ملك إسماعيل أحد أبرز مذيعات التليفزيون المصري فى عصره الذهبى.. فضلت العمل بالشارع عن كونها مذيعة ربط على الشاشة، ورصدت مشاكل المصريين العاديين فى أشهر برامجها “سلوكيات” و “على الطريق”.
“ملك إسماعيل” نجمة برامج الشارع خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. هي مذيعة نسفت كل الخطوط الحمراء.. مذيعة لم ينافسها أحد في جرأتها وشجاعتها لدرجة جعلت وزير الإعلام في ذلك الوقت صفوت الشريف يقول لها: “هدي اللعب شوية يا ملك”.
لم يستطع الوزير صفوت الشريف أن يوقفها أو يقف عائقا أمام عملها رغم كونه وزير الاعلام، حيث تجرأت وناقشت هموم ومشاكل الجماهير في برنامجيها الشهيرين “على الطريق” و”سلوكيات”، وكانت تسجل مع ضيوفها خارج الاستوديو في قلب الأحداث.. ذهبت إلى الناس في الشوارع والمصانع والعشوائيات والمستشفيات، وناقشت في برنامجيها قضايا لم يطرقها أحد غيرها.
وتشير بعض المصادر إلى أن المذيعة “ملك إسماعيل” ولدت في يوم 26 مارس سنة 1936، ولكن ابنتها الأستاذة غادة تواصلت معي وأخبرتني أن تاريخ ميلاد والدتها يوافق يوم 6 فبراير سنة 1941، والجدير بالذكر أن ملك أسماعيل كانت ملكة متوجة على عرش البرامج التي تناقش هموم الوطن والمواطن مقابل أجر يبلغ “33” جنيها عن الحلقة التي تقدمها، قبل أن يأتي زمن يتقاضى فيه “الإعلاميون” الملايين، بينما هم لا يقدمون في برامجهم إلا التفاهات، وللأسف فقد أصبحنا في زمن يكاد يطلق فيه لقب “إعلامي” على كل من مر أمام مبنى “ماسبيرو”.
وكانت “ملك إسماعيل” قد التحقت للعمل بالتليفزيون سنة 1963م وهي ما زالت طالبة بالسنة النهائية بكلية الآداب قسم صحافة جامعة القاهرة، حيث قدمت عددا من البرامج على القناة الأولى، مثل: “لقاء كل يوم”، و”في دائرة الضوء”، و”فرصة العمر”، و”المجلة العمالية”، وبرنامجيها الشهيرين “على الطريق”، و” سلوكيات”.
تميزت “ملك إسماعيل” في تقديم برنامجيها “على الطريق”، و”سلوكيات”، حيث قدمتهما بطريقة “الريبورتاج” صحفي، وربما يعود هذا لسابق عملها بالصحافة قبل انشغالها بالعمل التليفزيوني، واتصفت “ملك إسماعيل” بالجرأة والشجاعة أثناء تقديم حلقات البرنامجين، حيث قدمت فيهما عدة حلقات أثارت بها ضجة في جميع أنحاء مصر.
قدمت “ملك إسماعيل” حلقة شهيرة عن قضية “تجارة الدم”، عن الذين يتاجرون بدمائهم ويبيعونها، وقدمت عدة نماذج وركزت على من يبيع دمه مقابل المال ليأكل ويطعم أسرته، كما ركزت على من يبيع دمه مقابل المال ليشرب به “الحشيش”، كما قدمت حلقة أثارت ضجة كبرى وتعرضت وقتها هي وطاقم العمل معها لمحاولة الاعتداء عليهم أثناء التصوير، وكانت هذه الحلقة عن “تجريف الأرض الزراعية” ، كما قدمت حلقة عن مستشفى “57357”، وذلك قبل البدء في إنشائه.
كما أنها ناقشت قضية “إشغالات الطرق” وتقاعس المحليات عن علاجها، وناقشت قضية “غلق المصانع” ، وقضية “سرقة كابلات الكهرباء”، وقضية انتشار الفئران في الموانئ وفي أكثر من مكان داخل مصر، كما ناقشت قضية “المعاملة السيئة في مستشفى العباسية”، حيث أبرزت سلبيات المستشفى وذكرت عددا من حالات الإهمال داخلها، كذلك ركزت على إهمال الأهالي في زيارة ذويهم من نزلاء المستشفى.
وقدمت “ملك إسماعيل” حلقة عن قضية “التلاعب بالأسعار”، وحلقة عن قضية “تجارة الحشيش”، حيث سجلت مع تاجر مخدرات اسمه “كتكت”، وسألته يومها: هل تدخن؟ وأجابها بأنه لا يدخن أبدا، كما قدمت حلقة عن المدابغ الموجودة بمنطقة “سور مجرى العيون”، وطالبت يومها بنقلها خشية من حدوث تلوث بيئي بالمنطقة، وقدمت حلقة شهيرة عن قضية “المياه المعدنية”، حيث طالبت ” ملك إسماعيل” الشركات المنتجة بحذف كلمة “معدنية” من الزجاجات المعبأة، لأن التحاليل أثبتت أن هذه المياه ليست كذلك، وبالفعل انتهت حملتها بإجبار الشركات على كتابة كلمة “مياه طبيعية” بدلا من “مياه معدنية”.
ولقد تعرضت “ملك إسماعيل” خلال رحلتها مع “برامج الشارع” لعدد من المضايقات والعقبات التي كان الهدف من ورائها وقفها عن ممارسة عملها بطريقتها المعتادة، بل وصلت لمحاولة الاعتداء عليها وتعرض سيارتها الخاصة للتحطم عدة مرات، بل واحتراقت السيارة بالكامل، وفي كل مرة كانت تقيد القضية “ضد مجهول” لعدم التوصل لمعرفة من قام بهذا الفعل.
وكانت آخر المضايقات ومحاولات وقفها عن الاستمرار في عملها هو ما حدث لها سنة 1998م أثناء رئاستها للقناة الأولى بالتليفزيون المصري، حيث تعرضت لموقفين مؤثرين خلال أيام قليلة، الموقف الأول حينما أخبرتها إحدى المذيعات بوفاة الفنان “فريد شوقي”، فأمرت ” ملك إسماعيل” بإذاعة الخبر من خلال برنامج “مساء الخير يا مصر” الذي كان يذاع قبل نشرة أخبار السادسة مساء، ثم تبين بعد ذلك أن الخبر غير صحيح، فتمت محاسبة ولوم “ملك إسماعيل” لسماحها بإذاعة هذا الخبر، وذلك في الوقت الذي لم يتعرض فيه أحد للمذيعة التي جاءت بالخبر المدسوس، رغم شهادة الشهود الذين شهدوا في ذلك الوقت بأن هذا الخبر مدسوس على ملك إسماعيل.
والموقف الثاني كانت “ملك إسماعيل” غائبة عنه، ورغم ذلك فقد عوقبت بوقفها عن العمل، وذلك لأن نفس البرنامج قد أذاع خبرا تبين كذبه بعد ذلك عن تعرض أهالي إمبابة للاعتداء عليهم من قبل بعض البلطجية، ورغم أن “ملك إسماعيل” لم تأمر بإذاعة هذا الخبر لكنها عوقبت بالإيقاف عن العمل، بحجة أنها رئيس القناة التي يذاع البرنامج من خلالها، وقالوا في تبرير موقفهم من إيقافها إن إحدى السيدات قد دخلت الاستوديو وقدمت للمتواجدين فيه ورقة بها هذا الخبر وقالت لهم هذه السيدة التي لا يعرفها أحد إن رئيس القناة تأمركم بإذاعته، وهو ما لم يحدث في الواقع.
وبالفعل تم إيقاف المذيعة “ملك إسماعيل” عن العمل، لكنها لم تصمت بل رفعت قضية على التليفزيون المصري، وحكم لها بالتعويض وبالعودة للعمل مرة أخرى، لكنهم وللعجب لم يعيدوها كرئيس للقناة الأولى، بل تمت ترقيتها لتصبح نائبا لرئيس التليفزيون حتى تقاعدها.
ورغم مرور السنين تظل “ملك إسماعيل” دائما ملكة متوجة على عرش برامج الشارع في التليفزيون، وملكة متوجة في قلوب متابعيها ومحبيها الذين كثيرا ما دافعت عنهم وعن مصالحهم، وقد عاشت “ملك إسماعيل” على أمل أن تشاهد الإعلام يهتم بهموم المواطن العادي، وما زلنا كمواطنين نعيش على أمل أن نشاهد مذيعة بقدر وقيمة وكفاءة المذيعة “ملك إسماعيل” التي توفيت في مثل هذا اليوم من العام الماضي يوم الجمعة 12 مارس 2021.
*من كتاب “شخصيات مصرية بين التهميش والنجومية” الجزء الثاني.
بقلم/ خطاب معوض خطاب
أبرز التصريحات التي أطلقتها ملك اسماعيل قبيل وفاتها بعامين:
• أصبحت لا أحب ولا أفضل كلمة “إعلام” ولا “إعلامى”، لأنه أصبح لفظًا يطلق على كل شئ، يجيد أو لا يجيد هذا العمل، وأرى أن ماسبيرو هو الأصل، ثم المحطات الخاصة، وكل قناة لها اتجاهها الخاص بها، سواء اتجاه صاحب المحطة أو تعليمات من تديرها، كل يعمل حسب اتجاه صاحب القناة، و”كل يعمل فيها بدماغه”.
• الإعلام بالنسبة لى هو التليفزيون، وهو الإعلام الرسمى للدولة، وكان من المفترض أن يكون هو الأساس فى نقل المعلومة الصادقة والتسويق لسياسة الحكومة والدولة، وأن يظل كما كان الوسيلة التى يثق فيها الجمهور، لكن حدث غير ذلك، ويتم ذبحه لكنى لا أعرف المتسبب فى ذلك.
وأقصد بذبح التليفزيون عدم دعمه ولا التوقف لبحث مشاكله، ومن الطبيعى أن يكون لكل قناة أو مؤسسة مشاكلها، كان من المفترض أن تقف الدولة أمام ما حدث له، وإصلاحه.
• منذ أن ألغى منصب وزير الإعلام وأصبح التليفزيون بلا صاحب، ولا أعترف بهيئات ولا غيره، وأصبحنا لا نعرف مسئول يتحكم فى شاشة التليفزيون الرسمى.
• منصب الوزير منصب كبير قادر على الاتصال بالقنوات والهيئات ويمثل وينفذ سياسة الدولة، وقادر على التواصل مع الحكومة ومجلس الوزراء ومجلس النواب وقادر على الوصول للقيادة السياسية، ولديه فكر ينقله لقنوات ماسبيرو وتقدير لما يحدث، وحتى التواصل مع البلدان الأخرى، وقادر على وضع رؤية لللمرحلة التى نعيشها وتسويق سياسة الحكومة للناس.
• الإعلام مقصر جدا، وأشك أن تكون قد قامت أى قناة بدورها فى توضيح الصورة وما يحدث على الأرض للناس، فمثلاً هل عرف الناس يعنى إيه مشروع “الصوب الزراعية” أو “بشاير الخير”؟.. لا أعتقد ذلك، لأن افتتاحات الرئيس تكون فى فترة الفجر أو وسط النهار، ويكون الناس فى أشغالهم، وتتحدث البرامج الليلية عن المشروعات فى دقائق، فكان من المفترض أن تخصص عشرات البرامج والفترات لإنجازات الدولة وليس لمشاكل القتل والخطف، الناس حين تسمع عن مشروع ما تقول وماذا أستفيد منه.
• من اللافت أنه لا يوجد إعلام إقتصادى فى مصر يقول للناس يعنى إيه تعويم جنيه مثلاً، ويتصدى للشائعات التى تخص الاقتصاد.
• عمالة ماسبيرو زادت من فترات طويلة وليست مشكلة طارئة، فيه سيستم رأيته بنفسى هو تخصيص “كوته” لأعضاء مجلس النواب حيث يطلبون من الوزراء تعيين أبناء دوائرهم الإنتخابية، وليس هناك تصور جيد للتعامل مع هذه العمالة، ويتردد كلام دائماً أن هيكلة العمالة تعنى “خراب بيوتهم” وهذا كلام خطأ وله بديل يجب أن يطبق بشكل صحيح.
• لا بد من هيكلة العمالة الزائدة من خلال إعادة تسكينهم فى أماكن تحتاجهم بشكل علمى صحيح، وليس مجرد نقلهم من مكان ويحدثون مشكلة فى مكان آخر. ماسبيرو يحتاج فعلا إلى إعادة هيكلة فى الموظفين واللوائح والقوانين وإعادة تسكين الناس فى الأماكن التى تنفعهم بعيداً عن العلاقات والخواطر.
• قيادات ماسبيرو “واخدين موقف” من كل أبناء المبنى القدامى، كل القدامى قالوا أنهم مستعدين للعمل ولتقديم البرامج، وأحد الاقتراحات التى تقدمت بها للمبنى أنه مثلا يمكن عمل تجربة ظريفة هى أن نقدم حلقة شهرية يشترك فيها أبناء ماسبيرو القدامى مع الشباب لنقل الخبرات وليستفيد المبنى من كل أبنائه ولم يرد أحد.
كما تقدمت باقتراح بعد افتتاح قناة “ماسبيرو زمان” أن يشترك أى مذيع أو مذيعة من القدامى يتحدثون عن برامجهم أو عن الفترة التى كانوا يعملون بها وذكر كل الزملاء فى هذا الوقت من المعدين والمصورين وكيف كانت هذه الفترة التى كانوا يعملون بها وأشهر الأحداث والذكريات.. ومع ذلك لم يرد أحد على هذه المقترحات.
• شباب ماسبيرو لا يضيرهم وجود المذيعين القدامى، بل على العكس سيستفيدون منهم، حين يقدم مذيع شاب ومذيع قديم سترتفع نسبة المشاهدة، كما ستنتقل لهم الخبرة، لكن الموقف المتشدد ضد المذيعين القدامى من القيادات ومن بيدهم اتخاذ القرار فى المبنى.
• أرى على شاشات التليفزيون من يضعون “ماكياج” وكأنهم فى “فرح فى حارة”، وأحجام تملأ الشاشات، مع أن التليفزيون به لجان متابعة ولجان مذيعين وتقييم أداء، ولا أعرف لماذا لا تقوم بدورها.
• لا أتابع قناة تليفزيونية محددة، لكنى أقلب بين القنوات، ولا أشاهد “الصراخ” فى “التوك شو”، والتكرار بينهم جميعا، وجعوا قلبنا بفستان فنانة وبطانتها، والتانى يستضيفها تبكى، والثالث يدافع عنها، مع أن البلد يعيش أوقات صعبة والناس تحتاج إلى الفهم أكثر، بدلاً من السخط لدى قطاع كبير لعدم فهمهم، ولا يوجد برنامج واحد يشرح ما يحدث على الأرض ولا ما سوف نكون عليه بعد عام، فكل واحد يقول: “وأنا مالى، وهستفيد إيه”.
• لا يوجد على الشاشة برنامج أعتبره إمتداد لبرامجى “سلوكيات” و”على الطريق” رغم وجود برامج كثيرة تتناول المشاكل فى الشارع والعشوائيات والنظافة، ومعظم هذه البرامج تتجمل ولا يوجد تلقائية حقيقية ولا ترصد المشاكل دون “شحاتة” على الناس، على البرامج أن ترصد فقط مشاكل الناس دون أن تشحت” عليهم، ولا أعتبر أن التبرع لهذه البرامج صدقة ولا زكاة ولا غيره.”
• الجمهور طيب ولكنه ليس غبيا، وحين يشعر أنه ضحك عليه يهرب، لكن الإعلام هو الذى عرفنا بالوجوه التى أضرت بالبلد، وحين عرفنا حقيقة الأشخاص التى صدرها الإعلام للمشهد، كرهنا هذا الإعلام وكرهنا من صدرها مثل البرادعى والظواهرى وأبو إسماعيل وكل من كانت القنوات تجرى على بيوتهم لتسجل معهم، ففى فترة لعب الإعلام بالناس بشكل غير نزيه.
• أعيش حالة رضا وقناعة وعلمت نفسى السلام والرضا مع نفسى، طبعا حزنت لعدم تطبيق ما كنت أحلم به فى عملى، لكن الله سيجازى المتسبب، وكانت تأتى لى عروض من قنوات خاصة لكن كان الأمر صعب، لشعورى أنى لا يمكننى العمل إلا فى ماسبيرو، أعطيته 35 سنة من عمرى، وأحببته، كنت أجلس به أكثر ما كنت أجلس فى بيتى، لكن ما ساعدنى على الرضا تواصلى مع الناس وتواصلهم معى وحبهم لى، ولا زلت أحب الشارع ولم أحب يوماً تقديم برنامج فى الأستديو.
• عملت كمذيعة ربط فى بداياتى التزاما بتعليمات العمل، ولم أقتنع به، ثم بدأت أقدم برامج بتكليف من همت مصطفى رئيسة التليفزيون رحمها الله، ثم طلبت منى التفكير فيما أحب أن أقدم، فاخترت طريقى فى العمل ببرامج الشارع، رغم أن المذيعات كانوا “بيتخانقوا” على مذيعة الربط لكنى لم أفضل ذلك.
المصدر: الشادوف+مواقع مصرية