رست فرقاطة عسكرية تابعة لسلاح البحرية التركية، اليوم السبت، في ميناء حيفا في فلسطين المحتلة، في إطار مهمّة لقوات حلف شمال الأطلسي في المنطقة، في حدث هو الأول من نوعه منذ 12 عاماً، فيما تتزايد المؤشرات على الانتهاء من التفاصيل الخاصة بجولة جديدة من المباحثات الاستكشافية بين القاهرة وأنقرة ربما تفضي الى لقاء مرتقب بين وزيري خارجية البلدين بنيويورك قريبا.
وذكرت قناة “كان” الإسرائيلية أنّ “الفرقاطة التركية، تي سي جي كيمالريس أف 247، وصلت، رفقة سفينة الصواريخ الأميركية، فورست شيرمان دي دي جي 98، إلى ميناء حيفا، في إطار مهمة للناتو في المنطقة”. ونقلت، عن ناطق باسم ميناء حيفا، أنّ “السفينة ستبقى في الميناء عدة أيام، وسيتم خلالها التزود بالوقود”.
وأفادت القناة بتصريح لقبطان الفرقاطة التركية، أكد فيه أنّ “وزارة الداخلية الإسرائيلية منعت الملاحين من مغادرتها، بذريعة أنهم لا يحملون جوازات سفر رسمية”، مبيناً أنّه “كان من المخطط لهم التجول في حيفا والقدس”.
وأضاف القبطان أنّ “الملاحين والجنود، على متن القطع البحرية العسكرية التابعة لأساطيل دول حلف شمال الأطلسي، يتنقلون بواسطة بطاقات صادرة عن الحلف”.
وأشارت شبكة “إي 24” الإسرائيلية إلى أنّ “وصول السفينة التركية يُعَدّ الأول من نوعه لسفينة عسكرية تركية ترسو في ميناء إسرائيلي منذ أكثر من 12 عاماً”، مبينةً أنّ “السفينة تشارك في مناورات ينفذها حلف الناتو في البحر المتوسط”.
وتحمل الفرقاطة التركية على متنها 230 ملاحاً، ومن المفترض أن تبقى في ميناء حيفا 3 أيام ضمن جولة لقطع بحرية من دول أعضاء في الحلف. ويأتي وصولها في ظل تحسن العلاقات بين الطرفين خلال الآونة الأخيرة، بعد قطيعة استمرت أعواماً.
وكانت العلاقات بين أنقرة و”تل أبيب” وصلت إلى أدنى مستوياتها بعد الاستهداف الإسرائيلي لأسطول الحرية، الذي كان يحمل مساعدات إنسانية إلى غزّة عام 2010، الأمر الذي أدّى إلى سقوط 9 قتلى أتراك. وتصاعد التوتر مع تبادل سحب سفيري الطرفين في عام 2018، بعد مقتل محتجّين فلسطينيين في قطاع غزة.
وخلال الأشهر الأخيرة، شهدت العلاقات الإسرائيلية التركية تحسناً ملحوظاً، توجت بزيارة رئيس الاحتلال الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، لأنقرة، بحيث التقى نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، في آذار/مارس الماضي. وأعلنت تركيا و”إسرائيل”، الشهر الماضي، عودة العلاقات الدبلوماسية بالكامل وإعادة تبادل السفراء.
مصر وتركيا في نيويورك
على صعيد آخر، كشف دبلوماسي مصري أن “هناك ترتيبات تم التوافق عليها بين وزارتي الخارجية، لعقد لقاء بين وزيري خارجية مصر سامح شكري وتركيا مولود جاووش أوغلو، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة” التي تنطلق أعمالها في 12 سبتمبر/ أيلول الحالي، في مقر المنظمة الدولية في نيويورك، وتستمر حتى الـ27 من الشهر نفسه.
وبحسب الدبلوماسي المصري، فإن “تلك النوعية من اللقاءات، في ظل الأجواء بين البلدين، لا يمكن تحديدها والاتفاق عليها قبل الضوء الأخضر من القيادة السياسية للبلدين، وهو ما يشير إلى حلحلة في الأزمة التي تشهدها العلاقات بين البلدين منذ 2013”.
وأكد الدبلوماسي المصري أنه “كانت هناك محاولات لترتيب لقاء سريع على مستوى رئيسي البلدين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن تلك المحاولات لم تقد إلى اتفاق واضح”.
ولفت إلى أنه “كانت هناك مجموعة من الاقتراحات، بينها ترتيب لقاء عابر وسريع بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان، حتى ولو حصل ذلك خلال مرورهما في الممرات المؤدية لقاعات الاجتماعات” بهدف “كسر الحاجز بين الرئيسين، بحيث يكون ذلك تمهيداً لإطلاق لقاءات أعلى في المستوى بين مسؤولي البلدين، حتى تنتهي خلال فترة قادمة إلى قمة بين الزعيمين”.
وفي 19 أغسطس/ آب الماضي، أطلق أردوغان تصريحات وصفت بـ”إشارات إيجابية” على صعيد استعادة العلاقات مع مصر، بقوله إنّ “الشعب المصري شعب شقيق ولا يمكن أن نكون في حالة خصام معه”.
وأضاف أردوغان، في تصريحات أدلى بها للصحافيين عقب عودته من أوكرانيا، أنّ “على تركيا ضمان الوفاق مع الشعب المصري بأسرع وقت ممكن، وتحتاج إلى السلام معه قريباً”.
هل يلتقي السيسي وأردوغان؟
ورجح دبلوماسي مصري “إطلاق جولة جديدة من المباحثات الاستكشافية قبل نهاية العام الحالي”، مشيراً إلى أنه “قد يتم الاتفاق على موعد الجولة الجديدة، وإزالة المعوقات التي تمنع عقدها خلال لقاء شكري وجاووش أوغلو في نيويورك”.
وشهد العام الماضي جولتين من المباحثات الاستكشافية بين البلدين، حيث ترأس وفد مصر خلالهما مساعد وزير الخارجية حمدي سند لوزا، فيما ترأس وفد تركيا نائب وزير الخارجية سادات أونال، وكانتا بمثابة كسر حالة القطيعة بين البلدين.
وفي أعقاب الجولة الثانية التي عقدت مطلع سبتمبر/أيلول العام الماضي، اتخذت تركيا قرارات متعلقة بعدد من فضائيات المعارضة المصرية التي كانت تبث من إسطنبول، وأخرى تتعلق بعدد من الإعلاميين المناوئين للنظام، وهي الإجراءات التي قوبلت باستحسان مصري.
تتقاطع تلك الجهود مع توتر فى العلاقات بين تركيا واليونان، وكان الفصل الأحدث من علاقة البلدين المتأزمة بدأت قبل أيام بتفعيل القوات اليونانية بطاريات إس 300- S300 أثناء تمرين لطائرات F16 تركية ضمن تدريبات حلف شمال الأطلسي الناتو ما أدى إلى تعطل رادارات الطائرات التركية، وهو الأمر الذي يعد وفق الأعراف العسكرية عملا عدائيا.
وزير الدفاع خلوصي أقار رد على اليونانيين شفهيا وعمليا باستقلال طائرة F16 فوق بحر إيجه، لكن الرد الأقوى والذي أثار انتباه الجميع هو تصريحات الرئيس أردوغان خلال مشاركته في مهرجان تكنوفست في مدينة سامسون إذ قال: “أيتها اليونان انظري إلى التاريخ، إذا تماديتِ أكثر فسيكون ثمن ذلك باهظاً، لدينا جملة واحدة لليونان، لا تنسي (كيف طردناكم من) إزمير” وأضاف “لا نعترف باحتلالكم للجزر، سنقوم بما يلزم عندما يحين الوقت، يمكننا أن نأتي على حين غرة ذات ليلة”.
ويقول سمير العركي الخبير فى الشؤون التركية، إنه للمرة الأول يستعمل أردوغان وصف “الاحتلال” وعبارة “نأتي على حين غرة ذات ليلة” التي يستخدمها قبل العمليات العسكرية ضد ميليشيات حزب العمال الكردي PKK في شمال سوريا، مؤكدا انه قبل حوالي عامين كتب عن أن معالجة التشوهات الجيو إستراتيجية التي أفرزتها نتائج الحرب العالمية الأولي، يعد هدفا لتركيا ستسعى لتحقيقه متى سنحت لها الظروف.
وأضاف ان ما شهدناه على مدار العام الجاري 2022 من تصفير تركيا لخلافاتها مع دول عربية مثل السعودية والإمارات واسرائيل يبدو أنه كان استعدادا لفتح ملفات أخرى أشد أهمية من الناحية الإستراتيجية.
وفي هذا الإطار، تسعي الدبلوماسية التركية الى تجاوز الخلافات مع مصر بشأن الملف الليبي، وكشف مسؤول مصري مطلع على عمل اللجنة الوطنية المعنية بالملف الليبي عن “اجتماعات تنسيقية تجرى، في الوقت الراهن، بين مسؤولين من الولايات المتحدة ومصر وتركيا، بهدف البحث عن سبل للسيطرة على الأوضاع في ليبيا، ومنع انزلاقها إلى مواجهة عسكرية جديدة، في أعقاب المواجهات التي شهدتها العاصمة طرابلس بين مجموعات مسلحة موالية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وأخرى موالية لرئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا”.
وقال المسؤول المصري، الذي تحدث لـصحيفة “العربي الجديد”، إن “هناك اجتماعين أُجريا في هذا السياق، على صعيد مسؤولين استخباريين من البلدان الثلاثة، بحثوا خلالهما سيناريوهات احتواء التصعيد بين الدبيبة وباشاغا، لمنع تحول الصراع إلى احتراب أهلي بين أنصار الجانبين”.
المعضلة الليبية بين القاهرة وأنقرة
في غضون ذلك، وجهت تركيا الدعوة لكل من باشاغا والدبيبة لعقد سلسلة من اللقاءات على أراضيها، فيما يبدو أنها جاءت كأحد مخرجات الاجتماعات التنسيقية بين القاهرة وأنقرة وواشنطن.
وعقد الدبيبة، في إسطنبول، الأول من أمس الخميس، اجتماعاً مع وزيري الدفاع التركي خلوصي أكار والخارجية مولود جاووش أوغلو ورئيس المخابرات هاكان فيدان لبحث تطورات الوضع في ليبيا. وقال المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة الليبية، في بيان مقتضب، إن اللقاء الذي عقد في إسطنبول جاء في إطار “توحيد الجهود الدولية والمحلية لدعم الانتخابات في ليبيا”.
وفي مقابل الملف الليبي، يشهد الملف الاقتصادي خطوات متسارعة بين مصر وتركيا، حيث شهدت الأيام الأخيرة زيارة هي الأولى من نوعها، بعد تنظيم وزارة الصناعة التركية والمجلس التصديري التركي ملتقى لرجال الأعمال في القاهرة، بمشاركة 50 من كبار رجال الأعمال الأتراك، لاستكشاف مجالات التعاون مع عدد من رجال الأعمال المصريين.
وقال دبلوماسي مصري سابق إنه “من الواضح أن العلاقات المصرية – التركية في طريقها إلى التحسن، لا سيما بعد تحسن العلاقات المصرية – القطرية، والحديث عن لقاء مرتقب بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس السيسي”.
وأضاف الدبلوماسي، في تحليله، أنه “من جانب تركيا، فإن أنقرة تتبع حالياً سياسة صفر مشاكل. ولذلك فهي انفتحت على إيجاد حلول لملف جماعة الإخوان المسلمين، ومسألة وجودهم في تركيا، في سبيل إعادة العلاقات مع مصر”.
وأوضح أنه “في سبيل تحقيق صفر مشاكل، سعت أنقرة للانتقال إلى مرحلة متقدمة في إطار العلاقة مع مصر، مثل ما استعادت العلاقات مع السعودية والإمارات، إضافة إلى تطبيع العلاقة مع إسرائيل، وذلك سببه الأساسي رغبة تركيا في النمو الاقتصادي”.
المصدر: الشادوف+وكالات أنباء