كشفت مصادر مصرية عن مشاورات تجري بين “الأكاديمية الوطنية للتدريب”، المسؤولة عن إدارة “الحوار السياسي الوطني” الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، في 26 إبريل/ نيسان الماضي، ومدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، وممثلين عن “الحركة المدنية الديمقراطية” التي أعلنت أخيراً “رفض إجراءات الحوار”، من أجل إيجاد صيغة مناسبة لتراجع الحركة عن موقفها والقبول بالمشاركة.
وقالت المصادر إن “اجتماعاً عُقد أخيراً بين اللواء عباس كامل والمرشح السابق حمدين صباحي والمخرج خالد يوسف، المقرب من كامل، والذي رتب للاجتماع”، وكشفت أن “صباحي ويوسف نقلا إلى كامل مطالب الحركة المدنية المتعلقة بإجراءات الحوار، وعلى رأسها اختيار الأعضاء العشرة الذين يشكلون الأمانة العامة للحوار”.
وقالت المصادر إن صباحي ويوسف “طرحا بعض الأسماء على كامل لتشكيل الأمانة العامة، من بينها المرشح السابق لرئاسة الجمهورية عمرو موسى، والناشط محمد غنيم”.
من ناحيته، أعلن حزب الكرامة المصري، رفضه خطة الحكومة لبيع أصول الدولة، لسداد فاتورة الديون المتراكمة، معبراً عن قلقه من أن يتحول “الحوار الوطني” الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى “مجرد غطاء لعمليات بيع البلد”، على حد وصف بيان للحزب.
وقال حزب الكرامة في بيانه إنه تابع بقلق بالغ، التصريحات الصادرة عن الحكومة مؤخراً بشأن ما تعتزم تطبيقه من إجراءات للتعامل مع الأزمة العنيفة التي يعيشها الاقتصاد المصري، في ظل المديونية الخانقة التي تلتهم بمفردها ما يزيد عن نصف موارد الموازنة العامة سنوياً”.
وأضاف: “إننا إذ ندرك أن اختلالات الاقتصاد هي مسؤولية كل الحكومات التي تعاقبت على إدارة موارد مصر خلال العقود الماضية، نوقن أن السلطة الحالية تتحمل النصيب الأكبر من المسؤولية في انزلاق الأوضاع إلى هذا الحد الخطر نظرا لأنها أعادت إنتاج نفس السياسات وبصورة أفدح وأكثر سفهاً، وضاعفت حجم الدين العام لأكثر من 400% خلال 8 سنوات فقط، وبددت أصولنا ومواردنا الإنتاجية، وطبقت إجراءات انكماشية قاسية تحملت فاتورتها الطبقات الأكثر فقراً، وتشوهت معها المؤشرات الكلية للاقتصاد، فاتسعت رقعة الفقر وازداد عمقه، وارتفعت معدلات البطالة والتضخم، وتراجعت قيمة العملة الوطنية إلى أدنى مستوياتها ما انعكس على انخفاض القدرة الشرائية للفرد والدولة”.
موقف محرج
وقد وجد النظام المصري نفسه في موقف محرج بعد إعلان “الحركة المدنية الديمقراطية” رفض الإجراءات التي أعلنت عنها “إدارة الحوار الوطني”، والذي يتم تنظيمه تحت مظلة “الأكاديمية الوطنية للتدريب” التابعة لرئاسة الجمهورية، ويشرف عليها كامل، وقالت الحركة إنها تمثل “نهجاً أحادياً”.
وكانت الدائرة المقربة من السيسي، بقيادة اللواء عباس كامل، قد تولت تنفيذ تكليفه خلال “إفطار الأسرة المصرية”، في 26 إبريل الماضي، والذي طلب خلاله بـ”التنسيق مع كافة تيارات وفئات المجتمع لإدارة حوار وطني حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة”.
وراهنت دائرة السيسي، وعلى رأسها كامل، على أن يضم الحوار بعض الشخصيات التي حضرت “إفطار الأسرة المصرية”، وعلى رأسهم المرشح السابق لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي، وغيره من الشخصيات الحزبية، لكن الكيان الذي يضم هذه الشخصيات، أي “الحركة المدنية الديمقراطية”، أعلن يوم السبت الماضي “عدم قبول البيان الصادر عن إدارة الحوار الوطني مساء الأربعاء الماضي، لأنه مثّل نهجاً أحادياً اجتزأ ما تم الاتفاق عليه في جلسات التشاور، والتي امتدت على مدار الشهر الماضي”.
ولفتت المصادر التي تحدثت لـ”العربي الجديد”، إلى أن “المشاورات التي أشارت إليها الحركة في بيانها، تتمثل في اللقاءات التي عقدت بين اللواء عباس كامل، وصباحي ويوسف، على مدار الشهر الماضي”، مضيفة أن “أحد تلك اللقاءات حضره رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، نقيب الصحافيين ضياء رشوان، وعلى أساسه تم تعيين الأخير في منصب المنسق العام للحوار من قبل اللواء عباس كامل”.
وقالت المصادر إن “تجاهل تلك المشاورات الجارية من قبل إدارة الحوار، والإعلان عن إجراءاته وعقده في الأول من يوليو/ تموز المقبل، هو الذي دفع الحركة المدنية لإعلان موقفها الرافض لتلك الإجراءات، ولا سيما أن هناك خلافات أصلاً بين أعضاء الحركة”.
وبحسب المصادر، فإن “بيان (الحركة المدنية الديمقراطية) أربك المسؤولين بالأجهزة المسؤولة عن ترتيب الحوار المفترض، وكان أول توجيه لوسائل الإعلام التابعة للمخابرات العامة هو عدم نشر بيان الحركة أو أي أخبار صادرة عن أحزاب الحركة، وهي: الكرامة، العربي الديمقراطي الناصري، والإصلاح والتنمية، والعدل، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، والشيوعي المصري (تحت التأسيس)، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والمحافظين، والدستور، والوفاق القومي، والاشتراكي المصري، والعيش والحرية (تحت التأسيس)”.
وقالت المصادر إن المسؤولين عن إدارة الحوار “يخشون من تحقيق مطالب الحركة المدنية الديمقراطية، والمتمثلة في تشكيل أمانة عامة للحوار تضم 5 أعضاء من السلطة ومثلهم من المعارضة، وتعيين أمين عام من خارج دائرة النظام، إضافة إلى وضع آلية تضمن أن تتحول نتائج الحوار إلى تشريعات وقرارات”.
وأوضحت المصادر أن “المسؤولين عن إدارة الحوار يعتقدون أن تنفيذ مطالب الحركة من شأنه أن يفقدهم السيطرة على مجريات الحوار، ويفتح الباب أمام مناقشة قضايا يعتبرها النظام خطاً أحمر غير مسموح الحديث فيه، مثل أزمة سد النهضة الإثيوبي، والتي يرى الكثير من الخبراء الفنيين والقانونيين أن تعامل نظام السيسي معها أضر بموقف مصر كثيراً. وهو ما تجسّد في توقيع الرئيس السيسي على اتفاقية إعلان المبادئ لسنة 2015 في العاصمة السودانية الخرطوم، والتي كانت بمثابة اعتراف رسمي مصري بحق إثيوبيا في تشييد السد من دون الحصول على ضمانات تذكر بأنه لن يضر بمصر”.
وأضافت المصادر أن “المسؤولين عن إدارة الحوار يخشون من أن فتح الحديث عن قضية قومية كبرى كقضية المياه وتأثيرات سد النهضة، من شأنه أن يحرج النظام داخلياً، وقد يفتح الحديث عن قضايا أخرى مثل التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية”.
وتابعت المصادر أنه “من ضمن القضايا الأخرى التي يقلق المسؤولون من احتمال طرحها في أثناء الحوار هي قضية الانتخابات الرئاسية المبكرة، والتي دار الحديث عنها في الآونة الأخيرة”.
وأوضحت المصادر أن “مصدر قلق المسؤولين ليس الخوف من فكرة الانتخابات نفسها داخلياً، ذلك أن النظام أصبح متمرساً في التلاعب بالانتخابات ونتائجها، ولكن من الإحراج الذي يمكن أن يجلبه الحديث عنها على المستوى الدولي بشكل خاص، إذ إنه سوف يظهر النظام بأنه غير مرغوب فيه وليس محل ثقة”.
انتخابات رئاسية مبكرة
وكان النائب السابق أحمد طنطاوي قد طرح فكرة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، في سياق الحديث عن القضايا والمحاور التي يمكن أن يتناولها الحوار المفترض، كما طرح أيضاً قضية المياه وسد النهضة كمحور رئيسي من محاور الحوار.
وقال في تصريحات صحافية إنه “على الرغم من أن نظام الرئيس السيسي لم يكن السبب الأساسي في أزمة سد النهضة، إلا أنه أسوأ الأنظمة التي تعاملت معها”.
وعقدت الحركة اجتماعاً بمقر حزب “المحافظين”، استمر حتى منتصف ليل الخميس الماضي، ضم أحزاب “الحركة المدنية الديمقراطية” وشركاءها الموقعين على بيان 8 مايو/ أيار الماضي.
وأصدرت الحركة بياناً عقب الاجتماع حدد ما وصفتها بأنها “ضمانات إجرائية وموضوعية لضمان الوصول لحوار سياسي وطني جاد ومثمر”، وذكرت في بيان آخر صدر يوم الجمعة الماضي، أن “بيان إدارة الحوار استبق المشاورات التي لم تكن قد وصلت إلى اتفاق على نقاط أساسية، منها تسمية الأمين العام للحوار، بينما أورد ما تم الاتفاق عليه بشأن تسمية المنسق العام”.
وأكد المجتمعون بمقر حزب المحافظين في بيانهم على “تجديد التزامهم القاطع بالبيان الصادر في 8 مايو باعتباره الحد الملزم لهم جميعاً سياسياً وأخلاقياً للدخول في الحوار السياسي الوطني، والذي سبق لهم قبول دخوله مبدئياً بروح بنّاءة ونوايا حسنة”.
وقالت المصادر إن “بعض الأجنحة داخل الأجهزة السيادية المصرية، التي أبدت تحفظها سابقاً على فكرة الحوار من أساسها، استغلت بيان الحركة المدنية لضرب الفكرة”.
وفي السياق، أبدى رئيس حزب “الإصلاح والتنمية” النائب السابق محمد أنور السادات، المعروف بقربه من الأجهزة الأمنية، تعجبه من استبعاده من “الحوار الوطني”، ومنعه من الظهور في وسائل الإعلام.
وذكر في بيان أنه “حينما تبدأ فعاليات الدعوة للحوار الوطني كما أطلقها الرئيس ليكون شاملاً من دون استثناء أو تمييز، ثم يتم استبعاد سياسيين وأنا منهم من المشاركة، وأيضاً حظر ظهورهم في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، فهذه بداية غير مشجعة وغير موفقة”.
وأضاف السادات: “لا يجب أن يغضب الرئيس ومجموعة مساعديه القريبين من كلمة الحق والنصيحة الصادقة التي أرسلناها لهم ببساطة، لأن اختلافنا مع بعض سياسات وتقديرات الرئيس وحكومته وأجهزته الأمنية هي في الأساس حفاظ على الدولة واستقرارها وكرامة وحقوق مواطنيها. كما أن لقاءاتنا وتفاهماتنا معهم سابقاً كانت تهدف بالأساس إلى نقل صورة حية وواقعية عن معاناة الناس وآلامهم، بغرض التخفيف عنهم وبناء قاعدة للتفاهم ومد جسور الثقة”.
وفي السياق، تناول المذيع المحسوب على الأجهزة الأمنية عمرو أديب مسألة الحوار، وتحدث خلال برنامجه على قناة “أم بي سي مصر” السعودية، عن أزمة رفض الحركة المدنية لإجراءات الحوار المعلنة من قبل النظام.
وقال “إنه لا بد من الاتفاق أولاً على الآليات والإجراءات الخاصة بالحوار مع المعارضة، قبل البدء في الحوار، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في الوقت الحالي حول هذه الآليات، فلا غضاضة في تأجيل الحوار المقرر أول يوليو المقبل لمدة شهر”.
وكانت “الحركة المدنية الديمقراطية” قد أعلنت في 8 مايو الماضي، قبولها الدخول في الحوار، مشيرة إلى أن “مسؤولية السلطة مهمة في رفع الظلم عن جميع سجناء الرأي، فضلاً عن أنه إشارة لازمة على الجدية في اعتبار هذا الحوار السياسي مقدّمة لفتح صفحة جديدة تليق بمصر”.
وأكد الموقعون على البيان أنهم “لكي يشاركوا في هذا الحوار فإنه لا بد أن يكون جاداً وحقيقياً وأن ينتهي لنتائج عملية توضع مباشرةً موضع التنفيذ، وهو الأمر الذي يستلزم عدداً من الضوابط الإجرائية والموضوعية التي تساعد على جعله وسيلة لإنقاذ الوطن وحل مشكلاته لا مجرد تجميل للواجهة، وفي مقدمتها: أن يكون الحوار تحت مظلة مؤسسة الرئاسة باعتبار أن الواقع العملي يؤكد أنها الجهة الوحيدة القادرة على تنفيذ ما يمكن أن يتم الاتفاق عليه خلال الحوار”، وأن “يجري الحوار في جميع الجلسات وكل المحاور بين عدد متساوٍ ممن يمثلون: السلطة بكل مكوناتها باعتبارها المسؤولة عن صنع السياسات العامة واتخاذ القرارات الهامة وتنفيذها منذ 8 سنوات، والمعارضة التي لم تكن جزءاً من تلك السلطة ولا شريكاً لها”.
المصدر: الشادوف+العربي الجديد+صحف