يعقد ممثلون عن مصر وأثيوبيا والسودان منتصف يونيو المقبل جولة جديدة من المفاوضات بخصوص سد النهضة بوساطة من دولة الإمارات العربية المتحدة التي عرضت استضافة المفاوضات في أبو ظبي، بعد فشل جولتين سابقتين، وفقا لمصادر متطابقة.
وكشفت مصادر مصرية أن الجولتين السابقتين عقدتا خلال الشهرين الماضيين في أبو ظبي بمشاركة مصرية اثيوبية سودانية على مستوى الخبراء بعد أن فشلت كل محاولات القاهرة للضغط على أديس أبابا، لوقف عمليات البناء وتعلية الممر الأوسطي للسد، لحين التوصل لاتفاق نهائي أو بدء جولة مفاوضات جديدة.
يأتي ذلك بينما اقترب موعد الملء الثالث للسد المقرر مطلع يوليو/تموز المقبل، بينما لم يتم الالتفات من جانب اثيوبيا للمطالب المصرية السودانية، بشأن التوصل لاتفاق قانوني شامل وملزم ينظم قواعد ملء وتشغيل السد.
وأوضحت المصادر أن “المشاورات الأخيرة كانت على المستوى الفني من جانب وفود متخصصة من البلدان الثلاثة؛ مصر والسودان وإثيوبيا، وذلك بعدما أقنع الإماراتيون الإثيوبيين بالمشاركة بضمانات من جانب أبوظبي، حيث حضر ممثلون عن دولة الإمارات للاجتماعات غير المعلنة كمراقبين”.
وبدأت إثيوبيا في فبراير/شباط الماضي، تشغيلاً محدوداً لتوربين واحد من توربينات السد، كمرحلة أولى لإنتاج الكهرباء. ووفق وسائل إعلام رسمية، فإن السد الواقع غربيّ إثيوبيا والقريب من الحدود مع السودان، يمكنه توليد 375 ميغاواط فقط من الكهرباء من التوربين الذي تم تشغيله.
وأوضحت أن “المشاورات التي جرت على مدار جولتين، لم تحقق اختراقاً في أي من القضايا العالقة، فيما انحصر التعاون الإثيوبي في إمكانية تنسيق الجهود بين البلدان الثلاثة قبل عملية الملء الثالث فقط، مع التأكيد على الرفض التام لإطلاع المصريين والسودانيين على أي معلومات دقيقة تخص عملية تشغيل السد في الوقت الراهن، وكذلك خطط الاستعداد للملء الثالث”.
وبحسب المصادر “أبدى الإثيوبيون استعداداً لإخطار مصر والسودان قبل الشروع في عملية الملء الثالث، حتى يتسنى للدولتين الاستعداد وتجنب أي آثار سلبية”.
وأشارت المصادر إلى أن “الوفد الإثيوبي تمسك أيضاً خلال المشاورات، برفض الملاحظات الفنية المتعلقة بأمان مشروع السد، والتي تطرحها مصر، من دون أن يقدم أي تصميمات هندسية، حيث طرح التقارير الفنية السابقة لمكاتب فرنسية”.
حرب الهرم الأسود
والشهر الماضي، أعلن المدير العام لوكالة أمن شبكات المعلومات الإثيوبية شوميت جيزاو، إحباط هجمات إلكترونية حاولت استهداف سد النهضة والمؤسسات المالية الكبرى في البلاد.
وقال في مؤتمر صحافي إن “منظمة ترعاها الدول التي تحسد إثيوبيا على مساعي السلام والتنمية، أعلنت الحرب الإلكترونية ضد أديس أبابا تحت شعار حرب الهرم الأسود”، وفق قوله.
وأضاف أن “الهجمات الفاشلة شملت محاولات عرقلة أعمال سد النهضة من خلال استهداف 37 ألف جهاز كمبيوتر مترابط، تستخدمها المؤسسات المالية”، معتبراً أن هذه الحملة “كانت بهدف تخريب البناء الناجح لسد النهضة”.
ووفقاً للمصادر المصرية التي تحدثت لـصحيفة “العربي الجديد”، فإنه “من المقرر عقد جلسة مشاورات جديدة في أبوظبي بين الوفود الثلاثة قبل منتصف يونيو/حزيران المقبل”.
وأوضحت المصادر أنه “تم إطلاع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان على تفاصيل الجلستين الماضيتين خلال زيارته الأخيرة للقاهرة، حيث طالب المسؤولون في مصر بدور أميركي أكثر فاعلية لزحزحة إثيوبيا عن موقفها الرافض لإبداء أي مرونة، سواء بشأن المفاوضات الفنية الجارية في أبوظبي، أو التعاطي مع المطالب المصرية السودانية لإطلاق جولة مفاوضات سياسية جديدة بشأن الأزمة”.
وقال أحد المصادر إنه “على الرغم من تمسك القاهرة في الماضي بعدم مسايرة أديس أبابا في إجراءات لا تأتي على قاعدة الوصول لاتفاق ملزم لكافة الأطراف، إلا أنها اضطرت أخيراً للقبول بالمبادرة الإماراتية، على أمل إحداث أي اختراق في الموقف الإثيوبي قبل الملء الثالث، وأيضاً في ظل مواجهة مصر أزمات داخلية واقتصادية”.
فوفق المصادر “ترغب القيادة المصرية بالوصول إلى اتفاق بشأن سد النهضة يمكن تسويقه شعبياً، ويخفف من حدة الاحتقان في الشارع المصري، بعدما فشلت كافة المحاولات بهذا الإطار أخيراً”.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد خلال لقائه سوليفان ووفد أميركي رفيع المستوى زار القاهرة في 11 مايو/أيار الحالي، على “التمسك بضرورة التوصل لاتفاق ملزم بين الأطراف الثلاثة”.
وفي السياق، قالت مصادر خاصة لـصحيفة “العربي الجديد”، إن سوليفان “استخدم خلال مباحثاته مع السيسي، ورقة سد النهضة، ولوّح بإمكانية تقديم مساعدة أميركية في هذا الشأن من أجل الحصول على تعهدات مصرية في مسألة العلاقات مع روسيا، وضرورة دعم الموقف الأميركي في أزمة الحرب الروسية الأوكرانية”.
وأوضحت المصادر أن “حاجة واشنطن إلى موقف مصري داعم في الأزمة الروسية الأوكرانية، حرّك الكثير من الملفات التي تهم القاهرة، وبينها ملف أزمة سد النهضة”.
وتابعت المصادر “لكن مصر تعي جيداً أن أزمة السد صعبة ومعقدة، وأن موقفها فيها ضعيف، في ظل عدم وجود نص قانوني في اتفاقية إعلان المبادئ التي تم توقيعها بين الدول الثلاث في الخرطوم عام 2015، يلزم إثيوبيا بالموافقة على الطلبات المصرية بخصوص السد، والمتمثلة خصوصاً في التوقيع على اتفاق قانوني شامل وملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد”.
وجرت آخر جلسة للمفاوضات قبل أكثر من عام، في إبريل/نيسان 2021، برعاية الاتحاد الأفريقي، أعلنت عقبها الدول الثلاث فشلها في إحداث اختراق، ما دعا مصر والسودان للتوجه إلى مجلس الأمن الذي أصدر قراراً رئاسياً منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، شجّع فيه الدول الثلاث على استئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي، للوصول إلى اتفاق مُلزم خلال فترة زمنية معقولة.
وترددت أنباء في الأيام الأخيرة عن استمرار أعمال تعلية الممر الأوسط بسد النهضة الإثيوبي. وقال الباحث المصري المتخصص في الشأن الأفريقي هاني إبراهيم، في منشور عبر صفحته بموقع “فيسبوك”، إن “أعمال تعلية الممر الأوسط للسد وصلت إلى منسوب يتراوح بين 580 و581 متراً، حسب التقديرات”، مشيراً إلى “استمرار تشغيل ممر واحد للاستخدامات، مع تشغيل أول توربين منخفض”.
فتور وتباين العلاقات
وشهدت العلاقات المصرية الإماراتية حالة من الفتور والتباين خلال الأشهر الماضية، بشأن عدد من الملفات الساخنة التي تمر بها المنطقة، وتلعب فيها أبوظبي دوراً فاعلاً، بالإضافة إلى الملفات المشتركة بين البلدين.
وأكدت مصادر على اطلاع بملفات الشراكة المصرية الإماراتية، لـ”العربي الجديد”، أنه “كانت هناك حالة من الاستياء لدى صنّاع القرار في مصر من مواقف حكام دولة الإمارات أخيراً، بسبب تجاهل مطالبات مصرية متكررة حول عدد من الأزمات، من بينها سد النهضة، إذ تقتنع القاهرة بأن أبوظبي تدعم أديس أبابا، بما يساهم في تقوية موقف الأخيرة في مقابل القاهرة والخرطوم”.
وأضافت المصادر أن “علاقات الإمارات وتواصلها المستمر مع إثيوبيا، من دون النظر للمطالبات المصرية باستغلال تلك العلاقات في مساعدة القاهرة، بل على العكس من ذلك دعمت أبوظبي أديس أبابا مالياً أكثر من مرة، أغضب المسؤولين المصريين من الجانب الإماراتي”.
وقال دبلوماسي مصري سابق لـ”العربي الجديد”، إن “استراتيجية الإمارات في هذه القضية تنطلق من أرضية الاستثمارات والعلاقات، وبدعم قوي من إسرائيل، وهذا ما يأتي على حساب مصر”.
وأضاف أن “الإمارات ترتبط بعلاقات قوية جداً مع إثيوبيا، ولها استثمارات هناك بمليارات الدولارات، ويعنيها في المقام الأول بسط هيمنتها على المضائق في جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وبالتالي التحكم في مياه أعالي نهر النيل، وهذا طبعاً يتم لصالح إسرائيل، الحليف الرئيسي الحالي لحكام أبوظبي”.
وأشار المصدر إلى أن “جولتي المفاوضات الفنية، اللتين عقدتا في أبوظبي خلال الشهرين الماضيين، وحضرهما ممثلون فنيون من الدول الثلاث، يمكن أن تكونا ضمن محاولات لطمأنة القاهرة في قضية المياه، في وقت يحتاج فيه الحلفاء الرئيسيون للإمارات (أميركا وإسرائيل) إلى مصر في بعض القضايا الساخنة على الساحة العالمية”.
وأوضح المصدر أن “الولايات المتحدة تحتاج إلى الدعم المصري المطلق في أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وهناك حديث أميركي تردد أخيراً عن أن الدعم الذي تنتظره واشنطن يصل إلى حد نقل طائرات ميغ روسية من مصر إلى أوكرانيا لاستخدامها ضد روسيا، مع أنه أمر مستبعد نظراً لعلاقات القاهرة القوية بموسكو”.
وقال المصدر إنه على صعيد العلاقات المصرية الإماراتية “يمكن القول إنها تحسنت قليلاً بعد القمة التي عقدت في منطقة النقب المحتلة، واستضاف فيها وزير الخارجية الإسرائيلي نظراءه من مصر والإمارات والمغرب والبحرين بحضور وزير الخارجية الأميركي”.
وأضاف المصدر أن “الهدف الإسرائيلي الرئيس من وراء تلك القمة التي عقدت بمساعدة الإمارات، هو تعميق العلاقات مع دول عربية بما يساعد في المقام الأول على مواجهة التهديد الآتي من إيران”.
المصدر: الشادوف+مواقع صحف