خبراء: الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع يهدد وحدة السودان

0 806

في مايو الماضي، كان رئيس المجلس السيادي القائد العام للقوات المسلحة السودانية، الفريق عبد الفتاح البرهان، في مؤتمر باريس لدعم السودان. وأثناء غيابه عن البلاد، عقد نائبه قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، اجتماعا للمجلس، قُرر فيه قبول استقالة النائب العام وإقالة رئيسة القضاء، دون الرجوع إلى برهان، وهو ما أثار حفيظة الأخير.

كانت هذه حلقة من حلقات التوتر المتزايدة بين البرهان وحميدتي، أو بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. يصر الطرفان على نفي وجود هذه الخلافات، لكنها تطفو على السطح أمام العيان بين الحين والآخر.

وفي مطلع الشهر الجاري، تحدثت تقارير صحفية سودانية عن تصاعد الخلاف بين الطرفين لدرجة رفع قوات الدعم درجة الاستعداد القصوى داخل الخرطوم، كما أشارت إلى استعداد القوات المسلحة لاشتباك محتمل، وبناء سواتر ترابية حول القيادة العامة للجيش السوداني بالخرطوم.

كما كشفت مصادر سودانية لوكالة رويترز أن الخلافات المتزايدة بين الجيش وقوات الدعم السريع واحتمال تحوله إلى صراع، أكثر ما يقلق رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك. ومنبع الخلاف هو رغبة القوات المسلحة في ضم قوات الدعم السريع شبه العسكرية تحت مظلتها، وهو ماترفضه قوات الدعم التي تتمتع بهيكل مستقل.

الخبير العسكري اللواء أمين إسماعيل المجذوب، يؤكد وجود خلاف بين الطرفين بشأن مسألة الترتيبات الأمنية والدمج والنفوذ.

لكن المجذوب، الباحث في معهد الدراسات الدولية، استبعد في تصريحات لموقع قناة “الحرة” أن يتحول هذا الخلاف إلى صراع مسلح بين الطرفين. وقال : “الطرفان يعلمان أن الصراع العسكري بينهم يعني نهاية السودان”.

يقول المتحدث السابق باسم رئيس الحكومة، فايز السليك، إنه يوجد خلاف بالفعل بين المكون العسكري في المجلس السيادي مثلما توجد خلافات بين كل مكونات السلطة بشقيها المدني والعسكري.

وأضاف السليك أن الجميع في الخرطوم صار علي يقين بوجود جفاء وعدم تصالح بين قائدي الدعم السريع والقوات المسلحة، مشيرا إلى أن ما يؤكد هذا الخلاف هي تصريحات رئيس الوزراء التي تحذر من تشظي الجيش.

كان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، حذر الثلاثاء، من “تشظ” داخل مؤسسات البلاد العسكرية، واصفا ذلك بأنه “أمر مقلق جدا”، داعيا إلى تضييق مساحة الخلافات السياسية بين المدنيين والعسكريين.

وقال حمدوك في بيان “إن جميع التحديات التي نواجهها، في رأيي، هي مظهر من مظاهر أزمة أعمق هي في الأساس وبامتياز أزمة سياسية”، وأضاف: “التشظي العسكري وداخل المؤسسة العسكرية أمر مقلق جدا”.

كما دعا حمدوك إلى دمج قوات الدعم السريع في الجيش لحين إبرام اتفاق بين القيادتين والحكومة. وقال إن إصلاح القطاع الأمني قضية وطنية تحتاج إلى تدخل مدني.

وأرجع السليك الخلاف إلى صراع نفوذ بين القائدين ومحاولة كل طرف بسط نفوذه داخل المجلس السيادي، بالإضافة إلى المطالب بدمج قوات الدعم السريع في الجيش.

وأكد أن قادة الدعم لن تقبل بذلك؛ لأن ذلك يعني إذابة قواتها داخل الجيش، وبالتالي ضعف قواتها العسكرية التي تعتبر مصدر قوتها السياسية.

وقوات الدعم السريع هي مليشيات شبه عسكرية مكّونة من مليشيات الجنجويد في أغسطس 2013، ثم أجازها المجلس الوطني في يناير 2017. كانت تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية في عهد الرئيس السابق عمر البشير خلال الحرب في دارفور. واتهمت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بتلك الفترة. كما استخدمها النظام السابق في قمع المعارضين واضطهادهم.

وبعد اندلاع الثورة السودانية في 2019، التي أسقطت نظام البشير، أصبح حميدتي نائب المجلس السيادي الذي يدير البلاد في المرحلة الانتقالية، وبدأ يتعاون مع قمع القوات المسلحة في قمع مظاهرات الشباب. كما وجهت له اتهمت بالمسؤولية عن مجزرة القيادة العامة في يونيو 2019 والتي راحَ ضحيّتها أكثر من 100 شخص.

وتمتلك القوات مقرات ومركز في العاصمة الخرطوم وفي بعض المدن الأخرى، كما يوجد لها تواجد على الحدود مع ليبيا وإريتريا لمراقبة الحدود ووقف تدفق المهاجرين.

ولا توجد أرقام محددة بأعداد هذه القوات، لكن المجذوب يقدر عددها بنحو 40 ألف مقاتل، وتعتمد على طريقة الحرب التشادية، وهو أسلوب حرب منتشر في إفريقيا يعتمد على القتال بسيارات الدفع الرباعي والأسلحة الخفيفة والمتوسطة والرشاشات التي توضع على السيارات.

أما عن مقارنة إمكانياته بالقوات المسلحة الرسمية، قال المجذوب إنه لا يوجد وجه للمقارنة بين الطرفين سواء في الإمكانيات والتسليح والتمويل. ويشكو حميدتي باستمرار من أنه وقواته يتعرضان للتحجيم. وأصدر بيانات علنية برفض ضم قواته إلى الجيش. وأصدر كل من الجيش وقوات الدعم السريع بيانات تنفي وجود أي نزاع.

وقال حميدتي في 8 يونيو: “الحديث عن دمج قوات الدعم السريع في الجيش يمكن أن يفكك البلد. الدعم السريع مكون بقانون مُجاز من برلمان منتخب، وهو ليس كتيبة أو سرية حتى يضموها للجيش، إنه قوة كبيرة”. ويدار السودان وفق اتفاق لتقاسم السلطة تم توقيعه بين العسكريين والمدنيين في أغسطس 2019.

ومنذ توليها السلطة في 2019، تسعى حكومة حمدوك لمعالجة أزمة البلاد الاقتصادية وإنهاء عزلتها الدولية وتوقيع اتفاق سلام مع الحركات المسلحة.

ووقعت الحكومة العام الماضي اتفاق سلام مع مجموعة من الحركات المسلحة، لكن الحركة الشعبية لتحرير السودان جناح عبد العزيز الحلو وهي الحركة المسلحة الرئيسية رفضت توقيع اتفاق سلام مع الحكومة، وعلقت المفاوضات معها الأسبوع الماضي في جوبا عاصمة جنوب السودان.

وأشارت الصحافة المحلية إلى أن دمج قوات الدعم السريع في الجيش كان نقطة الخلاف الأساسية التي أدت إلى تعليق التفاوض بين الحركة والحكومة.

وأوضح المجذوب أن بعض الحركات المسلحة وخاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان (المعروفة باسم حركة الحلو) تصر على ضرورة دمج قوات حميدتي في الجيش، لإنشاء جيش سوداني موحد، والتخلص من الحركة التي قضت على سيطرتهم في دارفور.

ويخشى مراقبون من أن يتحول هذا الخلاف إلى صراع مسلح في وقت تعقد فيه الحكومة اتفاقيات سلام مع مجموعة من الحركات المسلحة كانت تقاتل الحكومة في إقليم دارفور غرب البلاد، وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق جنوب البلاد، لوقف الحرب الاهلية.

ولم يستبعد السليك احتمالية تطور هذا الخلاف بين الطرفين إلى صراع عسكري. وأشار أن هذا الخلاف يأتي في الوقت الذي يزداد فيه الرفض الشعبي للحكومة والمطالبة بتغيرها.

أما عن تأثير الخلاف على المرحلة الانتقالية والمشهد السياسي في البلاد، يرى المجذوب أنه سيؤثر سلبيا على المرحلة الانتقالية، وأشار إلى أنه سيؤخر خروج القوات المسلحة من المشهد السياسي، وعدم اكتمال المرحلة الانتقالية.

وأضاف أنه سيؤدي إلى تراجع ثقة المدنيين في المكون العسكري، والذي أصبح واضحا في رفضهم لأي قرار أو خطة يتخذها المجلس السيادي.

من جهتها، نفت الحكومة والقوات المسلحة مرارا هذه التقارير، وقال القادة العسكريون في الحكومة الانتقالية في السودان يوم الأربعاء، إن قواتهم متحدة في الدفاع عن البلاد وأن الشائعات عن وجود خلافات في هذا الشأن زائفة، وذلك في بيان مشترك نادر للجيش وقوات الدعم السريع.

وقال البيان المشترك: “القوات المسلحة والدعم السريع على قلب رجل واحد للمحافظة على أمن الوطن والمواطنين ووحدة التراب وأنهما بالمرصاد للعدو الذى يسعى إلى تفكيك السودان وشرذمته”.

وشدد البرهان في البيان على “عدم الالتفات إلى الشائعات التي تستهدف وحدة المنظومة الأمنية” مؤكدا على انسجامها وتماسكها وعملها لأجل هدف واحد.

كما قال حميدتي: “هدفنا واحد ولدينا مسئولية تاريخية فى الخروج بالبلاد إلى بر الأمان، الأعداء ينتظرون تنافرنا”، وأضاف: “القوات المسلحة والدعم السريع يمثلان قوة واحدة تتبع للقائد العام وتأتمر بأمره”، مجدداً تمسكه بإحداث التحول الديمقراطي فى البلاد.

ولكن السليك علق أن تصريحات حميدتي والبرهان هي محاولة لإطفاء نار سرية تشتعل بين الاثنين وردا على تصريحات حمدوك. وأكد أنه لابد من دمج من قوات الدعم في الجيش؛ لأنه لا يوجد دولة في العالم بها جيوش متعددة.

المصدر:الشادوف+وكالات+ترجمات

المشاركات الاخيرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.