تحت عنوان “فقاعة السيسي في الصحراء”، أعدت مؤسسة “مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط – بوميد” تقريراً حديثاً عن الاقتصاد المصري، وصفت فيه مشروعات الرئيس عبد الفتاح السيسي العملاقة، وفي مقدمتها مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، بأنها “فقاعة في الصحراء”، معرّضة للانفجار في أي وقت، ومعتبرة إياها السبب الأهم فيما تتعرّض له البلاد حالياً من أزمات اقتصادية.
وأشار التقرير، الذي جاء في أكثر من مائة صفحة، ونشرته المؤسسة، ممهوراً بتوقيع اسم مستعار، نظراً لحساسية القضايا الواردة فيه، إلى أنه بعد عشر سنوات من استيلاء “المستبد المصري” عبد الفتاح السيسي على السلطة في انقلاب عسكري، ووعد بتحقيق “الاستقرار والازدهار”، تواجه البلاد “أسوأ أزمة اقتصادية” تشهدها منذ عقود، حسب التعبيرات الواردة بالتقرير.
وقالت المؤسسة إن “شغف السيسي غير العقلاني للإنفاق على المشروعات العملاقة، بقيادة القوات المسلحة، شريكته في الحكم، لعب دوراً غير هيّن فيما تتعرض له البلاد من أزمات في الوقت الحالي”، مؤكدة المساهمة الأبرز لمشروع العاصمة الإدارية الجديدة، التي ستحل محل القاهرة مقراً للنظام.
وأشار التقرير إلى أنه في الخريف الماضي، ومن أجل تأمين خطة الإنقاذ الرابعة خلال سبع سنوات من صندوق النقد الدولي، وافقت الحكومة المصرية على إبطاء الإنفاق على المشروعات العملاقة، وتعهدت بتقليص دور الدولة والمؤسسات التابعة لها في الاقتصاد المصري. ومع ذلك أصر الرئيس المصري على المضي قدماً في تنفيذ مشروع العاصمة الإدارية، الذي تقدر ميزانيته بنحو 58 مليار دولار. ورغم الإعلان عن إتمامه في مدة لا تتجاوز خمس سنوات، فقد تجاوز مخططه الزمني بسنوات، وتَجَاوَزَ ميزانيته بمليارات.
وأشارت المؤسسة إلى أن السيسي يروّج لعاصمته الجديدة مدينة لامعة ومستقبلية، يمكن من خلالها عرض “جمهوريته الجديدة” للعالم، بما يليق بحكمه “الاستبدادي”. وأكدت أنها ستحتوي على نظام مراقبة جماعي حديث لتتبع جميع الأنشطة في المدينة، بما في ذلك من خلال بث الفيديو المباشر من ستة آلاف كاميرا أمنية، وأنها ستضم قصراً رئاسياً ضخماً، ومقراً جديداً للحكومة.
وأبرزت المؤسسة المفارقة الواضحة في تزايد الفقر الذي يتعرّض له جموع المصريين، بينما يُعلن عن الحي الدبلوماسي، ومعارض الفنون الجميلة، وقاعة المؤتمرات، والمراكز الرياضية، والمنطقة التجارية المركزية التي تشمل برجاً أيقونياً، هو الأطول في أفريقيا، وأكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط، ومناطق سكنية وتجارية راقية، ونهراً صناعياً بطول 22 ميلاً.
أكد التقرير غياب الشفافية والمساءلة في مشروع العاصمة الإدارية، تماماً كما هو الحال مع تفاصيل الوضع المتميز الذي يحظى به الجيش والكيانات التابعة له في الاقتصاد المصري، موضحاً أن المعلومات متاحة للجمهور فقط، من خلال التقارير المنتقصة، وأن أي انتقادات يجري قمعها، أو وصمها بالجهل.
حاول التقرير إلقاء الضوء على الأسئلة المتعلقة بمن يمول الإنفاق بهذا البذخ على مشروع العاصمة، ومن الذي يستفيد منه، بعد أن أكد السيسي مراراً عدم تحمل ميزانية الدولة جنيهاً واحداً من تكلفته. كما ناقش بالتفصيل كيف يجري تحويل مليارات الدولارات إلى المشروع الذي يقوده الجيش، حتى في الوقت الذي تئن فيه الحكومة المدنية تحت وطأة مستويات قياسية من الديون، بينما يواصل السيسي مطالبة المواطنين بشد الأحزمة.
وفي هذا الإطار، أكد التقرير أن المقربين من النظام يحصلون على فوائد هائلة من مشروع العاصمة الإدارية، وفي مقدمتهم القوات المسلحة وشركتها، التي تجني مليارات الدولارات، بصفتها المشرف الرئيسي على المشروع. وأشار إلى أن هذه الشركة تتحصل على عائدات من مبيعات الأراضي، في صورة نسبة من كل عقد يجري توقيعه تقريباً، مع إيداع هذه المبالغ في حساباتها المصرفية، وبعيداً عن أي رقابة مستقلة.
وأكد التقرير وجود شبكة مصالح تجمع مسؤولين بهذه الشركة وبعض كبار المقاولين الذين يعهد إليهم بتنفيذ العمليات، بما فيها بعض الشركات الأجنبية، مثل شركة “هوني ويل” الأميركية، التي عهد إليها بتنفيذ نظام المراقبة الشامل بالعاصمة.
وأوضح معدو التقرير أن أفضل السيناريوهات المستقبلية تستبعد حتى تحقيق عائد إيجابي على الاستثمارات الموجهة للمشروع، فقد جرى بالفعل إلغاء بعض عناصره الرئيسية، مثل الإسكان منخفض التكلفة، في حين أن المساكن الراقية الوفيرة لن تُباع بسهولة.
أما أسوأ السيناريوهات، وفقاً للتقرير، فهو انفجار الفقاعة، كما يحدث في مخطط بونزي Ponzi Scheme، حيث يستخدم المطورون الأموال الجديدة لدفع عوائد الاستثمار للممولين الأقدم، وهو ما ينتج عنه انهيار المشروع برمته عند توقف تدفق الاستثمارات، لتبقى المدينة غير المكتملة كتلة رمال في الصحراء.
وتوقع التقرير تحول الموالين للسيسي، عند نفاد الأموال المتاحة لتمويل المشروع، حيث “تتجه ولاءاتهم الانتهازية إلى مكان آخر أفضل”.
ولم تكتف المؤسسة بعرض هذه المعلومات المهمة، حيث توجهت إلى الحكومة الأميركية بالعديد من النصائح، كان في مقدمتها إجراء مراجعة لتقييم استقرار النظام المصري وقدرته على البقاء، باعتباره “شريكاً استراتيجياً”، في ضوء سوء إدارة السيسي الاقتصادية للبلاد، كما استخدام الأدوات المتاحة في استراتيجية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لمكافحة الفساد، ويشمل ذلك العمل مع صندوق النقد الدولي، والمؤسسات المالية الدولية الأخرى، لتعزيز الشفافية وإجراءات مكافحة الفساد عند إقراضها لمصر، بما في ذلك إيقاف التمويل حتى تنهي الحكومة المصرية إنفاقها على تلك النوعية من المشروعات.
وطالبت المؤسسة الحكومة الأميركية أيضاً بدعم الصحافيين المصريين، ونشطاء المجتمع المدني، في سعيهم لتحقيق الشفافية والمساءلة، من خلال برامجها المخصصة لتلك الأغراض، بالإضافة إلى تخفيض المساعدات العسكرية الأميركية السنوية لمصر بمبلغ يساوي تكلفة نقل السفارة الأميركية في القاهرة إلى العاصمة الجديدة.
و”مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط” هو منظمة غير حزبية، وغير هادفة للربح، مكرّسة لدراسة كيف يمكن للديمقراطيات الحقيقية أن تتطور في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تدعم هذه العملية على أفضل وجه.
ومن خلال الحوار والبحث والدعوة، يعمل المشروع على دعم سياسات الولايات المتحدة الهادفة لتحقيق الإصلاح الديمقراطي سلمياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفقاً لموقعهم على الإنترنت.
المصدر: الشادوف+انترنت