طالبت 26 منظمة حقوقية، في رسالة مفتوحة، إلى رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، أوديل رينو باسو، بتسليط الضوء على تدهور وضع حقوق الإنسان وسيادة القانون والديمقراطية في مصر، خلال زيارتها المرتقبة إلى القاهرة.
ومن بين المنظمات الموقعة على الرسالة، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومؤسسة كومبار للعدالة وبناء السلام، والمنبر المصري لحقوق الإنسان، ويوروميد رايتس، والتحالف العالمي لمشاركة المواطنين ـ سيفيكس، والمركز الوطني للتعاون في التنمية، ومركز البحث والتوسع في الديمقراطية / مجموعة التدخل القانوني الدولي، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمة مدافعو الصف الأمامي.
وقالت المنظمات في الرسالة: في ضوء الأنباء المتواترة حول زيارتكم لمصر خلال الأسابيع المقبلة، تحثكم منظمات المجتمع المدني الموقعة على هذا الخطاب التأكيد على السلطات المصرية، أن تدهور سيادة القانون وانتهاكات حقوق الإنسان في البلاد تمثّل معارضة للجوانب السياسية لولاية البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، كما تعد مشكلة رئيسية للبنك تستوجب المعالجة بشكل عاجل وجدّي، ونذكر هنا بهدفين حدّدهما الملحق للنهج التنفيذي للبنك الأوروبي لمعالجة تحدّيات الامتثال وهما: إظهار التزام قوي بالطابع السياسي للبنك وتعزيز تأثيره ونفوذه».
وأضافت: بصفتنا منظمات مجتمع مدني، فإننا ننظر بفائق الاعتبار لدور البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، فيما يتعلّق بالديمقراطية والتعددية، باعتباره عنصرا مهما للغاية يميّز البنك عن المؤسّسات المالية الأخرى، ما ينعكس في المادة الأولى من اتفاقية إنشاء البنك. كذلك يتمركز البنك كمساهم رئيسي محتمل في دعم الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، طبقا لسياسته الأكثر مقابل الأكثر، الأقل مقابل الأقل، والتي تمثل أداة مهمّة لتشجيع الدول على إحراز تقدّم في الإصلاح ووضع حد للانتهاكات.
وتابعت: تتضمّن ورقة إجراءات البنك 14 معيارا لتقييم الوضع والتقدم في بلدان العمليات وفيما يتعلّق بالمبادئ السياسية للبنك، وأظهرت مصر تراجعًا دراماتيكيًا وقابلًا للقياس منذ آخر استراتيجية للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لمصر ـ نُشرت عام 2017 ـ في كافة هذه المعايير تقريبا، ما يعد انحرافا كبيرا عن سياسات وقيم البنك، كما أدّى التدهور الشديد والمستمر لوضع حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون في مصر إلى أربعة قرارات عاجلة من البرلمان الأوروبي خلال ثلاث سنوات، كان آخرها في ديسمبر/ كانون الأول 2020. كما أفضت هذه الوضعية إلى بيان مشترك ندر حدوثه وتم تقديمه من أكثر من 30 دولة في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عام 2021، بالإضافة إلى عدد هائل من البيانات الصادرة عن خبراء وهيئات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وتقارير وزارة الخارجية الأمريكية بشأن مصر كل عام.
وخاطبت المنظمات رينو باسو بالقول: تتزامن زيارتكم مع إعداد البنك لاستراتيجيته القطرية المقبلة لمصر، ما يحتم وضع تدهور حالة حقوق الإنسان في مصر على جدول أعمالكم، وجدول أعمال إدارة البنك، إذ تعد مصر أكبر دولة عمليات للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في عامي 2018 و2019، رغم تعمد السلطات المصرية بشكل واضح الإضرار بسيادة القانون والفصل بين السلطات وما تبقى من الديمقراطية، والاستمرار في تأجيج أزمة حقوق الإنسان المستمرة والخطيرة والمتفشية. وفي السياق ذاته، فإننا نسجّل أيضا التهديدات التشريعية الحالية لحقوق المرأة والحريات المدنية، وتراجع التقدم الجوهري في حقوق الأقباط المسيحيين في حرية المعتقد والمساواة، رغم أن الحكومة المصرية لطالما سلطت الضوء على هذه القضايا باعتبارها مجالات تقدم.
وحسب الرسالة، كانت الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة حذّرت مجددا أن الأدلة تشير إلى مشكلة منهجية في حماية حقوق الإنسان في مصر، فضلًا عن التعسّف وإساءة استخدام قوانين وممارسات مكافحة الإرهاب. كما تم القبض على الآلاف من النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والأكاديميين والمثليين والعابرين جنسيا ونشطاء مجتمع الميم والصحافيين والمدونين، واحتجازهم لفترات طويلة دون محاكمة، كما لا توجد أي مساحة متاحة للنقد في البلاد دون المخاطرة بتصنيفها «إرهابية» ومحاكمتها على هذا الأساس.
انتهاكات
وزادت المنظمات: شهدت مصر ارتفاعا حادا في انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك أحكام الإعدام ومعدلات تنفيذها، إذ تحتل مصر المركز الخامس في الترتيب العالمي للدول من حيث عدد أحكام الإعدام، وصدرت معظم أحكام الإعدام في بقضايا شابها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقالات الجماعية، والإخفاء القسري، والاعتراف تحت التعذيب، والاحتجاز المطوّل السابق للمحاكمة، والمحاكمات الجماعية غير العادلة، ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.
وفيما يتعلق بالحريات الإعلامية، قالت المنظمات: باستثناء بضعة منافذ إخبارية محدودة على الإنترنت، سيطرت السلطات ووكالات المخابرات المصرية بشكل شبه كامل على المجال الإعلامي داخل البلاد، ما يضمن عدم وجود تقارير إعلامية حول انتهاكات السلطات المصرية لمبدأ الأكثر مقابل الأكثر، الأقل مقابل الأقل، والتي تتمثّل في المزيد من الأعمال الانتقامية بحق الفاعلين المستقلين في المجتمع المدني والنشطاء الديمقراطيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، فضلًا عن المزيد من إغلاق الفضاء المدني والمجال العام، والتضييق على حرية التعبير والصحافة سواء التقليدية أو على الإنترنت. ومنذ عام 2016، صُنّفت مصر سنويا ضمن الدول الثلاث الأولى على مستوى العالم من حيث عدد الصحافيين المحتجزين. كما تمّ حجب مئات المواقع الإخبارية والحقوقية منذ عام 2017.
وزادت المنظمات: أثناء تفشي جائحة كورونا، تم اعتقال وترهيب العشرات من العاملين في المجال الصحي والمدافعين عن حقوق الإنسان والعاملين في وسائل الإعلام بسبب حديثهم عن كيفية تعامل الدولة مع تفشي الجائحة، وفي الوقت نفسه، استثنت السلطات آلاف السجناء السياسيين، ومن بينهم العشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان، من التدابير المحدودة وغير الكافية لتخفيف التكدس في السجون، وبدلًا من ذلك اعتقلت آخرين، وتعاملت السلطات مع المعارضة الحقيقية أو المشتبه بها باعتبارها تهديدا للأمن القومي.
وأكدت أن المجتمع المدني والصحافيين والحقوقيين ومجتمع الأعمال يتعرضون لخطر حقيقي بسبب الانتقام القاسي، بما في ذلك الإخفاء القسري، الذي يصاحبه عادةً التعذيب وسوء المعاملة، والاحتجاز التعسفي المطول في حالة إجراء أي نقاش صريح مع البنك الأوروبي حول الوضع السياسي والحكم وحقوق الإنسان في مصر، الأمر الذي يؤثر بشكل واضح على قدرة البنك على جمع بيانات دقيقة لتقييم الموقف.
وشددت على أهمية اتخاذ البنك تدابير خاصة، تماشيا مع بيانه بشأن الانتقام من المجتمع المدني وأصحاب المصلحة في المشروع لضمان سلامتهم من الانتقام خلال عمليات استشارتهم أثناء العمل على الاستراتيجية المقبلة بشأن مصر، على أن يتضمّن ذلك التواصل مع أصحاب المصلحة لمناقشة أفضل السبل للحفاظ على سلامتهم أثناء عملية التشاور وبعدها. واعتبرت أن تجاهل السلطات لحقوق الإنسان والحكم الديمقراطي ينتهك الالتزامات القانونية الوطنية والدولية لمصر والقيم الراسخة للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، كما يمكنه تقويض النمو الاقتصادي لمصر ماديا والجهود المبذولة لتنمية اقتصادها بشكل مستدام ومحاربة معدلات الفقر المرتفعة.
ولفتت إلى تحذير منظمة الشفافية الدولية من أن الافتقار للضوابط والتوازنات في مصر خاصة على مستوى الرئاسة، قد يؤدي إلى الاستحواذ على الدولة..
وقالت: في مقابل الوجود العسكري المتفاقم في القطاعين السياسي والاقتصادي، يتزايد نقص الشفافية ويتسع نطاق تفضيل الشركات المرتبطة بالحكومة، ما يعيق بدوره الاستثمار المحلي والأجنبي من قبل المؤسسات المدنية الأخرى، وفقا لبلومبيرغ. كما سبق وأوضح الخبراء أن قمع الصحافة وغياب النقد للسياسات الحكومية قد وضع عوائق أمام النمو، من خلال إجبار مراقبي الفساد والمعارضين على الصمت.
وتابعت الرسالة: غالبية مجالات النمو في مصر باستثناء السياحة والتنقيب عن الغاز الطبيعي، كانت مدفوعة بحوافز حكومية قائمة على الاستدانة، هذه الحوافز التي تمنح امتيازات للشركات المملوكة للجيش أو الشركات ذات الصلة الوثيقة به، وغالبا ما كان الاستثمار الأجنبي المباشر خارج قطاعي النفط والغاز ضعيفا، إذ انخفض إلى 400 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019. وبينما يتزايد تضييق الدولة على المجتمع المدني، فإن معدلات الفقر المتزايدة والانتهاكات الأخرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أديا إلى اضطرابات اجتماعية واحتجاجات كبيرة ضد الفساد والسياسات الحكومية قبل تفشي جائحة كورونا.
وأكدت أن التدهور الحاد للحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان في مصر مترابط بشكل وثيق، وقد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي، ويقلّل من قدرة البلاد على الصمود، ولا يمكن فصل هذا عن المجال الاقتصادي. وفي سبيل حدوث تأثير إيجابي على المجال الاقتصادي، يتعين على الجهات الفاعلة الدولية، مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، معالجة أسباب التدهور الحاصل في الحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان.