صراعات الأجهزة الأمنية المصرية تعود مجددا بسبب “المشروعات القومية”

0 1٬066

عادت التجاذبات التي تصل الى حد الصراعات المتجذرة بين الأجهزة الأمنية في مصر للسطح من جديد، بعدما طالب عدد من نواب الحكومة بتجميد العمل بما يعرف بـ “المشروعات القومية” الضخمة لفترة من الوقت.

وتأتي تلك المطالبات على خلفية الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد بفعل تداعيات الحرب في أوكرانيا، والموجة التضخمية العالمية، ومهاجمة وزير النقل كامل الوزير لهؤلاء النواب، بقوله: “إنهم يدسون السم في العسل”.

وقال مصدر حزبي مطلع، لـصحيفة “العربي الجديد”، إن الأزمة التي وصفها بـ”المفتعلة”، والتي شهدتها أروقة مجلس النواب، في جلسة إلقاء الحكومة البيان المالي السنوي، وبيان خطة التنمية بشأن الموازنة الجديدة، الاثنين الماضي، استهدفت توصيل رسائل محددة للدائرة المقربة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومنها أهمية احتواء حالة الغضب الشعبي المتصاعد في الشارع، جراء الارتفاع المستمر في الأسعار منذ بداية الأزمة الروسية – الأوكرانية.

فقه الأولويات

وأوضح المصدر أن دعوة بعض النواب، المحسوبين على حزب “مستقبل وطن” الحائز على الأغلبية البرلمانية، لضرورة وقف العمل مؤقتا في المشروعات العملاقة، كالعاصمة الإدارية، واستغلال الأموال المخصصة لها في برامج تستهدف الحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية على المواطنين، يؤكد وجود تيار مناوئ للسياسات الاقتصادية من داخل النظام نفسه، ولا سيما أن أعضاء البرلمان لا يتحدثون عن موضوعات “شائكة” مثل العاصمة الجديدة من دون الحصول على إذن مسبق!

وأضاف أن نواب الأغلبية يرتبطون بعلاقات وثيقة مع قيادات وضباط جهاز “الأمن الوطني” التابع لوزارة الداخلية، ولا يجدون غضاضة في تلقي التعليمات منهم، واستئذانهم قبل الحديث عن أي موضوع تحت قبة البرلمان، أو في وسائل الإعلام، باعتبار أن الجهاز يشرف على أنشطة حزب “مستقبل وطن” بصورة شبه رسمية، منذ توليه ملف الحزب مع إجراء الانتخابات الرئاسية في العام 2018 الماضي.

وتابع المصدر قائلاً إن أكثر النواب الذين هاجموا الحكومة في جلسة الموازنة هو النائب مصطفى بكري، الذي يرتبط بعلاقات جيدة مع جهاز “الأمن الوطني”، وكذلك مع جهاز المخابرات الحربية، حسبما قال.

وأضاف: “بدا من حديثه الانفعالي، عن أهمية الوقوف إلى جانب المواطن المصري في أزمته، أنه يسعى لإيصال رسالة من أحد الجهازين إلى دائرة السيسي المقربة، التي يقودها رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، وذراعه اليمنى -إن جاز التعبير- الضابط النافذ في الجهاز أحمد شعبان.”

وقال بكري، في كلمته أمام البرلمان: “لا بد أن تراعي الحكومة في مصر ما يعرف باسم (فقه الأولويات)، وأن تركز على احتياجات المواطنين الأساسية من غذاء ودواء وتعليم وصحة، خصوصاً أن هناك حالة من الاحتقان المجتمعي بسبب سحق الطبقة المتوسطة، ودفع الفقراء إلى مزيد من المعاناة”، على حد تعبيره.

وأضاف: “هناك مشروعات كبرى يجب أن تتوقف بصورة مؤقتة، مع الاعتراف بمدى أهميتها المستقبلية”. وتابع بكري: “الحرب في أوكرانيا سبّبت رفع السعر العالمي لطن القمح من 230 إلى 490 دولاراً، وبرميل النفط من 60 إلى 115 دولاراً، وهذا له انعكاس سلبي على معدلات ونسب العجز في الموازنة المصرية”.

كامل الوزير يرد على بكري

من جهته، رد وزير النقل على بكري، وغيره من النواب المطالبين بوقف “المشروعات القومية”، وتوجيه الأموال المخصصة لها لقطاعات تمسّ المواطنين مثل الصحة والتعليم.

وقال كامل الوزير: “هذا حديث مرسل وغير مدروس، والوصول إلى المستشفى لتلقي العلاج، أو إلى الجامعة للتعلم، يحتاج إلى طريق جديد، ومشروعات بنية أساسية، لأن ألمانيا لم تنهض بعد الحرب العالمية الثانية إلا بإنشاء الطرق والكباري (الجسور)”.

وأضاف الوزير، في مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب عبر فضائية “إم بي سي مصر”، أنه “إذا لم ننشئ الطرق، فلن نصل إلى المصنع الذي نرغب في توظيف 3 آلاف عامل به، أو إلى الموانئ على البحر الأحمر من أجل تعظيم التصدير والاستيراد والتجارة المصرية”.

وتابع: “التنمية الشاملة تستلزم بنية أساسية، وهي شرايين التنمية ومفتاح التقدم والازدهار”. واعتبر الوزير أنه “من دون الجسور التي تبنى كانت مصر ستتحول إلى كراج كبير. وإنّ من يرى أن حجم الإنفاق على المشروعات الكبرى ضخم، وليس له داعٍ، نقول له إن مصر تعمل حالياً على إنشاء قناة سويس جديدة، ولكن على القضبان الحديدية، من خلال إنشاء قطار كهربائي سريع يربط بين مدينة العين السخنة على البحر الأحمر، ومدينة العلمين الجديدة على البحر المتوسط، مروراً بالعاصمة الإدارية الجديدة”.

ومداخلة وزير النقل مع أديب ليست مصادفة بطبيعة الحال، لأن كليهما محسوب على دائرة السيسي. فالأول أحد أقرب لواءات الجيش السابقين من الرئيس، ويتلقى منه تعليمات مباشرة في ما يخص تنفيذ مشروعات الطرق والجسور الجديدة، من دون اعتبار لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي. والثاني هو الإعلامي المحبب للمخابرات العامة، والذي دائماً ما يمهد للقرارات الاقتصادية الهامة قبل إعلانها، على غرار ما حدث مع التعويم الأخير للجنيه، وخفضه بنسبة 18 في المائة مقابل الدولار.

وتعاني مصر من أزمة اقتصادية خانقة بسبب تصاعد ديونها الخارجية، التي قفزت إلى 145 ملياراً و529 مليون دولار بنهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، على خلفية توسع النظام في الاقتراض من الخارج لتمويل العجز في الموازنة العامة.

وقال وزير المالية محمد معيط، أمام مجلس النواب، إن حجم الاقتراض وإصدار الأوراق المالية -بخلاف الأسهم- في الموازنة الجديدة (2022-2023) سيبلغ نحو تريليون و523 ملياراً و600 مليون جنيه (نحو 82 مليار دولار)، مقابل نحو تريليون و68 ملياراً و500 مليون جنيه في عام 2021-2022، بزيادة مقدارها 455 ملياراً و100 مليون جنيه، وبمعدل ارتفاع بلغت نسبته 42.6 في المائة.

المصدر: الشادوف+صحف مصرية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.