أعلن الرئيس الباكستاني عارف علوي حل البرلمان بناء على طلب رئيس الوزراء عمران خان، ودعا لانتخابات مبكرة في غضون 90 يوما، وذلك بعد وقت قصير على إسقاط البرلمان مشروع قرار لحجب الثقة عن رئيس الوزراء. ونقلت وكالة رويترز عن وزير الإعلام الباكستاني فؤاد شودري قوله إن الرئيس “حل الحكومة” أيضا.
وقال وزير الدولة للإعلام فرخ حبيب إن انتخابات جديدة ستُجرى في البلاد في غضون 90 يوما. وألغى البرلمان الباكستاني اليوم الأحد مشروع قرار التصويت على حجب الثقة عن رئيس الحكومة عمران خان، في خطوة مفاجئة استندت إلى المادة الخامسة من الدستور.
في المقابل، اتهم رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الولايات المتحدة بدعم محاولة عزله لتغيير النظام، وقال إن محاولة تغيير النظام في باكستان هي تدخل سافر من واشنطن في السياسة الداخلية للبلاد.
ماذا حدث في باكستان؟!
“لن نكون عبيداً لكم” كان لهذه العبارة التي أطلقها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بوجه الغربيين واشار اليها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في احدى خطاباته وقع كبير لدى صناع القرار في الادارة الاميركية، التي بعثت بوفد دبلوماسي رفيع من خارجيتها الى اسلام آباد، وتسليم عمران خان رسالة من 4 صفحات تحتوي في مضمونها على تهديد صريح واضح لا لبس فيه; إما أن تسمح بإنشاء قواعد عسكرية اميركية (وتبتعد عن الصين وروسيا ضمنا) أو سيتم الاطاحة بك، وبالفعل بدأت واشنطن اجراءات الاطاحة، وقد تصدى لها حلفاء وأدوات اميركا في باكستان عبر دعوة البرلمان لسحب الثقة من رئيس الحكومة بقرار اميركي.
الرسالة التي كان طابعها سري ونشرها الى العلن يخالف القانون الباكستاني حسب خبراء حقوقيين، لا سيما ذكر اسم الدولة (أمريكا) التي وصل منها التهديد، إلا أن عمران خان قرر المواجهة والذهاب بعيداً فيها، لا سيما وان التهديد الاميركي ايضا بملاحقته ومحاسبته على مواقفه سيستمر حتى بعد إقصائه عن السلطة حسب مصادر باكستانية مطلعة ، بل ظهر في خطاب متلفز (الخميس) حذر فيه الاميركيين، وقال “لن أركع أمام أي أحد، ولن أسمح لشعبي بالركوع أمام أحد، ان الشعب المسلم لا يمكن ان يصبح عبداً للاجانب”.
وأوضح: “إننا نمر بلحظات مصيرية، ونتعرض لمؤامرة دول أجنبية، لقد هددت أميركا باسقاط حكومتي لأنني رفضت اقامة قواعد عسكرية لها على ارضنا، لكننا سنقاوم ولن نستسلم لها وسنقوم باسقاطها باذن الله”.
وبدا واضحاً ان عمران خان الرئيس المشاكس للغرب قرر خوض المواجهة مع الولايات المتحدة الى النهاية، والمعركة مع الاحزاب الحليفة لها في الداخل سواء بقي في منصب رئاسة الوزراء ام لا، مضيفاً “اذا ما صوّت البرلمان على عزلي، فانني لست فقط لن استقيل، بل أنني راجع بقوة اكبر”.
وقال: ” لقد طلبت من وزير خارجيتنا انه ومع ازدياد التوتر فان عليه تعزيز العلاقات مع الدول الصديقة “في إشارة الى الصين وروسيا وايران.
وتعمل الاحزاب المعارضة المؤلفة من كل من شهباز شريف شقيق نواز شريف رئيس حزب الرابطة الإسلامية، وزعيم حزب الشعب الرئيس السابق آصف زرداي، وزعيم جماعة علماء الاسلام فضل الرحمن (وهي جماعة وهابية ديوبندية موالية للسعودية) على تأمين الاغلبية النيابية لطرح الثقة في جلسة البرلمان التي كانت مقررة امس الخميس، أي 172 من اصل 341 نائبا، وتم إرجاء الاجتماع الى يوم الاحد القادم، وقد علل نائب رئيس المجلس قاسم خان سوري التأجيل برفض النواب مناقشة نقاط أخرى على جدول الأعمال قبل النظر في حجب الثقة.
وقد بدأت واشنطن على نفس المسار بدفع ملايين الدولارات لشراء اصوات النواب المستقلين والكتل الصغيرة لا سيما تلك الحليفة لعمران خان (حركة إنصافPTI )، وقد تراوح سعر صوت النائب الواحد من 5 الى 50 مليون دولار أمريكي حسب المصادر، ذلك بهدف إفقاد كتلة عمران خان النيابية وحلفائه (154 نائبا) الاغلبية، وأفادت المصادر للخنادق ان عدداً من هؤلاء النواب (11 نائبا) بدأووا بالفعل الانضمام الى المعارضة بعد تلقيهم الأموال والتهديدات الاميركية. وتشير المعلومات الى ان الخيارات المطروحة في حال نجحت واشنطن بتنفيذ الانقلاب وسحب الثقة من الحكومة دخول البلاد في مرحلة تصريف الاعمال حتى موعد الانتخابات البرلمانية القادمة، او اجراء انتخابات مبكرة، كما ان خيار اعلان حالة الطوارىء مطروح على طاولة الحكومة حسب المصادر، ذلك لمنع احتمال التصعيد والمواجهات بين المعارضين والموالين في الشارع.
أمام هذا التصعيد والتدخل الاميركي الفاضح بفرض قرارات على الحكومة الباكستانية، دعت الاحزاب والقوى الموالية لعمران خان، وكذلك الحركات الوطنية والاسلامية المعارضة للتدخل الاميركي الى يوم غضب شعبي عارم، يشارك فيه ملايين الباكستانيين، فقد دعا أمين عام حزب مجلس وحدة المسلمين العلامة رجا ناصر عباس جعفري، الى المشاركة الواسعة في المظاهرات ورفع شعار “الموت لامريكا”، وقال مسؤول الشؤون الخارجية في الحزب السيد شفقت الشيرازي “اننا رغم انتقادتنا لحكومة عمران خان لكنه لا يسعنا اليوم الا الوقوف معه ضد الغطرسة والتكبر الاميركي”، ودعا الشيرازي في جلسة حوارية مع الاعلاميين في بيروت إلى ضرورة احترام الحقوق في باكستان وعدم التدخل في شؤونها، وفي نهاية الجلسة وكخطوة رمزية تم حرق العلم الاميركي.
منذ وصوله الى السلطة عام 2018 وتحت عنوان موقع باكستان الجيواكونوميك وليس الجيوستراتيجي بنى عمران خان سياساته الخارجية، فقدّم مصالح شعبه وبلاده الاقتصادية على اي مصالح اخرى، وسعى لايجاد توازن بين الشرق والغرب، فوطّد علاقاته مع دول الجوار لا سيما روسيا الصين وايران، ضارباً عرض الحائط الطلبات الاميركية المتكررة بالابتعاد عن هذه الدول، كما وعمد الى وقف التدخلات السعودية في السياسات والشؤون الداخلية لبلاده، وتسديد ديونه لها التي طالما ابتزته فيها، فلم تعد باكستان حليفاً يمكن ان تستند عليه الرياض، ظهر ذلك جلياً برفض اسلام آباد المشاركة عملياً في التحالف العربي الذي يشن العدوان عل اليمن منذ اكثر من سبع سنوات، مستنداً بذلك على قوته الشعبية والبرلمانية، وعلى تحييد المؤسسة العسكرية الجيش والقوات المسلحة التي تحاول ان تكون على مسافة واحدة من كافة الاطراف لكن لم تبتعد كثيرا عن الولايات المتحدة التي تواصل تدريب الجيش ومده بالخبرات.
هو عالم يتغير بسرعة، ففيما العملية العسكرية الروسية تتواصل في اوكرانيا لترسم موازين ومعادلات جديدة على الساحة العالمية، وتشكل عالما متعدد الاقطاب، الذي انتهى كما اعلن وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، تعمل واشنطن للضغط على حلفائها لتأمين المزيد من الدعم لها في هذه المواجهة مع روسيا، علماً ان باكستان كانت من الدول التي امتنعت عن التصويت ضد روسيا في اجتماع الامم المتحدة، وأكدت أنّها ليست في أي معسكر، وأنها تدعم عملية السلام، فهل ستنجح واشنطن في إخضاع باكستان وإعادتها الى بيت الطاعة الاميركي، ام هي اليوم اضعف مما مضى، وغير قادرة على فعل ما كانت قادرة عليه من قبل؟!
المصدر: الشادوف+وكالات