ممدوح اسماعيل يكتب: نار فتاوى القرضاوى.. من يطفئها ؟!

حاولت كثيراً الابتعاد عن متابعة الحرب التى اندلعت عقب وفاة الشيخ القرضاوى رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، ولكن الحرب مشتعلة جداََ، واشعلها فريق المخابرات من المداخلة ( عليهم من الله مايستحقون) ، وأشعلها الغلو من جانب أتباع ( شخص ) الشيخ القرضاوى رحمه الله، وأشعلها انفلات الأعصاب من جانب فريق مخلص وعدم تقديرهم لحرمة ومهابة الموت وحكمة الوقت. وتحديد حجم الخلاف وآثاره.
وقد أجبرتنى النار المشتعلة حول بعض فتاوى الشيخ القرضاوى أن أقدم على محاولة إطفاء تلك النار عبر مقالين سابقين، لكن الموتورين فى الجانبين لم يسكتوا، والعدو فرحان، وهنا أتوقف، حيث علمتنى الحياة أن لكل حادث حديث، وقد كتبت منذ عشرين عامًا مقالاً شديدًا ضد فتوى (جواز قتال الجنود المسلمين الأمريكان للأفغان)، وكتبت عن مسائل كثيرة فى وقتها استحضرت فيها رأى الائمة الفقهاء الأعلام فى نقد بعض فتاوى الشيخ القرضاوى، وقد غضبت لنقده غير المبرر لسيد قطب رحمه الله، ولا يخفى أننى لست من مدرسته مطلقاً، وقد تربيت فى مدارس للعلم كلها تنتمي للمنهج السلفى، ولكن الحمد لله علمتنى تلك المدارس العلمية تقدير العلماء واحترامهم حتى مع الخلاف الشديد الذى يصل الى التضاد في الخلاف.

عندما كنت اقرأ كتب الفقه للشيخ سيد سابق، والمغنى لابن قدامة، أو نيل الاوطار للشوكانى، وسبل السلام للصنعانى كنت أتوقف مع أدبهم فى عرض الآراء الفقهية والرد على من اختلف مع صاحب المؤلف بأدب، حتى ولو اختلف معه تماماً !

ماء الحكمة.. من يلقيه على النيران المشتعلة؟!

كذلك الامام ابن القيم استوقفنى عرضه الفقهى بكل تقدير لكل العلماء فى (رسالة حكم تارك الصلاة)، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية لا يحمل إلا على من خرجوا عن الإسلام وأعداء الإسلام، وقرأت عن الفتن التى ظهرت بين أتباع المذاهب الأربعة، والخلافات بينهم وتعجبت لأن ائمة المذاهب لم يفعلوا ذلك !

واليوم النار مشتعلة كما ذكرت فى مقدمة المقال، بل ويزيد عليها أن واحدا فقط، واكرر واحد فقط من أتباع الشيخ القرضاوى يحمل ماء الحكمة ويلقيه على تلك النار المتأججة والمشتعلة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقول : “يا اخوانى، إن مسائل العلم لن يتوقف الكلام فيها، والشيخ رمز دعوى، اجتهد فأصاب وأخطأ، وهو غير معصوم، وهو عالم يملك أدوات علمية استعملها طلباً للحق، فأصاب وأخطأ فى مسألة كذا وكذا، ولكنه لم يتعمد الباطل، أو أن بعض الفتاوى جاءت نتيجة لضغوط، بل انه حاول أن يوازن فى المصلحة، فاجتهد وأخطأ، والوقت متسع أمامكم للنقد لكن الوقت وقت استغفار ودعاء للميت.
ذلك الحديث من ماء الحكمة من عالم من اتباع الشيخ القرضاوى كان يمكن أن يطفيء جزءاََ كبيراََ من النار المشتعلة التي
لا يستفيد منها سوى أعداء الإسلام فقط، لكن الشيوخ أتباع الشيخ القرضاوى تترسوا وتمترسوا خلف ذلك التعصب للشيخ، وعلى الناحية الأخرى هؤلاء المعارضين الذين انفلتت من بين أيديهم قيمة الحكمة وتقدير الوقت واحترام العلماء..


وأرى ان مايحدث ليس سوى فخ دبر بليل ووقع فيه كثير من إخوانى المخلصين !!

أتذكر أننى منذ حوالى عشرين عاماً، جاءتنى عبر الفاكس (فتوى جواز قتال الجنود المسلمين الامريكان للأفغان)
كاملة عبر الفاكس، وكانت لم تنشر بعد فى أى مكان. قرأتها وغضبت كثيرا، وزاد من غضبى رؤيتى توقيع الشيخ القرضاوى عليها، فتعجبت أن يقع الشيخ بعلمه الواسع والكبير في هذا الفخ ويقوم بالتوقيع على فتوى فاسدة البنيان علمياً تماماً، وواضحة البطلان، ولايكتبها من يعلم توحيد الله، ولاتخدم سوى أعداء الإسلام!!

أعدت قراءة الفتوى مرات ومرات، فوجدت ان الدكتور محمد سليم العوا هو من كتبها كلها، وأنه. مررها على الموقعين ومنهم الشيخ القرضاوى رحمه الله، فقاموا بالتوقيع عليها ثقة فيه، فاستعنت بالله وكتبت ردى بالقلم من خمس ورقات ببطلان هذه الفتوى مستعينا بالأدلة الشرعية، وكان ردى شديدًا على كاتبها سليم العوا لدرجة أنه هدد برفع قضية ضدى لكنه لم يفعل، ونبهت الموقعين وشددت على رفضى لتوقيعهم على تلك الفتوى الباطلة.
بعد ذلك، سعيت لنشر ردي على الفتوى في صحيفة الأسبوع، فرفض مصطفى بكرى لصداقته بالعوا، ونشرتها في صحيفة (القدس العربى) بلندن والاحرار والدستور في مصر، كما نشرت الرد على مواقع الكترونية عديدة، وأرسلت المقال لقناة الجزيرة فنوهت عنها فى نشراتها، وطلبونى فى مداخلة أمام العوا، فانفعل ورفض وجودى أمامه، وانا اسمعه فى التلفون الداخلى، فقلت لمحدثى من الدوحة:” لا مشكلة يكفينى فقط أن تشيروا لأهم نقاط ردى فى المقال..
وقد كان بالفعل، وذكروا ردودى على الفتوى، وتلعثم العوا فى ردوده ولم يستطع الرد !!
انتشر خبر الفتوى كالنار فى الهشيم، واخبرنى الصحافى محمد عبد القدوس إنه ذاهب الى الدوحة في دولة قطر لإجراء حوار حول تلك الفتوى مع الشيخ القرضاوى، وفى الحوار أبدى الشيخ تبريره أنه لم يكتب الفتوى، وأنها مررت عليه ولم ينتبه لما فيها !!
وبعد عشر سنوات قابلت الشيخ القرضاوى بعد ثورة 25 يناير 2011 فى إفطار جماعة الاخوان وذهبت إليه فى مكانه وقد قابلنى بدهشة ولكن لمكانة العلم وتفلته من تلك الفتوى، قبلت رأسه فنظر لى مستغرباً، فابتسمت له (و قلت فى نفسى اختلف مع كثير من فتاويك ياشيخ ولكن أنت رمز من رموز العلم الشرعى، فلا تتساهل لأى مصلحة)، ولكنى سكت ولم أقلها له، فالحياة علمتنى أن تغيير القناعات فى الكبر صعب جدأ، لذلك سلمت عليه ومشيت، وكانت المرة الأولى والأخيرة التى قابلته فيها رحمه الله.
ومنذ سنة واحدة، أخبرنى شيخ من العلماء أن الشيخ القرضاوى رحمه الله فى كتاب له عن الجهاد نقل فى كتابه مقالة لى عن الاسلامو فوبيا عند الغرب والحروب الصليبية..ويبقى: أنه لو كل عالم اجتهد واخطأ حاربناه..لما وجدنا عالمًا واحداً بين ظهرانينا. والخلاصة أننا نحترم جهد العلماء والدعاة المجتهدين فى الدعوة لله، ومن بينهم الشيخ يوسف القرضاوى رحمه الله واسكنه فسيح جناته، حتى لو اختلفنا معه بحق، فالحق فوق الجميع.

كما أننا نؤمن أن لاعصمة لنا و لا لأحد، ويجب أن نعى أن العدو متربص بنا، ، والإسلام يجمعنا. والله الموفق وهو يهدي السبيل.

ممدوح اسماعيل

محام ونائب فى برلمان الثورة 2012

أحد أبرز وجوه التيار الاسلامي في مصر

المقالات الواردة فى باب الرأي تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن الموقع وسياساته التحريرية

المشاركات الاخيرة

الشيخ القرضاويحرب مشتعلةمؤيدون ومعارضونمصرمقال رأيممدوح اسماعيلمواقع التواصل الاجتماعي
Comments (0)
Add Comment