عماد صابر يكتب: أزمة الخلط بين الشعوب والأنظمة..”الشعب الفارسي نموذجاََ”!

الحديث هنا عن الشعوب المسلمة وتنوعها العرقي.. تحت المظلة الإسلامية والتي استمرت أكثر من 1400 عام قبل سقوط الخلافة..العرب والأتراك والأكراد والفرس والأمازيغ والأفارقة، وغيرهم.. وليس الحديث عن الأنظمة الحاكمة التى تشكلت عقب انهيار الخلافة الإسلامية، ولا عن مشروع الملالى أو مايعرف بالمشروع الصفوي، ولا عن المشروع الكردى الانفصالي أو مايعرف “بكردستان الكبرى”، فكلها مشاريع تغذيها القوى الاستعمارية، ويديرها بالوكالة نخبة سياسية ولاؤها لأعداء الأمة الإسلامية..

مثل هذه المشاريع لاتلقى قبولا من غالبية شعوبها، فكلها فخاخ وعراقيل هدفها منع الأمة الإسلامية من استئناف دورها الحضاري، ” لذا وجب التنويه”.. وعندما نتحدث عن الفرس كشعب نفرق بينه وبين مشروع السلطة الحاكمة، وندرك أن ليس كل الفرس يعيشون في ايران، وليس كل من يعيش في ايران فارسي، وليس كل الشعب الإيراني يؤيد المشروع الصفوي أو مشروع استرداد امبراطورية فارس التي هدمها الإسلام..

والأنظمة العربية على سبيل المثال ليس لديها مشروع خاص بها، لأنها صممت لخدمة المشروع الصهيو-أميركي أو المشروع الغربي بصفة عامة، وهذا لا يعني أن الشعوب العربية مؤيدة أو داعمة لهذا المشروع، بل الواقع يقول أنها تقاومه بكل السبل، فالشعوب شيء ومشاريع النخبة السياسية الحاكمة شيء أخر، وهكذا.. فليس الشعوب الفارسية كلها تعيش داخل ايران، وليس كل من يعيش داخل ايران فارسي، وليس كل الفرس مسلمين، وليس كل الفرس شيعة، وليس كل الفرس على مذهب شيعي واحد، ومن ثمة ليس كل الفرس معادين للعرب والإسلام.

على سبيل المثال: يقطن إيران حاليا ما يقارب 82 مليون نسمة من مختلف الأديان واللغات والعرقيات، كالفرس والأتراك الأذريين والتركمان والأكراد والعرب والبلوش والـ”لر” والأرمن واليهود والكزخ والجورجيين والجيلك والتالش والمازني والـ”تات” والآشوريين والقشقايين، فضلا عن الطوائف المنبثقة منهم.. كذلك الفرس متواجدون في ايران و أفغانستان وطاجيكستان، منهم ماهو المسلم والمسيحي، والزراديشي، ومنهم الشيعي، ومنهم السني يعيش في طاجيكستان وأفغانستان.. لذلك من الخطأ المنهجي أن نضع الشعب الفارس كله في سلة واحدة، والخطأ الأكبر أن نضعه كله في سلة النظام الإيراني ومشروعه الصفوي.. وإليك نبذه سريعة عن اسهامات الشعوب الفارسية في الحضارة الاسلامية.

” الفرس والحضارة الاسلامية”

كان الفرس أنشط العناصر فى إثراء الحضارة الاسلامية وتراثها الخالد، فى شتى الميادين العلمية والأدبية حتى تم تشييد صرح الحضارة الاسلامية على هذا النحو المشترك، وقد ظهر تأثير الثقافة الفارسية بوضوح فى البناء الحضارى الاسلامى، الذى ساهم فى إنشائه عدد من علماء الفرس لاسيما فى العصر العباسى الأول الذى يطلق عليه المؤرخون (عصر الاسلام الذهبى)، الذى أخذت العلوم تقنن وتدون فيه وتعرف طريق الاستقرار.
وأهم ما قدمه الفرس للحضارة الإسلامية تمثل فى نتاج المعربين من الفرس الذين اكتسبوا اللسان العربى، حيث أنهم ساهموا مساهمة فعالة فى إنشاء الحضارة الاسلامية، سواء فيما يسمى بالعلوم الدخيلة مثل العلوم العقلية كالفلك والرياضة، أو العلوم الاسلامية التى استكملت أسباب نضجها وكمالها وتعددت فروعها واستقرت أحكام كل فرع منها، ومن أهم العلوم والمهارات التى نمت وتقدمت على أيدى رجال من أصل فارسي:
-علم النحو والصرف والرائد فى هذا المجال سيبويه المتوفى سنة 160 هجرية.
-وفى الأدب نثره وشعره ابن المقفع المتوفى سنة 142 هجرية، وبشار بن برد المقتول سنة 358 هجرية، وبديع الزمان الهمذانى المتوفى سنة 398، وغيرهم.
-وفى التفسير: الطبرى المتوفى سنة 310 هجرية، وتلميذه الثعالبى النيسابورى المتوفى 429 هجرية، وفخر الدين الرازى المتوفى سنة 606 هجرية.

  • وفى الحديث كان من المعربين من الفرس الإمام البخارى، والامام مسلم، والترمذى، وأبو داود، والسجستاني، والنسائى، وجميعهم من أصل فارسي.
    -وفى علم الفقه الإمام أبوحنيفة مؤسس أحد المذاهب الإسلامية الكبرى، فهو بدوره من أصل فارسى وقد أحل فى الفقه الرأى والقياس واستطاع بذلك أن يجعله علما له أسس وقواعد كسائر العلوم.
    -وفى الرياضة والعلوم العقلية الخوارزمى المتوفى 235 هجرية، وقد وضع كتبا وبحوثا مبتكرة وقد لاقى كتابه الجداول الفلكية نجاحا كبيرا، وتعبير الخوارزميات اليوم هو التحليل للمسائل الرياضية والمدخل الأساسى إلى علم البرمجة فى الحسابات الإلكترونية.
    -والبيرونى المتوفى 440 هجرية، الذى يعد أكبر عقلية فى الإسلام وله العديد من البحوث العظيمة والكتب القيمة.
    -وفى الطب محمد بن زكريا الرازى وابن سينا المتوفى 428 هجرية، وقد اعتمد الغرب اعتمادا كليا على كتابه القانون فى الطب.
    -وفى الفلسفة يتقدم أيضا ابن سينا الذى حصل علومه ومعارفه جميعها فى بخارى، ومنها اكتسب هذه الثروة الفلسفية العظيمة التى توارثها عنه العالم طوال القرون، وفن الحكمة وعمق التفكير.
    -والتصوف نجد الإمام أبو حامد الغزالى المتوفى 505 هجرية، الذى يعد إمام المسلمين على الإطلاق ومؤلفاته العديدة صورة كاملة للحالة العلمية والثقافية الإسلامية فى أسمى مظاهرها.
    وهكذا، كان لعلماء الفرس باع كبير وإسهامات عظيمة فى علم الفلك والتنجيم وظهرت لهم العديد من المؤلفات التى بهرت أوروبا والحضارات الحديثة.

“الخلاصة”

المعنى الذي قصدته هو الوحدة بين مكونات شعوب الأمة الإسلامية.. لكن البعض يقع في شراك الأنظمة المستبدة العميلة وأجندتها التى تغذي الفرقة بين مكونات شعوب الأمة، فيخلط بين الأنظمة والشعوب ويضع الكل في سلة واحدة.. فلا تعجب من مقولات مثل: “الأتراك أخطر عدو علي العرب”، هذا يقال للعرب.. وفي نفس الوقت يقال للأتراك أن “العرب عدو الأتراك”.. كذلك مقولة: “الشعوب الفارسية عدو للعرب والإسلام”، وكلها مفاهيم غير دقيقة هدفها الفرقة وإشعال الحروب الطائفية والقومية والعرقية وعرقلة الأمة الإسلامية، ومنعها من استئناف دورها الحضاري العالمي.

د. محمد عماد صابر

سياسي وبرلماني مصري

من نواب برلمان الثورة 2012 

*********************************************************************

الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية

المشاركات الاخيرة

إيرانالامبراطورية الفارسيةالشعوب والأنظمة الحاكمةبلاد فارسمحمد عماد صابرمقال رأي
Comments (0)
Add Comment