هل يمكن القول بثقة انه لا يوجد شخص علماني أو ليبرالى أو يسارى واحد في الوطن العربى بالمعنى الحقيقى لهذه المدارس الفكرية التى أطلقت على نفسها الحركه المدنية في منشئها الأول في أوروبا ؟!
البعض يقول أن هؤلاء ليسوا علمانيين ولا ليبراليين، بل أن هؤلاء ليسوا سوى “طابور خامس” دوره الوحيد هو تشريع الفواحش وتحريم الفضائل، ودعم أنظمة الاستبداد والفساد والتبعية، ولم يعد ينخدع بهم سوى قلة قليلة من المنتفعين أو الساذجين. وفيما تتسع رقعة الفصيل الأول الذي يرى فيها طابورا خامسا، تتقلص وتتراجع وتنكشف سوءات الفصيل الثاني وتحاصرهم الجماهير التي ازداد وعيها وقدرتها على الفرز بين الغث والسمين أو ” الأصلي” و “الفالصو”.
هل كانت هذه المقدمة الطويلة ضرورية. أظن أنها فعلا ضرورية لفهم السؤال التالي عليها وهو : لو تبنى هموم الجماهير في الوحدة والحرية والعدالة وقضايا الأمة لون سياسي آخر غير الإسلاميين ( علمانيين أو ليبراليين أو يساريين أو قوميين )، فهل سيتغير مواقف الأنظمة العربية والقوى الدولية؟، الاجابة لا، لأن التغيير نفسه والحرية والكرامة وامتلاك الإراده والسيادة ضد مصالحهم، وهذا هو “العهر السياسي” في أبشع تجلياته.
البعض قد يتساءل: ماذا تريد من هذه المقارنة مثلا، والخلاصة:
1- أن القوى المعارضه التي تجمع أحزابا سياسية ونخبا فكرية والتي شكلت لها مدارس فكرية تعبر عنها، مثل المدارس الاشتراكية أو المدارس القومية أو المدارس الإسلامية أو الليبراليه تختلف رؤاها ومشاربها قد تأسست أصلاً على تحالف وثيق مع أنظمة الاستبداد والفساد والتبعية، بل إن معظم النخب الفكرية التي كانت تعارض النظام القائم فشلت فشلاً ذريعاً فى تحقيق شعارات الثورة من ناحية أولى، وساهمت عبر ذلك في وأد الحراك الثوري وفى تيسير عملية الانقلاب على الحراك الجماهيري، بل إن الكثير من المدارس الفكرية العربية بما فيها بعض المدارس الاسلامية أثبتت أنها كانت جزءاً أصيلاً من النظام الاستبدادي القائم فقد دافعت عنه بشراسة كبيرة وساهمت معه في مشروعه الانقلابي مثل ما فعل التيار السلفي (حزب النور نموذجاً) !
2- وبناءً عليه يظهر جليا أن أنظمة الإستبداد والفساد والتبعية لم يحكموا وحدهم، وما كان لهم أن يبقوا جاثمين على رقاب الأمة عقودا من الزمن لولا النخب الفكرية والمدارس السياسية المعارضة التي صنعتها أو شاركت في صناعتها أجهزة مخابرات هذه الأنظمة، من انقاذ أي نظام يتعرض للسقوط وإعادته إلى الواجهة مرة أخرى وهو ما حدث فعلاً، لذلك فالثابت الأكيد لدينا هو أن انكشاف زيف النخب العربية وعجزها يمثل مكسباً أساسيا في المرحلة الراهنة، وهو المكسب الذي سيتأسس عليه فعل إعادة تشكيل نخب حقيقية في المرحلة المقبلة.
3- إن نهاية المرحلة الحالية من التغيير العربي ستجرف معها كثيراً من النخب السياسية والفكرية، وستفتح المجال أمام تشكيل نخب جديدة حاملة لوعي جديد يقوم أساسا على منع تجديد هذه النخب والمدارس بصورتها المخابراتية الراهنة.
محمد عماد صابر
سياسي وبرلماني مصري
من نواب برلمان الثورة 2012
الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية