أحمد حسن الشرقاوي يكتب: عندما ” يهرتل ” الجنرال في مصر !!!

0 1٬900

رغم عدم حماسي لها، يصر زملائي في مجلس إدارة التحرير لموقع الشادوف الإخباري العربي على تغطية تصريحات الجنرال المنقلب في مصر عبد الفتاح السيسي، وهي غالبا تصريحات تثير الجدل ويطلقها بين الحين والآخر !
وإزاء إصرار الزملاء، أستجيب في النهاية لرغبة الأغلبية منهم، وأقوم مضطرا بنشر تلك التصريحات أحيانا.
المهم، في تصريحات يوم أمس السبت في افتتاح مشروع أطلقوا عليه اسم ” مستقبل مصر الزراعي” في محور الضبعة، اضطررت تحت ضغوط الزملاء لمشاهدة التصريحات من الأول الى الآخر.. وطبعا كانت مسألة مرهقة نفسيا وعقليا بالنسبة لي.
ببساطة، نحن إزاء شخص جاهل متغطرس لكنه مراوغ!
يريد هذا الجاهل المتغطرس المراوغ أن يقنع المتعلمين انه بكل جهله وغطرسته ومراوغته لديه الحلول لكل مشاكلنا. كل مشكلة من تلك المشاكل تحتاج للجنة متخصصة من الخبراء في مجالهم، لكنه يصر أن يحدثنا عن قدرته كـ”سوبرمان” لحل وتسوية “كل وليس بعض” تلك المشاكل ابتداء من العلاقة مع صندوق النقد ومرورا بمخزون القمح وحتى مشكلة تربية المواشي!!
ولن أدخل في مهاترات الرد على ما يقول لكن سوف أحكي لكم حكاية البرازيل التي مرت في ثمانينيات القرن الماضي بأزمة اقتصادية مماثلة لتلك التي تمر بها مصر حاليا. وكانت الظروف متشابهة مع مصر حاليا، الى حد كبير، فذهبت البرازيل للإقتراض من صندوق النقد الدولي على اعتبار أن الاقتراض هو الحل لأزمتها الاقتصادية ..
وطبعا قامت البرازيل بتطبيق حزمة من الشروط المجحفة مما أدى لتسريح ملايين العمال وخفض أجور الباقين وإلغاء الدعم وانهيار الاقتصاد البرازيلي.. ووصل الأمر إلى تدخل دول أخرى في السياسات الداخلية للبلاد، وفرض البنك الدولي على البرازيل أن تضيف إلى دستورها مجموعة من المواد تسببت في اشتعال الأوضاع السياسية الداخلية…

ورغم استجابة البرازيل لكل الشروط التي فرضتها مؤسسات الاقراض الدولية ( الصندوق والبنك الدوليين)، تفاقمت الأزمة اكثر واكثر، وأصبح 1% فقط من البرازيليين يحصلون على نصف الدخل القومي للبلاد.. وهبط ملايين المواطنين تحت خط الفقر، الأمر الذي دفع قادة البرازيل إلى الإقتراض من الصندوق مرة أخرى بواقع 5 مليارات دولار، معتقدين أنه الطريق “الوحيد” للخروج من الأزمة… فتدهورت الأمور أكثر وأصبحت البرازيل الدولة الاكثر فسادا وطردا للمهاجرين والأكبر في معدل الجريمة وتعاطي المخدرات والديون في العالم كله، (الدين العام تضاعف 9 مرات فى 12 سنة) حتى هدد صندوق النقد بإعلان افلاس البرازيل لو لم تسدد فوائد القروض ورفض إقراضها أي مبلغ في نهاية 2002 … وانهارت العملة البرازيلية (الدولار وصل الى 11 الف كروزيرو)..
البرازيل كانت دولة تحتضر بمعنى الكلمة حتى جاء عام 2003 … وانتخب البرازيليون رئيسهم الأشهر (لولا دا سيلفا).. وهو مواطن برازيلي ولد فقيرا وعانى بنفسه من الجوع وظلم الاعتقال (كان يعمل ماسح للأحذية) … الكل خاف منه عندما تسلم مقاليد الحكم في البلاد.. رجال الأعمال قالوا هذا سوف يأخذ أموالنا ويؤممنا .. والفقراء قالوا هذا سوف يسرقنا كي يعوض الحرمان الشخصي عنده.. لكنه لم يفعل ذلك … وإنما قال كلمته الشهيرة “التقشف ليس قيام الحكومة بإفقار الجميع، بل التقشف هو إن الدولة تستغني عن كثير من الرفاهيات لدعم الفقراء” ..
وخلي بالك من كلمة”رفاهيات مثل بناء القصور وشراء الطائرات الرئاسية وأعمال الانفاق والبذخ والإسراف في الحكومة) وقال كلمته الشهيرة (لم ينجح أبدا صندوق النقد إلا في تدمير البلدان التي تقترض منه) …
لولا دي سيلفا اعتمد على أهل بلده:الأغنياء والفقراء على حد سواء .. ووضع بنداََ في الموازنة العامة للدولة أسماه ( الإعانات الاجتماعية المباشرة ) وقيمته 0.5 % من الناتج القومي للدولة.. يُصرف بصورة رواتب مالية مباشرة للأسر الفقيرة.. يعنى انه استبدل الدعم العيني بدعم نقدي مباشر.. وهذا الدعم المباشر كان يدفع لنحو 11 مليون أسرة تشمل 64 مليون مواطن برازيلي ( عدد السكان حوالي 200 مليون) … هذا الدعم قيمته 735 دولارًا (أي حوالى 13 الف جنيه مصري لكل أسرة شهريا.. ركز معاياااا ) وطبعا سأله بعض المسؤولين والمنتفعين حوله السؤال التاريخي: من أين نوفر تلك الأموال والبرازيل مفلسة يا سيادة الرئيس ؟!!
لكنه أجاب بفكرة عبقرية هي أنه رفع الضرايب على الكل (ما عدا المدعومين ببرنامج الإعانات).. يعني رفع الضرائب على رجال الأعمال والفئات الغنية والمتوسطة الدخل من أبناء الشعب، ولكن بشكل عادل على الجميع… ولكن، هل وافق رجال الأعمال على تلك الضرائب بسهولة وبساطة ؟! تخيل، يا مؤمن، انهم كانوا سعداااااء لأنه منحهم تسهيلات كبيرة في الاستثمار وآلية تشغيل وتسيير أعمالهم ومنح الأراضي مجانا لهم وتسهيل منحهم للتراخيص وإعطاء قروض بفوائد صغيرة لمساعدتهم في فتح أسواق جديدة (بالإضافة إلى أن الفقراء دخلهم سوف يرتفع وتزيد عملية شراء منتجات رجال الأعمال فتضاعف حجم مبيعاتهم).. بذلك لم يشعروا انها جباية … بل شعروا أنهم يدفعون ضرائب مقابل تسهيلات أصبحوا يكسبوا أكتر منها ..
بعد 3 سنين فقط عاد 2 مليون مهاجر برازيلي الى البلاد، وجاء معهم 1.5 مليون أجنبي للاستثمار والحياة في البرازيل … في 4 سنوات سددت البرازيل كل مديونية صندوق النقد … بل إن الصندوق اقترض من البرازيل 14 مليار دولار أثناء الأزمة العالمية في 2008 بعد 5 سنين فقط من حكم لولا دا سيلفا .. (هو نفس الصندوق الذي كان يريد أن يشهر إفلاس البرازيل في 2002 ورفض إقراضها لتسدد فوائد القروض)
وبفضل تركيز الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا على 4 أمور .. الصناعة … التعدين .. والزراعة وطبعا التعليم … البرازيل وصلت لسادس أغنى دولة في العالم في آخر عام لحكمه … وأصبحت تصنع الطائرات (أسطول طائرات الإمبريار برازيلية الصنع) …
بعد انتهاء ولايتي حكم ( مدتان رئاسيتان ) لدي سيلفا في 2011 … وبعد كل هذه الإنجازات الحقيقية … طلب منه الشعب أن يستمر ويتم تعديل الدستور ليتمكن من الحكم لولاية ثالثة ورابعة…لكنه رفض بشدة وقال كلمته الشهيرة “البرازيل ستنجنب مليون لولا دي سيلفا غيري.. ولكنها تملك دستورا واحدا فقط ” وترك الحكم ولم يغير الدستور…وكان بمقدوره أن يفعل ذلك بسهولة نظرا لشعبيته الطاغية داخليا وخارجيا في ذلك الوقت.
هناك انتخابات رئاسية في أكتوبر المقبل ومن المتوقع أن يخوضها لولا دي سيلفا مجددا بعد أن قامت القوى المناوئة له بالزج به في السجن، ولكنه كان يدفع دائما ببراءته من الاتهامات التي سجن بمقتضاها، واستطاع في مارس الماضي أن يستصدر حكما بتبرئته من المحكمة العليا.
وبموجب هذا الحكم الذي صدر في مارس الماضي، يستطيع دي سيلفا خوض انتخابات 2 أكتوبر 2022.
وكان دي سيلفا قد خرج من السجن عام 2019 بعد قضاء 18 شهراً، بعد أن أدين في قضية رشوة طالت عددا من السياسيين وكبار رجال الأعمال في البلاد.
الخلاصة.. الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة أهم شروط النهضة والتقدم، فالنهوض من التخلف ليس مستحيلا .. بل إرادة وإدارة تحدث أحيانا في سنوات معدودة والطريقة معروفة ومحددة … الصناعة والزراعة … والاهتمام بالفئات الفقيرة.. والتعليييييييييييييييم … ولا شيء آخر …
هذا ما فعلته ألمانيا واليابان في الستينيات
وكذلك دول شرق آسيا في الثمانينيات
وهذا ما بدأته الهند في التسعينيات
هذا ما حققته تركيا والبرازيل في 2003
وهذا هو نهج وخط سير أثيوبيا ورواندا من 2015 إلى الآن .
فمتى ندرك أن الجنرال في مصر لن يتقدم ببلادنا خطوة واحدة للأمام، لأن هذه الأمور ليست من أولوياته، كما ان عقله لن يستوعب تحذيرات المخلصين الذين سالت أقلامهم وبحت أصواتهم في التنبيه لأهمية تلك الأولويات.
أرجو أن يعرف زملائي وزميلاتي الآن، لماذا لأ أرغب في مشاهدة الجنرال المنقلب وهو يجلس واضعا قفاه في وجه الجميع ليطفح علينا من جهله، بينما يجد من يصفق ويستحسن هذا الهراء والهرتلة التي يطلقها في كل مرة يتحدث فيها للناس في أي مكان…..


أحمد حسن الشرقاوي

كاتب صحافي مصري

رئيس تحرير موقع الشادوف الإخباري

المشاركات الاخيرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.