سيظل يوم 30 يونيو مهماً لمن يريد معرفة حقيقة خريطة الواقع السياسى والشعبى والحكم فى مصر (وحتى فى بعض الدول) ومن يتجاهلها سيظل أعمى البصيرة يسوق من اتبعه للهاوية
كان الإخوان على رأس الحكم فى مصر لكن لا يملكون جيشا ولا شرطة ولا قضاء ولا اعلاما إلا على استحياء، ولا المال إلا على استحياء (وكل ذلك من أسس الحكم كما قال ابن خلدون) ولكنهم تغافلوا عن ذلك، أما الشعب فكان بين قطاعات متفرقة..فريق مؤيد اسلامى محافظ لكن بلا مقومات إلا الإخلاص..وفريق معارض من سلالة إرث القهر والتغريب والشهوات والشبهات، له ظهير قوى فى الجيش والشرطة والقضاء والاعلام، وفريق كبير تَعّودَ من توالى حكم الإستبداد على السلبية وانتظار النتيجة!!
(تحكى كتب التاريخ ان المماليك عندما تصارعوا على الحكم فى القلعة وطال انتظار الشعب لظهور المنتصر خرج الى القلعة طوائف من الشعب يطالبون المتصارعين بسرعة إنهاء الصراع لأن مصالحهم تعطلت)..هذا بالنسبة للشعب، لكن لايفوتنا أن الطبقة الحاكمة فى مصر منذ محمدعلى تم تثبيت سيطرتها على الحكم عبر طائفة من المستغربين فى السياسة والحكم والقضاء والثقافة.
وقد ثبت الإحتلال الانجليزى تواجدهم وتوارثهم لمقاليد الحكم مثل سعد زغلول وعدلى يكن ومصطفى فهمى والنقراشى والنحاس وغيرهم وكل من خالفهم فى التغريب تم نبذه من البارودى إلى مصطفى كامل
وهذا النموذج عمل الإحتلال على تثبيته فى الجيش والقضاء وعندما قامت حركة الضباط فى 23 يوليو خرجت من رحم موافقة على رموزها من المخابرات الأمريكية، ولما كان محمد نجيب على نهج البارودى ومصطفى كامل تم استخدامه واقصائه بسرعة..
وبالنسبة للحالة الإسلامية كان يتم تحجيم تواجدها تماماً وتوجيه رسالتها مثل الأزهر، وعندما ظهرت جماعة الاخوان وقويت شعبياً استخدمها ضباط23 يوليو ثم تم اقصائها بكل قوة وعنف عندما تطلعت لأن تكون شريكاً فى الحكم المحجوز للتغريب. كتبت البكائيات والمظلوميات فى سجون طرة كما كتب البارودى فى جزيرة سرنديب !
وتدور الأيام ويزداد توغل التغريب قوة فى حكم مصر وشعبها وتظهر الحالة الإسلامية مرة ثانية بقوة شعبية وتتجدد لحظة تاريخية فارقة ويندفع الإسلاميون بحماسهم واخلاصهم للساحة السياسية التى تم منعهم منها لأكثر من مائة عام
ويتغافل العقل عن المائة عام ويخضع للعاطفة (وبدون تفاصيل يعلمها الكثير) يستخدم العسكر الاسلاميين فى الشكل السياسى لتبريد الحالة الشعبية الثورية وهم مطمئنين للسياسيين جميعاً (جبهةالانقاذ) فهم نسل سعد زغلول وعدلي يكن الذين تعاونوا مع المحتل..
وفى القضاء نسل الهلباوى واحمد فتحى زغلول وفى الشرطة نسل الشرطة التى أعدمت المصريين فى دنشواى واعدمت الوطنيين قتلة السير (لى ستاك) (والقلة النادرة من السياسين الوطنيين من السهل اقصائهم كما تم مع مصطفى كامل ومحمد فريد !
نعود إلى 30 يونيو فهو يوم لم يكن غريباً على من يعرف خريطة مصر السياسة فقد خرجت سلالة التغريب والقهر والبلطجة المأجورة والعشوائية والشهوات رافضين التغير فى إرث اجدادهم: من مثلهم الأعلى محمد على الذى طرد واضطهد الشريف عمر مكرم الذى طالب بالعدل، إلى الذين خانوا عرابى وصفقوا لسعد زغلول وهو يمدح اللورد كرومر
والذين رقصوا لعبد الناصر وهو يعتقل نجيب ويسجن الإخوان ويهزم مصر اسوأ هزيمة فى تاريخها، وغنوا للسادات وهو يبيع شرف مصر فى كامب ديفيد، وبايعوا مبارك وهو يسرق ثرواتهم وأولاده وهم فرحين بكرمه عليهم برغيف خبز أسود !!
لكن المشكلة فى لحظة يوم 30 يونيو الفارقة كانت فى المغفلين فى الحالة الإسلامية الذين تجاهلوا مائة عام من حكم اللورد كرومر وسلالته فى السياسة والحكم، فتعاملوا بسذاجة وقالوا أنها يوم أو لحظة سوف تمر. (قابلت قيادى كبير من الاخوان قبل 30 يونيو بيومين وحذرته من خطورة مايحدث فقال لا تبالغ يوم وسيمر..لكنه كان يوم المر ولم يمر
لأنه كان مدعوماً بقوة من وريث اللورد كرومر الأمريكى ومن الحاميات الإنجليزية فى دول الخليج ومن عسكر سلمان الفرنساوى !
ولما لم يدركوا خطورة 30 يونيو تهاوت كل أحلامهم فى 3 يوليو وانتشر رصاص شيطان العسكر يحصد ارواح المخلصين بالقتل والسجن والنفى نتيجة لشر 30 يونيو، لكن الخير أن الحقيقة التى تم منع صراخها فى 1954 صرخت أن القيادة التى لم تدرك وتفهم خطورة صراع مع مائة عام من التغريب ولم تعد له عدته هى قيادة فاشلة يجب محاكمتها أو الحجر عليها، والخير أن بعض العقول تفتحت وفهمت سذاجة التعامل مع الشر بأدواته، والخير أن بعض العقول تفتحت وفهمت أن غالب من تم تصديرهم للسياسة مهما قالوا هم (خدم اللورد كرومر).
والخير أن مايسمى بالمشروع الوطنى فى حضن الساسة بواقعهم المعروف هى خطة فاشلة..
والخير أن بعض العقول فهمت أن المشروع الإسلامى كبير، ولابد من فهمه بوعى والإعداد له بوعى بدون تسرع وان البعض من الإسلاميين كذابين فى دعواهم وأنهم مكتفين بالعيش فى حضن المشروع الغربى.. ولايريدون ولايسعون لتأسيس مشروع إسلامى حقيقي.
والخير ان بعض العقول فهمت أن كثيرا من أفراد النخبة الإسلامية المعارضة يحتاجون لإعادة مراجعة وفهم وان تفكيرهم محدود.. والخير أنه تميزت احوال كثير من الناس سواء من الشعب او الساسة او الإسلاميين ولم يستغلق موقفهم على البصير..
وإن كان شر 30 يونيو فى العودة السريعة للظلم وتنحية وعداوة الإسلام وقتل وسجن ونفى كثير من المخلصين
لكن من شره أيضاً ان كثير من المغفلين عبدة التنظيمات والشيوخ والأسماء و المخدوعين بالكلمات البراقة والسعى لمصلحتهم، لا يزالون فى غفلتهم يمرحون !!
ولكنه شر يحمل الخير لأنه يقول أن هؤلاء انتهت صلاحيتهم، ولن يعودوا مهما ظنوا أن “صفقة ما ” يمكن أن تعيدهم،
فالسنن ماضية لا تتوقف، ولكن السذج لايريدون ان يفهموا..
شكراً 30 يونيو رغم جراحك التى أنزف منها وينزف منها أيضا كل صادق محب للإسلام ونهضة مصر، لكنها جراح تضئ لنا ولمن سيأتون بعدنا، وتقول لهم بكل قوة وألم وحزم: لاتغتروا وافهموا واعقلوا.. واثبتوا على طريق الإسلام بوعى وذكاء وفهم للسنن والتجارب وتوازانات القوى.. ولا تنخدعوا مهما كانت المغريات السياسية فإنها خادعة !
ممدوح اسماعيل
محام ونائب فى برلمان الثورة 2012
أحد أبرز وجوه التيار الاسلامي في مصر
المقالات الواردة فى باب الرأي تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن الموقع وسياساته التحريرية