ذكر موقع صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية أن ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان سيزور أنقرة لأول مرة منذ نحو 10 أعوام. ومن المتوقع أن يلتقي ولي العهد مع الرئيس رجب طيب أردوغان في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني بعد سنوات من القطيعة والعداء.
وقال مراسل الموقع في أنقرة رجب صويلو نقلا عن مسؤولين على علاقة بالتحضيرات للزيارة إنها ستكون نقطة تحول بعد موافقة البلدين على تحسين العلاقات. ووصف المسؤولون الأتراك زيارة ولي عهد أبو ظبي لتركيا على أنها “بداية مرحلة جديدة” وبعد اتهامات تركيا للإمارات بتمويل انقلاب عام 2016 ومحاولة تقويض المصالح التركية في ليبيا.
ودخل البلدان في صراع إقليمي بعد دعم تركيا حركات الديمقراطية التي ظهرت بعد الربيع العربي. إلا أن انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن أشر على مرحلة تحول دفعت أعداء المنطقة لخفض التوتر في وقت يدرك اللاعبون الرئيسيون فى المنطقة أن واشنطن وجهت اهتمامها نحو مناطق شرق آسيا بعيدا عن منطقة الشرق الأوسط التي ظلت لعقود تحظى بأولوية فى السياسة الخارجية الأمريكية.
تجدر الإشارة الى أن مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان، زار أنقرة في آب/أغسطس الماضي والتقى أردوغان حيث ناقش معه (خطة طريق للاستثمارات الإماراتية) في تركيا. ونقل الموقع في وقت سابق عن مصادر قولها إن الإمارات تخطط لاستثمار 10 مليارات دولار في تركيا، فيما قال آخرون إنها عشرات المليارات من الدولارات.
وقال مصدر مطلع على التحضيرات إن الإمارات أظهرت اهتماما بشركات الصناعة الدفاعية التركية والتي أنشأت صناعة دفاعية محلية في الفترة الماضية. وأظهر صندوق الاستثمار الإماراتي والشركات الأخرى اهتماماً بمجال العناية الصحية والقطاعات الأخرى.
وعلى الرغم من عدم الإعلان رسمياً سواء من تركيا أو الإمارات عن الزيارة المرتقبة لولي عهد الإمارات محمد بن زايد إلى تركيا ولقائه مع الرئيس رجب طيب أردوغان، إلا أن الكثير من التسريبات القوية تشير إلى أن الزيارة ستكون في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، لتكون بذلك أول زيارة رسمية بين البلدين على هذا المستوى منذ عشر سنوات تخللتها خلافات حادة للغاية بين البلدين كادت أن تتطور في بعض ساحات التنافس الخارجية إلى مواجهة عسكرية.
وما يدعم إمكانية إجراء الزيارة السياق العام للتقارب الإماراتي- التركي الذي بدأ منذ أشهر طويلة، وحقق اختراقاً لافتاً في الأشهر الأخيرة فمن المباحثات السرية إلى الرسائل الإيجابية وخطوات بناء الثقة وصولاً للاتصالات الدبلوماسية التي تطورت سريعاً إلى اتصالات سياسية على أعلى المستويات مهدت على ما يبدو للزيارة المتوقعة لـولي عهد أبو ظبي إلى أنقرة ولقاء أردوغان بعد سنوات من اعتبارهما أبرز الزعماء عداوة في المنطقة.
وفي حين تبدو الإرادة واضحة وقوية من الجانبين في وضع حد لسنوات الخلاف، تبدو الملفات الاقتصادية المطروحة “مفهومة” لشريحة واسعة من المحللين، لكن الأجندة السياسية ومدى التقارب الذي يمكن أن ينجح الجانبان في تحقيقه من خلال اللقاءات المقبلة يبدو أكثر صعوبة على الفهم في ظل عدم وجود مؤشرات أو معطيات كافية تعطي صورة أوضح للتوجهات السياسية للطرفين خلال المرحلة المقبلة لا سيما في الملفات التي يختلف فيها الطرفان بشكل جوهري.
وتتأرجح التكهنات حول إمكانية تقديم الجانبين تنازلات كبيرة لتحقيق التقارب السياسي للتأسيس لأرضية متينة تحمي التوجهات الجوهرية بالتعاون الاقتصادي الكبير، وبين إمكانية أن يتبع الجانبان منهجية “تحييد الخلافات” والتي تجيدها تركيا مع الكثير من الأطراف الدولية والقائمة على أساس تحييد الخلافات السياسية عن العلاقات الاقتصادية والبناء على نقاط الاتفاق مهما كانت ضئيلة أمام نقاط الاختلاف.
لكن عملياً، ورغم الخلافات العميقة جداً بين الجانبين طوال السنوات الماضية، طبق البلدان سياسة تحييد الخلافات بكفاءة عالية حيث استمر معدل التبادل التجاري في الارتفاع عاما بعد الآخر، كما ارتفعت قيمة الاستثمارات الإماراتية في تركيا، وهو ما يؤشر بوضوح إلى أن البلدين يرغبان في تحقيق تقدم أبعد من التعاون الاقتصادي في إطاره العادي وهو القائم أصلاً، وإنما تعاون اقتصادي واستثمارات أكبر لا يمكن عزلها على الإطلاق عن تقارب سياسي مواز.
في الجانب الاقتصادي، أعلن أردوغان عقب لقاء مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد، أن الإمارات ترغب في القيام باستثمارات واسعة في تركيا، وفي لقاء تلفزيوني قال أردوغان إن الإمارات ستقوم قريبا باستثمارات كبيرة في تركيا لافتاً إلى أنه ناقش مع طحنون موضوع الاستثمارات الإماراتية في تركيا ومجالات ونوع الاستثمارات الممكن إقامتها، وخارطة الطريق لتطبيق ذلك بحضور نائب رئيس صندوق الثروة السيادية ورئيس مكتب الاستثمار التركيين.
وفي هذا السياق، تحدثت مصادر تركية عن أن الحديث يجري عن استثمارات كبيرة في قطاعات تركية حيوية ربما تمتد إلى مشروع قناة إسطنبول أو مشاريع استخراج الغاز الذي اكتشفته تركيا في البحر الأسود وصولاً للحديث عن تعاون مشترك في مجال الصناعات الدفاعية التي تشهد نمواً كبيراً في تركيا بالسنوات الأخيرة.
إلا أن الاتفاقية الأهم التي يتوقع أن تكون محور مباحثات أردوغان وبن زايد تتعلق بتوجه الإمارات لتعزيز مكانتها التجارية الدولية عبر استبدال خط النقل التجاري التقليدي عبر قناة السويس الذي يحتاج لقرابة 20 يوماً، بخط جديد يربط تركيا بالإمارات مروراً بإيران وهو من شأنه تخفيض مدة النقل إلى أقل من 8 أيام.
ومقابل ملفات التعاون الاقتصادي “المفهومة”، ما زال الغموض يكتنف ملفات التعاون السياسي بين البلدين، لا سيما وأنهما على خلاف جوهري حول كثير من الملفات الإقليمية منذ سنوات طويلة، ولا يتوقع أن يتمكن البلدان من تحقيق اختراق كبير وسريع يجعلهما في جبهة واحدة وذات موقف موحد تجاه ملفات المنطقة الشائكة والمعقدة.
صعوبة تحقيق اختراق كبير لم تمنع من تحقيق اختراقات مهمة في مواقف البلدين، لا سيما مساعي التقارب المتواصلة بين تركيا ومصر، والذي ساهم بشكل جوهري في تحقيق التقارب الإماراتي التركي، حيث كانت أبو ظبي تصر على تغيير الموقف التركي مما جرى في مصر. كما أن التقارب الإماراتي الإسرائيلي بالتوازي مع مساعي التقارب بين تركيا وإسرائيل ساهمت أيضاً في تحقيق تقارب في وجهات النظر بين البلدين.
وإلى جانب ذلك، ساهم تراجع الخيار العسكري والعودة إلى المسار السياسي في الأزمة الليبية في تخفيف حدة التجاذبات بين البلدين عسكرياً وسياسياً، حيث كانت الأزمة الليبية أعقد المشاكل العالقة بين البلدين وتجاوزها الخيار العسكري حل عقدة مهمة فتحت الباب أمام الجانبين للتفرغ للحديث عن التحديات السياسية الأخرى في المنطقة ولا سيما سياسات بايدن التي باتت بالفعل عاملا مهما في تحديد استراتيجيات البلدين للسنوات المقبلة حيث لا يخفي أردوغان توجهه لإعادة رسم السياسة الخارجية لبلاده.
كما أثبتت الأشهر الماضية أن تركيا باتت أقل حدة في تعاملها مع ملفات المنطقة التي يمكن أن تتسبب في تخريب مساعي تحسين العلاقات مع محور مصر والخليج وظهر ذلك بشكل جلي في التعقيب التركي على الانقلاب الذي قام به الرئيس التونسي قيس سعيد على الدستور في البلاد وما جرى في السودان مؤخراً حيث اكتفت أنقرة بالدعوة إلى الهدوء والحوار والحفاظ على المسار الديمقراطي ومواصلة الاتصالات مع كافة الأطراف.
هذه التطورات تظهر بالفعل نجاح الجانبين في تجاوز حقبة الصدام المباشر والاتهامات الحادة لمرحلة مبنية على تجنب الخلافات والقيام بمزيد من خطوات التقارب السياسي إلى جانب المسار الاقتصادي المتنامي، لكن ما زال من الصعب التكهن بمدى إمكانية نجاح البلدين في تحقيق تقارب سياسي حقيقي في الملفات الخلافية المعقدة بين البلدين والتي ربما يكون أولها الملف السوري.
المصدر: الشادوف+صحف عربية وعالمية