محمد عماد صابر يكتب: الجرَّافة الإيرانية وتوظيف الطائفية في السياسة (١)

0 431

تكمن خطورة المشروع الإيرانى فى اتجاهات ثلاث:(بوجه عام- اسرائيل من أمامكم وايران من ورائكم- الصراع مع أل سعود)، نتناول( 1) خطر المشروع الإيراني بوجه عام.

تاريخياً العقيدة التي قامت عليها إيران الجديدة، كانت على أنقاض نظام الشاه محمد رضا بهلوي.. فقبل الثورة الإيرانية 1979، حكمها بهلوي سليل الدولة الصفوية الشيعية التي قامت في فارس كما كانت تعرف إيران حتى ثلاثينيات القرن العشرين، وهى دولة قامت لمنافسة الدولة العثمانية واتخذت من المذهب الشيعي غطاءً وستاراً لصراعها ضد العثمانيين السُنَّة.. واللافت أن العراق كانت الخاصرة التي سعت الدولة الصفوية لضرب العثمانيين منها، ومن العراق نفسها جرى التصدي للمحاولات الفارسية.. لاحقا انهارت الدولة العثمانية، وبدَّلت الدولة الفارسية ثوبها وارتدت العلمانية وباتت تُعرَف بإيران تحت حكم ملكي كان يعرف بالشاه، هُمش رجال الدين فيها، لكن ظلت عقليتها فارسية قومية، وجرى خلال عشرينيات القرن العشرين ابتلاع أرض عربية تعج بالخيرات ومساحات واسعة تعرف ب “الأحواز”، ولم تكتف إيران الشاه بالأحواز، بل ظلت عينها على أراضي عربية أخرى تراها جزءا من إمبراطوريتها الفارسية التاريخية، هذه الإمبراطورية كانت تنافس الأمبراطورية الرومانية على اقتسام الزعامة والنفوذ، فكانت تحتل تارة مناطق من العراق والشام وتارة تخسرها لصالح الرومان، كما كانت ملاذا لبعض القبائل العربية (الغساسنة) لحمايتهم من أخطار الرومان.. لم يرق للفرس قيام دولة إسلامية بقيادة العرب أسقطت أمبراطورية فارس لاحقا وجعلوها جزءا من الماضي، وظلت غصة مثَّلها العرب الذين كانوا يوما ما يحتمون بالفرس وخاضعين لهم، فكيف العرب المسلمون أصبحوا سادة المنطقة والعالم لاحقا، وهذه الغصة مازالت حتى الآن في حلق بني فارس التي بدلت بلادهم ثوبها مرات عديدة، لكنها كانت وماتزال بلاد قومية تؤمن بسيادة العرق الفارسي.. إيران الشاه باتت أيضا جزء من الماضي حين ثار الشعب الإيراني ضد نظام الشاه، وجاء الخميني من باريس راكبا أمواج هذه الثورة ومعلنا قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، جمهورية وضعت مذهب الاثني عشر على رأس السلطة وكرسته في دستورها، وقالت أنها تحمل مشروعا جديدا للمنطقة اسمه “تصدير الثورة”، وبحسب أدبيات إيران الخمينية فإن نظام الحكم الجديد هو نظام مقدس يهدف لتمهيد قدوم ما يؤمنون بأنه صاحب الزمان.. كان العراق على رأس هذه القائمة المستهدفة تليه دول الخليج، ثم سوريا ولبنان وصولا لليمن، من ناحية الغرب، أما في شرقها فكانت باكستان وأفغانستان أهدافا محتملة لنظام طهران الخميني.
في ذلك الوقت كان صدام حسين قد صعد هو الأخر للحكم حديثا، وهو أيضا يحمل مشروعا عروبيا استقاه من فكرة البعث ولكن بنكهة عراقية، وهذه الفكرة بالقطع كانت تصطدم بفكرة إيران القومية التي بدأت التحرش بالعراق عبر ترخيص الخميني للشيعة العراقيين للانقلاب على نظام صدام، ولأن صدام لايحب الأنظار بدأ حربه على جارته إيران، حرب أرهقت الطرفين سنوات عدة واستمرت قرابة العقد من الزمان، انتهت بنتيجة لاغالب ولامغلوب.. ضعف العراق بعدها وزاده ضعفا قرار صدام المفاجئ بدخول الكويت وما تابع ذلك من حصار دولي فُرض عليه وانتهى بالغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، أما إيران فخرجت من الحرب دولة متمردة على العالم حيث أطلقت مشروعا نوويا وبدأت العمل عليه، وبخلاف ماجرى من قصف وتدمير مشروع العراق النووي تساهل الغرب ووكيلته إسرائيل بمشروع إيران النووي واكتفوا بفرض عقوبات عليها.

لماذا دمرت إسرائيل مشروع صدام وأبقت على مشروع إيران؟، الاجابة تحملها السنوات التي أتت لاحقا؛ إيران فعلت لإسرائيل ما لم تفعله أمريكا، فكانت تملك ما هو أخطر من النووي مشروع طائفي قسم المنطقة عموديا، بدأت تدعم في لبنان حزبا طائفيا سلحته وحمَّلته صبغة المقاومة والتي تحت ستارها وصل به الحال الآن للهيمنة على لبنان، وفعلت ذلك الشيئ في العراق حين استقبلت الشيعة المعارضين لصدام ودربتهم وسلحتهم وجهزتهم حتى قاتلوا معها بلدهم العراق، وفي ذلك الوقت بدأت طهران بغرس بذور أحزاب ومليشيات طائفية في أي بلاد تضم مواطنين من الشيعة، فاستثمرت في الكويت والبحرين والسعودية واليمن، وحينما أدركت أن مشروعها لن يمر إلا بغطاء، خاصة وأن غالبية شعوب المنطقة من العرب والسنة، اختارت قضية لا يختلف عليها اثنان وهى “قضية فلسطين” وأعلنت نفسها غرابة قضية الفلسطينيين والعدو الأكبر لإسرائيل ومن ورائها الغرب وأمريكا، وزاد من مشروعية هذا الغطاء التصريحات الغربية المعادية لها، والتي جعلت عربا كثر يؤمنون بأن طهران حليف معاد لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ولم تكتف بتحريض الشيعة العرب وتسليحهم، بل أفرز حرسها الثوري فيلقا مختصا بأراضي العرب أطلقت عليه “فيلق القدس” وهو الأخر كان من مفردات التحضير لمرحلة التمكين وجني الثمار، وهذه استمرت طوال سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، جرى خلالها عمليات كثيرة نفذتها مليشيات تتبع إيران على أراضي العرب كان أبرزها تفجيرات عدة في السعودية وكذلك في الكويت، كلها عمليات شهدت أن إيران جادة جدا في مشروعها.

لكن أين كان العرب؟، العديد من الدول العربية أدركت ماتحيكه طهران منذ البداية، فطوال حرب الخليج الأولى دعمت الدول الخليجية والعربية جهود صدام حسين في حربه ضد ايران، ولولا توجيه سهام جيشه للكويت لاستمر الدعم العربي للعراق. ولكن تلك هي النهاية التاريخية لكل الطغاة والمستبدين فإما أن يخربوا بيوتهم بأيديهم أو يكونوا سببا في جلب الغزاة والمحتلين.
سعت السعودية لمواجه إيران في عدة ساحات دخلتها؛ فدعمت سنة لبنان، وسعت لاستمالة نظام حافظ الأسد، كما دعمت نظام على عبدالله صالح في اليمن في حروبه ضد الحوثيين، بالاضافة لتدعيم التيار السلفي لمواجهة إيران. استعانت دول عربية وعلى رأسها دول الخليج بالولايات المتحدة الأمريكية التي عسكرت في المنطقة، فكان حال تلك الدول كالمستجير من الرمضاء بالنار، وأخيرا ارتموا في أحضان الصهاينة بدعوى مواجهة الخطر الإيراني، وبدلاً من أن يبحثوا لأنفسهم عن مشروع تمكين لهذه الأمة يعيد لها مجدها وعزها وتستأنف به دورها الحضارى بقيم القرأن الكريم، اختاروا لأنفسهم أن يكونوا خدما للمشروع الغربي وحراسا له مقابل ملء الكروش والبقاء على العروش.

لقد كانت الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل أكثر المستفيدين من تعاظم الدور الإيراني، فهى من سمحت لإيران بالتمدد، وهذا ما تريده طهران التي تقاسمت الأدوار مع الغرب، فمن ناحية كانت تعلن عداءها للغربيين ومن ناحية أخرى تساندهم وتمهد لهم الطريق أملا في تقاسم الكعكة، وهذا ما ظهر في حروب أمريكا على العراق وأفغانستان حيث اعترف الإيرانيون بأنهم من سهلوا دخول الأمريكيين لغزو هذه الدول، وكانت المكافأة هى ذاتها مرحلة جني الثمار لطهران، فدخلت العراق على ظهر الدبابة الأمريكية عام 2003 دخولا ليس من السهل بمكان أن يتبعه خروج، فكان من مفارقات التاريخ أن البوابة العراقية التي حالت دون تمدد إيران لسنوات هي ذاتها البوابة التي عبرت منها.. ليخرج مسؤول إيراني قبل سنوات ليفتخر أن بلاده تحكم قبضتها على أربع عواصم عربية بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وفي نظر الإيرانيين فإن البقية على الطريق وبالطريقة ذاتها، ولك أن تتخيل نتائج الاتفاق النووى الإيراني مع الغرب في غياب تام لأي دولة عربية.

الخلاصة : نظرا لأن إيران تمثل أقلية في المنطقة، فقد اعتمدت استراتيجية هجومية؛ لتأكيد مصداقيتها، وتتمثل استراتيجيتها بما يلي:
•استغلال الحج.
• استغلال القضية الفلسطينية.
• التلويح بالسلاح والتهديد بالبرنامج النووي والصاروخي.
• التهجم اللفظي على الغرب وإسرائيل.
• اختراق الأنظمة السنية بواسطة الأقليات الشيعية.
• التشييع في أوساط أهل السنة.
• إبراز قوتها الجيوسياسية من خلال التحكم بمضيق هرمز.. وهو مشروع يحظى برضا إسرائيلي ودعم غربي- روسي، فهؤلاء يلتقون في مصالحهم الموضوعية وإن اختلفوا فيما بينهم، لكن لسان حالهم أنهم يصفُّون حساباتهم على الأراضي العربية ومن دماء شعوب المنطقة.

محمد عماد صابر
سياسي وبرلماني مصري
من نواب برلمان الثورة 2012


الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.