في إحدى الهزات الإرتدادية العنيفة لزلزال الانقلاب الدستوري في تونس إستقال 113 عضوا من حركة النهضة على خلفية تحميل المسؤلية لقيادة الحركة في أحداث البلاد وما يعانيه العباد بالتزامن مع رؤيتهم بعدم تجاوب قيادة الحركة ومؤسساتها التنفيذية والشورية مع إجراءات الإصلاح الداخلي المطروحة، وفي هذا عدة ملاحظات منها :
- البقاء والمغادرة حق مكفول لكل عضو في أي كيان أو تنظيم مع إعتبار العلاقات الإنسانية.. فلا إساءة ولا تجريح مع الأخذ في الاعتبار المسؤوليات والواجبات الوطنية خاصة في وقت الأزمات.. فمن رحل أو غادر مطالب وطنياً باستكمال مسيرة النضال ضد الإنقلاب الحادث في البلاد، والمحافظة على المسار الديمقراطي باعتباره أفضل ما أنتجته الثورة التونسية.
- من الطبيعي أن يطرح البعض تصورات ومقترحات إصلاحية لكنها لا تنال أغلبية الأصوات عند إتخاذ القرارات وفقا للوائح والنظم وبطريقة شفافة تقدم نموذجاً يناسب الكيان الإصلاحي ،وليس بنفس النمط المتبع في أنظمة الإستبداد، وإلا أصبحت المعارضة إحدى الصور الباهتة للنظم المستبدة.
- في حالة عدم قبول البعض بالقرارات الشورية النقية فإن أمامه عدة خيارات تتفق والمسار الديمقراطي الذي يدعو هو إليه أصلا، اما البقاء واستمرار النضال الداخلي والخارجي، واما الترك والمغادرة مع إستكمال العمل الوطني بصورة منفردة أو في كيان آخر بديل.
- ثبت بالتجربة العملية وفي أغلب التنظيمات الإسلامية أنها لا تتمكن من استيعاب الأفكار الداخلية المخالفة.. وكذلك أصحاب هذه الآراء لا يملكون من الصبر والمثابرة للاستمرار، بل يترتب غالبا بعض الإنحيازات إلى الأطراف المتناقضة مما يؤثر سلبا على وحدة الصف ومتانة التنظيم وعدم الإتفاق الكافي، والتبني المطلوب للقرارات الصادرة، لدرجة أن يصبح داخل التنظيم تصنيفات متباينة متصادمة وهذا واقع الجميع.
- في حالة المغادرة تبقى العلاقات الإنسانية بين الأطراف كسلوك إنساني وإسلامي وحضاري بعيدا عن الإتهامات والتجاوزات والإساءات.. مغادرة يحكمها المروءة والوفاء، فلايخرج علينا من يقول أن الحركة تلفظ خبثها كعادة الإسلاميين ولا يتقول المغادر على الحركة ماليس فيها بل يحفظ أمانة ما كان يعلمه عنها وفيها.
- قد يرى البعض أن المغادرة والاستقالة في هذا التوقيت غير مناسبة وأن مقاومة الإنقلاب أولى من مقاومة قيادات
الحركة، لكن تبقى الإستقالة حق المستقيل وحده دون غيره، ومن يرى أن الإستقالة غير مناسبة فليبق هو ولا يستقيل، ومقاومة الإنقلاب واجب وطني لا يرتبط بكون المواطن مستقل أو في تنظيم، وإنما جاءت الإستقالة لإنسداد الأفق وعدم الوفاق وغلبة الشقاق، وبالفعل هنا يكون البقاء داخل التنظيم معطلا للطرفين، بل يكون العمل منفرداً أو في كيان آخر أفضل للجميع والوطن في المقدمة. - المدرك لعقلية التنظيمات الإسلامية يتوقع نوعا من الأفعال ورود الأفعال على خلفية الشقاق والانشقاق داخل هذه التنظيمات التي يعتبر بعضها أن هذا (الخروج الكبير) من التنظيم أو الحركة ليست خسائر أو موارد مهدرة بل سيفرح البعض بأنهم تخلصوا من صداع في الرأس ومخالفه في الفكر وفد يعلن البعض أن الحركة تلفظ خبثها فيما يرى البعض الآخر أنه قدر الله الطيب في تطهير الحركة من دنسها.
- لن يحزن علي تلك الاستقالات يوى بعض أصحاب العقول لكنهم بلا صوت ولا ضوء ولا فعل، تجارب كانت ومازالت وستبقى، إنها نسخ واحدة بعضها أصل وبعضها صور باهتة.
- على رموز الكيانات الإصلاحية التغييرية أن يكونوا داخل كياناتهم السياسية بنفس قوة الأداء والدعوة للإصلاح ومقاومة مظاهر الإستبداد ودعم الحريات بصورة لا تقل عن مقاومة إستبداد وفساد الأنظمة، حتى تبقى كيانات الإصلاح نقية وبمستوى ما تدعو إليه، وإلا أصبحت نسخا باهتة لأنظمة فاسدة .
- غالبا ما يفوت كيانات الإصلاح والتغيير أن تكون نموذج لما تدعو إليه وتنادي به، والواقع أنها الصورة الأخرى لمقاومة الإصلاح والتغيير والتطوير والتداول الداخلي، بل إنها تتعامل مع اللوائح المنظمة كما يتعامل الإستبداد مع الدساتير والقوانين بأنها غير ملزمة، لذلك لا رهان على هؤلاء ولا هؤلاء، والحل في تيار وطني جديد .
الخلاصة ؛ الاستقالة حق شخصي، واستكمال النضال السياسي واجب وطني، والتزام المروءة والوفاء المتبادل خُلُقُ إنسانيُ وإسلامي، والكل يتحمل مسؤلية وتبعات ممارساته دون وصاية لأحد على أحد، ويبقى في الوطن متسع للجميع مهما اختلفت الألوان والأفهام والأشكال والممارسات، حفظ الله تونس.
الدكتور محمد عماد صابر
سياسي وبرلماني مصري
من نواب برلمان الثورة 2012
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية
المشاركات الاخيرة
أحمد حسن الشرقاوي يكتب:القصيبي وغالاواي في غزو العراق.. حكاية خبر !
العالم ينتظر في هذه الأيام الرد الايراني على اغتيال الشهيد اسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران، والذي حدث غيلة!-->…
صلاح إمام فرج الله يكتب: في أيام الأمل..أحلام ضيعها الجنرال !
في 25 يناير 2011، ثار أبطال الشعب المصري مطالبين بحريتهم التي كانت غير مكتملة في عهد مبارك، اعتقد الجميع بعد نجاح!-->…