محمد عماد صابر يكتب: قراءة في عقلية الروس والأمريكان- الحلقة الأخيرة (3-3)

0 406

لعنة الجغرافيا تطارد الروس منذ قرون طويلة. الروس منذ زمن بعيد لديهم هوس بفكرة الأمن، ولديهم دائما هاجس أنه يمكن غزوهم بسهولة، بسبب عدم وجود موانع طبيعية يمكن أن تحميهم، مقارنة بالولايات المتحدة ذلك البلد المحظوظ بجغرافيته ( يحيطه غربا المحيط الهادى/ ومن الشرق المحيط الأطلنطي/ ومن الشمال كندا/ ومن الجنوب المكسيك) ولا يجاوره أي أعداء يمكن أن يشكلوا خطراََ وجوديا عليه، وكما يصفها البعض بأنها أمبراطورية محظوظة، ليس لديها من جيرانها قوة مفترسة، فجيرانها: كندا والمكسيك والأسماك لا أقل ولا أكثر.. بينما روسيا بلد لديه 14 جاراََ حدودياََ من بين هؤلاء الجيران الصين، كوريا الشمالية، ومن جهة الغرب تجد دولا متحالفة مع الغرب وحلف الناتو، وبالتالي الروس دائما لديهم شعور بالخطر الوجودي.

والحقيقة أن هذا الشعور ليس شعورا مُتَوَهما فعلى مدار 500 سنة والروس دائما كان يتم غزوهم من الغرب، فكل دولة تجد لديها فائض قوة تتجه إلى غزو روسيا على سبيل المثال: غزو المغول لروسيا فى 1237من الميلاد. وغزو بولندا لروسيا مرتين الاولى في 1605 والثانية في 1654.و غزو السويد لروسيا في 1708. وغزو فرنسا لروسيا فى 1812. وغزو ألمانيا لروسيا 1914 وفى 1941خلال وقائع الحرب العالمية الثانية.

وهكذا فإن شعور الروس بالخطر الوجودي ليس متوهما ولا هو مرض نفسي، بل هم لديهم فعلا خلل جغرافي واضح، هذا الوضع واضح جدا في أذهان الزعماء الروس منذ زمن بعيد، منذ “إيفان الرهيب” أول قيصر لروسيا والذي ابتكر عقيدة عسكرية دفاعية وهي ( الهجوم من أجل الدفاع ) فكانت غزواته على القبائل من أجل الدفاع، وقد تبنى هذه العقيدة كل من جاء بعده من القياصرة والحكام (بوريس غودونوف، بيتر العظيم، المالكة كاثرين، نيكولاس الثاني) و ستالين وصولا لبوتين اليوم.

كل زعماء روسيا قديما وحديثا تبنوا هذه العقيدة وقاموا بغزوات عسكرية للبحث عن أمرين: الأول هو الأمن من خلال إنشاء منطقة عازلة بينه وبين أعدائه. والأمر الثانى هو الخروج الى المياه الدفيئة وانشاء موانى آمنة.

روسيا أمبراطورية عجيبةو غريبة

كل الإمبراطوريات التى استطاعت أن تكبر وتتوسع وتصبح امبراطوريات عظيمة، كلها كانت تتمتع بإطلالة على المياه ولديها موانئ آمنة ( الإمبراطورية: العثمانية، البريطانية، الفرنسية، اليابانية، الأمريكية…) هذه اللعنة الجغرافية لاحظها “جورج كينان” سفير أمريكا في روسيا (1933 الى منتصف الأربعينات ) وكتب بعد الحرب العالمية الثانية برقية شهيرة من 8000 كلمة إلى الخارجية الأمريكية، يحلل فيها العقلية الروسية، خلاصة ما جاء فيها أن السوفييت لا يمكن أن يتعايشوا بشكل سلمي مع الغرب إلى الأبد، لأنهم، أي الروس، قوم لا يشعرون بالأمان، ولكونهم لايشعرون بالأمان، فأمانهم الوحيد هو أن يشتبكوا في صراع طويل مميت ينتهي بالتدمير الكامل لخصومهم.
ومن وجهة نظر “جورج كينان” أن ما خلق عدم الشعور بالأمن هي الجغرافيا -كما شرحنا سابقا- وهذا الأمر مهد إلى خلق تركيبة معينة في السياسة الروسية تفضي إلى ( أنظمة استبدادية مهووسة بالأمن الداخلي والخارجي).. الكثير من الناس اتفقوا مع كلام جورج كينان ورأوا أن ذلك يتفق مع تاريخ الروس من أول ايفان الرهيب وحتى بوتين الحالي.

“الخلاصة”

الأمريكان والروس شعبان في بلدين كلاهما يحمل السلاح ولكن لأسباب مختلفة، كما ذكرنا، يفكر الروس، ويفكر الأمريكان، بالطريقة التي شرحناها آنفا، بغض النظر عمن على خطأ ومن هو على صواب.. لكن الثابت هو انعدام الثقة بينهما، أي بين الروس والأمريكان، بل بين الروس والغرب بشكل عام، وأن العداء بينهما أبدي وراسخ ومتجذر، ولكل طرف أسبابه كما ذكرنا سابقا.

محمد عماد صابر
سياسي وبرلماني مصري
من نواب برلمان الثورة 2012


الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.