نيويورك تايمز : مصر توسّع صلاحيات الجيش بتشريعات دائمة بعد إلغاء حالة الطواريء المؤقتة !

0 525

في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة المصرية لتوسيع حملة العلاقات العامة، التي تستهدف تحسين صورتها بالخارج في ما يتعلق بمجال حقوق الإنسان، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز الأميركية” تقريراً ألقت الضوء من خلاله على استعداد مصر لتوسيع الصلاحيات الأمنية والعسكرية في البلاد عبر تشريعات يقوم بسنها برلمان موال للنظام.

وذكرت الصحيفة أن التعديلات التي أدخلت على قانون مكافحة الإرهاب ستعزز من قبضة الحكومة المصرية، بعد أيام فقط من تخفيفها برفع حالة الطوارئ، موضحة أن مصر تستعد لتوسيع سلطات الأمن القومي للرئيس والجيش بتشريعات من شأنها تقوية يد الحكومة، تماماً كما بدا أنها خففت قبضتها الأسبوع الماضي مع رفع حالة الطوارئ التي طال أمدها.

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى موافقة مجلس النواب، يوم الأحد الماضي، على تعديلات جديدة لقانون الإرهاب تمنح صلاحيات موسعة، وستذهب التعديلات الآن إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي للتصديق عليها، وهي ليست أكثر من إجراء شكلي. وقالت إن التعديلات تعطي الرئيس صلاحية اتخاذ “التدابير اللازمة للحفاظ على الأمن والنظام العام”، بما في ذلك فرض حظر التجول.

وأوردت الصحيفة أن التعديلات أثارت تساؤلات عما إذا كانت مصر تتخذ بالفعل خطوات للانفتاح، كما كانت الحكومة حريصة على إظهار ذلك. ومع تعرض سجلها في مجال حقوق الإنسان مرة أخرى للتدقيق من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، أعلنت الحكومة أخيراً إعادة تقييم بعض جوانب تعاملها مع السجناء السياسيين وقضايا أخرى تتعلق بحقوق الإنسان. وقرر السيسي عدم تجديد حالة الطوارئ التي استمرت أربع سنوات والتي انتهت الشهر الماضي.

وأشارت الصحيفة إلى أن حالة الطوارئ منحت الحكومة سلطات واسعة للمراقبة والاعتقال والرقابة وغيرها من التكتيكات باسم مكافحة الإرهاب، بما في ذلك القدرة على قمع الاحتجاجات واحتجاز المعارضين والسيطرة على الحياة اليومية للمصريين. كانت هذه القواعد، بشكل أو بآخر، سارية خلال معظم السنوات الأربعين الماضية.

وبينت الصحيفة أنه فيما رحب بعض المدافعين عن حقوق الإنسان بالتغيير، انتقد الكثيرون تحركات الحكومة لمعالجة مخاوف حقوق الإنسان باعتبارها مجرد حيلة علاقات عامة، ولا سيما أن التعديلات أعطت الرئيس والجيش بعض الصلاحيات المماثلة لتلك التي كانا يحتفظان بها في ظل حالة الطوارئ المرفوعة الآن.

وأضافت أنه مع التعديلات التي أدخلت على قانون الإرهاب، ستستمر مصر في توسيع دور الجيش، الذي شهد صعود نجمه وتوسيع مسؤولياته لتشمل مجموعة من المجالات، من تصنيع المعكرونة والفنادق، إلى القضاء.

واستطردت بأنه إذا وافق الرئيس على التعديلات، فسيكون للجيش والشرطة مسؤولية دائمة عن حماية البنية التحتية العامة، ومنحهم بشكل أساسي السيطرة على المرافق، بما في ذلك خطوط أنابيب الغاز وحقول النفط ومحطات الطاقة والطرق والجسور ومسارات السكك الحديدية. أي شخص متهم بالتعدي على ممتلكات الغير أو الإضرار بهذه البنية التحتية سيحاكم أمام المحاكم العسكرية.

وأشارت الصحيفة إلى تعديل آخر أقره مجلس النواب يوم الاثنين من شأنه أن يكلف الباحث عن الجيش وأعضائه الحاليين والسابقين دون موافقة حكومية مكتوبة غرامة كبيرة تصل إلى 50 ألف جنيه مصري، أو ما يقرب من 3200 دولار. وقالت إن توقيت التغييرات التشريعية الأخيرة أثار الشكوك حتى بين أعضاء البرلمان المصري، الذي يهيمن عليه حلفاء الرئيس.

جاء ذلك في تقرير نشرته الصحيفة الأمريكية تعقيباً على قانون تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية رقم 136 لسنة 2014، والخاص بإحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية بعيداً عن قاضيهم الطبيعي، ومنح وزير الدفاع، في غير حالة الطوارئ، سلطة اتخاذ تدابير تعادل ما يُتخذ في ظل هذه الحالة.

ووافق البرلمان المصري، الأحد، بشكل نهائي، على تعديلات جديدة قدمتها الحكومة على قانون مكافحة الإرهاب بشأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، والذي يقضي بأن يكون دور القوات المسلحة في معاونة الشرطة المدنية، دائماً، وليس بمدة محددة، كما كان معمولاً به كإجراء استثنائي لفترة محددة، بحيث تخضع كافة الجرائم التي تقع على البنية التحتية العامة لاختصاص القضاء العسكري.

هذه التعديلات التي تم إدخالها على قانون مكافحة الإرهاب المثير للجدل، والتي من المقرر أن يقوم الرئيس المصري بالتصديق عليها، تمنح السيسي سلطة اتخاذ “التدابير الضرورية للحفاظ على الأمن والنظام العام”، وضمن ذلك فرض حظر التجوال، بجانب سلطات أخرى.

وبموجب تلك التعديلات، سوف تواصل مصر توسيع دور الجيش، الذي شهد تصاعداً هائلاً في صلاحياته ومسؤولياته التي تتوسع لتشمل مجموعة كبيرة من الجوانب -بدءاً من إنتاج المعكرونة ومروراً ببناء الفنادق ووصولاً إلى الأحكام القضائية- وذلك منذ تولي الرئيس السيسي سلطة البلاد في أعقاب انقلاب عسكري نفذه ضد الرئيس الراحل محمد مرسي في صيف عام 2013 عندما كان وزيراً للدفاع.

لأن هذا القانون في ثوبه الجديد سوف يمنح القوات المسلحة المصرية سيطرة على المرافق التي تتضمن خطوط الغاز وحقول النفط ومحطات الكهرباء والطرق والكباري ومسارات السكك الحديدية. وإذا اتُّهم أي شخص بالتعدي على هذه البنى التحتية أو تدميرها، فيمكن أن يُحاكم في المحاكم العسكرية.

وبخلاف ذلك، فقد وافق البرلمان، الإثنين 1 نوفمبر، نهائياً، على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، لتغليظ عقوبة إفشاء أسرار الدفاع عن الدولة؛ لحماية الأمن القومي للبلاد، وهو الأمر الذي سيجعل البحوث التي تُجرى على الجيش وأعضائه السابقين والحاليين بدون موافقة حكومية، خاضعاً للعقوبة بالسجن أو بغرامة باهظة تصل إلى 50 ألف جنيه، وهو ما يعادل نحو 3200 دولار أمريكي.

وينص القانون الجديد على أن “كل من قام بجمع الاستبيانات أو الإحصاءات أو إجراء الدراسات لأي معلومات أو بيانات تتعلق بالقوات المسلحة أو مهامها أو أفرادها الحاليين أو السابقين بسبب وظيفتهم دون تصريح كتابي من وزارة الدفاع”، سيتم حبسه مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على 5 سنوات، و”لتحقيق مزيد من الردع العام قِبل هذه الجريمة، وغرامة تقديرية لسلطة القاضي تتراوح بين 5 آلاف و50 ألف جنيه”.

وأثار توقيت تلك التشريعات الأخيرة الشكوك بين أعضاء البرلمان المصري الذي وصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه مسلوب الإرادة، ويهيمن عليه حلفاء الرئيس السيسي.

ونتيجة ذلك، أثارت التعديلات انتقادات حقوقية وتساؤلات حول ما إذا كانت مصر تتخذ حقاً خطوات لفتح المجال العام، مثلما كانت الحكومة حريصة على أن تُبدي هذا النهج الجديد الذي تحدَّث عنه البعض.

الناشط الحقوقي بهي الدين حسن

من جهته، قال مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بهي الدين حسن: “الفصل الثاني من مسرحية إنهاء حالة الطوارئ: الجيش يتحول رسمياً إلى شرطة مسلحة دائمة”، مضيفاً: “جوهر ما سبق أن أعلنه السيسي هو إنهاء على الورق للطابع الاستثنائي للطوارئ، والانتقال فعلياً للتطبيع معها، باعتبارها وضعاً طبيعياً لا شذوذ فيه”.

في حين أضاف حسن في تغريدة على موقع “تويتر”: “هذا وضع لا مثيل له لا في دول العالم المتحضر ولا في غيرها!”.

لكن اللواء ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية والدستورية، قال خلال الجلسة العامة في البرلمان المصري: “الإخوان كانوا يحرقون المنشآت ويلقون بالزيت على الكباري لوقوع الحوادث”، مؤكداً أن “القانون لا يستهدف الشخص الطبيعي، وإنما من يسعى لتدمير منشآت بلده”، على حد قوله.

تابع شاهين: “أذكِّر النواب بالاعتداء على الممتلكات العامة في 2011، والقوات المسلحة كانت تشارك في التأمين، والبلد كانت وقتها بتُحرق بواسطة المخربين، وكانت المطالب الشعبية بضرورة تأمين القوات المسلحة للمنشآت الحيوية”، لافتاً إلى “استمرار التعاون بين الشرطة والقوات المسلحة لحماية أملاك الشعب”.

في المقابل، أعلنت النائبة مها عبد الناصر تحفُّظها على القانون، قائلة: “لسنا ضد تغليظ عقوبة إفشاء أسرار عسكرية أو التجسس، لكن لدينا تحفظات بشأن التوقيت تزامناً مع إلغاء الرئيس العمل بحالة الطوارئ، وإصدار استراتيجية حقوق الإنسان”.

وشدّدت عبد الناصر على أنَّ “توسُّع وتغليظ العقوبات على البحث ونشر المعلومات حول الجيش يتعارض مع استراتيجية حقوق الإنسان الوطنية، التي وعدت المصريين بحقهم في حرية التعبير”.

أما النائب محمد عبد العليم، العضو السابق في حزب الوفد، والذي لا يتفق كلياً مع الحكومة ولا المعارضة، فقد أعرب عن مخاوفه من أن التعديلات قد تُعقِّد عمل الصحفيين والباحثين، وذلك حسبما أوضحت صحيفة الشروق. مع ذلك، ولكيلا يشكك أحد في وطنيته، استطرد بقوله إنه يحترم القوات المسلحة.

وحسب منظمات حقوقية دولية، تشهد مصر في ظل حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي أسوأ أزمة حقوقية منذ عقود؛ فلا يزال عشرات الآلاف من منتقدي الحكومة، ومن بينهم صحفيون ومدافعون حقوقيون، مسجونين بتهم ذات دوافع سياسية، والعديد منهم في الحجز المطول قبل المحاكمة. كما تستخدم السلطات غالباً تهم الإرهاب ضد النشطاء السلميين، وضايقت واعتقلت أقارب معارضين في الخارج.

غير أن القاهرة عادةً ما تنفي صحة الانتقادات الموجهة إلى سجلها الحقوقي، معتبرةً أن بعض المنظمات الحقوقية الدولية تروِّجها في إطار “حملة أكاذيب” ضدها.

وكان السيسي قد أعلن، الإثنين، إلغاء تمديد حالة الطوارئ التي كانت سارية في البلاد منذ سنوات، مؤكداً أن بلاده أصبحت “بفضل شعبها ورجالها المخلصين، واحةً للأمن والاستقرار في المنطقة”، حسبما زعم.

المصدر: الشادوف+ترجمات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.