في وقت تشهد فيه مدينة القدس مواجهات واسعة مع الاحتلال، يقول محللون إن “السيادة” جوهر تلك المواجهات، في حين تتباين آراؤهم حول إمكانية تحولها إلى انتفاضة واتساع دائرة المواجهة إلى مزيد من المناطق الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل.
ووفق محللين –تحدثوا للأناضول- فإن ما يجري في القدس “معركة على السيادة” بعد إصرار الاحتلال على إخلاء عائلات فلسطينية في حي الشيخ جراح، من منازلها وتسليمها لجمعيات استيطانية.
يتطرق المحللون لعوامل تؤثر في مسار المواجهة، من جهة تعامل سلطات الاحتلال مع الفلسطينيين في الأيام القادمة وخاصة يوم 28 رمضان حيث دعا مستوطنون لمسيرة حاشدة في القدس، ومن جهة ثانية تعامل المستوى الرسمي الفلسطيني مع المواجهات.
والخميس شهد المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح مواجهات بين قوات الاحتلال والمواطنين الفلسطينيين أسفرت عن نحو 180 إصابة بجراح متفاوتة حسب جمعية “الهلال الأحمر الفلسطيني” (غير حكومية).
ومساء الجمعة، صعّدت القوات الإسرائيلية اعتداءاتها في القدس حيث أصيب 163 فلسطينيا بالرصاص المطاطي، وعشرات بحالات اختناق إثر هجوم شنته على المصلين داخل “الأقصى”، بحسب جمعية “الهلال الأحمر الفلسطيني” (غير حكومي).
وقالت الجمعية في بيان : “تم نقل 83 إصابة لمستشفيات القدس، أما باقي الإصابات فقد تمت علاجها ميدانيا”.
وأشارت أن “عددا كبيرا من الإصابات كانت في الوجه والعين والصدر بالرصاص المطاطي”.
ومنذ بداية شهر رمضان، يحتج الشبان الفلسطينيون على منعهم من الجلوس على مدرج “باب العامود”، ما فجّر مواجهات عنيفة مع الشرطة الإسرائيلية.
أما حيّ “الشيخ جراح” فيشهد منذ أكثر من 10 أيام، مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية وسكان الحي الفلسطينيين، ومتضامنين معهم.
ويحتج الفلسطينيون في الحي على قرارات صدرت عن محاكم إسرائيلية بإجلاء عائلات فلسطينية من المنازل التي شيدتها عام 1956، لصالح جمعيات استيطانية تزعم أن المنازل أقيمت على أرض كانت مملوكة ليهود قبل عام 1948.
** هكذا اتسع نطاق المواجهة
يعيد الصحفي المقدسي، محمد عبد ربه، أحداث الأيام الأخيرة في القدس إلى ما يحدث في حي “الشيخ جراح” الأمر الذي “يحرك مشاعر الشباب ويستفزهم بشكل كبير”.
ويضيف من أسباب التوتر: “المضايقات يتعرض لها الشباب يوميا: اعتداءات من قبل المستوطنين، تواجد الجيش المكثف على بوابات المسجد الأقصى، الملاحقات الأمنية والاعتقالات وممارسات الجنود والمستوطنين”.
وقال إن مجمل هذه الأمور “حركت عواطف الشباب ومشاعرهم” وشكلت “عوامل ضغط لدى المقدسيين”.
ورجح عبد ربه استمرار المواجهة خاصة يوم 28 رمضان، وهو اليوم الذي يعتزم فيه المستوطنون تنظيم مسيرة بمناسبة ذكرى ضم القدس (عام 1967)، والمتوقع أن يشارك فيها نحو 30 ألف مستوطن.
وقال إن شكل مشاركة المستوطنين في المسيرة وتعامل الجيش الإسرائيلي معها يحدد مسار المواجهات.
لكنه مع ذلك لا يستبعد حدوث “صدامات” بين الفلسطينيين والمستوطنين، مشيرا إلى ما شهده الأقصى مساء الجمعة “اجتياح واستباحة غير مسبوقة للأقصى وقنابل غازية وصوتية، كلها أمور لا تبشر بخير”.
وأوضح أن سلوك وعنف الشرطة “قد يؤدي لتصعيد أكثر في مواجهة لن تهدأ بسهولة”.
** الأسباب مهيأة لانتفاضة واسعة والمعركة على السيادة
من جهته يقول الدكتور حسن خريشة البرلماني الفلسطيني السابق، إن “الأسباب مهيأة لهبة فلسطينية واسعة”.
وأشار إلى أن شرارة انتفاضة الأقصى عام 2000 كانت باقتحام زعيم حزب الليكود المعارض في حينه أرئيل شارون للمسجد الأقصى.
يرى خريشة أن “الأمور تتكرر مرة أخرى” مرجحا أن يكون حي الشيخ جراح هو “الشرارة”.
وأضاف: “دائما نعيش فَزْعة تتحول إلى هبة ثم انتفاضة”.
ويرى السياسي الفلسطيني المستقل أن الشعب الفلسطيني “يعيش حالة إحباط، ولا يرى أفقا على المستوى السياسي، ولا يجد قيادة حقيقية تستطيع ضبط الأحداث وترتقي بمستوى طموحاته”.
وتوقع خريشة اتساع رقعة الاحتجاجات إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وحتى داخل أراضي ال48، “لأن القدس وهي بالنسبة للشعب الفلسطيني عاصمة دولة فلسطين وجزء من الأراضي المحتلة”.
ويرى خريشة أن الهبات على الأرض في الأقصى والشيخ جراح هي “لفرض حقائق جديدة على الأرض تقول: إن السيادة في القدس هي للشعب الفلسطيني ولن تكون سيادة للإسرائيليين”.
وأشار إلى “الإرادة الشعبية التي انتصرت” في باب العامود قبل أيام والبوابات الإلكترونية (2017)، مضيفا “لا مجال إلا أن ينتصر في المعركة الجديدة”.
ولفت إلى دور غزة في تخفيف الضغط عن القدس من خلال تهديدات قادة في الأجنحة العسكرية للفصائل، وجهت لإسرائيل.
كما أعرب عن أمله في أن تتكاتف الجهود الفلسطينية “من أجل ألا يهزم الفلسطيني في القدس، لأن هزيمته تعني الكثير”.
وتابع “ليس أمامنا سوى أن ننتصر في هذه المعركة، والأمور تسير باتجاه تعميم هذه الهبة إلى انتفاضة في كل الأرض الفلسطينية”.
بدوره يقول الباحث الحقوقي هشام الشرباتي، الذي واكب أحداث انتفاضة الأقصى والهبات الشعبية التي تلتها، إن ما يجري في القدس يعكس “تخبط الاحتلال وأجهزته الأمنية”.
وأضاف: “الاحتلال حشد قوة عسكرية هائلة في مواجهة الصدور العارية ومواجهة المدنيين الفلسطينيين، كاشفا عن وجهه الحقيقي”.
وزاد قائلا “أحداث القدس تعري كثيرا من الدول التي تدعم دولة الاحتلال وتطبع معها”.
مع ذلك يقول الشرباتي إنه لا يستطيع أن يتنبأ بمسار المواجهات الحالية لأن “الانتفاضات الفلسطينية السابقة لم يتنبأ بها أحد” مشيرا هنا إلى “مثبطات وعلى رأسها سياسات السلطة الفلسطينية والتنسيق الأمني وكثيرا من الحسابات الفلسطينية الداخلية”.
وخلص إلى القول: “نحن نثق بشعبنا وثباته واستمراره في النضال حتى تحقيق أهدافه رغم كل أشكال القمع أو التذويب والتطبيع ومحاولات حرف البوصلة”.
أما الباحث والكاتب الفلسطيني فؤاد الخفش، فلا يرى أفقا لانتفاضة فلسطينية واسعة، موضحا أن اندلاع أي انتفاضة يحتاج إلى أمرين: حدث و جهة داعمة.
وأضاف أن الأحداث موجودة، لكن لا وجود لطرف سياسي رسمي قوي يتبناها، ويدعمها كما حدث في انتفاضة الأقصى التي دعمها الرئيس الراحل ياسر عرفات علنا.
وقال: “ما دام الجانب الرسمي لا يشكل حالة إسناد فمن الصعب التنبؤ باتساع نطاق المواجهةـ، وحتى لو اتسعت تبقى تحت السيطرة، وربما إخمادها”.
المصدر: الأناضول