غضب دولي من ردود الخارجية المصرية على مسؤولين أوروبيين بشأن هدهود
توقيت بالغ الحساسية لتفجير قضية القتل والاختفاء القسري للباحث أيمن هدهود
لا معنى لتحرك السادات مع المعارضة وقيادي بحزبه يتعرض للتعذيب والقتل
صدرت تعليمات رئاسية مصرية اليوم الأربعاء تقضي بفتح تحقيق بشأن واقعة وفاة الباحث الاقتصادي أيمن هدهود، التي أثارت جدلاً واسعاً، بعدما كانت أسرته تقدمت بعدة بلاغات بشأن اختفائه قسرياً منذ 3 فبراير/شباط الماضي، قبل أن يتم الإعلان عن وفاته الأحد الماضي، وفقا لمصادر مصرية مطلعة.
وكشفت المصادر، النقاب عن أن تكليف إحدى اللجان الرئاسية على رأسها الدكتورة فايزة أبو النجا مستشارة الرئيس للأمن القومي بالتحقيق، لا يتعلق بظروف الواقعة وملابساتها، ولكن بتوقيت تفجير القضية في هذا الوقت بالتحديد، إذ سبق ذلك زيارة شديدة الحساسية لوزير الخارجية سامح شكري، رئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، إلى العاصمة الأميركية واشنطن، للقيام بمهمة متعلقة باحتواء غضب نواب الكونغرس تجاه مصر، والرد على ملاحظات حقوقية تسببت في تعطيل استحقاقات عسكرية واقتصادية.
وأوضحت المصادر أن السيسي كلف اللجنة الاستشارية التي تترأسها مساعدة الرئيس للأمن القومي، السفيرة فايزة أبو النجا، بالتحقيق بشأن الجهة التي تقف وراء تفجير الأزمة في الوقت الراهن، خصوصا أن ذلك جاء أيضاً قبل يوم واحد من زيارة الممثل الخاص الأوروبي لحقوق الإنسان إيمون جليمور، لمصر، والتي التقى خلالها شكري لبحث مجموعة من الملفات الحقوقية أول من أمس الإثنين.
وأشارت المصادر إلى أن “هناك اعتقاداً بأن جهة ما أرادت التسبب في أزمة للجهات المسؤولة عن القضية والتسبب في إحراج وزير الخارجية قبل زيارته لواشنطن”. وبحسب مصدر دبلوماسي بارز، فإن القضية كانت محل نقاش واسع خلال زيارة إيمون جليمور، الذي طلب توضيحاً بشأن عدم تسليم جثمان الباحث لذويه عقب وفاته في مستشفى للأمراض العقلية.
وأضاف المصدر أن الرد على تساؤل المسؤول الأوروبي مثّل صدمة له، إذ تمت الإجابة عليه بالقول إن بطء الإجراءات الحكومية المتبعة في مثل تلك الحالات هو الذي تسبب في تأخر إبلاغ ذويه، ما دفعهم إلى التقدم ببلاغ للنيابة العامة بشأن اختفائه قسرياً مما تسبب في غضب دبلوماسي بين المسؤولين الأوروبيين !!
كسر في الجمجمة وآثار تعذيب
ولم تعلن أسرة هدهود القبض عليه وإخفاءه قسرياً منذ الثالث من فبراير/ شباط الماضي إلى أن أُبلغت بخبر وفاته يوم 10 ابريل الجاري، آملة في حل الأزمة سياسياً. قرارٌ عادة ما تتخذه العديد من عائلات المعتقلين السياسيين وضحايا الإخفاء القسري في مصر، خشية بطش الأجهزة الأمنية بهم حال التصعيد وإثارة القضية على وسائل التواصل الاجتماعي.
ووري جثمان هدهود الثرى بعدما أجبرت أسرته على حذف صور جثمانه في ثلاجة الموتى في مستشفى العباسية، والتي أظهرت وجود كسور في الجمجمة وعلامات تعذيب، في مقابل تسليمهم الجثة، كما أعلن شقيقه. وصحيح أنه تم تشريح الجثة قبل الدفن، لكن لم يصدر تقرير من الطبيب الشرعي عن سبب الوفاة حتى الآن !!
توفي هدهود في 5 مارس/ آذار الماضي، أي قبل 35 يوماً من إعلام السلطات المصرية أسرته بوفاته، وقد وضع في ثلاجة المستشفى طوال هذه المدة.
وأعلن عضو مجلس نقابة الأطباء المصريين أحمد حسين، أن هدهود توفي في مستشفى العباسية قبل فحصه من اللجنة الثلاثية المشكلة من قبل النيابة العامة.
وطالب في بيان نشره على مواقع التواصل الاجتماعي بتشكيل لجنة محايدة على غرار المجلس القومي لحقوق الإنسان والنقابة العامة لأطباء مصر، تتولى مهمة تقصي الحقائق في واقعة وفاة هدهود وجميع الوفيات في مستشفى العباسية خلال عام مضى، وأن يكون لهذه اللجان الحق في الاطلاع على الملفات بقرار من النائب العام.
ويقول حسين إن المعلومات المتداولة والأقرب للصواب تفيد بأن هدهود احتجز في المستشفى في قسم الطب الشرعي منذ منتصف فبراير/ شباط الماضي، وتعرض لوعكة صحية ما استدعى نقله عبر سيارة إسعاف إلى مستشفى حكومي. إلا أنه توفي قبل نقله بسبب انتظار وصول حراسة أمنية لمرافقة سيارة الإسعاف، وذلك في الخامس من مارس/ آذار الماضي، وتم حفظ جثمانه في ثلاجة المستشفى حتى 9 إبريل/ نيسان الجاري.
ويشير إلى وجود تكهنات تتعلق بإصابات جسدية وتفسيرات لمكوث جثة المتوفى أكثر من شهر بثلاجة المستشفى، مطالباً الأمانة العامة للصحة النفسية في وزارة الصحة والسكان وإدارة مستشفى العباسية بعقد مؤتمر صحافي لتوضيح ما حصل.
تحركات حكومية غير مسبوقة
ملابسات وغموض وفاة هدهود حركت على ما يبدو، وللمرة الأولى، جهات حكومية طالبت بتحقيقات رسمية وشفافة تمهيداً لإعلان النتائج. ولم يسبق أن تحركت في حوادث مماثلة لأفراد توفوا نتيجة التعذيب أو من أجل غيرهم من المخفيين قسراً.
وأصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان بياناً طالب فيه “بضرورة شمول تحقيقات النيابة العامة لكل ما أثير حول ادعاء تعرض هدهود للإخفاء القسري قبل وفاته”.
البيان الذي حمل توقيع رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان السفيرة مشيرة خطاب، أفاد بأن “على المجلس القومي لحقوق الإنسان أن يقوم بالتنسيق والتواصل مع النيابة العامة ووزارة الداخلية بشأن جميع دعاوى الاختفاء القسري التي تلقتها منظومة الشكاوى منذ تشكيل المجلس الجديد والبالغ عددها 19 دعوى، فضلاً عن جميع الشكاوى المتعلقة بادعاءات تجاوز مدد الحبس الاحتياطي أو إساءة المعاملة سواء في فترات الحبس الاحتياطي أو قضاء العقوبة”.
وهذه هي المرة الأولى التي يتعامل فيها المجلس القومي لحقوق الإنسان بشكل مباشر مع قضايا التعذيب في مقار الاحتجاز وملفات الإخفاء القسري والحبس الاحتياطي المطول وإساءة المعاملة.
وأحد أسباب التحرك هو أن هدهود كان عضواً في حزب الإصلاح والتنمية برئاسة عضو مجلس حقوق الإنسان والسياسي البارز محمد أنور عصمت السادات، الذي قاد منذ أكثر من عام عملية التوسط لدى الأجهزة الأمنية بخصوص المعتقلين السياسيين، عقب الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
إنكار متعمد للإخفاء القسري
ويأتي تدخل المجلس القومي لحقوق الإنسان وتحرك النيابة العامة لتشريح الجثة عقب سنوات طويلة من إنكار جريمة الإخفاء القسري في مصر، وكان آخرها رد السيسي على سؤال لصحافي أجنبي على هامش فعاليات منتدى شباب العالم في يناير/ كانون الثاني الماضي، حول الانتقادات الموجهة لملف حقوق الإنسان والإخفاء القسري في مصر.
وقال السيسي: “أحضروا البيانات والأعداد الكبيرة وقوائم الاختفاء القسري التي تتحدثون عنها، على أن تنشأ لجنة للوقوف عليها، وأنا مستعد لتشكيل لجنة من شباب المنتدى تأخذ كافة البيانات التي يتم طرحها وتداولها عن أعداد السياسيين المعتقلين والاختفاء القسري والوقوف على حقيقة ذلك. وعند الانتهاء، تقوم اللجنة بإعلان نتائجها على العلن، على أن تكشف إذا ما كان يتم تداوله حقيقياً أو لا. أحياناً، لا تكون البيانات دقيقة والمواضيع لا تكون كاملة”.
في مقابل كل هذا الإنكار من السلطات المصرية حيال ظاهرة الاختفاء القسري، رصدت منظمات حقوقية محلية ودولية أعداداً مروعة للمخفيين قسرياً في مصر على مدار السنوات الماضية. وتعرّف الأمم المتحدة الإخفاء القسري بأنه “القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغماً عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر، على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها، أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم، أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، الأمر الذي يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون”.
ووثقت حملة “أوقفوا الاختفاء القسري” ما بين 30 أغسطس/ آب 2015 وحتى أغسطس/ آب 2020 ما مجموعه 2723 حالة اختفاء قسري، يضاف إليها 306 حالات اختفاء قسري حتى أغسطس/ آب 2021، أي ما مجموعه 3029 حالة خلال السنوات الست منذ إطلاق الحملة.
وصدر تقرير عن مركز الشهاب لحقوق الإنسان يتعلق بجريمتي الاختفاء القسري والانتهاكات في مقار الاحتجاز نهاية عام 2020، رصد عدد المختفين قسراً في مصر خلال سبع سنوات بدءاً من وصول النظام الحالي إلى سدة الحكم نحو 11,224 حالة تشمل كافة الأعمار في المجتمع المصري، من ضمنها 3045 حالة إخفاء قسري عام 2020 وحده، فضلاً عن قتل 59 مخفي قسراً خارج نطاق القانون من قبل الدولة بعد ادعاء تبادل إطلاق نار وإعلان مقتلهم رغم توثیق اختفائهم السابق عن هذا الإعلان.
وتعيد قضية مقتل الباحث الاقتصادي أيمن هدهود إلى الأذهان قضية مقتل الباحث الايطالي جوليو ريجيني، الذي عثر عليه في صحراء مدينة السادس من أكتوبر بالقرب من طريق مصر- الإسكندرية الصحراوي، وعليه آثار تعذيب وحشية، بعد 10 أيام من اختفائه في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2016.
المصدر: الشادوف+صحف