أعلنت إدارة “الحوار الوطني” الرسمي المصري عن اجتماع مجلس الأمناء يوم غد الثلاثاء، فيما تسعى بعض المجموعات المؤيدة لـ 30 يونيو من المعارضين للنظام المصري فى الخارج لعقد ما أطلقوا عليه ( حوار شعبي) مواز كتعبير عن سخطهم جراء رفض النظام انضمامهم للحوار الرسمي الذي يرعاه النظام في القاهرة.
وقد صدرت العديد من الانتقادات لبعض الشخصيات المصرية التي عبرت عن رغبتها فى المشاركة في حوار القاهرة مع السيسي مثل أيمن نور زعيم حزب الغد الليبرالي، والذي اتهمه المذيع المصري ( معتز مطر) بأنه ( غبي) فيما أعلنت قوى وأحزاب معارضة أخرى مثل المجلس الثوري المصري وحزب الشعب الديمقراطي رفضهما الانخراط في أي حوار مع السيسي باعتباره “محاولة جديدة لكسب الوقت لنظام مأزوم”، حسب قولهم.
وتزامناً مع هذا الإعلان عن الحوار الوطني الرسمي، قال الجنرال عبد الفتاح السيسي في تصريحات للصحفيين إن “كل المفكرين والمثقفين والقوى السياسية مدعووين للحوار الوطني باستثناء فصيل واحد كان مسؤولًا عن الدولة والسلطة قبل 3 يوليو/ تموز 2013″، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين والرئيس الراحل محمد مرسي.
ووجه المنسق العام لـ”الحوار الوطني” ضياء رشوان الدعوة لأعضاء مجلس أمناء الحوار، الذي قال إنه “يعكس تشكيلة القوى السياسية والنقابية والأطراف المشاركة في الحوار”، لعقد جلسته الأولى يوم الثلاثاء الموافق 5 يوليو/ تموز الجاري، في مقر الأكاديمية الوطنية للتدريب التابعة لرئاسة الجمهورية.
وأشارت إدارة الحوار الوطني، على حسابها الرسمي بموقع فيسبوك، إلى أن ذلك “يأتي وفاءً بما سبق إعلانه بأن أولى جلسات الحوار الوطني ستبدأ الأسبوع الأول من شهر يوليو”.
وأوضح المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان أن “انعقاد مجلس الأمناء هو البداية الرسمية لأعمال وفعاليات الحوار الوطني، والتي سينظر مجلس الأمناء خلال جلسته الأولى في تفاصيلها ومواعيدها ويتخذ القرارات اللازمة بشأنها، ويعلنها للرأي العام ليتيح له التفاعل مع الحوار والمشاركة فيه بمختلف الوسائل المباشرة والإلكترونية”.
وقال رشوان “تأكيداً لحق الرأي العام في المعرفة والمتابعة الفورية والشفافة لمجريات الحوار، سيُعقد مؤتمر صحافي لوسائل الصحافة والإعلام المصرية والأجنبية، عقب انتهاء اجتماع مجلس الأمناء، لإعلان ما تم فيه، وأن هذا الحق في المعرفة والمتابعة الفورية والشفافة سيكون مكفولاً للرأي العام طوال مجريات وفعاليات الحوار”.
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلن فيه أشرف رشاد، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن (الذي أسسته المخابرات الحربية ويديره الآن جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية)، “رفض حزبه دعوات التصالح مع جماعة الإخوان المسلمين ودعوة قيادات منها للمشاركة في الحوار”.
وقال رشاد في بيان عاجل تقدم به لمجلس النواب، الأحد، “لا تصالح مع الإخوان المسلمين؛ لأن ما بيننا وبينهم قضية ثأر، هنا خلاف في العقيدة والفكر والدم”، حسب زعمه.
وقال السيسي، خلال لقائه مع عدد من الصحافيين والإعلاميين على هامش افتتاح محطة “عدلي منصور” المركزية والقطار الكهربائي، اليوم: “إن جماعة الإخوان خلال مدة حكمهم، التي امتدت طوال سنة ونصف، جعلت مصر ليست دولة”، مضيفًا: “الإخوان خلصوا على الدولة وما كانوش عارفين يعني إيه دولة”. وتابع:”الإخوان لم تكن لديهم معرفة بمعنى الدولة وكل هدفهم كان تحريك الشارع وصناعة أزمات”.
واختتم السيسي: “قلت للإخوان قبل 30 يونيو إذا الشعب جابكم تاني في انتخابات رئاسية مبكرة مفيش مشكلة.. ولو ما جابكمش تبقوا جزء من المعادلة السياسية”.
والجدير بالذكر أن الرئيس الراحل محمد مرسي تولى منصب رئيس جمهورية مصر العربية بصفة رسمية في في 30 يونيو/ حزيران 2012، واستمرت فترة رئاسته حتى انقلاب القوات المسلحة عليه في 3 يوليو/ تموز 2013، وهو ما يعني أن فترة حكمه استمرت مدة عام و3 أيام فقط.
قصة الحوار الوطني
ولم تكن هذه هي المرة الأولي التي يدعو فيها السيسي للحوار الوطني، فمع اشتداد الخلافات السياسية في مصر منتصف عام 2013، وتعاظُم المعارضة في وجه حُكم الرئيس الراحل محمد مرسي، دعا وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي، إلى “حوار وطني ترعاه القوات المسلّحة”، وهو ما جرى بالفعل ومهّد لتحرّكات «30 يونيو» التي أطاحت بمرسي، وفتحت الباب أمام السيسي ليترقّى سريعاً من فريق أول إلى مشير، ثم رئيس للبلاد في العام 2014.
وكان يُفترض بـ«الجنرال» مغادرة منصبه بحلول عام 2022، بموجب الدستور الذي انتُخب على أساسه، والذي أعدّته لجنة ضمّت مختلف الأطياف التي شاركها حوار 2013 وجرى إقصاؤها في ما بعد، بدءاً من محمد البرادعي، ومروراً ببقيّة التيّارات السياسية التي اضطرّ بعض ناشطيها للهرب والإقامة في الخارج لفترات زمنية خشية التوقيف.
اليوم، وكما يرى أحمد حسن الشرقاوي رئيس حزب الشعب الديمقراطي المعارض، جدّد السيسي دعوته إلى حوار هدفه الأساسي تمديد بقائه في السلطة، على رغم الإخفاقات الاقتصادية والديون التي باتت تشكّل نحو ثلث موازنة الدولة، وموجة التضخّم المرتقبة، والتي لن تردعها المساندات الخليجية.
ووفقا للشرقاوي، فإن الفارق بين حوار «30 يونيو 2013 » وحوار اليوم في 2022، أن السيسي أراد للشعب في حينه التمرّد من أجل استعادة الجيش للسلطة، بعدما اضطرّ لتسليمها إلى رئيس مدني للمرّة الأولى منذ الانقلاب العسكري الأول الذي يطلقون عليه ثورة 23 يوليو 1952؛ فيما الحوار الذي دعا إليه منذ نهاية ابريل/ نيسان الماضي، يبدو جزءاً من محاولته الحفاظ على «شرعية» النظام داخلياً، وتزامناً مع تنازلات السلطة المتعدّدة من أجل تحسين صورتها الحقوقية، وتجنّب الانتقادات التي قد تُوجّه إليها في «قمّة المناخ» في نوفمبر/ تشرين الأول المقبل في مدينة شرم الشيخ.
ولكن قد لا يرى البعض أن ثمّة اختلافاً جوهرياً بين الحوارَين؛ إذ إن الأوّل انتهى إلى دعم الجيش للتظاهر من أجل إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر، في حين أن الثاني سيُعقَد خدمةً للسيسي ونظامه والحفاظ على استقراره داخلياً، حسبما أكد الشرقاوي.
وأضاف أن جلسات الحوار الوطني الرسمي المرتَقب، تستهدف حلحلة الجمود السياسي، في ظلّ الاستعداد لانتخابات 2024، والتي قد تسبقها، أو تليها مباشرة، تعديلات دستورية تُجيز للسيسي الإمساك بالسلطة حتى عام 2034، وتمنحه صلاحيات أكبر ضمن أجهزة الدولة المختلفة، بما في ذلك القضاء، إلى جانب العديد من الامتيازات التي ستُمنح للقوات المسلّحة، وبنود متعلّقة بالحرّيات ستبقى حبراً على الورق في انتظار إقرار قوانين في برلمان سيكون متحكَّماً به من قِبَل السلطة، وجهاز المخابرات على وجه الخصوص.
إلّا أن الأفق المفتوح نظرياً لحوار 2022، إنّما هو مقيّد عملياً بعدم استعداد النظام لتقديم تنازلات تُظهر المعارضة وكأنّها انتصرت، في ظلّ محاولات لبثّ خلافات في صفوفها، استهدفت عدّة أحزاب سياسية في الآونة الأخيرة، وعلى رأسها حزب «الوفد».
ولفت الشرقاوي الى انه رغم أن السيسي شارك في حوار 2013 بنفسه بصفته وزيراً للدفاع، إلّا أنه سيكتفي هذه المرّة بمندوبيه ومساعديه وبالشخصيات التي اختيرت للأمانة العامة للحوار للاستماع إلى المطالب، وهي شخصيات داعمة للنظام بغالبيتها، ولكنها لم تتورّط في الإساءة إلى المعارضة.
والظاهر أيضاً أن اختيار جزء من المسؤولين مردّه إلى تمتّعهم بقنوات تواصل مع الخارج، وهذا ما يفسّر مثلاً اختيار ضياء رشوان رئيس «الهيئة العامّة للاستعلامات» المسؤولة عن تحسين صورة الدولة في الخارج، ليكون منسّقاً للحوار؛ إذ إن للرجل علاقات مباشرة مع مسؤولي الصحف الأجنبية، ليس بحُكم عمله في الهيئة فقط، وإنّما أيضاً بصفته نقيباً سابقاً للصحافيين.
كذلك، اختيرت صحافية غطّت أخبار المؤسّسة العسكرية ( فاطمة سيد أحمد) لتكون ضمن الأعضاء، بمثابة عين مراقِبة على ما يدور في الاجتماعات المغلَقة المقرَّر عقدها قريباً، حسبما قال الشرقاوي.
المصدر: الشادوف+العربي الجديد