محمد عماد صابر يكتب: التحالف بين أمريكا ودول الخليج.. الى أين ؟!

وُلد التحالف الأمريكي السعودي عام 1945م، حيث جرت مباحثات الملك السعودي الراحل عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وأبرم باتفاقية (النفط مقابل الحماية)، قبل أن تتدحرج كرة ثلج العلاقات لتشمل كل دول الخليج.. سنين مرت على هذا التحالف، لكن السنوات العشرة الأخيرة قلبت وغيرت الكثير من المعطيات خاصة في العلاقات التي تربط بين السعودية والإمارات من جهة، وواشنطن من جهة أخرى.

وأخيرا جاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليبرز شرخا في العلاقات بين واشنطن واثنين من أقوى حلفائها في الشرق الاوسط، إنهما عملاقا النفط اللذان أبرزا أخيرا نوعا من الاستقلالية الدبلوماسية على الساحة الدولية ( السعودية والإمارات)، فعلى عكس ما توقع الأمريكيون بعد الغزو الروسي لأوكرانيا لم يصدر عن دول الخليج موافقة مؤيدة لإدارة الرئيس بايدن الذي يحاول خنق موسكو بكل السبل المتاحة بما فيها الدبلوماسية، بل على العكس رفضت الإمارات مرتين إدانة روسيا في بيانات مجلس الأمن..

أما السعودية فامتنعت عن تلبية مطلب بايدن بزيادة إنتاج النفط لخفض سعر الطاقة ما اعتُبِر خروجا عن سرب الغرب، حتى أن الأمر وصل بالرياض لاستفزاز واشنطن عبر قبول التبادل التجاري مع الصين باستخدام العملة الصينية ( اليوان) بدلا من الدولار الأمريكي. فضلاً عما تردد عن رفض قادة الامارات والسعودية مكالمة بايدن هاتفيا في أعقاب أزمة أوكرانيا !

“ماحقيقة انقلاب الحال؟”

الحديث عن تحضير الدولتين الخليجيتين لشرق أوسط مختلف قائم علي احتمال انقلاب الحليف الأمريكي، جراء سياسات الحزب الديمقراطي الذي طالما صنفته دول الخليج كحليف غير موثوق به.. هذا السيناريو جاء تأكيده عندما امتنعت الإمارات التي تتولى حاليا رئاسة مجلس الأمن الدولي عن التصويت على مشروع قرار (أمريكى/ألبانى) يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، حينها انجلى موقف أبوظبي غير المُرضِي لواشنطن أكثر فأكثر، وكذلك بعد ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب، قاومت دول الخليج وعلى رأسها السعودية الضغوطات الغربية بزيادة إنتاج النفط بهدف كبح جماح الأسعار عندما أعلنت موقفها صراحة بوجه أمريكا وأوروبا بالتزامها بالحصص الإنتاجية ضمن منظمة “أوبك بلاس” التي تقودها الرياض وموسكو.. ما أوصل رسالة بأن أكبر اقتصادَين عربيين- السعودية والامارات- تسعيان إلى سياسة خارجية مستقلة قائمة على المصالح المتبادلة، وأن السعودية والإمارات رغم أنهما يفضلان دائما التحالف مع أمريكا، لكنهما أيضا يبدوان أنهما قد حضّرا خطة بديلة حال انقلب الحليف الأمريكي عليهما بشكل كامل، خاصة وأن أجندة الحزب الديمقراطي كانت واضحة منذ دخول بايدن للبيت الأبيض، وهي أجندة تشتمل على العودة للاتفاق النووي مع إيران، ما حَدَا بدول الخليج عموما وخاصة الإمارات والسعودية بدء التفكير بعدم الاعتماد على الولايات المتحدة كضامن نهائي للأمن، مع الاحتفاظ بعلاقات شراكة استراتيجية مع واشنطن تفيد الدولتين الخليجيتين بالقدر ذاته التي تفيد به أمريكا، مع عدم اغفال ظهور عالم متعدد الأقطاب وخصوصا مع صعود روسيا والصين، مايفسر اسراع واشنطن لإعلان قطر الدولة الخليجية الأخرى شريكا وحليفا أساسيا من خارج حلف الناتو، في محاولة لتعويض ماقد تخسره في حال تراجع العلاقات مع الإمارات والسعودية.

“أبرز الملفات التي أدت الى توتر العلاقات بين واشنطن والسعودية والإمارات”

•مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وما تلاه من تجميد إدارة بايدن فور وصولها البيت الأبيض مبيعات الأسلحة للسعودية بشكل مؤقت.
•محاولة واشنطن الضعط على السعودية والإمارات بملفات حقوق الانسان التي باتت سلاحا تستله واشنطن بوجه كل من قد يفكر بالخروج عن طاعتها.
•موقف واشنطن من الحوثيين وتعاملها بفتور مع مطالبات السعودية باعتبار جماعة الحوثي المدعومة إيرانياً منظمة إرهابية.
•إحباط الامارات من بطء وتيرة تسليم صفقة المقاتلات الأمريكية من طراز F35، ما دفع أبوظبي من الإعلان عن نيتها تعليق المباحثات حول الصفقة.
•اصرار إدارة بايدن على إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية، وهو ماقد يؤدي إلى رفع العقوبات عن طهران وإعطاء اقتصادها دفعة ترسخ من إيران قوة اقليمية تثير القلق والتوترات بدول الخليج، خاصة وأن دول الخليج راقبت بقلق انسحاب أمريكا من أفغانستان تاركة حلفاءها هناك لمصيرهم، وهو مايخشى الخليج تكراره بانسحاب أمريكا من المنطقة وترك ايران لتملأ أي فراغ عسكري استراتيجي فيها. وبالتالي ليس أمام الإمارات والسعودية إلا الحياد فيما يخص الحرب على أوكرانيا مع استمرار بعث رسائل تراجع العلاقات مع واشنطن وكان آخرها: إعلان السعودية عن زيارة الرئيس الصيني إليها قريبا، وفي حال تمت الزيارة فانها ستكون الزيارة الخارجية الأولى للزعيم الصيني منذ بدء وباء كورونا، حيث ستحمل الزيارة دلالات كبرى في وقت يتبلور فيه محور روسيا والصين ضد أمريكا والغرب خاصة وأن خطوات اقتصادية سبقت الزيارة تمثلت في طلب صندوق الثروة السعودي وقيمته 450 مليار دولار الحصول على ترخيص العمل كمستثمر في الصين بحيث يستطيع تداول الأسهم بالعملة الصينية مباشرة بدل من الاضطرار إلى العمل عبر الدولار الأمريكي. فضلا عن إعلان عزم أبوظبي استخدام تكنولوجيا الجيل الخامس من إنتاج شركة هواوي الصينية.

“حقيقة الأمر وخلاصته”

ظاهر الأمر يبدو كذلك”اختلال وارتباك”، لكن حقيقة الأمر أن المسألة برمتها لاتعدو كونها خلاف مصالح على المدى القريب ولاوجود لخلاف استراتيجي حقيقي حيث ستبقى واشنطن الحليف المفضل لكل دول الخليج.
العلاقات الأمريكية مع دول الخليج العربي تمثل ركناً ركيناً ولذلك عند تناول بعض التطورات الشكلية أو الجوهرية في العلاقة الأمريكية الخليجية يجب أن ينطلق من معطى رئيسي ومهم، يؤكد أن الدول العربية، خاصة منطقة الخليج، ستظل منطقة استراتيجية للدولة الأمريكية، وأنه لاتوجد بدائل كثيرة أمام الإدارة الأمريكية لتغيير تلك الرؤية أو استبدالها.
لذلك تبقى الولايات المتحدة الأمريكية القوي المهيمنة عسكريا وسياسيا واقتصاديا على المنطقة، وليس ثمة قوى حقيقية يمكنها ملء الفراغ الأمريكي والغربي على الاقل في المنظور القريب أو حتى المتوسط.
خلاصة القول: لازالت المصالح العليا الأمريكية، وبصرف النظر عن توجهات الإدارات فيها، هي الأهم وهي المستهدف، حيث لن يكون هناك أي تخلٍّ عن الارتباطات المفصلية والهيكلية بين الولايات المتحدة وحلفائها الكبار في الإقليم نظرا لأهميته الاستراتيجية، لذلك سنشهد في المستقبل مزيداً من العمليات المتعددة والمتكاملة بين واشنطن وحلفائها التقليديين في دول الخليج ضمن الاستراتيجية الكبرى الأمريكية لمواجهة خطر الصين.

د. محمد عماد صابر

سياسي وبرلماني مصري

من نواب برلمان الثورة 2012 

*********************************************************************

الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية

المشاركات الاخيرة

الإماراتالتحالف الخليجي الأمريكيالسعوديةدول الخليجمحمد عماد صابرمصرمقال رأي
Comments (0)
Add Comment