أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، استعداد بلاده لحل النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا بشأن منطقة الفشقة، مشيرا الى أن إثيويبا سلمت الأسبوع الماضي جميع المدارس التابعة لتنظيم فتح الله غولن الذي تصنفه تركيا بأنه تنظيم إرهابي إلى وقف المعارف التركي الحكومي.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، الأربعاء، بالمجمع الرئاسي التركي في العاصمة أنقرة بعد استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرئيس الوزراء الاثيوبي أبي أحمد الذي يبحث عن إلحاق الهزيمة بقوات تيغراي، وهو ما يثير تساؤلات عن المغزى من زيارة تركيا في ظل الأوضاع المضطربة التي يشهدها شمال إثيوبيا.
وذكرت الرئاسة التركية في بيان صحفي أن “زيارة أحمد تنطوي على أهمية بالغة، لتزامنها مع الاحتفال بالذكرى السنوية الـ125 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين”، فيما قال الضيف الاثيوبي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع اردوغان فى أنقرة: “نولي أهمية كبيرة لصداقتنا وشراكتنا مع تركيا”.
وأمام أحمد العديد من الملفات المعقدة، على غرار سد النهضة الذي تتنازع فيه بلاده مع مصر والسودان، وأيضا النزاع الحدودي بين إثيوبيا والسودان.
وقال أردوغان إن “تركيا على استعداد للمساهمة بكل الطرق لحل النزاع وديا بين السودان وإثيوبيا بشأن منطقة الفشقة، بما في ذلك الوساطة”، لكن الملف الذي يشغل أحمد الآن هو الصراع مع قوات تيغراي التي تتقدم على أكثر من جبهة، وهو ما جعل من رئيس الوزراء الإثيوبي يستدعي الميليشيات وتسليح المدنيين للإطاحة بها.
وبموازاة زيارة أحمد لتركيا، وصل مبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن الخاص إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان إلى إثيوبيا من أجل حث طرفي النزاع على وقف الاقتتال. وجاءت زيارة فيلتمان، وهي بطلب من بايدن، بعد بروز نذر تصعيد جديدة بين القوات الإثيوبية ومتمردي تيغراي.
والأسبوع الماضي دعا أحمد السكان إلى الانضمام إلى الجيش والميليشيات من أجل القتال ضد قوات تيغراي، معلنا إلغاء قرار وقف إطلاق النار. وأعلنت قوات تيغراي أنها تتفاوض من أجل تشكيل تحالف عسكري مع متمردين من منطقة أوروميا، الأكثر سكانا في البلاد.
وأشار أردوغان إلى أنه تناول مع الجانب الإثيوبي التطورات الإقليمية والدولية، ومستجدات الأوضاع في إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا.
وشدّد على أن تركيا تولي أهمية لسلام واستقرار ووحدة إثيوبيا التي تتمتع بموقع استراتيجي وهام.
وأضاف: “نولي أهمية كبيرة لحل المشاكل القائمة في إطار ضبط النفس، والحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة”.
وأكّد أن تفاقم الوضع سيؤثر سلبًا على جميع دول المنطقة.
ولفت إلى أن التوتر في منطقة الفشقة بين أصدقائنا في السودان وإثيوبيا كان مطروحًا على جدول أعمال اللقاء اليوم.
وذكر أن هذه القضية بحثها أيضًا مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، الذي استضافه بأنقرة الأسبوع الماضي.
وأردف: “أعربت عن أملي الصادق في أن يتم حل النزاع في إطار الحوار وعلاقات حسن الجوار بين البلدين”.
وزاد: “تركيا على استعداد للمساهمة بكل الطرق لحل النزاع وديا بين السودان وإثيوبيا بشأن منطقة الفشقة، بما في ذلك الوساطة”.
تجدر الاشارة الى أن صحيفة “زمان” التركية المعارضة، أكدت أن “إعلان الرئاسة التركية عن تقديم جميع أنواع الدعم لإثيوبيا، يجعل محاولات أنقرة لإصلاح العلاقات مع القاهرة أصعب”، خصوصا في الوقت الذي يزداد فيه توتر العلاقات بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى بسبب سد النهضة الذي يؤثر على حصة البلدين من المياه.
وبدأت أنقرة والقاهرة، في مايو الماضي، حواراً دبلوماسياً مباشراً لرأب الصدع في العلاقات، حيث زار وفد تركي رفيع المستوى القاهرة وأجرى مشاورات مهمة مع الجانب المصري، في مسعى لإنهاء الخلاف القائم بين البلدين منذ 2013.
الرد الرسمي المصري على تحركات أنقرة الأخيرة في منطقة فاروشا القبرصية اعتبر بمثابة “مؤشر مهم على أن الأزمة لا تزال مستمرة رغم المساعي التركية للتهدئة مع مصر، ويشير إلى تعقد الاتصالات بين الجانبين لعدم استجابة أنقرة لشروط القاهرة”، بحسب ما أكده الدكتور أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، بينما لم تستجب أنقرة لمحاولات ضعيفة وخافتة من القاهرة لطلب تحسين العلاقات على غرار بيان الخارجية المصري لمواساة تركيا فى المصابين والقتلى جراء حرائق الغابات فى البلاد.
وبدأت مصر وتركيا خلال الأشهر الماضية مباحثات ثنائية تستهدف استكشاف امكانيات تحسين العلاقات بين البلدين، حيث زار وفد تركي مصر وأجرى مباحثات على مستوى نائبي وزيري الخارجية في البلدين، ووصفت تلك المباحثات بأنها “مشاورات استكشافية”، وقالت عنها مصر إنها كانت “صريحة ومعمقة”.
وتوترت العلاقات المصرية التركية بشدة بعد إزاحة الرئيس المصري الراحل الدكتور محمد مرسي عن الحكم في انقلاب عسكري نفذه الجيش يوم 3 يوليو 2013 عقب أيام من أحداث 30 يونيو/ حزيران 2013، ووصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ما فعله الرئيس المصري ووزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي بـ”الانقلاب العسكري”، فيما اتهمت مصر تركيا بـ”تمويل الإرهابيين”، وتبادل البلدان طرد السفراء.
وطلبت مصر من تركيا سحب قواتها من ليبيا وعدم التدخل في شؤون الدول العربية والتعاون في ملف غاز شرق المتوسط ووقف دعم جماعة الإخوان المسلمين، في المقابل طالبت تركيا مصر بعدم إعطاء مساحات في أي قنوات لتمثيل جماعة فتح الله غولن التركية، والتنسيق فيما يخص غاز المتوسط وترسيم الحدود البحرية.
وأمرت تركيا مؤخرًا إعلاميين مصريين معارضين بعدم بث برامجهم على وسائل التواصل الاجتماعي من داخل أراضيها، بعدما توقفت قبلها برامجهم على قنوات فضائية تبث من تركيا.
ولكن من الصعب ترحيل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المطلوبين من قبل مصر، ذلك لأن الكثير منهم حصل على الجنسية التركية أو يحمل صفة لاجئ، كما أن تركيا تمانع في تسليم المطلوبين الذين يواجهون أحكاماً بالإعدام.
ومؤخرا، طالب ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بوقف أحكام الإعدام في مصر، بعد صدور أحكام قضائية مبرمة بإعدام 12 قياديًا بارزًا في جماعة الإخوان المسلمين. واعتبرت مصر جماعة الإخوان المسلمين في 2013 تنظيمًا إرهابيًا، وصادرت أموال أعضائها، وألقت القبض على كثيرين منهم، فيما فر بعضهم إلى خارج البلاد، خشية الملاحقة الأمنية.
وأستقر اغلب عناصر الجماعة الذين فروا من مصر في تركيا وإندونيسيا وماليزيا وقطر وإنجلترا والسودان وجنوب إفريقيا.
ولم يحدد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أي خطوات جديدة مقبلة في إطار تطبيع علاقات مصر مع تركيا، غير أنه قال إن هناك تواصل على مستوى القائم بالأعمال في سفارتي البلدين كما كان سابقًا.
ويشير أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول، سمير صالحة، إلى أن تشكيل حكومة جديدة في ليبيا تمثل الأطراف الليبية سيكون عنصرًا أساسيًا في حل الخلافات المصرية التركية، لأن تلك الحكومة المنتظرة ستنظم علاقة الليبيين بالأطراف الدولية كافة.
ويختلف مساعد وزير الخارجية المصري السابق، رخا حسن، مع ذلك إذ يرى أن الإخوان المسلمين هو الملف الرئيسي في خلاف البلدين ويليه الملف الليبي.
وفي مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا الأخير بدت الخلافات واضحة بينهما بشأن خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، ومن بينها القوات التركية. ولم يكن متصورًا قبل عامين أن يعقد لقاء بين مصر وتركيا، إذ بدت المشكلات والنقاط الخلافية بينهما كثيرة ومعقدة.
غير أن العام الماضي شهد تحولًا كبيراً في هذه العلاقات، لأن تركيا، فيما يبدو تحاول إعادة صياغة سياساتها الخارجية، ومصر تحاول تحقيق التوازن في الشرق الأوسط.
وعلى ضوء المكاسب المشتركة المرجوة من تحسن علاقات البلدين الكبيرين في الشرق الأوسط فإن تطبيع علاقات البلدين أمر لا مفر منه طال الزمان أم قصر.
المصدر: الشادوف+ وكالات