في مؤتمر صحفي بالغ الأهمية والحساسية، أعلن رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الأحد، أنه سيتم تأسيس شركتين يتم خلالهما دمج كبرى الموانئ والفنادق المصرية، وطرح نسب منهما في البورصة. وقال مدبولي، في مؤتمر صحفي، بثه التلفزيون الرسمي المصري في وقت سابق من اليوم الأحد: “نعلن أنه سيتم دمج أكبر سبعة موانئ مصرية تحت مظلة شركة واحدة، وسيتم طرح نسبة منها في البورصة”.
وأضاف: “أيضا، الفنادق المميزة جدا في مصر وتعتبر من أفضل الأصول التي سيتم دمجها تحت شركة واحدة وتطرح نسب منها (في البورصة) للمصريين والمستثمرين”. وتابع مدبولي أنه سيتم كذلك طرح نسبة من مشروعات النقل الحديث، التي تنفذها الحكومة مثل المونوريل، والقطار الفائق السرعة، والقطار الكهربائي، في البورصة.
إلى ذلك، أعاد رئيس الحكومة المصرية، التأكيد أنه سيتم طرح 10 شركات تتبع الدولة، واثنتين تتبعان الجيش المصري في البورصة المصرية قبل نهاية العام 2022 الجاري.
وعرضت الحكومة خلال المؤتمر ما تعيشه البلاد من تبعات تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي وما تشهده دول العالم من زيادة ملحوظة في أسعار الحبوب والزيوت والنفط بسبب النزاع الذي اندلع في فبراير/ شباط الماضي.
وتسبب ذلك في ارتفاع معدل التضخم السنوي في مصر ليسجل نحو 15 في المئة لشهر أبريل/نيسان الماضي، مما دفع مصر إلى خفض قيمة العملة المحلية، إذ خسر الجنيه المصري نحو 17 في المئة من قيمته أمام الدولار في 21 مارس/آذار ليتجاوز سعر بيع العملة الخضراء 18 جنيها. كما انخفض احتياطي النقد الأجنبي للبلاد، بقيمة أربعة مليارات دولار إلى 37 مليار دولار، تعد كافية لتغطية خمسة أشهر من الواردات السلعية فقط.
وطلبت مصر دعما من صندوق النقد الدولي يتمثل في قرض جديد لتخفيف تداعيات الحرب في أوكرانيا على اقتصاد البلد الذي تصل فيه نسبة الفقر إلى نحو 30 في المئة من مجمل تعداد السكان الذي يتجاوز 103 ملايين نسمة.
وفي مؤتمر الأحد، أشار مدبولي إلى أن “تمكين القطاع الخاص بشكل كامل” خلال السنوات الثلاث المقبلة يندرج ضمن رؤية الدولة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية. وقال “سيتم رفع نصيب مشاركة القطاع الخاص في إجمالي الاستثمارات إلى 65 في المئة”، ما يمثل أكثر من ضعف النسبة الحالية والتي تبلغ 30 في المئة.
وكان (الرئيس المصري) عبد الفتاح السيسي، وجّه الحكومة في إحدى الفعاليات العامة خلال شهر رمضان الماضي، بالإعلان “عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة بمستهدف 10 مليارات دولار سنويا ولمدة أربع سنوات”.
وفي تصريحات العام الماضي لوكالة فرانس برس، قال المياردير المصري، نجيب ساويرس “يجب أن تكون الدولة (المصرية) جهة تنظيمية وليست مالكة” للنشاط الاقتصادي، مطالبا الحكومة بعدم منافسة القطاع الخاص.
وثيقة ملكية الدولة
كما قال رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الأحد، إن حكومته ستطلق خلال الأيام المقبلة وثيقة، أطلق عليها ” وثيقة ملكية الدولة”، سيتم الإعلان فيها عن القطاعات الاقتصادية التي ستتخارج الدولة من الاستثمار فيها، أو التي سيتم تخفيض نسب المشاركة أو الاستمرار في الاستثمار.
وأوضح متولي أن الحكومة ستعمل على تعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي ودعم الصناعات المحلية ورفع نسبة مشاركته في إجمالي الاستثمارات المنفذة إلى 65%. كما أعلن عن خطة لمشاركة القطاع الخاص المصري والأجنبي في الأصول المملوكة للدولة، بمستهدف 40 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة .
وأضاف مدبولي، خلال مؤتمر صحفي حضره وزراء التموين والتجارة والصناعة والزراعة والتخطيط أن الحكومة أعدت خطة تشمل 5 مسارات رئيسية لمواجهة التداعيات الاقتصادية للحرب على أوكرانيا، من ضمنها الالتزام بخفض الدين العام، وعجز الموازنة، بمعدلات محددة خلال السنوات الأربع المقبلة، إلى نحو 75% من إجمالي الناتج المحلي وتحقيق فائض أولي بنسبة 2%، وأطلق حزمة من الإجراءات التحفيزية لدعم المصنعين تشمل إعفاءات وتيسيرات العمل ، بالإضافة إلى حزمة من الحوافز الخضراء والاستثمار في القطاع الصحي والمدن الجديدة .
وأعلن مدبولي عن تخصيص 7 مليارات دولار للتعامل مع تداعيات الأزمة الاقتصادية وضم 450 ألف أسرة إلى برامج الحماية الاجتماعية وزيادة حد الإعفاءات الضريبية على الدخل بنسبة 25%.
ووفقا للحكومة المصرية فقد تأثر الاقتصاد المصري بفعل تداعيات الحرب على أوكرانيا، إذ تستورد مصر أكثر من 42% من الحبوب التي تحتاجها من روسيا وأوكرانيا، كما ان 31% من السوق السياحي المصري يعتمد على مواطني الدولتين، ونتيجة للحرب ستتحمل الموازنة العامة للدولة نحو 7 مليارات دولار كتأثيرات مباشرة لارتفاع أسعار السلع الأساسية والبترول، بالإضافة إلى أكثر من 27 مليار دولار كتأثيرات غير مباشرة. كما تأثر الاقتصاد المصري بخروج رؤوس الأموال الأجنبية، وتباطؤ معدلات الاستثمار في القطاع الخاص وارتفاع فائدة الاقتراض السيادي .
أزمة القمح
وفيما يتعلق بأزمة القمح، قال مدبولي إن الاحتياطات الاستراتيجية للقمح في مصر تكفي لمدة أربعة أشهر، ولن يكون هناك أي أزمة في القمح حتى نهاية العام 2022 الجاري.كما أعلن طرح مجموعة من الشركات التابعة للقطاع العام (الحكومي) في البورصة المصرية، من بينها 10 شركات لقطاع الأعمال العام، وشركتان تابعتان للقوات المسلحة (الجيش)، مدعياً أن 91% من الدين الخارجي لمصر هي ديون متوسطة وطويلة الأجل، ولا تمثل ضغطاً على الموازنة العامة للدولة.
وقال مدبولي، في مؤتمر صحافي للإعلان عن رؤية بلاده للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، إن الحكومة تستهدف النزول بالدين العام من 86% إلى 75% على مدار 4 سنوات مالية، والتحول تدريجياً إلى نظام حق الانتفاع في منح الأراضي الصناعية، وتحديد السعر بناءً على تكلفة إدخال المرافق، إلى جانب الإعلان عن تشريع جديد لإعفاء المشروعات الصناعية في المدن الجديدة والحدودية من الإعفاءات الضريبية.
وأضاف أن الحكومة ستُعلن قريباً عن برنامج للشراكة مع القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي في الأصول المملوكة للدولة، بإجمالي 40 مليار دولار على مدى 4 سنوات، والإعلان قبل نهاية الشهر الجاري عن وثيقة سياسات ملكية الدولة، وخطة رفع مشاركة القطاع الخاص في مشروعات الدولة بنسبة 65% في السنوات الثلاث المقبلة.
وتابع مدبولي أن هناك خطة لدمج أكبر 7 موانئ في البلاد تحت مظلة شركة واحدة (لم يسمها)، متوقعاً توريد ما يقرب من 10 ملايين طن من القمح المحلي هذا العام. وأضاف أن احتياطي البلاد من السلع الاستراتيجية الأساسية يكفي لمدة 4 أشهر من الآن، تزيد إلى نحو 6 أشهر بالنسبة لزيت الطعام.
تداعيات الحرب في أوكرانيا
وقال مدبولي إن العالم يواجه حالياً أسوأ أزمة اقتصادية منذ 100 عام، بعدما قفزت نسبة التضخم عالمياً إلى 9% في المتوسط، مع خسائر تقدر بنحو 300 مليار دولار لحجم التجارة العالمية، مشيراً إلى أن مصر ليست بمعزل عن العالم، لا سيما أن 60% من بلدان العالم الأشد فقراً أصبحت مديونياتها في حالة حرجة.
وأوضح أن خسائر الأزمة الحالية على الاقتصاد العالمي تصل إلى 12 تريليون دولار، فضلاً عن زيادة في الدين بنسبة 350% على مستوى العالم، مستطرداً بأن الحكومة تضع في سيناريوهاتها أن الأزمة العالمية قد تطول، وأن ما يحدث في مصر من ارتفاعات في الأسعار ليس مشكلة محلية، وإنما نتاج لأزمة عالمية لها تداعياتها.
وأشار مدبولي إلى تخصيص بلاده نحو 130 مليار جنيه (نحو 7 مليارات دولار) لاحتواء التداعيات المباشرة للأزمة في أوكرانيا، على خلفية زيادة أسعار السلع الغذائية كافة عالمياً، بالإضافة إلى 335 مليار جنيه لمجابهة تأثيرات الأزمة غير المباشرة، مشدداً على أهمية توطين الصناعة المحلية، وتنشيط البورصة المصرية، وتوفير السلع للمواطنين بأسعار مناسبة.
وأشار إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأت الحكومة في تطبيقه عام 2016، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، ساهم في احتواء تداعيات أزمة تفشي فيروس كورونا أولاً، ثم أزمة التضخم العالمية والحرب الروسية الأوكرانية لاحقاً، والتي من المتوقع أن تطول لفترة تزيد على ما هو كان متوقعاً لها.
وكرر مدبولي ما ردده السيسي مؤخراً، ومنه أن مصر أصبحت الأولى في سرعة الإنترنت (الثابت) على مستوى أفريقيا، وأن الزيادة السكانية تلتهم معدلات التنمية في البلاد، إذ من المتوقع أن يصل عدد السكان إلى 120 مليون نسمة بحلول عام 2030، وهو ما يعادل تعداد سكان 15 دولة أوروبية مجتمعة، على حد قوله.
الدفاع عن مشاريع الطرق
وعن إهدار موارد الدولة على ما يُعرف بـ”المشاريع القومية”، قال مدبولي: “هذه المشاريع وفرت نحو 5 ملايين فرصة عمل خلال الأعوام الماضية. ولولا شبكة الطرق التي يجرى تنفيذها لأصبحت مصر عبارة عن كراج كبير، لا تتجاوز فيه سرعة السيارات 8 كيلومترات في الساعة”، مستكملاً “المدن الجديدة كالعاصمة الإدارية هي مدن للأجيال القادمة، وثلث الاستثمارات العامة موجه للمشاريع القومية، وذلك لتغيير الوضع السيئ الذي كانت عليه مصر قبل عام 2013″، وفق زعمه.
وتوجه مدبولي بالشكر إلى عدد من الدول الخليجية “الشقيقة”، بوصفها ساهمت خلال الآونة الأخيرة في ضخ مليارات الدولارات للحفاظ على الاستقرار النقدي للعملات الأجنبية في مصر، مبيناً أن العديد من الدول رفعت سعر الفائدة لديها في مواجهة التضخم، في وقت خفض فيه صندوق النقد الدولي توقعاته لنسب النمو في 143 دولة.
وختم بقوله: “أتحدّى أي خبير عالمي يقول لنا كيف سيكون عليه الاقتصاد العالمي خلال عام من الآن. والبرنامج الجديد لمصر مع صندوق النقد سيكون قيد التنفيذ في غضون أشهر قليلة، مع بدء الزيارات الرسمية لوفد الصندوق خلال أسابيع قليلة”.
إلى ذلك، أعلن مدبولي عن طرح الإصدار الأول من الصكوك السيادية خلال الأشهر القليلة المقبلة، بهدف استقطاب شرائح جديدة من المستثمرين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا، ممن يفضلون المعاملات المالية المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية، منوهاً إلى خروج نحو 20 مليار دولار (الأموال الساخنة) من البلاد منذ بداية الأزمة العالمية. وفي المقابل دخول 12 مليار دولار تقريباً هي إجمالي حزمة الاستثمارات العربية مؤخراً.
رفع سعر الفائدة الخميس المقبل
وعن اجتماع البنك المركزي المرتقب يوم الخميس المقبل، قال مدبولي إن “قرارات رفع سعر الفائدة تخضع لتقديرات لجنة السياسة النقدية في البنك، وتعتمد على معيار التضخم، ومن الوارد أن تكون هناك زيادة جديدة في سعر الفائدة. والحكومة وضعت لنفسها هامشاً للمناورة في هذا الاتجاه”.
كذلك تطرق إلى أزمة سد النهضة الإثيوبي، قائلاً: “المياه هي المحدد الأساسي لزيادة الرقعة الزراعية، ونحن لا نقبل بأي اعتداء على حقوقنا في ملف المياه. ومصر لديها حقوقاً تاريخية واضحة في مياه النيل، وتساعد في مشروعات تنموية ضخمة لبعض دول حوض النيل”.
وكانت مصادر خاصة قد كشفت لـ”العربي الجديد” أن النظام المصري يبحث حالياً عدة سيناريوهات للتعامل مع الأزمة الاقتصادية التي يخشى أن تهدد استقراره، خصوصاً مع وضع صندوق النقد شروطا صعبة لمنح القاهرة تمويلاً جديداً، ومنها الالتزام بسعر مرن للصرف، ما قد يؤدي لانفلات سعر الدولار مقابل الجنيه، بالإضافة إلى الإسراع في تنفيذ برنامج الخصخصة، وتفكيك الهيئات الاقتصادية الحكومية، وإعادة هيكلتها وطرحها للبيع أمام القطاع الخاص.
وأفادت المصادر بأن القرض الجديد لصندوق النقد، الذي سبق أن أقرض مصر نحو 20.2 مليار دولار منذ عام 2016، قد يكون غير ميسر لضخامة مديونية مصر للصندوق، إذ قد يصل سعر الفائدة عليه إلى 4 في المائة سنوياً، وهو يزيد 5 مرات تقريباً عن سعر الفائدة الأساسي على قروض الصندوق. (الدولار = 18.5 جنيهاً تقريباً في السوق الرسمية).
المصدر: الشادوف+صحف+وسائل إعلام دولية