في الذكرى الثامنة للجريمة.. دراسات بريطانية لتوثيق(مذبحة رابعة) بمصر !

0 670

أصدرت مؤسسة “وعي” البحثية البريطانية اليوم الجمعة مقدمة دراسة توثيقية فريدة من نوعها بمناسبة الذكرى الثامنة لأبشع مذبحة نفذتها السلطات الرسمية المصرية ( الجيش والشرطة ) يوم 14 أغسطس 2013 ضد مواطنين مدنيين مصريين اعتصموا سلمياً في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة، عقب الانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب في مصر الشهيد محمد مرسي بقيادة وزير الدفاع المصري آنذاك ( الرئيس الحالي) عبد الفتاح السيسي يوم 3 يوليو من العام 2013.

وعلى الرغم من انقضاء ما يقرب من ثمان سنوات على هذ الحدث الدموي الرهيب؛ فإن الدراسات العلمية لم تتوقف عن تناول هذا الحدث البشع من زوايا مختلفة ولكنها لم تحط بعد بكل تفاصيله المادية والإنسانية، غير أن الدراسة البريطانية تميزت عن غيرها من الدراسات الأخرى بوجود منهجية واضحة للعمل التوثيقي وقائمة موحدة تضم كافة الشهداء، الى جانب التحليل الإحصائي لعملية الفض الدموية.

وفي إطار منهجية التوثيق الشامل المتبعة في مؤسسة ( وعي للبحث والتنمية) قامت المؤسسة بإصدار الجزء الأول من هذه الدراسة الذي تناول فقط ( الشهداء في منطقة اعتصام رابعة العدوية) و خلال ( يوم فض الاعتصام فقط)، أما شهداء النهضة وأحداثها فلها عمل مستقل خاص بها سيصدر قريبا.

وكذلك مذبحة المنصة لها عمل خاص بها، وفقا للمؤسسة، التي تعهدت أيضا بإصدار دراسات توثيقية منفصلة لأحداث رفض الانقلاب في المحافظات المصرية وشهداء المحافظات في يوم فض اعتصام رابعة بما فيها توثيق الشهداء الذين سقطوا في القاهرة والجيزة وعلى أطراف الاعتصام وميدان رمسيس وعربة الترحيلات وغيرها.

كما أكدت المؤسسة أن هذا التوثيق الذي صدر اليوم بمناسبة مرور 8 سنوات على المذبحة سوف يقتصر فقط على الضحايا من الشهداء وفي يوم واحد فقط ( 14 أغسطس 2013 ) بل انه محدد أيضا بساعات فض الاعتصام، أما الأحداث التشعبية والاعتصام الكبير نفسه فله إصدار خاص بعنوان:( رابعة الأحداث الكاملة) ويشمل الشهداء والمصابين والمعتقلين والتوثيقات والأعمال الفنية والتقارير الحقوقية ووسائل الإعلام على غرار توثيقات المؤسسة في أحداث الحرس الجمهوري وماسبيرو.

من هم ضحايا فض اعتصام رابعة العدوية 2013؟

إن معرفة هوية الضحايا والشهداء في جميع المذابح التي رافقت الثورة والانقلاب هو بمثابة عمل علمي في غاية الأهمية وسيقضي على مشكلات حقيقية تواجه الثورة المصرية السلمية تتمثل في إخفاق السلطة الحالية في إقامة الحق بل وتغييب العدالة وإخفاء الحقائق أو ربما تضييعها عمدا؛ حتى لا تكون ثَمة طريق للمعرفة الجلية بالضحايا والعمل على إنصافهم، ومساءلة من أهدر حقهم بالحياة.

وأشار بيان لمؤسسة ( وعي للبحث والتنمية ) الى أن الدراسة التي صدرت اليوم وثَّقت وقوع 1014 ضحية خلال الفض الوحشي لاعتصام ميدان رابعة العدوية السلمي في 14 أغسطس 2013، حيث كان نصيب محافظة القاهرة وحدها ما يقارب ثلث الضحايا، بينما تقاسمت 24 أربع وعشرون محافظة مصرية أخرى بقية العدد.

توزع الضحايا على فئات عمرية واجتماعية متنوعة، كما شغلوا 139 مهنة مختلفة تضمنت مهنًا مرموقةً ( مثل المشرعين ونواب البرلمان وكبار الموظفين والمديرين”) بالاضافة الى مهن تخصصية عالية المستوى في 39 مجالاً (فئة “الاختصاصيون”).

وتتضمن دراسة مؤسسة ( وعي للبحث والتنمية ) حول حدث فض اعتصام رابعة العدوية، عدة نقاط أساسية، تتضمن (توثيق الضحايا) ومنهجية التوثيق، والإجراءات و(القائمة الموحدة لبيانات الضحايا)، وتتضمن البيانات الأساسية لضحايا فض الاعتصام، و(التحليل الإحصائي) الذي يتضمن تحليلاً معمقًا لبيانات الضحايا يكشف عن هوياتهم، ومن هم؛ بخلاف النوع (الجنس)، والسن، والمحافظة التي ينتمي إليها، والحالة الاجتماعية، والمهنة.

حدث ضخم وخسائر فادحة

لقد كان لضخامة الحدث وفداحة الخسائر التي ترتبت عليه -لا سيما الخسائر في الأرواح- بالغ الأثر في كل هذه المستويات، ولم يهنأ الجميع بالطمأنينة والسلام، حتى وإن ظن من حرضوا عليه أنه سوف يضع حدًا لزحف الشعوب الطامحة للحرية والعدالة والكرامة، وقد عبر عن ذلك الداعية السعودي الدكتور سلمان العودة في تغريده له بعد الفض فكتب: ” ألا أيها المستبشرون بقتلهم، أطلت عليكم غمّةٌ لا تفرّجُ!”.

وبرغم ما لهذا الحدث من أهمية، فقد بقيت الأسئلة الجوهرية الآتية دون جواب لأعوام:

ماهو العدد الفعلي لضحايا حدث فض اعتصام ميدان رابعة العدوية؟
ما هي انتماءات وهويات الضحايا التي تتجاوز مجرد فرزهم وفقا لجنس معين، أو شريحة عمرية، أو منطقة سكنية، لتعتني كذلك بخلفياتهم الفكرية أو السياسية، والإطار القيمي الناظم لسلوكهم، وغير ذلك من زوايا الدراسة الكاشفة لأصحاب هذا التجمع البشري الفريد؟!!
ما طبيعة الإصابات التي أوقعت الضحايا من القتلى، وما دلالاتها؟ من خلال تحليل إحصائي متخصص.
من الفاعل الحقيقي لجرائم القتل والحرق والإبادة التي وقعت في هذا الحدث؟ لا سيما وقد عملت سلطة انقلاب الثالث من يوليو –بما امتلكته من أدوات سياسية وإعلامية-على الترويج لفكرة أن الاعتصام كان مسلحًا، وأن المتظاهرين قتلوا بعضهم البعض، إلى غير ذلك من الأطروحات المضحكة.
وقد راجع الباحثون في بداية عملهم الدراسات والتقارير ذات الصلة بفض الاعتصام والتي صدرت عن جهات مختلفة، وقدموا عرضًا لخلاصاتها وأهم الملاحظات عليها.

ومن بين تلك الدراسات والتقارير:

(1) تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري

(2) الملخص التنفيذي لتقرير اللجنة القومية المستقلة لجمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق في الأحداث التي واكبت 30 يونيو 2013 وما أعقبها من أحداث وتوثيقها وتأريخها.

(3) تقرير جاد وهبه، 15 أغسطس 2015، الصادر عن المفوضية المصرية للحقوق والحريات بعنوان “ساعات استباحة القتل الجماعي، تقرير عن وقائع فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة”.

(4) تقرير هيومن رايتس ووتش، 12 أغسطس 2014، بعنوان “حسب الخطة؛ مذبحة رابعة وعمليات القتل الجماعي للمتظاهرين في مصر”.

(5) كتاب شهادتي عن رابعة.. بين الحقيقة والخيال، 2014، لمؤلفه الأستاذ الدكتور جمال عبد الستار،

(6) تقرير مصلحة الطب الشرعي حول فض اعتصام رابعة.

(7) كتاب “مجزرة رابعة بين التوثيق والرواية”، 2014، سليم، وآخرون، 8) سلسلة مركز الحضارة بعنوان “رابعة؛ شهداء الحرية في ميادين مصر”، دراسة مؤسسة وعي للبحث والتنمية، 2019، بعنوان “مذبحة الحرس الجمهوري”.

وفي سبيل الإجابة عن سؤال الدراسة الأول وهو: ما العدد الفعلي أو الحقيقي لضحايا مجزرة فض اعتصام ميدان رابعة العدوية؟؛ أنجزت الدراسة عددًا من الإجراءات:

أولاً : أجرى الفريق عمليات بحث مطولة لجمع كل قائمة تتضمن إحصاءً لضحايا فض اعتصام رابعة من القتلى، فتم الرجوع لعشرات المواد من المواقع الإخبارية وردت كأخبار أو تقارير صحفية، ومواقع المراكز البحثية والمؤسسات الحقوقية لجمع ما صدر عنها من تقارير أو قوائم توثق لضحايا الحدث، وتم الرجوع أيضًا لمنصات التواصل الاجتماعي لا سيما صفحات المحافظات والمدن التي حرصت على توثيق شهدائها في المذبحة وعلى نشر صورهم وسيرتهم وقصص استشهادهم.

ثانيًا : قامت مؤسسة ( وعي للبحث والتنمية) بفحص أكثر من 900 شهادة وفاة وتصريح دفن لضحايا أحداث وقعت خلال هذه الفترة، واستخلصت منها ما يخص ضحايا فض اعتصام رابعة العدوية، وكوَّنت قائمة مستقلة منهما، وكان لهذه القائمة قيمة عالية في توثيق عدد من الشهداء مع تأكيد البيانات الشخصية لكل منهم كونها صادرة عن جهات رسمية.

ثالثًا : صُنفت القوائم التي جُمعت كقوائم مرجعية، وقد بلغت 73 قائمة، صنفت إلى فئات بحسب درجات قوتها وحجيتها في الاستدلال على تبعية الضحايا للحدث ودقة ما بها من بيانات.

فتضمنت على الترتيب:

أ) قوائم صادرة من جهات رسمية، مثل تقرير الطب الشرعي، أو شبه رسمية مثل تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان،

ب) القائمة المكوَّنة من وثائق رسمية، مثل شهادات الوفاة وتراخيص الدفن.

ج) قوائم ميدانية، مثل قوائم مسجد الإيمان،

د) قوائم أنتجتها مؤسسات حقوقية، وجهات بحثية، مثل:

القوائم التي تضمنها كتاب مجزرة رابعة بين الرواية والتوثيق بإصداريه 1 و2.
كتاب “رابعة، شهداء الحرية في ميادين مصر” الصادر عن مركز الحضارة الذي وثَّق عن طريق كتابة السير عدد 145 من شهداء فض اعتصام رابعة.
قائمة موقع ويكي ثورة، هـ) شهادات مباشرة من أهالي الضحايا وأصدقائهم وزملائهم.
قوائم منشورة في مواقع الويب وصفحات السوشيال الخاصة بالمحافظات والمدن.
قوائم مستخلصة من صفحات أُنشئت خصيصًا لجمع بيانات ضحايا الأحداث مثل صفحة “احكيلي عن شهيد” وصفحة “اعرفوهم”، وغيرهما.
رابعًا: وُصفت القوائم المرجعية، وذلك بكتابة المعلومات الأساسية حول كل قائمة ثم عرض موجز لما بها من بيانات الضحايا عمومًا ومن ينتمي منهم لحدث فض اعتصام رابعة خصوصًا، وبهذا يعتبر الوصف مرجعًا مهمًا لقوائم إثبات كثير من الضحايا لأحداث تلك الفترة المهمة من تاريخ الثورة المصرية.

خامسًا: أُنشئ ملف إكسيل بقالب محدَّد يتضمن كل الحقول المعرفية الممكنة لبيانات الضحايا وقد بلغت 40 حقلاً تم تأسيسها من كل الحقول المعرفية التي تضمنتها القوائم المرجعية.

وبعد ذلك تم إعداد قائمة موحَّدة نهائية خلصت إليها عملية التوثيق لضحايا فض اعتصام رابعة العدوية والتي تضمنت 1014 شهيدًا، وهذا الرقم الذي وثقته قائمة ( مؤسسة وعي ) لضحايا فض اعتصام رابعة العدوية هو رقم غير مسبوق، حيث كان أعلى الأرقام هو 931 الذي أعلنته صفحة ( ويكي ثورة )، في حين وثقت هيومن رايتس ووتش 817 ضحية وأشارت في تقريرها إلى أن العدد الفعلي يتجاوز الألف، بينما جاءت التصريحات الرسمية وشبه الرسمية هي الأقل؛ فأعلنت مصلحة الطب الشرعي عن 377 ضحية وأعلنت اللجنة القومية لحقوق الإنسان شبه الرسمية عن 632 ضحية.

من هم الضحايا؟

استفادت الدراسة في هذا القسم من الجهد السابق لمؤسسة وعي للبحث والتنمية خلال توثيقها لشهداء مذبحة الحرس الجمهوري في موسوعتها التوثيقية الأولى الصادرة عام (2019).

حيث عرضت الموسوعة مختصرًا لسير الشهداء، وبيّنت بشكل عملي أن شهداء الثورة المصرية السلمية ليسوا مجرد أرقام وإنما صورة إنسانية كاملة، وأنها هدفت إلى تخليد ذكراهم وتقديم مواساة أدبية -مبنية على المعلومات-لكل أبنائهم وعائلاتهم.

اختارت الدراسة أحد عشر شخصية كنماذج من بين ضحايا فض اعتصام رابعة، لم تظهر فجأة على مسرح الأحداث، ولم تكن منتمية لفصيل واحد كما سوق لذلك نظام الانقلاب.

لقد عشقوا جميعًا الحرية والكرامة والعدالة، وسعوا لنيلها ضمن الحراك الشعبي المشروع في ثورة 25 يناير، فكلهم ثائرون بامتياز على الظلم والاستبداد والفساد.

فأحدهم عبد الناصر عجاج؛ شارك في ثورة يناير، وعزف مقطوعات موسيقية بعوده في ميدان التحرير بين الثوار.

ومريم علي؛ الطالبة الأزهرية، شاركت هي الأخرى في ثورة يناير وفي كل فعاليتها ومنها أحداث محمد محمود

وعبد الرحمن عويس؛ العالم الأزهري، أستاذ التفسير الذي انضم لاعتصام رابعة التزاما بضميره الديني وبقيمه في رفض الانقلاب، فلقى الله شهيدًا هو وولده، وأم رمضان، هبه محمد فكري؛ التي لم يكن لها أي انتماء سياسي، والتي ظهرت في مشهد استشهادها حين واجهت القَتلة مشهرة في وجوههم المصحف صائحة: “الله أكبر”، فما كان منهم إلا أن عاجلوها بطلقة في صدرها الذي خرجت منه تلك الصيحة.

ومصطفى الكردي؛ ذو الشخصية البسيطة والتعليم المتوسط، الذي أصر على المرابطة في الاعتصام من يومه الأول، فكان يذهب إلى عمله ويعود إلى الاعتصام، وحين بدأت المذبحة كان في بيته بالمنوفية، لكنه أصر على الالتحاق بالمعتصمين، ورغم الحصار المفروض على القاهرة إلا أنه استقل دراجته النارية، واستطاع أن يصل إلى الميدان ليكون على موعد مع الشهادة.

كما عالج السرد قصص المسيرات التي جاءت لتخفيف الحصار عن المعتصمين وما تعرضت له من مواجهة عنيفة من القوات أوقعت منهم عشرات القتلى على أطراف الميدان.

واستطاع السرد أن يرسم صورة لخروج المعتصمين من الميدان وكيف خرجوا، ومن أين، وكيف عاملتهم القوات، وإلى أين توجهوا.

وتعرض السرد أيضًا لما قامت به القوات بعد خروج المعتصمين من الميدان من عمليات حرق للمركز الطبي والمسجد وملحقاته، ثم تحطيم سيارات المعتصمين وإزالة الجرافات لآثار الفض قبل حضور النيابة للمعاينة.

وكان المشهد الأخير من مسجد الإيمان الذي استقبل جثامين بعض الشهداء وجاءه الأهالي للتعرف على ضحاياهم حيث انتهى الأمر بإخراج الأهالي من المسجد تحت قنابل الغاز المسيل للدموع. كما عالج السرد عددًا من النقاط الهامة كمسألة تسليح الاعتصام ووهم الممر الآمن والخروج الآمن وغيرهما.

واستند السرد في روايته على شهادات عيان جمعت من مصادر متعددة وقسم منها ينشر للمرة الأولى حيث أجرت مؤسسة وعي مقابلات مسجلة مع عدد من شهود الحدث، هذا بالإضافة لمقاطع الفيديو والصور التي لم تقل في أهميتها عن المصادر البشرية، خاصة مع الكم الكبير الذي راجعته الدراسة والقراءة المنهجية لما حوته من مضامين.

المصدر: الشادوف+مواقع الكترونية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.