عبد الحافظ الصاوي يكتب: أحلام مؤجلة…فهل يمهلنا القدر؟

0 524

تمر الأعمار عبر مراحلها المختلفة، من الطفولة والصبي إلى الشباب والرجولة، ثم الكهولة والشيخوخة، وتتعلق أعمال في الأذهان، بغية أن تتاح لها امكانية الإنجاز.
وبين هذه الأحلام والواقع المعيش، تأتي لحظة الرحيل، ونهاية العمر، ليكون لقاء الله عز وجل، ونسأله ان يكون لقاء المحب لربه.
بعد تخرجي من الجامعة كنت أمر في شارع السودان بالجيزة، وحان وقت آذان العصر، فدخلت المسجد، فلما تجهزت للصلاة، كانت الجماعة الأولى قد انتهت، فصليت وحدي، وعقب انتهائي من الصلاة، وجدت شيخًا كريمًا يعقد حلقة للأطفال، ويشرح لهم خريطة فلسطين…فأصل ذلك في نفسي حلم أن يكون لي دور وانا في سن هذا الشيخ، بأن أعود إلى مسقط رأسي في قرية البراجيل.
حيث الأهل والإخوان، وأن أجعل من مساحدها، حلقات للأطفال والشباب، أشرح لهم خرائط كثيرة، ليس فقط فلسطين، ولكن دولة كثيرة عربية وإسلامية، نالها نيران الاستعمار بكل معانيه.
فما أجمل أن تكون لك مساهمة في الحفاظ على هوية أمتك، وصناعة وعي أبنائها…فهل سيبقى في العمر بقية لتحقيق هذا الحلم؟ اسأل الله ذلك.
وحلم ثان، يتعلق بطبيعة العمل في المجال البحثي ومهنة الكتابة، ففي مقتبل العمر، رزقني الله عز وجل بأبي الذي كان يشحعنا على القراءة، واقتناء الكتب، وكان يقول لنا “أن أهم شئ في البيت المكتبة” وزاد من هذا الأمر، أخي الكبير الأستاذ محمد الصاوي، الذي بدأ رحلة شراء الكتب مبكرًا، فكان لدي مكتبة كبيرة، تخلصت من بعض مكوناتها، عدة مرات، في مرحل مختلفة بسبب رغبتي في التركيز على الكتب المتعلقة بالتخصص في الاقتصاد، وما يتعلق به من جوانب شرعية.
ولكن طبيعة العمل والعمر، أن كتب كثيرة لم أكمل قرائتها، وكنت أنوي العودة إليها لاستكمالها، وبعضها قرأته بالفعل، وكنت بحاجة لقرائته مرة ثانية، وبعضها كنت أنوي عمل عرض له ليستفيد منه غيري، وثمة أمر مهم، يتعلق بعناويين علقت بذهني للكتابة فيها، سواء من خلال المقالات، أو جعلها مشروعات لكتب، ولكن ضعف العزيمة، والانشغال بلقمة العيش حالت دون انجاز هذا الحلم، فهل سيمهلنا القدر لإنجازه، أسأل الله ذلك.
وحلم ثالث يتعلق بانتمائي لجماعة الإخوان المسلمين، وانا في عمر 16 عامًا، عايشت فيها تجارب عدة، وشاركت في أعمال كثيرة، واثر في بشكل كبير، قراءة كتابين مهمين، الأول للأستاذ محمود عبدالحليم رحمه الله “الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ” حيث قرأت معظم أجزائه الثلاثة، وكنت أنوي استكمال قرائته بالكامل، وكذلك كتاب الأستاذ حسن دوح رحمه الله “25 عام في جماعة مرورًا بالغابة” حيث مثل الكتابان لي نقلة نوعية، جعلت من نظرتي للجماعة، نظرة صحيحة، بأنها جماعة بشرية تصيب وتخطأ، وأن ما جاء من المبادئ والمفاهيم في أدبيات هذه الجماعة، هي النموذج، الذي يقترب ويبتعد منه الأفراد، فلذلك لم أكن استغرب ما مرت به الجماعة وأفرادها من عثرات وأخطاء، فهم بشر أولًا وأخيرًا.
إلا إني أشهد الله عز وجل أني وجدت في صفوف الجماعة من أحسبهم من الأتقياء الأخفياء، وأن الكثرة من ابناء هذه الجماعة المباركة يعملون لمشروعها الكبير لاصلاح الأمة، وعودتها لصحيح الإسلام..وكان حلمي أن اسطر تجربتي، وبخاصة في ظل أزمتنا الكبيرة التي زلزلت أبناء الجماعة في مشارق الأرض ومغاربها، بعد الانقلاب العسكري في مصر في يوليو 2013، فالتدوين لهذه المرحلة، هو حق الأجيال القادمة، وأحد مسارات التصحيح، فهل سيكون في العمر بقية لإنجاز هذا الحلم؟ أسأل الله ذلك.
وحلم آخر يتعلق بالقرآن الكريم، والعلوم الشرعية، فلقد من الله عز وجل علي بأن التحقت بالأزهر الشريف بعد المرحلة الإعدادية، حيث بدأت مرحلة جديدة مع القرآن، وبخاصة أنها صاحبت التحاقي كذلك بجماعة الإخوان المسلمين، حيث حفظت بعض أجزاء القرآن، وكانت مناشط كثيرة في الإخوان وفي الأزهر الشريف تربطنا بالقرآن الكريم، وفي مرات التلاوة، التي استكمل فيها ختمة القرآن، أشعر كل مرة بأنني يحاجة إلى قراءة أكثر تأن وتدبر، وأن معاني كثيرة تتدفق على الذهن وتستحق التدوين، وعمق هذا الحلم مقولة عن شيخنا الراحل د أحمد العسال رحمه الله “خريطة القرآن الكريم أصبحت أمامي شديدة الوضوح الآن”..ولا أزعم أنني وصلت لهذه المرحلة المتقدمة مثل شيخنا العسال.
فثمة معان كثيرة تحتاج لقراءة ومراجعة، وتدوين، لعله يكون علم ينتفع به بعد الممات، فهل سيتحقق هذا الحلم…أسأل الله ذلك.
وفي ضوء هجرتي التي بدأ في 26 أغسطس 2014، بسبب الانقلاب العسكري بمصر، ونسأل الله عز وجل عودة قريبة، حيث أتيح لي العيش في بلدين اسلاميين (ماليزيا وتركيا) ومن قبلهما كنت كثير السفر بحكم عملي، ولكن كما ذكرت في تدوينة سابقة، أن أسفاري لم تتح لي زيارة البلدان التي سافرت إليها.
وعلى أمل أن أزور معالم هذه البلدان الحضارية، ورغبة في معرفة تطورها الاجتماعي والحضاري، ولكني رهين المحبسين، إما الانشغال في العمل حيث البحث والكتابة، أو الخلود للراحة بالبيت، وبخاصة بعد الظروف الصحية التي أمر بها، ولكن هل سيمهلنا القدر لتحقيق هذا الحلم؟ نسأل الله ذلك.
حلم آخر وليس أخير، في عام 2000 سعيت جاهدًا لأن تكون لنا مقبرة خاصة لبيتنا وبيت عمي الحاج صابر الصاوي رحمه الله، وبالفعل أتممنا أعمال المقبرة بمدينة السادس من أكتوبر، وكنت كلما ذهبت إلى المقابر، اتفحص المكان، واستشعر مدى وجودي بعد الممات، في هذا القبر الضيق، وفي هذه المنطقة الموحشة، وكانت هذه الزيارات تدفعي لأن اتذكر الموت والآخرة.
ولكن أتت الظروف التي مرت بها مصر بعد انقلاب يوليو 2013، فغادرت مصر، وشاركت في كثير من الجنازات لإخوة احباب، هاجروا مثلي، واختلف مكان المقابر في ماليزيا وتركيا، ويرودني سؤال، هل سيكون هنا المقر النهائي، للدفن بعد الموت؟ والله عز وجل يقول “وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت”.
ولكن حلم العودة إلى أرض الوطن، لازال قائمًا، حتى أدفن بجوار الكريمين أبي وأمي، اللذان حرمني الانقلاب الغادر من رؤيتهما في مرضهما الأخير، أو المشاركة في جنازتهما، أو دفنهما..فهل سيتحقق حلم الدفن بجوار الأحبة؟ نسأل الله ذلك..
رودتني هذه الخواطر اليوم، حيث أكمل عامي الثامن والخمسين، ونسأل الله عز وجل المغفرة فيما مضى، والسلامة فيما بقي، طابت أعماركم وسلمت ابدانكم، ودمتم إخوة كرام، يجمعنا بكم مظلة الحب في الله.

عبد الحافظ الصاوي

خبير اقتصادي مصري

من مؤلفاته: موازنة ما بعد الثورة، توظيف أموال الزكاة في العالم الإسلامي، الاقتصاد المصري بين الضرائب والزكاة

@@@@@@@@@@@@@@@@@

مقالات الرأي تعبر عن آراء أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أو سياساته التحريرية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.