حافظت إسرائيل على حذرها في التعامل مع غزو روسيا لأوكرانيا، الذي أسفر عن آلاف الضحايا، وأكبر موجة نزوح في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وبعد جهود للوساطة في بداية الغزو لوقف إطلاق النار، لم تتخذ إسرائيل موقف حلفائها الغربيين، واكتفت بتصريحات متفرقة على لسان وزير الخارجية تدين بعض العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
لكن ذلك كان قبل تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأحد، التي أشار فيها إلى أن أصول الزعيم النازي، أدولف هتلر، يهودية.
وذكرت صحيفة “هآرتس”، الثلاثاء، أن المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين يميلون بشكل متزايد إلى تعزيز المساعدات المدنية والعسكرية لأوكرانيا. وأشارت الصحيفة إلى أن الأدلة المتزايدة على الفظائع الروسية ضد المدنيين الأوكرانيين تجعل حياد إسرائيل “يترنح”، وتعطي قابلية أقل للدفاع عن هذا المبدأ.
ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، أن هناك مؤشرات على تغيير في سياسة البلاد تجاه الحرب الأوكرانية بعد تصريحات وزير الخارجية الروسي.
والاثنين، استنكرت إسرائيل، تصريحات لافروف واتهمته بنشر معاداة السامية والتهوين من شأن المحرقة التي أودت بحياة 6 ملايين يهودي خلال الحرب العالمية الثانية قبل نحو 8 عقود.
وقال وزير الخارجية، يائير لابيد، إن حكومته ستستدعي السفير الروسي ليسمع منها “حديثا صارما” بسبب هذا التأكيد الذي تضمنته مقابلة للوزير الروسي، الأحد، مع قناة “ريته 4” الإيطالية.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، من جهته، في بيان، إن “مثل هذه الأكاذيب تهدف إلى اتهام اليهود أنفسهم بأبشع الجرائم في التاريخ والتي ارتكبت ضدهم”. وأضاف: “استغلال محارق النازي ضد الشعب اليهودي لأغراض سياسية يجب أن يتوقف على الفور”.
وقال شتيرن، في حديث لموقع قناة “الحرة”، إن إسرائيل تبحث عن تغيير موقفها بشأن غزو أوكرانيا؛ لأنها “لا تشعر بارتياح من نهجها الحالي” لأكثر من سبب.
يشرح ذلك قائلا: “إسرائيل يجب عليها التضامن أكثر مع أوكرانيا لأنها تنتمي بالأصل إلى المعسكر (الغربي) الذي يدافع عن أوكرانيا ويعارض الاجتياح والعدوان الروسي. كما أن أوكرانيا دولة حليفة لإسرائيل، وهناك الكثير من المواطنين الإسرائيليين الذين ينحدرون من أصول أوكرانية”.
وأشار إلى أن إسرائيل بقيت حذرة على اعتبار أنها تخشى رد فعل روسيا فيما يتعلق بسوريا، وهي دولة جارة شمال إسرائيل، وفق قوله.
وتجنب رئيس الوزراء الإسرائيلي بوجه عام الانتقاد المباشر لروسيا، تاركا بشكل واضح الإدانات الموجهة للكرملين لوزير الخارجية، يائير لابيد، ومنها على سبيل المثال إدانة الخارجية الإسرائيلية الغارة الجوية الروسية التي قتلت ما لا يقل عن 50 شخصا في محطة قطار أوكرانية قبل أسبوعين.
ويُنظر إلى هذا “التوازن” على أنه محاولة للسماح لإسرائيل بالوساطة بين الجانبين، وتجنب تعريض اليهود في كل من روسيا وأوكرانيا لهجمات معادية للسامية، بالإضافة للحفاظ على علاقة البلاد الحساسة مع الجيش الروسي في سوريا، طبقا لتقرير سابق نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”.
لكن المحلل السياسي، إيدي كوهين، يذهب في اتجاه آخر بقوله إن الاختلافات في توجهات الائتلاف الحاكم بشأن غزو أوكرانيا سبب “موقف لابيد العدائي ضد روسيا وموقف بينيت المعتدل”.
وقال إن “لابيد يساري وبينيت من اليمين المتشدد.. الحكومة ضعيفة وأعتقد أن هذه المواقف المتباينة ستستمر”. وتابع: “هناك محاولات أوكرانية لإدخال إسرائيل في هذا النزاع، والروس مستائين من عدم حيادية تصريحات وزير الخارجية”.
وأشار إلى أن تصريحات لافروف “المشينة” تعتبر امتدادا لردود الفعل الروسية تجاه مواقف وزير خارجية إسرائيل الذي ذهب بعيدا عن موقف رئيس الحكومة بنأي البلاد عن هذه الحرب.
ليست قضيتنا
إلى ذلك، ذكرت صحيفة “هآرتس” أن معظم المسؤولين الإسرائيليين يدعمون زيادة كمية الإمدادات العسكرية والمدنية المقدمة إلى أوكرانيا، إذ يتوقع إجراء مزيد من المناقشات خلال الأيام المقبلة لمراجعة قائمة العتاد العسكري الذي يمكن إرساله.
وقال شتيرن إن هذا يعد تحولا في موقف إسرائيل بشأن أزمة أوكرانيا، لكنه شكك في أن يكون هذا التحول جوهري.
وأضاف أن إسرائيل، الدولة الرائدة في العالم بالقدرات العسكرية الدفاعية، تستطيع تزويد أوكرانيا بأسلحة متطورة لكنها حافظت على مسار متوازن منذ البداية.
وفقا لمصدر تحدث للصحيفة الإسرائيلية شريطة عدم الكشف عن هويته، فإن أسباب التحول في دعم أوكرانيا تضمنت فهما بأن الولايات المتحدة ودول أوروبية تتوقع من إسرائيل اتخاذ موقف أكثر وضوحا فيما يتعلق بأي جانب هي في الحرب ووجوب دعم موقفها بالأفعال وليس فقط بتصريحات المسؤولين السياسيين.
وفي هذا الإطار، يعتقد كوهين أن إسرائيل يجب عليها عدم التدخل بشكل مباشر في هذه الحرب قائلا: “لا يجب أن نتدخل. هذه ليست قضيتنا وليست حربنا.. نحن بالفعل نعمل على استقبال اللاجئين اليهود وغير اليهود وبناء المستشفيات الميدانية وإرسال المواد الغذائية والإمدادات الأساسية الأخرى للشعب الأوكراني”.
وأحجمت إسرائيل عن الموافقة على طلب سابق من الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بتزويد كييف بالأسلحة في بداية الغزو الروسي، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت”. إلا أن إسرائيل شاركت في اجتماع الأسبوع الماضي للدول الغربية لمناقشة تزويد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة لمساعدتها على صد العدوان الروسي للبلاد، وفقا لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
وقالت الصحيفة إن حضور الاجتماع الذي استضافته الولايات المتحدة في قاعدة رامشتاين الجوية بألمانيا، يعكس تحولا مستمرا بتغيير إسرائيل لسياساتها المتمثلة في تقديم المساعدات الإنسانية فقط إلى الدولة المحاصرة لأجل الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع موسكو.
وحتى الآن، قدمت إسرائيل لأوكرانيا مساعدات إنسانية فقط مثل المستشفى الميداني الذي تم إنشاؤه على الأراضي الأوكرانية، بالإضافة إلى حوالي 100 طن من الإمدادات الإنسانية التي شملت أنظمة تنقية المياه ومعدات طبية وبطانيات ومعاطف.
وبينما يرى كوهين أن “لابيد تجاوز الخطوط الحمراء على اعتبار أن روسيا دولة صديقة لإسرائيل” بينهما مصالح مشتركة، قال شتيرن إن “إسرائيل تبحث عن نقطة توازن أخرى” بعد تصريحات لافروف التي تعكس، وفق قوله اللاسامية الكلاسيكية المتمثلة في اتهام اليهود بقتل أنفسهم.
وأضاف شتيرن: “لا اعتقد أن يكون التغيير (في موقف البلاد) جوهريا؛ لأن المعادلة الأساسية لم تتغير. روسيا تؤثر في سوريا ولبنان وهما دولتان جارتان ومهمتان لأمن إسرائيل”.
المصدر: الشادوف+موقع الحرة