بالفيديو: رامي شعث يتهم سفارة اسرائيل بتحريض السلطات المصرية على اعتقاله !
اعتبر الناشط السياسي رامي شعث أن مصر أصبحت “جمهورية خوف”، واتهم سفارة اسرائيل بالقاهرة وبعض من وصفهم بدوائر مسؤولة بدولة الإمارات بأنهم من طلبوا من السلطات المصرية اعتقاله، مؤكدا أنه لن يتوقف عن نشاطه ودفاعه عن حقوق الإنسان، بعد إطلاق سراحه ومغادرته للأراضي المصرية.
وكانت السلطات المصرية قد أطلقت سراح رامي شعث، في 8 يناير الجاري بعد “إجباره” على التنازل عن جنسيته المصرية، بحسب بيان لأسرته، وذلك بعد 900 يوم من احتجازه بادعاء الانتماء لمنظمة إرهابية دون توجيه اتهامات رسمية.
وقال رامي شعث، في مقابلة مع شبكة سي إن إن- CNN الإخبارية الأمريكية اليوم الخميس، إن “مصر أصبحت جمهورية خوف، والناس في الشوارع أصبحت تخشى أن تتحدث”. وأضاف: “الخوف موجود في مصر وحتى بعد أن غادرت أتلقى تحذيرات وتهديدات تستهدف عائلتي التي ما زالت في القاهرة إذا لم ألتزم الصمت أو إذا تحدثت، وأنا مصر على كسر الصمت والحديث”.
وفي المقابلة التي أجرتها معه الصحفية الأمريكية الشهيرة كريتيان أمانبور، قال شعث إن “تخويف وترهيب الناس يجب أن يتوقف وينتهي وسأواصل نشاطي، ولا أستطيع النوم وأنا أعلم أن آلاف الأشخاص الذين رأيتهم وعشت معهم مسجونون بسبب آرائهم ولم يرتكب أي شخص منهم أية جريمة عنيفة، بل بسبب آرائهم فقط… لا أستطيع التوقف قبل إطلاق سراحهم وقبل رؤية مصر مكانا أكثر أمنا لشعبها ولي ويُسمح لي بالعودة لوطني مصر”.
كما وصف رامي شعث ما عاشه في سجنه، وتحدث عن أسوأ ما مر به في معتقله، كاشفا أنه سيتحدّى التخويف الذي لقيه من السلطات المصرية، لينشط في المجال الحقوقي حتى الإفراج عن آخر معتقل رأي في مصر.
وطالب شعث في كلمة ألقاها اليوم الخميس أمام البرلمان الأوروبي بما وصفه بـ “محاسبة النظام المصري على مجموع انتهاكاته”، مشيرا إلى ضرورة تغيير قواعد اللعبة واعتماد أوروبا لإستراتيجية استقرار في مصر تقوم على دعم الحريات وحقوق الإنسان.
وفي مقابلته مع شبكة “سي إن إن” (CNN) الأميركية، قال شعث “أنا سعيد وأشعر بالحرية، ولكن ما زلت أحتاج إلى وقت للتعافي مما مررت به، فقد مرت مدة طويلة من السجن، وأنا ما زلت أتعلم العودة إلى الحياة الطبيعية، فأنا الآن أستطيع استخدام الهاتف وقيادة السيارة، وأفعل كثيرا من الأمور الحياتية الاعتيادية التي كنت أفتقدها على مدى أكثر من 800 يوم عشتها في السجن”.
واضطر شعث إلى التنازل عن جنسيته المصرية إذ كان ذلك شرطا للإفراج عنه في وقت سابق من الشهر الجاري، بوساطة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وعند سؤاله عن أسوأ ما عاشه في السجن، قال إن ذلك بدأ منذ أول 3 أيام عاشها معتقلا، قضاها معصوب العينين ومكبّلا بالأصفاد طوال الوقت إلى الحائط، وانتهت أيامه بالسجن بالطريقة ذاتها حتى آخر 3 أيام قبل الإفراج عنه.
وقال “على مدار عامين ونصف العام مكثت داخل مساحة 23 مترا، كغرفة معيشة صغيرة فيها من 18 إلى 32 شخصا آخرين من المعتقلين”.
وقبل أسبوعين، رد ( الرئيس المصري) عبد الفتاح السيسي على انتقادات وجهت إلى بلاده في ملف حقوق الإنسان، مؤكدا أن الواقع في مصر ليس كذلك، على حد قوله في مداخلة بجلسة في منتدى شباب العالم الذي تنظمه مصر سنويا.
وأشار السيسي إلى أهمية عدم قصر حقوق الإنسان على حرية التعبير والممارسة السياسية، مؤكدا أن مصر حريصة على حقوق الإنسان في ضوء المعتقدات والأفكار التي تؤمن بها، من دون أن يكون ذلك تحت أي نوع من أنواع الضغوط، كما شدد على ضرورة التناول المتكامل والشامل للأوضاع في مصر، ووضعها في الحسبان عند تناول قضية حقوق الإنسان.
وحرص رامي شعث في كلمته أمام البرلمان الأوروبي ومقابلته الاعلامية مع شبكة سي إن إن الأمريكية ، على الحديث عن فترة احتجازه قائلا: “ما مررت به خلال 900 يوما كان مرعبا”، وأضاف: “بدأت فترة احتجازي بثلاثة أيام من الإخفاء القسري مكبل اليدين ومعصوب العينين ومعلقا في الحائط لمدة 3 أيام”.
وتابع بالقول: “خلال عامين ونصف كنت في غرفة صغيرة تعادل مساحة غرفة معيشة مع 18 إلى 32 شخصا، وفي بعض الأحيان كانت المساحة المتوفرة لكل شخص تعادل قبضتين ونصف للنوم والأكل والمعيشة، وفي بعض الأحيان كنا ننام بالدور لأنه لم تكن هناك مساحة كافية !!”.
وأكد رامي شعث أنه “لم يتم توجيه اتهامات رسمية له على الإطلاق”، وقال: “على مدار عامين ونصف من السجن، تم التحقيق معي مرة واحدة من قبل نيابة أمن الدولة لمدة 45 دقيقة، وسألوني عن آرائي تجاه ثورة 25 يناير 2011 وما حدث في 30 يونيو 2013 ومن صوت له في انتخابات الرئاسة”.
في الوقت نفسه، تحدث الناشط الفلسطيني المصري رامي شعث، في أول حوار له مع الإعلام العربي، عن ملابسات اعتقاله لمدة عامين ونصف العام في مصر ومن وراء ذلك. وكشف لصحيفة “العربي الجديد” التي تصدر من لندن، تفاصيل عن مساومته على الحرية مقابل التنازل عن جنسيته المصرية.
وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه الزميلان ( سلافة مجدي وحسام الصياد ) :
في البداية حدثنا عن ملابسات الاعتقال؟
تم اعتقالي في 5 يوليو/ تموز 2019، بهجوم عدد ضخم جداً من القوات الأمنية مع اثنين من ضباط الأمن الوطني ولحق بهم لواء في نفس الجهاز الأمني، وكان هناك عدد ضخم من العربات والمجنزرات في إعادة لفكرة زوار الفجر.
عندما طلبت رؤية إذن النيابة أبلغني اللواء أن “الموضوع كبير وأكبر مني” على حد تعبيره. تم تفتيش المنزل والاستيلاء على أجهزة كومبيوتر وهواتف وأقراص صلبة والعديد من الملفات والأوراق والكتب وشهادة ميلادي وجوازي سفري المصري والفلسطيني، ولم تثبت تلك الأحراز في تحقيق النيابة.
قضينا ساعة أو أكثر من الذعر وكأنها دهر. تم إرهابنا واحتلال منزلنا وأشهرت الأسلحة علينا داخل غرفة نومنا، ثم نزلنا أنا وزوجتي في لحظة وداع مؤلمة.
لم نكن نعلم متى سنلتقي مرة أخرى وكانت تبكي على فقداني وفقدان حياتها ومنزلها في مصر. تم تكبيلي ووضع عصابة على عيني واصطحابي إلى مبنى الأمن الوطني في منطقة العباسية وفي نفس اللحظة تم اصطحاب زوجتي إلى مطار القاهرة لتواجه الترحيل القسري إلى فرنسا.
تم اقتيادي مكبّلاً معصوب العينين إلى أحد مقرات الاحتجاز غير القانونية، علمت في ما بعد أنه مقر الأمن الوطني بحي العباسية في القاهرة. وضعوني في غرفة منفردة وبقيت مكبّلاً في الحائط في وضع مهين ولا إنساني ومخالف للقانون. وطبعاً رفضوا كل محاولاتي الاتصال بأسرتي أو بالمحامي.
بقيت في أمن الدولة مكبّلاً منذ مساء الخميس لحظة اعتقالي لغاية صباح السبت عندما وصلت إلى مقر نيابة أمن الدولة العليا في حي التجمع الخامس.
أما عن التحقيقات التي تمت معي، فستفاجئين حين أقول إنه خلال اختفائي القسري وخلال عامين ونصف العام في السجن وحتى خروجي لم يتم التحقيق معي، ولو مرة، في التهم الموجهة إليّ.
والتحقيق الوحيد الذي تم معي كان في نيابة أمن الدولة العليا واستغرق 45 دقيقة وكان يدور حول آرائي في ثورة يناير وأحداث 30 يونيو، ثم تم نقلي فيما بعد إلى السجن ففوجئت بأنهم رفضوا استلامي بزعم أن الأوراق غير مكتملة، ولذا اضطروا لأن يعودوا بي مرة أخرى إلى مقر أمن الدولة مكبّلاً معصوب العينين ووضعت في نفس الغرفة التي كنت فيها منذ أول ليلة.
حينها عدت مجدداً لأكون مختفياً قسرياً بالمخالفة للقانون بشكل فج. وفي صباح يوم الأحد تم نقلي إلى سجن طرة تحقيق. أي بقيت لمدة ثلاثة أيام في مقر الأمن الوطني. ومنذ بداية اعتقالي حتى لحظة ترحيلي وأنا أتوجه بالسؤال إليهم، لماذا تم إلقاء القبض عليّ؟
كيف كنت تقضي أوقاتك داخل السجن؟
منذ وطأت قدماي أعتاب السجن، فوجئت بعدد ضخم جداً من المعتقلين على باب غرفة الإيراد أتوا ليشدوا من أزري. أحضروا لي احتياجاتي من السجائر والمياه والملبس والأكل، وطبعاً من دون رعاية الزملاء لي والتكافل بيننا كانت ستصبح فترة صعبة جداً، لكن تعاملهم معي منحني شعوراً أنني قدمت عملاً مفيداً في حياتي.
لم أكن أعرف معظمهم بشكل شخصي، لكن منهم من ارتبط بي وتعرف عليّ في تظاهرة، أو ندوة أو مؤتمر أو في إحدى القوافل إلى غزة. حينها أدركت أنهم قدّروا أنني شخص التزمت بمبادئي. فكانت لحظة دخولي مبهجة أصفها بأنها ردت إليّ روحي. وعلى قدر ما كانت لحظة يخيم عليها القمع والحزن، لكنني كنت متماسكاً.
تمسكت بحقي في الالتزام بالمقاومة، والمقاومة معناها الحفاظ أولاً على حالتي الصحية الجسدية والنفسية، والذهنية. داخل السجون تعمل السلطات على سلب الزمن، ولأنني كنت أعي ذلك تماماً التزمت بعلاقة وحدوية مفتوحة على كل الناس الموجودة في المعتقل بكل اتجاهاتهم وبكل أفكارهم.
بقيت دائماً مصمماً على تحدي الإرهاب الأمني. كنت أقدّم محاضرات، داخل الزنزانة حول السياسة وحول التجارب السابقة. كانت فرصة أنه يأتي دائماً شباب جديد، يرغب في الاستفسار. حتى أثناء فترة التريض كان الزملاء مرحبين بتحليل الأمور وتقليل مساحات الخلاف بين القوى المختلفة.
نحن معتقلون سياسيون وجزء من دورنا هو إبقاء دورنا السياسي، واطلاعنا ومتابعتنا للأحداث وفهمنا لها في إطارها الأوسع. بلا شك كان عندنا طول الوقت معارك، بعضها مشترك وبعضها فردي مع إدارة السجون حول حقوقنا واحتياجاتنا، حول حقوقنا في العلاج الطبي وزيارة الأهل بشكل كريم ومحترم، حول حقوقنا بدخول متعلقاتنا، وحول حقوقنا في صحف ومذياع يسمح لنا بالاطلاع عن الأحداث وبالتالي إبقاء وجودنا. طبعاً كانت تحديات صعبة.
دخلت السجن وكان فيه بعض الأصدقاء والرفاق المعتقلين، وخرجت من السجن بمئات الرفاق وبمئات الأصدقاء والزملاء الملتزم بقضيتهم.
في لحظة خروجي بكينا كثيراً، وقد التزمت أمامهم والتزمت بيني وبين نفسي أنني لن أتخلى عن قضيتهم، ولا عن حقهم في الخروج، ولن أتخلى عن إنسانيتهم، ولن أتحدث فقط عن المشهورين منهم، على الرغم من أن المشهورين منهم أصدقائي وسأظل أذكرهم، لكن أنا مدرك أن الظلم يحيق بكل منهم رأيت مآسيهم، وعشنا مع بعض أيام قهر.
وعشنا مع بعض أيام ضحك وانتصارات صغيرة وأمل في المستقبل. عايشنا قهر السجن وقهر الظروف، وعشنا مع بعض الرغبة في التحدي، بعضهم فقد الأمل، بعضهم قد يكون تطرف في فكرة ولكنهم أقلية.
برأيي ما زال التكتل الأساسي في السجن ملتزماً بقضاياه، قوياً ومصمماً على الاستمرار، وعلى فرض حرية الرأي والتعبير والمشاركة السياسية وحقهم في كرامتهم وفي مواطنتهم داخل مصر، بشكل عادل وبشكل يسوده القانون.
في رأيك ما هو السبب الرئيسي في اعتقالك؟
بشكل واضح تم إبلاغ والدي، الذي حاول التدخل للإفراج عني، أنني أضر بعلاقة مصر مع إسرائيل وكذلك بعض الحلفاء الآخرين، وأن السفارة الإسرائيلية طالبت باعتقالي، وفي بعض الأحيان قيل له إن هناك طرفاً إماراتياً منزعجاً مني، وبالتالي قد يكون اعتقالي ذا طابع إقليمي.
ليست لدي معلومات دقيقة أكثر، ولكن يبدو أن جميع الأطراف اتفقت على اعتقالي بعد دوري الرافض لـ”صفقة القرن” في الأشهر السابقة لاعتقالي لأنني كنت رافضاً لفكرة الاستيلاء على ما تبقى من فلسطين واستيطانها وطرد أهلها وإعطائهم حلولاً مالية، باعتبار أن الشعب الفلسطيني قد يقبل في لحظة ما بالحلول المالية أو التنمية في مقابل التخلي عن وطنه.
كان لي دور فاضح لسياسات دونالد ترامب وجاريد كوشنر، وللدور الإسرائيلي، وللأسف للدور المصري الذي شارك ووافق وحضر مؤتمر البحرين (الذي عُقد في يونيو/ حزيران 2019).
فشلت “صفقة القرن” وعلينا ضمان إفشالها. وانتهى ترامب وحل محله الرئيس الجديد جو بايدن. وفي تقديري أن لديه رؤية مختلفة، وعلينا تشجيع هذه الرؤية المختلفة التي تعيد الحقوق وليس مصادرتها، حتى ولو أنها ما زالت ضعيفة وما زالت متماهية مع سياسة أميركية طويلة المدى، ولكنه على الأقل أقل عدائية تجاه الشعب الفلسطيني.
في رأيك هل هناك أمل في تغيير السياسات الأميركية في التعامل مع ملف الشرق الأوسط؟
الحقيقة نحن بحاجة لتغيير كامل طريقة تفكير الإدارة الأميركية وبعض الإدارات الأوروبية حول الشرق الأوسط. لم يعد ممكناً استمرار ثنائية الاحتلال والديكتاتورية الموجودة في العالم العربي باعتبارها أداة الحكم والسيطرة علينا.
أعتقد أن هناك مصلحة غربية في إحقاق استقرار وعدل في المنطقة. وكانت تجربتنا مع الإدارات الأميركية المتعاقبة خلال 70 عاماً سيئة للغاية وكانت الداعم الأول لإسرائيل ووصل هذا التحالف إلى ذروته أثناء فترة حكم ترامب.
لكن الإدارة الديمقراطية الجديدة لا تشارك ترامب هذه الرؤية، وتحاول بالتدريج التوجّه نحو الالتزام ببعض أطر القانون الدولي، وهذا يجعلها تتشجع وتضغط على الحكومات والأنظمة غير الديمقراطية في عالمنا العربي وفي العالم.
حدثنا عن التنازل عن جنسيتك المصرية؟
كنت دائماً شخصاً رافضاً لفكرة المعارضة من الخارج، لكن الآن بعد أن تم اعتقالي وإرهابي للتنازل عن جنسيتي وطردي من البلاد أصبحت مجبراً على ممارسة نشاطي من أوروبا، وهي دول ديمقراطية وحاضنة لحرية الرأي والتعبير، وسوف تعطيني مساحتي في حرية الرأي والتعبير. إلا أنني كنت أفضّل أن يبقى دوري من داخل ميدان التحرير ومن داخل رام الله ومن داخل فلسطين، سواء في مواجهة أدوات القمع والعنف أو ضد الاحتلال.
وخلال فترة سجني كانت أجهزة الأمن تلوح لي ولأسرتي بين الفينة والأخرى أنه يمكنني أن أنال حريتي بشرط التنازل عن جنسيتي المصرية، وهذا ما رفضته، وتمسكي بحقي بجنسيتي جعلني أقضي مدة حبس أطول دامت نحو عامين ونصف العام.
فوجئت بعد تسعة أشهر في السجن بضمي على ذمة قضية جديدة تحمل رقم 570/2020 وبعدها رُفعت للقاضي الذي اتخذ قراراً بوضع اسمي على قوائم الإرهاب، وعلمت بالأمر من الصحف في السجن.
أنا لم أُعرض على النيابة ولم يُحقق معي، ولم أُعرض على القاضي في القضية الثانية التي تم تدويري عليها. ومن ثم ازداد الضغط على والدي وتدهورت حالته الصحية كثيراً، ثم توفيت والدة زوجتي بعد ذلك بفترة وجيزة، حينها أدركت سريعاً أن كل ما يجري هو محاولة للحد من حركتي وحريتي والطعن في مصريتي على الرغم من أن جنسيتي المصرية راسخة منذ الولادة.
أنا لم أحصل على الجنسية المصرية لأنني ولدت مصرياً، وعشت مصرياً، أنا فعلياً لم أحمل جواز السفر الفلسطيني إلا وأنا في الثالثة وعشرين من عمري. لقد بقيت أول ثلاث وعشرين سنة من حياتي مصرياً، وبعدها استطعت استخراج أوراقي الفلسطينية فأصبحت مصرياً فلسطينياً. والحقيقة هي أن الجنسية التي حصلت عليه هي الجنسية الفلسطينية وليست المصرية.
لكن كنت مضطراً تحت وطأة الابتزاز بالاعتقال لأن آخذ هذه الخطوة (التنازل عن الجنسية المصرية)، وبدأت مفاوضات استمرت معي في السجن لمدة شهر قبل إطلاق سراحي لإجباري عن التنازل عن الجنسية والترحيل خارج البلاد.
على حد قولك أصبحت الآن مضطراً لاستكمال نشاطك السياسي من الخارج. كيف تخطط لذلك؟
بالطبع سيكون لي دوري السياسي من خلال مكاني الجديد الذي أصبحت مجبراً عليه الآن، ولكني حتى اللحظة ما زلت بحاجة للتفكير بروية في بلورة هذا الدور، وأنا في البداية بحاجة ماسة لكي أضمد مرارة تلك الأيام التي كنت بعيداً فيها عن زوجتي وأسرتي، لكن هذا لا ينفي نهائياً الالتزام بحملة BDS (حركة المقاطعة الدولية) التي شاركتُ فيها بشكل فاعل، ولكن لم تكن الأداة الوحيدة، واستخدمتُ أدوات أخرى للنشاط السياسي.
أنا ما زلت مؤمناً بشدة بالحملة وداعماً لها، وأراها أداة سلمية شعبية حقيقية ترفض الاستعمار وترفض قمع حقوق الإنسان، وهي نفس الأداة التي استُخدمت في جنوب أفريقيا وتوحَّد حولها العالم، وفضحت النظام العنصري الأبيض، ونجحت في إحقاق حقوق في جنوب أفريقيا.
أود أن أضيف أنه للأسف ولحسن الحظ في الوقت نفسه أن اعتقالي ومن مثلي من الناشطين المدنيين السلميين والمعروفين في العالم مثل البرلماني السابق زياد العليمي وآخرين من المعروفين في العالم بنضالهم السلمي، فإن اتهامنا بالإرهاب من قبل السلطات الحاكمة في بلداننا كان دليلاً جديداً على نظام القمع الذي يقمع حرية الرأي والتعبير ويستخدم تهم الإرهاب ضد كل من يناضل سلمياً.
هذه رسالة في رأيي مهم أن يدركها آلاف الناس الآخرين، بأن هذه التهم لمجرد القمع والتنكيل فقط بالمعارضين السلميين.
توقف كثيرون عند إصرار زوجتك وتفانيها في التصميم على دفع كافة الأطراف الحقوقية والدولية للضغط من أجل إطلاق سراحك. حدثنا عن مشاعرك هنا؟
أعتقد أنه لا يمكنني أن أصف بشكل وافٍ كل ما فعلته زوجتي سيلين شعث من أجلي، وهي فرنسية الجنسية، إذ غمرتني بالحب والالتزام وقوة الإرادة والصمود، في رأيي إنه تاريخي وتفانٍ لن أنساه مطلقاً مدى الحياة. كانت ملتزمة بمعركة وحملة واضحة، للضغط من أجل إطلاق سراحي وإدارة ذلك بشكل عبقري، واستطاعت أن تجمع حولها كل المحبين الناشطين، حتى وصل الدعم إلى مساحة أوسع.
نجحتْ في استقطاب العديد من الأحزاب المصرية كي تقدّم الدعم والكثير من منظمات المجتمع المدني في مصر وفي فلسطين وغيرها. بعدها توسع أكثر وأكثر إلى أعضاء البرلمان الفرنسي وأعضاء البرلمان الأوروبي وأعضاء الكونغرس الأميركي والكثير من المؤسسات الدولية.
ثم جاء دور منظمة العفو الدولية التي أصدرت تقريراً يدين اعتقالي ويصفني بالمناضل من أجل حرية الإنسان، ومن ثم صدر قرار من الأمم المتحدة اعتبر أن قرار اعتقالي مخالف للقانون، وبالتالي تم بناء الإطار الشعبي والقانوني الذي طالب بالإفراج عني.
كذلك كان خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في باريس في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2020، وذكر المطلب الأساسي وهو الإفراج عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الضمير وعلى رأسهم رامي شعث.
الخطاب والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين وذكر اسمي، كانت مثل شرارة تفاؤل داخل السجن بعد أن انتشر الخبر بسرعة شديدة. هذا اللقاء منح الجميع داخل السجن حالة من التفاؤل. إذ قد يكون مقدمة لبداية انفراجة سياسية في مصر تؤدي إلى الإفراج عن المعتقلين.
ولكن ذكر اسمي كانت له عواقب وخيمة، ففي اللحظة الأولى حاول الأمن أن يرهبني، وقام رجال الأمن داخل السجن بتفتيش الزنزانة وتحطيم كافة المتعلقات، ثم منعوني من التريض الإضافي الذي كنت أحصل عليه نظراً للسن أو وضعي الصحي طبعاً.
الحقيقة أن كل هذه الإجراءات العقابية لم أعرها اهتماماً. لأنني كنت مدركاً لأهمية استمرار الضغط السياسي باتجاه إحقاق الحقوق وخروج المعتقلين فكنت مستعداً لهذا الضغط. طبعاً تصاعد الدور الفرنسي.
وللأسف السلطات المصرية لم تمتثل ولم تقتنع بضرورة إنهاء المأساة، واستمر اعتقالي عاماً بعد هذا المؤتمر، وما زال المعتقلون حتى بعد خروجي في محنتهم قابعين خلف القضبان. لكن الضغط الفرنسي ما بعد ذلك لعب دوراً مهماً في التوسط وفي دعمي بما سمح في النهاية بإطلاق سراحي، ولكن دعيني أؤكد أن الفرنسيين امتثلوا للحملة بناء على قاعدة أسستها زوجتي.
كيف تقيّم الدور الفرنسي في قرار إطلاق سراحك بعد عامين ونصف من الحبس التعسفي؟
فرنسا دولة تعلن دائماً التزامها بحقوق الإنسان وبمعاييره، لكنها في الوقت ذاته هي شريك مهم للنظام السياسي الحالي في مصر، وتسانده في الجوانب العسكرية والأمنية، وعليها الإثبات بشكل واضح أن هذا الدور وهذه العلاقة لا يؤثران على التزامها الحقيقي بحقوق الإنسان.
أيضاً في اعتقادي أن ثمة مصلحة أوروبية واضحة وفرنسية في التحول الديمقراطي وخلق مساحة لحرية الرأي والتعبير، لأن هذا هو المسار الوحيد الذي سوف يؤدي إلى استقرار حقيقي في منطقة الشرق الأوسط.
الاستقرار في الشرق الأوسط قادر على أن يحمي فرنسا من تدفق اللاجئين بعد أن أثقل كاهلهم الفقر والعوز إلى جانب القمع، هذا الاستقرار حينما يتحقق سيحمي فرنسا من التطرف الذي تكون نشأته في السجون والمعتقلات وفي الإحساس بالإذلال.
وحينما يتوقف القمع في بلداننا فإن ذلك سيمنح أوروبا مساحة أوسع للتبادل التجاري والاستثمار المشترك طويل المدى. لكن هذا لن يحدث في ظل عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، وعدم الاستقرار السياسي دائماً ما يكون موجوداً في بلدان لا تحترم حقوق الإنسان.
هل كان هناك دور للسلطة الفلسطينية في التدخل أو الوساطة لإطلاق سراحك، خصوصاً أن والدك نبيل شعث شخصية سياسية مرموقة؟
للأسف الشديد لم تولِ السلطات في مصر اهتماماً كبيراً لوساطة السلطة الفلسطينية في قضيتي. وقد قيل لي إن السلطة الفلسطينية تدخّلت، لكن تدخّلها لم يكن مؤثراً، والحقيقة أنه ليس فقط لأن والدي شخصية فلسطينية سياسية مرموقة أدار مناصب عديدة في السلطة الفلسطينية، أنا أيضاً كنت لفترة ما قريباً من الرئيس الراحل ياسر عرفات.
طوال عمري أنا ناشط في القضية الفلسطينية، وتم اعتقالي على خلفية حملة مقاطعة إسرائيل وعلى رفض “صفقة القرن”. وبالتالي كانت هناك أسباب عديدة تدعو السلطة الفلسطينية للتدخّل وبقوة للإفراج عني.
أتوقع أنه أصبح لديك علم من خلال الأخبار باتفاقيات التطبيع التي وقّعها عدد من الدول العربية مع إسرائيل. كيف كان وقع ذلك عليك وأنت سجين؟
كان وقعه حزيناً جداً، ولم يأت في إطار “صفقة القرن”. “صفقة القرن” الحقيقية التي أعلنها ترامب لم يكن لها أي علاقة بالقضية الفلسطينية، بالعكس كان دورها الوحيد هو إهدار كل الحقوق الفلسطينية بهدف الإعلان عن انتهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمصادرة حقوق الشعب الفلسطيني، والهدف الرئيسي هو إعلان تحالف عربي إسرائيلي في المنطقة يخدم رؤية ترامب وكوشنر العنصرية وخلق أزمات عربية-عربية وتحارب في محور سنّي وشيعي.
حان وقت إلغاء هذه العلاقات وربطها بشكل مباشر بحقوق الشعب الفلسطيني. نحن لا نطلب هذا فقط من الدول العربية التي طبّعت مع إسرائيل، لكن أطالب حتى من الدول الغربية والدول الأفريقية تحديد ووقف ومنع ومعاقبة إسرائيل على جرائمها حتى تمتثل للقانون الدولي.
ما الكلمة التي تريد أن توجهها إلى السلطات المصرية اليوم؟
أود أن أقول لهم أنا مصري، وسنتان ونصف السنة داخل معتقل ظلماً لن تغيرا من كوني مصرياً. إجباري على التنازل عن جنسيتي ورقياً لن يجبرني على أن أكون غير مصري، ومصريتي ليست في ورق، مصريتي حياة وأهل وانتماء وثقة ووطنية. ليست ورقة من قبلكم هي التي ستمنعني عنها.
أقول لهم إن يدي ممدودة لكم دائماً للعمل على تغيير هذه السياسة فوراً والعودة إلى مسار وطني يبني بلادنا ويمنع اختراقها ويحمي أمننا القومي، وهذا لن يحصل إلا في وطن يحافظ على كرامة مواطنيه، بمؤسسة تحافظ على حرية مواطنينا في الرأي والتعبير، بخلق حوار واسع ونقاش حول اختلافاتنا وليس بقمعها.
آمل أنه في لحظة تدرك المؤسسة المصرية الحاكمة اليوم أن هذا حق وأن هذا واجب وأن هذا قانون وأن هذه وطنية، وأن مصر قوية فقط بقوة مواطنيها وشعبها وحريتهم ونموهم. مصر ليست قوية بعمارة ومبنى وشارع وكوبري، مصر قوية بمواطنيها، وأملي أن نعود إلى عقل وإلى قانون وإلى مواطنة وإلى بناء بلاد حقيقية فيها المواطن رقم واحد، وحريته وكرامته رقم واحد.