تسود حالة من الاستياء الشديد بين أوساط الدائرة الرئاسية المصرية بما فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي تجاه كبار المسؤولين في دولة الإمارات العربية المتحدة، بسبب إجراءات تمت مؤخرا بمعرفة الرئاسة الإماراتية تتعلق بأسرة الرئيس المصري الراحل حسني مبارك.
وكشفت مصادر مصرية مطلعة في تصريحات لموقع الشادوف أن السيسي والدائرة المقربة منه خصوصا مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل يشعران بالاحباط بعدما استجابوا لمطالب القيادة الإماراتية بالسماح لعائلة مبارك بالسفر الى أبو ظبي لتقديم واجب العزاء فى الشيخ خليفة بن زايد غير أن بيان الأسرة بشأن موقفها القضائي لم يحظ بقبول بين تلك الدائرة والتي من بينها محمود نجل السيسي وهو الذراع اليمني لوالده ولمدير المخابرات عباس كامل.
وأظهرت صور نشرت مؤخراً نجلي مبارك علاء وجمال، خلال تقديمهما واجب العزاء في وفاة رئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد، الذي وافته المنية مطلع الأسبوع الماضي. ووفقاً للمصادر، فإن نجلي مبارك خاطبا مكتب الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، بشأن رغبة الأسرة في تقديم واجب العزاء في الشيخ خليفة، بعد أن أخطرتهما دوائر مصرية رسمية برفض سفرهما للخارج.
وأوضحت مصادر مصرية أخرى، في تصريحات خاصة لصحيفة “العربي الجديد”، أن مسؤولين من مكتب الرئيس الإماراتي تواصلوا مع القيادة المصرية، وأبلغوها بطلب شخصي من الرئيس محمد بن زايد شخصياً بالسماح لعلاء وجمال مبارك بالسفر.
وكشفت المصادر أن المسؤولين في الإمارات قاموا بعد ذلك بإرسال طائرة خاصة إلى القاهرة لنقل علاء وجمال إلى أبوظبي لتقديم العزاء، مشيرة إلى أنه جرى إرجاء موعد مغادرتهما القاهرة لبعض الوقت، لأنه صادف لحظة سفر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الإمارات لتقديم العزاء أيضاً لحكّام الإمارات.
تسهيلات إماراتية لأسرة مبارك
وبحسب أحد المصادر، فإن “التدخّل الإماراتي رفيع المستوى الذي لم يراع المحاذير المصرية بشأن التعامل مع أسرة الرئيس الراحل حسني مبارك”، بحد تعبير المصدر، “أزعج القيادة المصرية التي رفضت في بادئ الأمر، لكنها رضخت في النهاية للطلب الإماراتي”.
ولفت إلى أن “مستوى الترتيبات التي قام بها الجانب الإماراتي لاستضافة ونقل نجلي مبارك من مصر الى الإمارات كان محل استياء مصري رسمي”، مؤكداً أن “نشر صور علاء وجمال مبارك خلال تقديمهما العزاء للشيخ محمد بن زايد، كان بشكل رسمي من مكتب محمد بن زايد شخصياً”.
وكشف المصدر أن “ما أثار حفيظة الجانب المصري هو استقبال جمال مبارك وشقيقه علاء في أبوظبي وفقاً لبروتوكول رسمي مماثل لنفس مراسم البروتوكول التي جرى بها استقبال السيسي”.
وكانت أسرة مبارك قد طلبت من السلطات المصرية السماح لها بالسفر إلى الكويت في عام 2020، لتقديم واجب العزاء بوفاة أمير الكويت السابق الشيخ صباح الأحمد الجابر، الذي توفي في الولايات المتحدة بعد معاناة طويلة مع المرض، وكانت تربطه علاقات شخصية قوية بمبارك وأسرته، لكن طلب الأسرة قوبل بالرفض من جانب السلطات.
وقالت المصادر إن “أسرة مبارك عندما طلبت السفر إلى الإمارات لتقديم العزاء في وفاة الشيخ خليفة بن زايد، جرى إبلاغها بالرفض أيضاً على غرار ما حدث بالنسبة للكويت، لكن الضغوط الإماراتية غيّرت موقف السلطات المصرية، وفي النهاية اضطرت الرئاسة المصرية للسماح لنجلي مبارك بالسفر إلى الإمارات”.
وأضافت أنه “من المرجح أن يبقى جمال مبارك في الإمارات لفترة، ليدير أعماله من هناك، أو ينتقل إلى العاصمة البريطانية لندن، لمباشرة استثماراته وأمواله الموجودة بالخارج، والموزعة على شركات أوف شور حول العالم، في الوقت الذي تعيش فيه مصر أزمة اقتصادية ومالية عنيفة”.
وكشف مصدر آخر أن “نشر البيان المتلفز الذي ظهر فيه جمال مبارك لتوضيح موقف الأسرة بشأن الإجراءات القضائية، جاء أيضاً بضغوط إماراتية على الجانب المصري للسماح له بنشره”.
وأصدرت أسرة مبارك بياناً، الثلاثاء الماضي، تؤكد فيه “انتهاء كل إجراءات التقاضي المرفوعة عليها منذ تنحي مبارك عن السلطة عام 2011”.
ونوّه مصدر آخر بأن البيان “كان مسجلاً قبل إذاعته بـخمسة أيام كاملة، ولم يُنشر إلا بتدخل مباشر من حكّام أبوظبي الذين طلبوا من المسؤولين في مصر السماح لآل مبارك بتلك الخطوة، من أجل توضيح موقف أسرة الرئيس المصري المخلوع بشأن عدد من التقارير الأجنبية التي نشرت أخيراً”. ووفقاً للمصدر ذاته، فإن “إذاعة البيان جرت خلال وجود نجلي الرئيس المخلوع في أبوظبي”.
الظهور المتكرر يزعج السيسي
وظهر جمال مبارك في تسجيل على “يوتيوب” وهو يعلن البيان الذي قال فيه: “اليوم وبعد 10 سنوات من التحقيقات المستفيضة، بما في ذلك العديد من طلبات المساعدة القانونية الدولية المتبادلة بين مختلف السلطات القضائية والعديد من الإجراءات القضائية في دول عديدة، فقد ثبت أن جميع الادعاءات الموجهة إلينا كانت كاذبة تماماً”.
ووفقاً للمصدر، فإن “هناك ضيقاً لدى الدائرة المقربة من السيسي بشأن الظهور المتكرر لنجلي مبارك”، مشيراً إلى أن “هناك اقتناعاً راسخاً لدى السيسي ودائرته بأن أحلام رئاسة الدولة المصرية لا تزال تراود النجل الأصغر للرئيس المخلوع، والذي لا تزال أسرته تحظى بدعم وتقدير كبيرين في الدوائر لدى حكام الخليج، الذين يعدون داعمين رئيسيين للدولة المصرية في هذه الأثناء”.
وذكر المصدر أن “مسؤولين بارزين في دولة الإمارات على وجه الخصوص، تدخلوا خلال مناسبات متعددة، لمنع إجراءات عقابية من جانب القيادة المصرية، بحق أسرة مبارك، بسبب آراء لنجل الرئيس الأكبر علاء مبارك، نشرها في عدة مناسبات على حسابه الرسمي بموقع تويتر”.
ووفقاً للمصدر، فإن “نشاط جمال مبارك الأخير، ولقاءاته التي تبدو ودية بمسؤولين غربيين وسفراء أخيراً، تتسبب في إزعاج لدائرة الرئيس من دون أن يكون بمقدورهم اتخاذ إجراء بحقه، بسبب الضغوط الخليجية”.
وكان الادعاء العام الاتحادي في سويسرا قد أعلن، الأسبوع الماضي، أنه أغلق تحقيقاً استمر 11 عاماً، يتعلق بالاشتباه في غسل أموال في ما يتصل بثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر.
وأفاد مكتب المدعي العام السويسري بأنه “على الرغم من التحريات العديدة وتحويل 32 مليون فرنك سويسري (نحو 33 مليون دولار) إلى مصر في عام 2018، يتعين على مكتب المدعي العام الآن قبول أن التحقيق لم يستطع إثبات الشبهات التي تبرر اتهام أي شخص في سويسرا أو مصادرة أي أصول”. وأكد الإدعاء السويسري أنه سيفرج عن المبلغ المتبقي الذي جمده والبالغ 400 مليون فرنك سويسري (429 مليون دولار).
ويأتي القرار بعد حكم المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي، في 6 إبريل/ نيسان الماضي، بتأييد إلغاء عقوبات فرضها الاتحاد على مبارك وأفراد أسرته وفك تجميد أصولهم. وذكر حكم الاتحاد الأوروبي أن هذه العقوبات كانت غير قانونية وأمر المجلس الأوروبي بدفع تكاليف التقاضي التي تحملتها أسرة مبارك.
والجدير بالذكر أن محكمة النقض العليا في مصر أصدرت، منذ سنوات، حكماً نهائياً وباتاً، بتأييد معاقبة حسني مبارك ونجليه علاء وجمال بالسجن المشدد مدة 3 سنوات، وذلك لإدانتهم بالاستيلاء على نحو 125 مليون جنيه (6.8 ملايين دولار) من المخصصات المالية للقصور الرئاسية، وهو ما ينفي تماماً إدّعاء جمال مبارك بحصولهم على البراءة في جميع القضايا.
أحكام سابقة بحق نجلي مبارك
ويعد حكم محكمة النقض “جريمة مخلة بالشرف” ضد مبارك ونجليه، وتمنعهم من المشاركة في الحياة السياسية ومن إمكانية الترشح لأي انتخابات سواء رئاسية أو مجلس نواب أو محلية.
وعلى الرغم من ذلك، وبحسب ما أكدته مصادر خاصة، فإن دوائر داخل النظام المصري “تتحدث حالياً عن إمكانية عودة جمال مبارك إلى معترك السياسة، بترتيبات خارجية، على غرار ما حدث في الفيليبين من فوز نجل الديكتاتور الراحل فرديناند ماركوس الابن برئاسة البلاد، على الرغم من تلقي المحكمة العليا في مانيلا التماساً يطالب بوقف إعلان النتيجة، لعدم أهلية ماركوس الابن للترشح للرئاسة”.
وعلى الرغم من إدانة مبارك وولديه في جريمة “مخلة بالشرف” تمنعهم من المشاركة في الحياة السياسية، وتوجب ألا تُجرى جنازة عسكرية للرئيس السابق، بالإضافة إلى سحب النياشين، وتجريده من الرتب العسكرية، إلا أنه جرى تنظيم جنازة عسكرية لمبارك، وله الحق في رفع دعوى رد اعتبار بعد عدة سنوات في حالة رغب بالمشاركة بالحياة السياسية.
في هذا السياق، اعتبرت المصادر أن مخاوف النظام المصري الحالي من ظهور نجل مبارك، لا تتعلق بإمكانية طرح اسمه الآن بديلاً محتملاً لرئاسة مصر، لأسباب متعددة.
فنجل مبارك مرفوض شعبياً، وطرح اسمه لوراثة حكم مصر، كان أحد أسباب قيام ثورة 25 يناير، وهو مرفوض من المؤسسة العسكرية المصرية، التي اضطرت للرضا عن الثورة، وتخلت عن مبارك الأب، لهذا السبب تحديداً، وهو منعه من الوصول إلى مقعد الرئاسة.
والنظام يدرك كذلك أن فرص الدعم الغربي، أميركياً وأوروبياً، ضعيفة للغاية، وبالتالي، ليس هناك خوف من مبارك الابن في المدى القريب.
أما الرهان على وجود قواعد وكوادر للدولة العميقة التي تنتمي لمبارك الأب، فهو رهان خاسر وفقا لتلك المصادر، لأن هذه القواعد نفسها تحمل مبارك الابن مسؤولية تصدع وانهيار نظام الرئيس المخلوع.
واعتبرت المصادر أن خشية النظام من ظهور جمال مبارك نابع من الترويج لفكرة أن المصريين يبحثون عن بديل للنظام، وأنه في مرحلة لاحقة يمكن أن تكون هناك مرحلة انتقالية لا يطرح فيها اسم جمال مبارك رئيساً خلال هذه المرحلة، لكن يمكن أن يجرى الترتيب للتغلب على العقبات القانونية والشعبية التي تحول دون عودته لممارسة أي دور سياسي في المستقبل.
وشدّد على أن مجرد دخول أبناء مبارك في المعادلة السياسية المصرية ليس في صالح النظام، خصوصاً في فترة يعتبرها كثيرون هي الأكثر صعوبة في مسيرته، منذ استيلائه على الحكم عقب الانقلاب العسكري في يوليو من العام 2013.
المصدر: الشادوف+العربي الجديد