رحبت الولايات المتحدة بما وصفته بالزيارة “التاريخية” التي قام بها ( الرئيس المصري) عبدالفتاح السيسي، وملك الأردن، عبدالله الثاني، إلى العاصمة العراقية، بغداد، فيما كشفت مصادر مطلعة ومسؤولون عراقيون عن طبيعة مشروع ” الشام الجديد” الذي تم تناوله خلال القمة الثلاثية التي عقدت فى العاصمة العراقية منذ ساعات.
وقال بيان للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، إن زيارة السيسي (لا القمة الثلاثية) تعد “خطوة مهمة في تقوية العلاقات الاقتصادية والأمنية الإقليمية بين مصر والعراق والأردن وتعزيز الاستقرار الإقليمي”.
وشدد وزراء خارجية الدول الثلاث على هامش القمة الثلاثية بين زعماء هذه الدول على أهمية “التعاون المشترك” بينها “لتحقيق الأفضل للمنطقة بكاملها”.
وهذه هي القمة الأولى من نوعها التي تشهدها بغداد، والثالثة التي يجريها قادة الدول الثلاث بعد اجتماعات كان أولها لقاء على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، في سبتمبر الماضي، ولقاء ثان في العاصمة الأردنية، عمان، قبل أشهر. وتأتي هذه الاجتماعات بعد لقاء عقد في القاهرة إبان عهد رئيس الوزراء العراقي السابق، عادل عبد المهدي عام 2018.
وتعد أيضا الزيارة الأولى لـ “رئيس مصري” إلى العراق بعد ثلاثة عقود من زيارة الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، إلى بغداد، في يوليو 1990. ورجح محللون أن يكون مشروع “الشام الجديد” القمة الثلاثية، بما يشمله من تعاون في مجالات اقتصادية واستثمارية بين الدول الثلاث تصدر مناقشات قادة الدول الثلاث، فضلا عن أن مشروع الشام الجديد مرشح لضم دول عربية أخرى.
وكان الكاظمي أطلق تعبير “الشام الجديد”، لأول مرة خلال زيارته للولايات المتحدة في أغسطس الماضي، وقال حينها لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية إنه يعتزم الدخول في مشروع استراتيجي يحمل هذا الاسم، موضحا أنه مشروع اقتصادي على النسق الأوروبي، يجمع القاهرة ببغداد، وانضمت إليه الأردن، لتكوين تكتل إقليمي قادر على مواجهة التحديات.
ويقول الخبير الاستراتيجي العراقي حسين الجاسر لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “فكرة الشام الجديد ليست وليدة اللحظة، وإنما طُرحت خلال ولاية رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، إلى أن عزمت حكومة الكاظمي على إكماله لما يحمله من مكاسب اقتصادية”.
ويضيف أن مشروع “الشام الجديد” يقوم على أساس التفاهمات والمصالح الاقتصادية في المقام الأول بين العراق ومصر والأردن، حيث يعتمد المشروع على الكتلة البشرية الضخمة لمصر، مقابل الثروة النفطية الضخمة التي يمتلكها العراق، وتنضم لهما الأردن بحكم موقعها الجغرافي الذي يربط العراق بمصر”.
وذكر الخبير العراقي: “من المرجح أن يكون الشام الجديد نواة لتكتل أوسع، قد يضم قريبا دولا عربية أخرى، بهدف ترجيح دول الاعتدال بالمنطقة، في ظل تصاعد وتيرة العنف والتطرف جراء دعم دول إقليمية للحركات الراديكالية والتيارات المتطرفة ببلادنا العربية”.
ويوضح الجاسر أنه من الوارد أن نرى من العام القادم “شرقا جديدا على أثر الشام الجديد، وحينها سيكون العامل الأول في ذلك التطور المرتقب هو الاقتصاد، فهناك مشروعات ضخمة مطروحة بين دول الخليج والشام الجديد لم تظهر للعلن بعد”.
من ناحيته، يؤكد رئيس “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية”، محمد محسن، أن مشروع الشام الجديد لا يمكن إختزاله في أنبوب نفط فقط، أو مشروع اقتصادي مهما بلغ حجمه، نظرا لأنه يحمل في داخله خريطة جيوسياسية جديدة لمنقطة الشام ككل، بعد أن وسّع مشروع الشام الجديد رقعة مساحة الشام الجغرافية كي تشمل دولة كبيرة بحجم مصر.”
وأكد خبراء أن القمة الثلاثية التي عُقدت أمس الأحد في العاصمة العراقية بغداد، قطعت شوطاً جديداً في مشروع التعاون المشترك المتكامل بين العراق والأردن ومصر، والذي لعب الأردن دوراً كبيراً لإنضاجه منذ عام 2018.
وتصدّرت ملفات الطاقة والتجارة والاستثمار والأمن وتبادل المعلومات في مجال الحرب على الإرهاب أعمال الاجتماع الموسع الذي جمع كلاً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في بغداد، بحضور مسؤولين بحكومات الدول الثلاث.
ولم تختلف الملفات التي تم طرحها على جدول أعمال القمة عن تلك التي تم بحثها خلال قمة عمّان نهاية أغسطس/ آب من العام الماضي، وكذلك لقاء القاهرة في 24 مارس/ آذار 2019، إبان حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي.
وتكمن أهمية اجتماع بغداد في كونه الأخير ضمن سلسلة اللقاءات التي جمعت الدول الثلاث على مدى الفترة الماضية، إذ من المقرر ترجمة ما تم التوصل إليه إلى برامج عمل فعلية على الأرض، وهو ما يشكك فيه مراقبون وسياسيون عراقيون، نظراً إلى قصر ما تبقى من عمر حكومة الكاظمي، وهو أقل من 4 أشهر، في حال أجريت الانتخابات المبكرة في موعدها في 10 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. فضلاً عن الجانب المتعلق بالنفوذ الإيراني، هذا العامل الذي سبق أن أفشل جهوداً ومشاريع سابقة على صلة بانفتاح العراق اقتصادياً وتجارياً على دول عربية أخرى.
من جهته، تحدّث مسؤول في حكومة الكاظمي، عبر الهاتف لـ”العربي الجديد”، عما وصفه بـ”اجتماع أكثر شمولية من الاجتماعين السابقين في عمان والقاهرة”، كاشفاً عن “إجراء لقاءات جانبية بين قيادات أمنية مصرية وعراقية حول ملف الحرب على الإرهاب والمعتقلين المصريين في السجون العراقية على ذمة قضايا الإرهاب، وتبادل المعلومات والمعتقلين في هذا الإطار.
كذلك تم بحث الملف الأمني الحدودي بين العراق والأردن”. ونفى المسؤول أن يكون الجانب المصري قد طلب من العراق أن يكون وسيطاً في عملية استلام المعتقلين المصريين الموجودين لدى ميليشيات “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في سورية.
ولفت المسؤول العراقي إلى أنه “تم الاتفاق على تسريع الإجراءات في ما يتعلق بمشروع أنبوب النفط العراقي الأردني (البصرة ـ العقبة)، وكذلك ملف الربط الكهربائي بين العراق والأردن، والإعفاء الضريبي للبضائع بين البلدان الثلاثة، إضافة إلى الجانب المتعلق بالأمن”.
وأشار إلى أنه “تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة دائمة تعقد اجتماعات دورية في العواصم الثلاث لمتابعة ما تم التوصل إليه من مقررات بغية ترجمها على أرض الواقع. وتتألف اللجنة من مسؤولين في وزارات النفط والخارجية والداخلية والتجارة والكهرباء، وممثلين عن جهات حكومية مختلفة من الدول الثلاث”.
وحول إمكانية تطبيق ما تم التوصل إليه، قال المسؤول: “قد لا يسعف الوقت لتنفيذ خطوات عملية كبيرة من التفاهمات المنجزة حالياً، في ظل العمر المتبقي للحكومة العراقية الحالية، لكنها لن تكون معرضة للنقض أو التراجع من أي حكومة مقبلة، كون الذي تم الاتفاق عليه يمثل مصلحة متبادلة للدول الثلاث، وهناك إمكانية أن تضاف دولة رابعة في المستقبل مثل السعودية أو الكويت”.
وجرت الاجتماعات المتعلقة بالملف الأمني بين قيادات ومسؤولين من الدول الثلاث في القصر الحكومي في المنطقة الخضراء ببغداد، بالتزامن مع اجتماع السيسي وعبد الله الثاني والكاظمي في قاعة مجاورة.
في السياق، اعتبر الخبير في الشأن الأمني والسياسي العراقي، أحمد النعيمي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “أطرافاً سياسية وفصائل مسلحة ترى مثل هذه الفعاليات بأنها ضمن دفع أو (تشجيع أميركي_غربي) لسحب العراق من المنطقة الإيرانية تدريجياً، على الأقل من بوابة الاقتصاد والتجارة.
كما أن إيران تستشعر بالخطر، كون السوق العراقية بالنسبة لها عكازاً لتخفيف وقع العقوبات وأزمات الكساد التي تعانيها أسواقها”. وأشار إلى أن “تجارب سابقة للعراق في هذا الإطار أكدت أهمية عدم التفاؤل كثيراً بتوقيع أي اتفاق، كون التطبيق لاحقاً غير مضمون”.
من جهته، قال عضو تحالف “الفتح” (الجناح السياسي للحشد الشعبي)، عامر الفايز، إن أي تفاهم تم التوصل إليه بين بلاده ومصر والأردن “يجب أن يكون وفق مصالح متبادلة، وألا يكون على حساب بلادنا”.
وأضاف في حديث لـ”العربي الجديد” أن “أي موقف لتوحيد الكلمة العربية ندعمه، وكذلك عودة العراق إلى ممارسة دوره الريادي في المنطقة”، لكنه حذّر مما وصفه بـ”الترويج لمشروع المشرق الجديد، والذي قد يكون عنواناً جديداً لبرامج هدفها تطبيعي مع الكيان الصهيوني بشكل أو آخر، خاصة أن الأردن ومصر لهما علاقة مع العدو الصهيوني”.
المصدر: الشادوف+وكالات+صحف عربية