الشادوف..ونوستالجيا القرية المصرية

0 397

ريف صباي وشبابي قبل أن يخربه الطغاة كان شيئا مختلفا عن الريف فى هذه الأيام.

لقد ظلت القرية المصرية حتى بداية حكم العسكر الطواغيت في العام 1952 مصدرا للخيرات ونموذجا للتكافل والتماسك وصلة الأرحام والتدين والنظافة الذاتية.

عشت ردحا من سنوات صباي هذه المظاهر الطيبة وسعدت بها كما سعد بها جيل والدي وأقاربي. رأيت شوارع قريتي وحاراتها وهي تكنس وترش بالماء مرتين يوميا في شهور الصيف. وشهدت أهل قريتي يتكافلون في معظم أنشطة حياتهم اليومية.

خذ مثلاً بيتنا أو بيت جيراننا؛ لو أوقدنا (فرن الخبيز) بحطب القطن أو عيدان الذرة الجافة مع (المسكة)، لا يصح أن يترك الفرن لتتحول نيرانه إلى رماد دون أن يستفيد بها جيراننا فيهرعون لوضع وإنضاج خبيزهم في فرننا والمعاملة بالمثل في هذه الحال.

وفي قريتي لم يكن يمر يوم أو يومان دون أن تجامل أو تواسي أمي جارتها هذه أو قريبتها تلك في الأفراح والأتراح. أما الآباء والأعمام والأخوال والأجداد فلا يمر الأسبوع دون أن يجتمعون مرة أو عدة مرات على المصطبة اللصيقة ببيتنا أو بيت آخر أو في دوار أو مضيفة عائلتنا أو عائلة مجاورة. في تلك الاجتماعات لم يكن السمر وحده هو الهدف بل التداول والتشاور لحل مشكلة زراعية أو إتمام عقد صلح بين متخاصمين أو متنازعين أو التجهيز لحفل عرس أو طهور أو توديع الحجاج أو تهنئتهم بأداء الفريضة.

أما في الحقول فلا تتوقف حركة السواقي والشواديف في نزح المياه لري الزراعات. وما أن صنع النجار البلدي الطنبور حتى تراجعت الشواديف والسواقي لتفسح الطريق إلى ذلك البديل الجديد. وكم تسابق الصبيان على الشادوف مثلا لأجل بناء عضلات الأذرع لزوم التباهي إن لم يكن لرد عدوان أو ملابطة في مسابقة بين الأنداد أمام المصطبة أو في الخص الوارف بقلب الغيط أو على أحد أطرافه.

وإن أنسى لا أنسى الأيادي البيضاء لأثرياء قريتي إبان شهر رمضان أو قبيل العيدين أو عندما يحين وقت دفع زكاة الفطر أو توزيع لحوم الأضاحي أو زكوات الأموال وحصاد الزروع.

أما عن أنواع وأشكال الصناعات الصغيرة في قريتي فالحديث قد يطول لكنني أوجزه فيما رأيت مما سميت ماكينات أو معامل جمع وتصنيع الألبان أو أنوال غزل ونسج القطن أو الكتان والصوف. وبجانب بعض الترع ولاسيما بعد موسم الفيضان كنت أشهد مضارب الطوب الني أو قمائن حرقه ليزداد صلابة ويسمى الطوب الأحمر.

عشت وتمتعت في صباي بمتنزهات خضراء تتوسط ضفتي شوارع القرية الرئيسية. وكم كنا نلعب ونرتع فيها أكثر من اللازم فيزجرنا ملاحظو المجلس القروي لأجل المحافظة على رونق تلك المتنزهات.

حازم غراب

إعلامي مصري

المدير السابق لقناة ( مصر25 ) المصرية

************************************************************************************

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أو سياساته التحريرية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.