقدين مما يعني أنني لم أكن من جيلك بل من جيل أساتذتك -سنا فقط- فأنت أستاذ الجميع. لكم تمنيت أن أجيب طلبك يا زميلي العزيز لكن ذلك مستحيل ( دعك من عتابي لأنك جعلت بيني وبينك وسيطا لا أعرفه أنت أقرب إليّ منه) أما لماذا هو مستحيل فسوف يتضح على الفور.

أعرفك جيدا. واستمتعت بقراءة أربعين كتابا على الأقل من كتبك، وقد يدهشك أنني أختلف معك حتى في وصف نفسك مؤرخا، ذلك لأني أراك فنانا كبيرا أكثر منك مؤرخا شهيرا، فنان جياش العواطف ساحر الأسلوب غزير العلم، لكن الفنان قد يُطلب منه رواية أو مسرحية أو قصيدة شعر أو سيمفونية أو لوحة رسم، لكن لا يُطلب منه نظريات علمية ولا حتى أبحاث في التاريخ.

*تذكرني بشدة بالكاتب الأمريكي وليم فوكنر ورائعته “الصخب والعنف” فأنت مثله أو هو مثلك ويالروعته وأنت تكتشف ألغازه ولو بعد حين فتكون مكافأتك حلاوة اكتشاف اللغز، نفس المتعة التي يشعر بها قراؤك وهم يحلون ألغاز تغريداتك. وهذا بالضبط ما يجعل استجابتي لك مستحيلة، فأنت فنان كبير ومدارج اليقين عندك تختلف تماما عنها عندي تماما كما تختلف شروط القيادة واتجاهاتها والمسافة بين قضبان السكك الحديدية بين مختلف الدول، ولذلك فأنت يكفيك لكي تصل إلى يقين حساسيتك وفنك وشعور داخلي لا يحتاج إلى مقدمات ونتائج وأسباب ومسببات. إنه يقين كيقين الصوفي أو إلهام الشاعر يُحسّ أكثر مما يعقل.

أما أنا فإنسان مسكين يبحث عن يقين ديني يستحيل الوصول إلى نهايته في هذه الدنيا. أنت فنان كبير يا زميلي العزيز وأنا عبد مذعور أحاول أن أعبد ربي حتى يأتيني اليقين. أظنك وصلت لليقين منذ زمن، لكنني لن أصل إليه إلا بالموت، فيقينك غير يقيني. هما مختلفان كما تختلف الألسنة واللغات ولذلك استحال الأمر.

تريد ألا يستحيل؟!
هات لي إذن حَكَما لا يتخذ إلهه هواه ولسانا لا ينطق إلا حقا وأذنا لا تسمع إلا صدقا ووجدانا يستوعب المعنى دون حروف لغة. هاتها، فساعتئذ فقط يمكنني أن اطرح افتراءاتي عليك أو على رفيقك الذي ارتضيته حكما، فضلا عن أنها افتراءات أجلّك أن أثقل بها عليك. ، ثم أن هناك نقطة أخرى: لمن أكتب؟
أنا لا أكتب مثلك لجمهور محترم واسع عريض متيم بك يهمك رأيه ويهمه تغريداتك، ولا أكتب لنفسي، ولا لك، لذلك رغم احترامي الشديد لا يهمني رأيك ولا حتى رأي الناس الذين لا أكتب لهم أيضا. لا أكتب لأي من ذلك..
زميلك المرتعد المذعور لم يصل إلى يقينيات مثلك، وهو يكتب لهدف واحد فقط، أكتب كي أقي نفسي من خزي الموقف يوم القيامة، من الوقوف أمام الله يتساقط لحم وجهي عارا ويشتعل جسدي نارا وأنا أصرخ: واسوأتاه وإن غفرت.

التصوران المختلفان تماما يجعلان ما طلبته مستحيلا، بل أنني لا أخفي عليك أنني كتمت الضحك عندما تخيلت نفسي في مسرحية عبثية جديرة بكامي أو بيكت وأنا وأنت كبطلي في انتظار جودو نتجادل ونتصارع دون نهاية في ملعب مفتوح بلا حِكَمَ ولا زمن!

أنا يا زميلي العزيز من جيل تربي على نظريات قديمة كنظرية انعدام اليقين ” Uncertainity law” كدليل على طلاقة القدرة الإلهية وعجز البشر.

تريد أن أحل عقدي ولو قليلا كي أسهل الأمر عليك: هات لي دليلا يقينيا على أن السادات في الجنة والشاذلي في النار أو العكس وأنا أسلم لك على الفور. رغم أنه لا هذا ولا ذاك يهمني، لا يهمني إلا الحق واليقين، ورعبي مما سأقوله أمام الله يوم الفزع يوم الجزع يوم الروع يوم العرق يوم القلق يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.

على هذا الأساس فقط يمكن أن نلتقي وإلا كان صراعا عبثيا للتسلية لا لليقين. أليس كذلك يا زميلي العزيز؟

فلنكتف إذن بشرف الزمالة والمعرفة، أما صديقك الذي لا أعرفه وطرحته حَكَمًا فله تحياتي بعد أن أرحته من القضية. وشكرا على تشريفك لموقعي.
ملاحظة: أتنازل عن سؤال طالما وجهته في خيالي إليك : وهو هل موقفك الشخصي من إسرائيل والفلسطينيين والعرب كموقف السادات منهم؟! حتى هذا السؤال أتنازل عنه ولم أعد أريد إجابته.

الدكتور محمد عباس

طبيب ومفكر وكاتب مصري

من أبرز وجوه التيار الاسلامي في مصر

المقالات الواردة فى باب الرأي تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن الموقع وسياساته التحريرية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.