كشف البنك المركزي المصري النقاب اليوم عن ارتفاع الدين الخارجي للبلاد ليصل إلى 145.529 مليار دولار في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2021 الماضي، مقابل 137.42 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول من العام نفسه، بزيادة تقدر بنحو 8.109 مليارات دولار خلال 3 أشهر فقط، وبنسبة زيادة بلغت 5.9 %.
ومثلت الديون طويلة الأجل النصيب الأكبر من الديون الخارجية، بقيمة بلغت 132.7 مليار دولار بنهاية الربع الثاني من العام المالي 2021-2022، مقابل 125.939 مليار دولار في الربع الأول من نفس العام.
ووفقاً لبيانات البنك المركزي، بلغت قيمة الديون قصيرة الأجل 12.842 مليار دولار، من إجمالي الدين الخارجي خلال الربع الثاني من العام المالي الجاري، مقابل نحو 11.480 مليار دولار في الربع الأول من العام نفسه.
وكان البنك المركزي قد كشف عن تراجع حاد للاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية إلى 37.082 مليار دولار بنهاية مارس/آذار الماضي، مقابل 40.99 مليار دولار بنهاية فبراير/شباط السابق له. ويتكون الاحتياطي الأجنبي لمصر من سلة عملات دولية رئيسية، هي الدولار واليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني واليوان الصيني وعملات أخرى، هذا بالإضافة إلى الذهب.
وتتجه مصر نحو أزمة مالية خانقة، وسط تحذيرات مؤسسات تصنيف عالمية من دخول القاهرة في دوامة كارثية للديون المحلية والخارجية، بعدما فقد الجنيه نحو 17% من قيمته مقابل الدولار مؤخراً، في أدنى مستوى له منذ أكثر من 6 سنوات.
وحسب أحدث البيانات الصادرة عن أكبر وكالة تصنيف ائتماني في العالم، كشف تقرير حديث صادر عن وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال” العالمية، أن إجمالي الديون السيادية لمصر يتوقع أن يصل مع نهاية العام الحالي إلى 391.8 مليار دولار، بعدما كان 184.9 مليار دولار فقط في عام 2017.
شهدت ديون مصر زيادة حادة في العقد الماضي، حتى وصلت إلى مستويات قياسية بنهاية العام 2021، ومع استمرار تأثر الأسواق بجائحة كوفيد 19 والتأثير المتتالي لحرب روسيا على أوكرانيا، فإن هذا لن يؤدي إلا إلى زيادة المتاعب لاقتصاد البلاد.
من جانبه، قال موقع “ميدل إيست إي” أنه “بنهاية السنة المالية 2020-2021، بلغ إجمالي ديون مصر 392 مليار دولار، ويشمل ذلك 137 مليار دولار من الديون الخارجية، وهو أعلى بأربع مرات مما كان عليه في عام 2010، 33.7 مليار دولار، ويشمل أيضًا ديونًا داخلية بقيمة 255 مليار دولار، وفقًا للبنك المركزي المصري، أي ما يقرب من ضعف الدين المحلي في عام 2010.
فيما كشفت الأرقام الصادرة عن “ديلي نيوز إيجيبت” الأسبوع الماضي أيضًا أنه من المتوقع أن تقترض الحكومة 634 مليار جنيه مصري “34 مليار دولار” من السوق المحلية في الربع الأخير من العام المالي 2021-2022.
تجدر الإشارة إلى أن الدين الخارجي ينمو بسرعة منذ أن تولى “عبد الفتاح السيسي” السلطة في عام 2014 فقد بلغ 46.5 مليار دولار في عام 2013، ثم انخفض إلى 41.7 مليار دولار في عام 2014 قبل أن يعود للارتفاع مرة أخرى في السنوات التالية، ليصل إلى 84.7 مليار دولار في عام 2016، و100 مليار دولار في عام 2018، و115 مليار دولار في 2019.
كما تبلغ نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي الآن 33.9 بالمائة، وهي نسبيًّا ضمن حدود آمنة وفقاً للمعايير الدولية التي تعتبر النسبة آمنة طالما أنها أقل من 60 بالمائة، غير إنه عند إضافتها (الديون الخارجية) إلى الدين المحلي، الذي كان 79.4 مليار دولار في نهاية السنة المالية 2012-2013 والآن 255 مليار دولار، تصبح نسبة إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 89.84 بالمائة، وهي نسبة أعلى بكثير من الحدود الآمنة.
وكذلك في عام 2021، احتلت مصر المرتبة الـ158 من 189 دولة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي والمرتبة الـ100 في نصيب الفرد من الديون.
جدير بالذكر أنه في كانون الثاني/ يناير كانت نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي 91.6 بالمائة؛ ارتفاعا من 87.1 بالمائة في 2013، وتقول الحكومة إنها تأمل في خفض نسبة إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 85 بالمائة في السنوات الثلاث المقبلة.
ومع ذلك، فيبدو أنه من الصعب تحقيق هذا الهدف، بالنظر إلى خطط القاهرة لاقتراض 73 مليار دولار إضافية من خلال مبيعات السندات هذا العام.
إلى أنه قد جاء معظم الدين الخارجي بين عامي 2013 و2022 من بيع السندات في السوق الدولية، كما جاء من الاقتراض من المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، والبنوك الدولية.وتم تكبد معظم الديون الداخلية بسبب الاقتراض الحكومي من البنوك المحلية، ووفقًا لشركة التصنيف “ستاندارد أند بوروز”، فإن من المقرر أن تتفوق مصر على تركيا كأكبر مُصدر للديون السيادية في الشرق الأوسط.
3 أزمات و 4 مؤسسات دولية
ويحذر الخبراء من استمرار عمليات استدانه الحكومة المصرية من صندوق النقد الدولي حيث باتت مصر هي الأقرب حاليا لتكون أكبر مقترض من الصندوق على الإطلاق، وبينما كان العالم يكافح لتجاوز تداعيات جائحة كورونا، والحد من آثار التغير المناخي، جاءت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لتضيف مزيدا من الغموض على مستقبل الاقتصاد العالمي.
هذه التطورات دفعت أربع مؤسسات مالية واقتصادية دولية، مجتمعة، للتحذير من تداعيات هذه الحرب، خصوصا على الاقتصادات الضعيفة أو الهشة مثل الاقتصاد المصري.
وأجمعت المؤسسات الأربع: البنك وصندوق النقد الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية، وبرنامج الغذاء العالمي، في بيان مشترك الأسبوع الماضي، على أن الحرب في أوكرانيا ستؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي برمته، وستكون تداعياتها أشد وطأة في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل.
واجتمعت الأزمات الثلاث: المناخ، وكورونا، والحرب في أوكرانيا، في وقت يغرق فيه عديد الدول العربية في أزمات مالية واقتصادية، تقربها يوما بعد يوم من حافة الإفلاس.
والإفلاس يكون عندما تصل الدولة إلى مرحلة تعجز فيها عن الاستيراد لعدم توفر النقد، وعدم سداد الديون، وعدم القدرة على سداد أجور موظفي الدولة، وهي عوامل لم تجتمع حتى اليوم معا في أي من الدول العربية المهددة بالإفلاس.
شروط مجحفة
حسب الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد السابق بجامعة عمان بالأردن الدكتور أحمد عبدالجواد، وهو موظف سابق لدى صندوق النقد الدولي، فإن الشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي على الدول، الراغبة في الحصول على تمويل أو قروض، تتسبب في الغالب في إضافة مزيد من الفقر لمواطني هذه الدول، بسبب الالتزامات الكبيرة التي تلقى على عاتق الحكومات، وهي التزامات مقيدة يفرضها الصندوق.
وأضاف:”شروط الصندوق، لقاء منح القروض تزيد من نسبة البطالة في الغالب، كما أنها تضر بأسواق العمل، وتتسبب في تقلص الإمكانيات الصحية، من خلال الإصرار على عدم توجيه الدعم وهذه القروض إلى الميزانيات الأساسية للدول، كما أنها تفرض وتصر على مشروعات بعضها مفيد للصندوق ويضمن حقه ولكنه غير مفيد للدولة ويهدر طاقاتها وجزء من إمكاناتها”.
وشدد الخبير الاقتصادي على أنه ما من دولة حصلت على قرض من صندوق النقد الدولي وتمكنت من إعادة اقتصادها إلى الحالة التي كان عليها، حيث أنه في الغالب تعجز الدول عن تحقيق نهضة اقتصادية أو تنموية، فالقرض يدمر الاقتصاد الوطني لأي دولة، ويتسبب بشكل مباشر في تآكل الطبقة الوسطى، ويلقي بها في أحضان الفقر، وبالتالي يتحولون إلى فقراء، وفي نفس الوقت تنقسم طبقة الأغنياء، بعضها يهبط والبعض الأخر تتضخم ثرواته بشكل كبير.
وتابع: “على سبيل المثال، يضع الصندوق شروطاً مقيدة لمسألة دعم الدول للسلع الأساسية، في الدول التي تعاني معدلات كبيرة من البطالة والفقر، وبالتالي تتخلى الدولة عن مسؤولياتها تجاه المواطنين، وتستبدل مسؤوليتها عن المواطن بمسؤوليتها عن سداد القروض، ما يخلق حالة من تردي الحالة الصحية والغذائية، وتردي جودة التعليم والقدرة على تكفل المواطنين بمصروفاته”.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن صندوق النقد الدولي في الأساس هو وكالة متخصصة من وكالات منظومة الأمم المتحدة، أنشئ بموجب معاهدة دولية عام 1945 للعمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي، ويتمثل دوره في: منع وقوع الأزمات الاقتصادية والمالية، وليحقق ذلك يقوم بمتابعة الاقتصادات الخاصة بكل دولة، والاقتصاد العالمي، وإقراض البلدان الأعضاء التي تمر بمشكلة لتيسير قيامها بالتصحيح، ومساعدتها في علاج المشكلات الاقتصادية الطويلة الأجل، من خلال الإصلاحات.
ولكن الصندوق — والحديث لـ”عبدالجواد”- خرج كثيراً عن هذا النهج، من خلال المتابعة بشكل خاطئ، أو فرض شروط تؤدي بضرورة الحال إلى أزمات أكبر، وليس أدل على ذلك من القرض الذي منحه الصندوق لكل من مصر والعراق في منتصف تسعينيات القرن الماضي، حينما فرض “روشتة” للإصلاح الاقتصادي تتضمن خصخصة القطاع العام، وكانت النتيجة — بخلاف الفساد- هي تزايد البطالة والفقر، بعد خسارة أعداد كبيرة من المواطنين لوظائفهم في كلا البلدين.
المصدر: الشادوف+وكالات