كواليس زيارة ولي عهد أبو ظبي لأنقرة.. وهل نوقش دور دحلان في مباحثات بن زايد مع أردوغان؟!

0 866

أقام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء، مأدبة عشاء على شرف ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وأفاد مراسل الأناضول أن المأدبة أقيمت في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، بعيدا عن عدسات الصحفيين. وفي وقت سابق الأربعاء، وصل ولي عهد أبوظبي إلى العاصمة التركية أنقرة، في زيارة رسمية. ووقعت تركيا والإمارات، 10 اتفاقيات في مجالات مختلفة، بحضور الرئيس أردوغان وضيفه.

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، أنقرة 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021(وام)

والحقيقة أن أكثر المتفائلين لم يكن يتوقع هذه السرعة في الانفتاح بين أنقرة وأبوظبي، بعدما ساد التباعد والانشقاق بين أنقرة وأبو ظبي وسط خلافات ثنائية وإقليمية معقدة طوال العقد الماضي بأكمله.

والمتابع لشؤون المنطقة عن كثب يستطيع بسهولة أن يرى أن التقارب التركي الإماراتي الذي تجسد اليوم الأربعاء في اللقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان لم يكن مفاجئا، وإنما سبقه كثير من المؤشرات والسياقات وحتى التصريحات التي مهدت لإعلان لقاء كهذا يتوقع أن يكون مقدمة لشراكة أوسع.

وشارك أردوغان وابن زايد في مراسم توقيع عدد من الاتفاقيات بين الجانبين عقب لقاء وفدي البلدين بالمجمع الرئاسي بأنقرة.

الزيارة تعد هي الأولى من نوعها منذ 10 سنوات، وتشكل علامة فارقة وذات أهمية كبيرة على صعيد العلاقة بين الدولتين من جهة، وعلى صعيد المحاور المنقسمة التي اصطفت بها دول الإقليم خلال السنوات الأخيرة، من جهة أخرى.

أسباب الانفتاح السريع
مراقبون ذكروا أنه بعد مرور عقد كامل على “الربيع العربي”، انتهت معظم الثورات وخارت قوى جماعة الإخوان المسلمين مما يترتب عليه تخفيف اثنين من أهم مصادر التوتر في العلاقات بين أبوظبي وأنقرة.

وأوضحوا أن الإمارات أدخلت تعديلات على سياساتها تتماشى مع وضعية خفض التصعيد في الإقليم والتي بدأت مع خسارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ومجيء إدارة الرئيس جو بايدن.

وعلى الرغم من إسناد معظم المراقبين أسباب الانفتاح السريع بين الدولتين للملف الاقتصادي؛ فإن سمير صالحة -أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كوجالي- يعتبر انه من الخطأ القول أن انطلاق الحوار التركي-الإماراتي سببه اقتصادي كون العلاقات التجارية بين البلدين لم تتراجع على الرغم من كل التوتر في الملفات السياسية.

يُشار الى أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى بين دول الخليج التي تستثمر داخل تركيا بحجم 4.3 مليارات دولار، حسب تقرير لوكالة الأناضول، كما أن مستشار الرئاسة الإماراتية الوزير أنور قرقاش يذكر أيضا أن دولته هي الشريك التجاري الأول لتركيا في الشرق الأوسط.

وقال الأكاديمي التركي سمير صالحة: “كانت أبوظبي على علم بتفاصيل الحوار التركي المصري، والتركي السعودي، والمبادرة التركية في موضوع سد النهضة، وزيارة رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان إلى تركيا التي أعقبتها زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى العاصمة التركية، كما كانت أنقرة على علم بتفاصيل الخطة الإماراتية لتسوية النزاع الإثيوبي مع القاهرة والخرطوم، ودور الإمارات في دفع الأمور نحو الحلحلة في الملف الأفغاني الذي تُناقش فيه وتُعرَض خطة عربية إقليمية على أطراف النزاع”.

ولفت إلى أن مستشار الأمن الوطني في الإمارات طحنون بن زايد كان في القاهرة قبل زيارته إلى أنقرة بأسبوع، وكانت هناك خطوات محسوبة وتفاهمات على نار هادئة، والتحرك الإماراتي التركي مرتبط حتما بالتحرّك الثلاثي التركي القطري الأردني.

بينما ذكر علي باكير الباحث في مركز ابن خلدون أنه سبق لأبوظبي أن استخدمت السياسة مدخلا لتطبيع العلاقة مع أنقرة بُعيد الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016، لكن هذه المحاولة انتهت بشكل سيئ وتدهورت العلاقات بشكل أكبر مما كانت عليه مع غياب الثقة بمحاولة الانفتاح الإماراتية، لذلك تستخدم أبوظبي الآن أسلوبا آخر وهو الاقتصاد الذي هو مصلحة لها بالانفتاح على أنقرة.

ووفقا لدراسة نشرها “مركز دراسات الشرق الأوسط” (ORSAM) في أنقرة، فإن أسباب التحول في العلاقة تعود إلى جهود التطبيع بين تركيا ومصر وقطر والمملكة العربية السعودية، وتغيير القيادة في الولايات المتحدة. والآثار الاقتصادية السلبية لفيروس كوفيد-19، ويبدو أن القدرة العسكرية المتزايدة لتركيا لعبت دورا حاسما في تغيير السياسة، ويضاف إلى ذلك أن مصر والسعودية -وهما من أقرب حلفاء الإمارات- غيرتا سياساتهما تجاه تركيا، وهو ما أثر أيضا في موقف أبوظبي تجاه أنقرة.

ملفات التوتر


بدأ التوتر التركي الإماراتي قبل 8 سنوات بعد تطورات الأحداث في مصر، ثم توسع وانتقل إلى الملفات السورية والليبية وشرق المتوسط والموضوع الفلسطيني والأقليات في المنطقة والمناورات العسكرية المشتركة مع اليونان وقبرص اليونانية.

وتولد الشقاق من رحم الانتفاضات العربية، عندما اتخذت تركيا موقفا داعما للثورات ولجماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم الإسلاميين الذين تقلدوا الحكم في عدد من الدول العربية.

وفي النزاع الخليجي، وقفت تركيا في نفس الخندق مع قطر ضد الإمارات والسعودية ومصر، بينما ساعد الدعم الذي قدمته أنقرة الحكومة الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة على صد قوات تدعمها الإمارات كانت تحاول السيطرة على العاصمة طرابلس.

وتبادل البلدان الاتهامات بالتدخل وممارسة النفوذ خارج حدودهما، ووصف أردوغان ذات مرة وزير الخارجية الإماراتي بأنه وقح أفسده المال عندما أعاد الوزير نشر تغريدة وجه فيها انتقادات لقوات العثمانيين أسلاف تركيا الحديثة.

وفي القرن الأفريقي، تتسابق تركيا والإمارات على النفوذ. وفي سوريا، لا تزال تركيا تقدم الدعم للمعارضة المسلحة المناهضة للرئيس بشار الأسد فيما فتحت الإمارات سفارة في دمشق.

مسار تطور العلاقة

في شهر يونيو/ حزيران 2016 شهدت تركيا محاولة انقلاب فاشلة ضد الرئيس أردوغان قتل فيها أكثر من 200 شخص وفشلت المحاولة بعد أن خاطب أردوغان أنصاره عبر محطة تلفزيون طالباً منهم النزول إلى الشوارع ومواجهة الجنود المشاركين في المحاولة في شوارع المدن التركية.

واتهم أردوغان حليفه السابق رجل الدين التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، بالمسؤولية عن المحاولة ودشنت الحكومة حملة مطاردة لا ترحم ضد من يشك أن له صلة بغولن أو من أنصاره، فتم طرد وسجن عشرات الآلاف من موظفين ورجال أمن وضباط وعناصر الجيش ولا تزال الحملة مستمرة حتى الآن سواء داخل تركيا أو خارجها.

في تطور لافت اتهمت تركيا أواخر عام 2019 المسؤول الأمني الفلسطيني السابق محمد دحلان بلعب دور في محاولة الانقلاب ضد أردوغان.

وخصصت تركيا مكافأة مالية بقيمة 700 ألف دولار مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال محمد دحلان المقيم في الإمارات العربية المتحدة، وفقا لما أوردته وسائل إعلام تركية. وقال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو لصحيفة “حرييت” إن دحلان سيدرج في قائمة الإرهابيين المطلوبين.

محمد دحلان مستشار بن زايد الذي تم تجميد أنشطته في الامارات مؤخرا استجابة لمطالب تركية- أرشيف

وكان وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو قد أتهم دولة الإمارات “بإيواء إرهابي”، وصرح لقناة الجزيرة القطرية بأن دحلان فر إلى الإمارات “لأنه عميل لإسرائيل”، كما اتهم الإمارات بمحاولة استبدال الرئيس الفلسطيني محمود عباس بدحلان.

وانضم وزير الداخلية التركي سليمان صويلو إلى الحملة ضد الإمارات في شهر فبراير/ شباط 2020 متهما إياها بمحاولة النيل من تركيا وإثارة الفوضى والإضرابات فيها، وقال إن الإمارات تسعى لإثارة البلبلة وزرع الفتنة وإلحاق الضرر بتركيا.

وقالت صحيفة “يني شفق” المقربة من الحكومة التركية، إن دحلان لعب دوراً كبيراً في “تمويل الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي ضد الرئيس المصري محمد مرسي بالإضافة إلى أحداث “غزي بارك” التي شهدتها مدينة إسطنبول عام 2013، فضلا عن محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا”.

وأكد مراقبون أتراك لموقع ( الشادوف) أن موضوع محمد دحلان لم يوضع على طاولة المباحثات بين بن زايد وأردوغان وتم الاكتفاء بأن تتولى الأجهزة الاستخباراتية التعامل مع هذا الموضوع الذي تمت مناقشته بالفعل بين رئيس جهاز الاستخبارات التركي حاقان فيدان ومستشار الأمن الوطني الاماراتي الشيخ طحنون بن زايد في أغسطس الماضي، ولوحظ اختفاء دحلان من الساحة منذ فترة عقب تفاهمات بين الجانبين.

المحطة الثالثة في الخلاف بين الإمارات وتركيا كانت مع نشوب الأزمة الخليجية عام 2017، حين قامت السعودية والإمارات والبحرين ومصر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وإلغاء مشاركة الأخيرة في التحالف العربي الذي يقود الحرب في اليمن، وإغلاق المنافذ البرية مع قطر ومنع الطائرات القطرية من التحليق عبر أجواء هذه الدول والنقل البحري إلى قطر عبر موانئها.

بعد ذلك بيومين صدق البرلمان التركي على معاهدة للتعاون العسكري بين قطر وتركيا، من بين بنودها إقامة قاعدة عسكرية في قطر ونشر جنود أتراك في قطر.

وقدمت البلدان الخليجية الثلاث ( السعودية والإمارات والبحرين) ومصر قائمة بثلاثة عشر مطلباً من قطر لرفع الحصار المفروض عليها وتطبيع العلاقات معها وكان من بينها إغلاق قناة الجزيرة، وتحجيم العلاقات العسكرية مع تركيا وإغلاق قاعدة عسكرية تركية في قطر، وقطع العلاقات مع حركة الإخوان المسلمين، وتقليص الروابط مع إيران.

ووصفت قطر قائمة المطالب بأنها “غير واقعية وغير عملية”، بينما قال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو إن مطالب الدول المقاطعة لقطر غير مقبولة وتمثل انتهاكا لسيادة قطر.

ولم تكتف تركيا بإرسال جنود وأسلحة إلى قطر بل سارعت إلى إرسال شحنات من الأغذية والحاجات الأساسية عبر الجو، قبل أن تفتتح خطاً بريا لإمداد قطر بما تحتاجه عبر الأراضي الإيرانية وصولاً إلى الموانئ الإيرانية المطلة على الخليج.

طحنون بدأ التمهيد لمحمد


تأتي زيارة الشيخ محمد بن زايد بعد شهرين من زيارة أخيه طحنون التي جاءت بعد 4 أشهر من اتصال هاتفي بين وزيري خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو والإمارات عبد الله بن زايد، كان الأول من نوعه منذ 5 سنوات، وقد تمّ خلاله تبادل التهاني بحلول عيد الفطر.

وردت تركيا على هذه الرسالة بتعيين سفير جديد لها في أبوظبي لمتابعة الرسائل الجديدة للإمارات والتفاعل معها بإيجابية.

قبل هذا الاتصال كان هناك كثير من الإعداد على مستوى أجهزة الاستخبارات في البلدين، وأُسدِل الستار على الكثير من ملفات الخلاف الثنائي والتصعيد الإعلامي وتبادل الاتهامات عبر الفضائيات والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي.

وعقب لقاء عقده أردوغان مع المسؤول البارز طحنون بن زايد -الذي زار أنقرة في 18 أغسطس/آب 2021- برزت تصريحات رسمية إماراتية تشير إلى سياسة جديدة تنتهجها الإمارات في علاقاتها الدولية، بعدما مرت علاقة أبوظبي مع عدة عواصم -منها أنقرة- بحالة عداء كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية.

وفي تصريح رسمي إماراتي يكشف عن السياسة الجديدة للبلاد، قال المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش إن أبوظبي تعمل حاليا على تعزيز العلاقات مع الجميع، مشيرا إلى أن اختلاف المواقف لن يحول دون تعزيز العلاقات الاقتصادية.

وكتب قرقاش على “تويتر” -في 19 أغسطس/آب 2021- أن بلاده تعمل حاليا على بناء الجسور وتعزيزها وترميمها مع الجميع، والمواءمة بين الاقتصاد والسياسة.

ولا تزال تركيا تحجب المواقع الإلكترونية لبعض المنظمات الإماراتية، بما في ذلك وكالة الأنباء الحكومية، لكن الحكومة أوقفت ما كان في السابق وابلا لا ينقطع من سهام النقد التي تستهدف الإمارات.

وتشارك تركيا حاليا في “إكسبو 2020 دبي” الذي يعد أول إكسبو دولي يقام في العالم العربي، كما زار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي جناح الجمهورية التركية المقام في منطقة الاستدامة.وشاهد خلال زيارته للجناح التركي عروضاً تفاعلية تبرز مفهوم الاستدامة الذي تركز عليه تركيا.

واعتبر توجاي تونشير سفير تركيا لدى الإمارات أن مشاركة بلاده في “إكسبو 2020 دبي” تجسد حقبة جديدة من التعاون وتعزيز العلاقات مع دولة الإمارات وأن الحدث العالمي يمثل فرصة لعرض مقومات اقتصاد تركيا المتنوع والذي يشمل قطاعات عديدة منها السياحة والمجوهرات والتكنولوجيا والبناء.

وذكر أن إكسبو 2020 دبي يساهم في تعزيز النمو التجاري خاصة مع تصدير المزيد من المواد الغذائية والأطعمة الجاهزة، وكذلك الفواكه والخضروات، وأيضاً مواد البناء التي تحتاجها المنطقة و تمتلكها تركيا.

وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التقى الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية ، وفدا تجاريا تركيا، على هامش فعاليات معرض إكسبو دبي 2020.وبحث الجانبان خلال اللقاء خطط تنويع الفرص الاقتصادية ذات الاهتمام المشترك، وتم الاتفاق على خطوات عملية لتنمية التبادل التجاري والاستثماري والتعاون على الصعيد الاقتصادي بين البلدين.

كما بحثا التحديات الاقتصادية وسبل معالجتها، وناقشا إمكانية الوصول إلى مستويات جديدة للتعاون من الجانب الاقتصادي والاستثماري.

يأتي هذا اللقاء بعد نحو أسبوع، من استضافة اتحاد غرف التجارة والصناعة بالإمارات وفدًا من لجنة العلاقات الاقتصادية الخارجية في تركيا “DEIK ” برئاسة توفيق أوزي رئيس الجانب التركي في مجلس الأعمال الإماراتي التركي.

وقال توفيق أوزي إن جميع الشركات التركية تسعى لتعزيز التعاون مع قطاع الأعمال الإماراتي كما تبذل جهودا كبيرة لتعميق العلاقات بين الطرفين ورفعها إلى مستوى أعلى وربطها بالعلاقات الإقليمية والدولية.

بلغة الأرقام، سجل التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين نمواً بنحو 21% خلال العام الماضي 2020، حيث بلغ نحو 8.9 مليار دولار، وذلك مقارنة مع عام 2019 والذي بلغ حجم التبادل التجاري خلاله نحو 7.3 مليار دولار.

المصدر: الشادوف+الجزيرة+وكالات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.