الدكتور أحمد الهواس يتساءل: هل باتت الثورات العربية جزءًا من الماضي؟!

0 486

بعد اثني عشر عاما على تفجّر الثورات العربية ظل السؤال هل كان الربيع العربي سياقًا طبيعيًا نتيجة ما تعرضت له الشعوب العربية من قهر وظلم واستبداد، أم أنّه مؤامرة غربية لتحطيم الدول العربية سيقت إليها الشعوب التوّاقة للحرية؟

العرب قبل الثورات

لم تكن البلاد العربية عامة لها مكان على خريطة الدول المتقدمة ، ثمة نجاحات طفيفة حققتها بعض الدول الثرية على مستوى الدخل والتعليم والصحة، ولكنها حوّلت شعوبها لشعوب مستهلكة وليست منتجة، وما تعيشه من ظروف اقتصادية جيدة نتاج الثروة النفطية، وهذا مؤشر سلبي لارتباط هذه الدول بوجود هذه الثروة أو حاجة العالم لها، فلو توافر البديل أو نضبت تلك الثروة لأصبحنا أمام واقع مغاير تمامًا بل لعله أسوأ من عالم ما قبل النفط حيث كان إنسان المنطقة قد تلاءم مع طبيعة المنطقة، وبنى حضارته، وأثرّ في العالم لقرون.
أمّا الآن فكل حياته تعتمد على التكنولوجيا الحديثة في التغلب على طبيعة المناخ القاسية. أمّا بقية الدول العربية فهي دول مفقّرة، وليست فقيرة، فكل دولة عندها ثروات متعددة والأهم الثروة البشرية ولا سيما في الدول الكبيرة سكانيًا، ولكن الفساد والاستبداد وغياب الشفافية ساهم في تفقير تلك الشعوب وجعل أكبر همومها تحصيل “لقمة العيش” وأقصى أماني شبابها الهجرة!
لم تكن ثورة تونس بعد حادثة البوعزيزي إلاّ مكافئًا موضوعيًا لكل البلاد العربية التي ستشهد ثورات تباعًا لتشابه الظروف التي تكاد تكون قاسمًا مشتركًا لكل بلاد العرب ، ولولا الثورات المضادة المدعومة أمريكيًا لما استثنت الثورات العربية نظامًا قط بل لصنعت واقعًا جيوسياسيًا جديدًا بعد أن تسقط واقعًا مفروضًا يُعرف بالبناء الرسمي العربي ، بفضله غابت فلسطين ودمّر العراق ، وسيكون له الفضل بتدمير الربيع العربي!

قهر الإنسان العربي

تعددت أسماء مفجري الثورة في البلاد العربي كالبوعزيزي وخالد سعيد وفتحي تربل وحمزة الخطيب وبقية الأسماء ولكن سبب الثورة كان واحدًا ، إسقاط الأنظمة التي أذلت البشر وأهلكت الحرث والنسل وأن الإنسان العربي ابن حضارة عظيمة ومن حقّه أن يحيا بكرامة ، فكانت تلك الثورات ثورات كرامة وأولى مطالبها الحرية؛ فقد عملت تلك الأنظمة المستبدة على مسخ الشخصية العربية وتحويلها لشخصية تجتهد في الحصول على لقمة العيش بطرق غير مشروعة أو العمل على إبعادها عن قيمها الروحية، أو كما يقول نوبوأكي نوتوهارا في كتابه العرب وجهة نظر يابانية: العربي بشكل عام يخاف الله، خلال إقامتي الطويلة في مصر كنت أحتاج أحيانًا عاملاً لتصليح شيء ما، وكان العمّال يأخذون أضعاف أتعابهم لأني أجنبي، ولكني اهتديت إلى طريقة تخفف من جشعهم، فكنت أقول للعامل : ألا تخاف الله؟ سأطالبك بالنقود الزائدة التي أخذتها مني يوم القيامة ، الحقيقة أن الجميع كانوا يخافون فعلاً ويأخذون أجرهم في حدود ما يسمونه الحلال، لكي نفهم سلوك الرجل العادي في البلاد العربية، علينا أن ننتبه دائمًا لمفهومي الحلال والحرام.
فاجأت الثورات العربية الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد اعترف مفكروها بذلك ، وإن كان ثمة توقع لحدوث اضطرابات في البلاد العربية نتيجة الظلم والفساد والفقر وانسداد الآفاق أمام الشباب ، ولكن لم تتوقع الولايات المتحدة أن تنفجر تلك الثورات بتلك القوة وأن تمتد لبلاد كثيرة وفي القلب منها مصر وسوريا إحدى دولتي الطوق، وأن انهيار النظامين فيهما يعني أن “إسرائيل” باتت في خطر، ولهذا سارعت أمريكا لممارسة خدع استراتيجي على الشعوب وبرزت داعمة للتغيير العربي ، وأنّها لا تمانع أيضًا بوصول الإسلاميين إلى السلطة ، وهي في واقع الحال كانت قد قسّمت كل ثورة ضمن رؤية معينة ووضعت لكل ثورة مكافئًا موضوعيًا للعمل على انهائها، فمصر وتونس مثلا من أقدم دول المنطقة وثمة دولة عميقة فيهما فدولة الفرد العسكري “محمد علي” لا تزال قائمة وإن تحوّلت مصر لحكم جمهوري ، وكذلك دولة الباي في تونس وإن بدا أنّها باتت من الماضي ، وهذا يسهل السيطرة على الثورتين من الداخل، في حين أن ليبيا حديثة نسبيًا وقد توحدت أقاليمها الثلاثة بعد مؤتمر غريان 1922، وكذلك سوريا التي ظهرت كمملكة لم يكتب لها البقاء في 8 آذار- مارس 1920، ولهذا كان التدخل الخارجي في الحالتين ، مع فارق في الأهداف ففي الوقت الذي حرص فيها الغرب على إسقاط القذافي ، كان حريصًا فيه على بقاء بشار الأسد ، وتم الاعتماد على إيران في مواجهة الثورة السورية ومن ثم كان التدخل الروسي برضاء أمريكي كما ذكر ذلك آندرو إكسوم في شهادته أمام الكونغرس الأمريكي عدا عن تصنيع الوحش “داعش” لصرف الأنظار عن جرائم النظام السوري وإفراغ الثورة من محتواها ومن الأسس التي قامت عليها بإسقاط النظام الطائفي وإقامة دولة العدل، فيما تمّ تكليف جوار اليمن بتدميره حتى لا يشكل اليمن أنموذجًا جاذبًا لدول الجوار! لقد التقت مصالح أمريكا مع تخوّف أنظمة عربية من امتداد التغيير إليها، فكانت الثورات المضادة التي أعادت انتاج الأنظمة بشكل أكثر توحشًا والأهم تحويل الربيع العربي إلى جحيم وجعل مأساة السوريين واليمنيين مثالًا يخوفون به شعوبهم .

موجة ثورية انتهت ولم تنته الثورات

الناظر إلى بلاد الثورات يخال للوهلة الأولى أنّ الثورات انتهت بانتصار الأنظمة وداعميها، وهذه من الناحية ” القشرية” صحيح، ولكن نظرة واقعية وتفحص لواقع تلك البلاد يبدو الأمر مختلفًا، فالثورة تمرّ بمراحل ضعف وتعثر ولكنها تعيد انتاج نفسها وتنطلق من جديد ، بل هي كموجات البحر كلما انكسرت موجة جاءت أخرى أكثر قوة منها، فالثورة السورية لم تنته ومازال السوريون رافضين لبقاء نظام الإجرام، وملايين يعيشون في المخيمات وبلاد اللجوء بظروف سيئة ويرفضون العودة تحت سلطة النظام ، وما كان للنظام أن يستمر لولا أن قاتل معه حلفاء كثر كإيران وأذرعها وروسيا ومرتزقتها والولايات المتحدة تحت ذريعة محاربة الإرهاب ! وقد تفجّرت موجة ثورية في الجزائر وكذلك السودان واحتجاجات في العراق ولبنان رغم الدماء والدمار الذي طال البلاد الثائرة ، فهذا يشير إلى أن الثورة أو التغيير مطلب الشعوب العربية ولن تقف حتى تنال مرادها وإن كان انتصار الثورات العربية لا يعني تغييرًا في المنطقة العربية بل تغيير قد يطال العالم أجمع .

الدكتور أحمد الهواس

كاتب صحافي وسياسي سوري معروف

رئيس تحرير موقع (رسالة بوست)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.