في خطوة نادرة : واشنطن تخصم ملايين الدولارات من المعونة الأمريكية لمصر

0 465

في خطوة غير مسبوقة تجاه القاهرة، كشفت مصادر أمريكية مطلعة النقاب عن أن إدارة الرئيس جو بايدن قررت منع 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر بسبب عدم امتثال السلطات المصرية لشروط حقوق الإنسان التي وضعتها وزارة الخارجية الأمريكية.

كما أكدت ثلاثة مصادر مطلعة لوكالة “رويترز” للأنباء، أن إدارة بايدن تعتزم حرمان مصر من مساعدات عسكرية بقيمة 130 مليون دولار بسبب مخاوف تتعلق بأوضاع حقوق الإنسان. تأتي تلك الخطوة نادرة الحدوث بعد يومين من إعلان وزارة الخارجية الأميركية موافقتها على صفقة لبيع أسلحة ومعدات عسكرية إلى مصر تبلغ قيمتها نحو 2.5 مليار دولار. وتتضمن الصفقة المحتملة، التي لم تحظ بالموافقة النهائية بعد، بيع طائرات نقل جوي من طراز “سي-130 جيه سوبر هيركيوليس” وأنظمة رادار للدفاع الجوي بقيمة 355 مليون دولار.

وتأتي هذه الخطوة النادرة بحجب نهائي لجزء من المعونة العسكرية لمصر قبل أيام فقط من موعد 30 يناير/ كانون الثاني المخصص لإعلان وزارة الخارجية عن خطط المعونات، وهي الجزء المتبقي من شريحة مثيرة للجدل بقيمة 300 مليون دولار من المساعدات تم تقسيمها في سبتمبر/ أيلول مع إعطاء ما يزيد قليلًا عن النصف إلى مصر في ذلك الوقت، والمبلغ المتبقي محتجز حتى الآن بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.

وقال مصدر مسؤول رفيع المستوى بوزارة الخارجية الأمريكية ، في تصريحات لشبكة سي إن إن الأمريكية، إن “المكان الأخير الذي يحتاج إلى 130 مليون دولار هو مصر”، مضيفًا أنه تم إبلاغ الكونغرس وهناك “إجماع كامل” داخل وزارة الخارجية على توصية بأن وزير الخارجية أنتوني بلينكن لن يسمح لمصر باستلام الأموال التي سيتم تخصيصها الآن لدول أخرى.

وأكد مصدران في الكونغرس أنه تم اطلاعهما، يوم أمس الأربعاء، على خطط وزارة الخارجية، كما تم إبلاغ نشطاء حقوق الإنسان الذين تحدثوا مع شبكة CNN.

من ناحيته، قال جون هيرش، مدير البرامج في منظمة الديمقراطية الآن في العالم العربي: “إن حرمان حكومة السيسي من 130 مليون دولار يأتي كـ “لعبة وهمية” نوعا ما، وذلك بعد موافقة إدارة بايدن على مبيعات أسلحة بقيمة 2.5 مليار دولار في وقت سابق من هذا الأسبوع”. “إن عدم قدرة الحكومة المصرية على تلبية حتى شروط حقوق الإنسان المخففة للإفراج عن 16 سجينًا سياسيًا هو سبب واحد فقط لعدم قيام الحكومة الأمريكية بإرسال سنت واحد من الأسلحة إلى ديكتاتورية مصر الوحشية”.

منذ وصوله إلى السلطة في انقلاب عسكري عام 2013، أشرف الرئيس السيسي على إجراءات كاسحة ومنهجية لقمع الحرية في جميع أنحاء البلاد. يتكدس السجناء السياسيون في السجون المصرية، ويصل عددهم إلى 60 ألفًا على الأقل، كما أن ظروف السجن قاسية، حيث أصبح التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والحجب المتعمد للرعاية الطبية أمرًا شائعًا.

وقد صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحفيين، الخميس، بأن وضع الأموال لم يتغير وأن بلينكن “لم يتخذ قرارا بعد”. وتحدث بلينكن مع نظيره المصري سامح شكري، الخميس، حول مجموعة من القضايا، من بينها حقوق الإنسان، لكن بيان الخارجية الأمريكية عن الاتصال لم يشر إلى أموال المساعدات.

ولم ترد السفارة المصرية في واشنطن على الفور على طلب من شبكة سي إن إن الأمريكية للتعليق على تلك الأنباء، لكن المصدر المسؤول بوزارة الخارجية قال إنه تم إبلاغهم بأنهم لن يتلقوا الأموال، مضيفا: “المصريون ليسوا سعداء”.

ويعد منع أموال المعونة عن مصر هو الأول من نوعه لإدارة بايدن، بعدما تعهد في حملته الانتخابية بإنهاء “الشيكات المفتوحة لديكتاتور ترامب المفضل”، في إشارة إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

وفي حين أن هذه الخطوة عقابية ورمزية على حد سواء، يجادل نشطاء حقوق الإنسان بأن هذه الملايين التي يتم حجبها تتضاءل أمام صفقة بيع أسلحة ومعدات أمريكية بقيمة 2.5 مليار دولار إلى مصر، التي أذنت بها إدارة بايدن هذا الأسبوع فقط.

وقال سيث بيندر، مدير المناصرة في منظمة “مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط”، إن “هذا هو الأمر الصحيح الذي يجب فعله، لكن للأسف تأثير وفاعلية هذا القرار تضعف بالمضي قدما في صفقة بيع الأسلحة، إذ تبلغ قيمتها تقريبا أكثر من 20 ضعف المبلغ المحجوب من المعونة”.

ورد المصدر المسؤول في وزارة الخارجية بأن البيع، الذي يشمل توريد العشرات من طائرات النقل الكبيرة و3 أنظمة رادارية، يخدم المصلحة الأمنية الأمريكية ويتم دفع ثمنه جزئيًا من أموال المساعدات العسكرية الأمريكية التي تلقتها مصر بالفعل.

وأضاف المصدر: “نسمح لهم بشراء الأشياء التي هي في مصلحتنا”، وتابع بالقول: “إذا سمحنا لهم بشراء أشياء يعتقدون أنها في مصلحتهم ولكنها لا تفيد الولايات المتحدة، فسأفهم هذه الحجة”.

المبلغ الذي لن تتلقاه مصر الآن هو 10% من حوالي 1.3 مليار دولار من المعونة العسكرية التي تمنحها الولايات المتحدة لمصر كل عام. ويمكن لوزارة الخارجية استخدام إعفاء بمبرر الأمن القومي، الذي كثيرا ما يتم انتقاده من المنظمات الحقوقية وممثلي المجتمع المدني الأمريكي والدولي، لتجاوز القاهرة لشروط حقوق الإنسان المرتبطة بنلك المساعدات، كما فعلت في الماضي.

تجدر الإشارة الى أن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن لم يستخدم هذا الإعفاء المتعلق بالأمن القومي الأمريكي بالنسبة لشريحة سبتمبر/ أيلو الماضي والبالغة 300 مليون دولار، لكن الإدارة تعرضت لانتقادات شديدة من قبل النشطاء وبعض المشرعين لتجاوزها الشروط التي وضعها الكونغرس والإفراج عن أي أموال على الإطلاق.

وكان الرصيد المتبقي من تلك المعونة العسكرية لمصر يبلغ 130 مليون دولار مرهونًا بإنهاء ما يُعرف بالقضية 173 المعروفة باسم قضية تمويل مؤسسات المجتمع المدني المصرية، والتي شهدت مقاضاة وتحقيقات لجماعات حقوق الإنسان، فضلاً عن حظر السفر وتجميد الأصول. وسيتعين أيضًا إسقاط التهم الموجهة إلى 16 فردًا مستهدفًا لأسباب سياسية.

وتم إحراز بعض التقدم، وفقًا للنشطاء، بما في ذلك الإفراج الذي يبدو أنه على صلة بـ 16 شخصًا وإلغاء بعض تحقيقات القضية 173. وهم يجادلون بأن هذا التقدم مرتبط بضغط الولايات المتحدة. لكن الاستهداف والاضطهاد مستمر، والشروط الأمريكية لم تنفذ.

وقالت أندريا براسو، المديرة التنفيذية لمبادرة الحرية: “وضعت إدارة بايدن معيارًا منخفضًا بشكل لا يصدق لمصر، أقل بكثير مما كان يقصده الكونغرس، لتلقي مساعدتها العسكرية الكاملة”. وأضافت: “في الوقت نفسه، نحن نعلم الآن أن الضغط ينجح عندما يكون لخطابنا أسنان. وحقيقة أن أي تقدم تم إحرازه في إطلاق سراح السجناء هو فقط لأن الإدارة تمسكت بحزم بشروطها، وعلينا الإصرار على أن القيام بذلك هو السبيل الوحيد للمضي قدما إلى الأمام في العلاقات مع مصر”.

الجدير بالذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في عام 2017، حجبت نحو 300 مليون دولار من المساعدات المتعلقة بحقوق الإنسان، وبعد ذلك تم الإفراج عن 195 مليون دولار، و في نهاية المطاف، تم منع ما يقرب من 100 مليون دولار فقط في هذا العام 2017. ووفي سبتمبر/أيلول من العام 2021 الماضي، تم تخصيص 170 مليون دولار وتسليمها إلى مصر لمكافحة الإرهاب ومراقبة الحدود.

المصدر: الشادوف+شبكة سي إن إن الأمريكية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.