تواجه مصر “خيارا صعبا”: تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية أو مواجهة المزيد من “التعديلات المؤلمة” في شكل انخفاض في قيمة العملة المحلية وتقليص الواردات مما قد يؤدي لزيادة التضخم وعرقلة النمو، حسبما قال بنك جولدمان ساكس في تقرير جديد نشر الثلاثاء في نيويورك.
وأوضح التقرير الذي حصل موقع الشادوف على نسخة منه أن “التعديل الخارجي الحاد” الذي رأيناه في العام الماضي لم يكن كافيا للتخفيف من اختلال ميزان المدفوعات للبلاد. وقد انخفضت قيمة الجنيه المصري بأكثر من 50 بالمائة منذ مارس 2022، كما انخفضت الواردات، وارتفعت معدلات التضخم وأسعار الفائدة، وتباطأ النمو – إلا أن كل ذلك لم يكن كافيا للتخفيف من ضغوط ميزان المدفوعات على الاقتصاد، بحسب بنك الاستثمار.
ويعني ذلك أن الطلب على العملات الأجنبية لا يزال يفوق المعروض وأن سعر الصرف في السوق الموازية لا يزال في ارتفاع – مع احتمال حدوث آثار ضارة مؤكدة على الاقتصاد.
الحل: الصادرات. تواجه السلطات خيارا صعبا: “إما القيام بإصلاحات بهدف زيادة الصادرات وتحسين مزيج التمويل، أو المضي قدما نحو المزيد من التعديل المؤلم لسعر صرف الجنية المصري مقابل العملات الأجنبية”.
لماذا لم يكن التخفيض كافيا لتصحيح الاختلال حتى الآن؟ على الرغم من أن الجنيه الآن “مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بشكل كبير”، إلا أن اهرة ندرة العملة الأجنبية في الأسواق المصرية لا تزال مستمرة، والمستثمرون الأانب لم يعودوا إلى البلاد بشكل ملحوظ، وفقا لما قاله جولدمان ساكس.
وذكر البنك عدة أسباب لذلك: من الصعب كبح الطلب على السلع الأساسية مثل المواد الغذائية التي تشكل جزءا كبيرا من واردات البلاد؛ ولا تزال الصادرات، وربما التحويلات من المصريين بالخارج أيضا، ضعيفة؛ كما أن تراكم الطلب على العملات الأجنبية لم يتم تسويته بعد؛ والدولرة مستمرة مع الاتجاه لاكتناز الأخضر؛ ولا يزال الإنفاق الحكومي مرتفعا.
الخطر الرئيسي بحسب جولدمان: هو أن تدخل مصر في “حلقة مفرغة” من انخفاض العملة والتضخم. يمكن أن يؤثر ذلك على قدرة البلاد على خدمة ديونها الخارجية، مما يضر بثقة المستثمرين، ويضغط على النمو، إذ يؤدي نقص الواردات وارتفاع الأسعار إلى تدمير الطلب في الاقتصاد المحلي.
إذا، ما الذي علينا القيام به؟ “معالجة الاختلالات الخارجية لمصر تعني معالجة العجز التجاري الهيكلي الذي يمثل 10% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعد أحد أكبر النسب بين الأسواق الناشئة الرئيسية”، بحسب جولدمان ساكس. وللقيام بذلك، يرى البنك أن الدولة بحاجة إلى تسريع وتيرة انتقالها إلى سعر صرف أكثر مرونة، إلى جانب زيادة الصادرات وخفض الإنفاق الحكومي عن طريق إبطاء تنفيذ المشاريع القومية العملاقة، ومواصلة برنامجها لبيع الأصول في الشركات المملوكة للدولة.
أداء مصر على صعيد الصادرات ليس بالجيد: مثل إجمالي صادرات البلاد بما في ذلك الهيدروكربونات 10% فقط من الناتج المحلي الإجمالي خلال الخمسة أعوام حتى الجائحة، فيما بلغت 37% في عينة الأسواق الناشئة لدى جولدمان ساكس. وقال البنك: “العجز التجاري ناتج عن تراجع الصادرات، وليس الاستيراد المفرط”.
يضع جولدمان ساكس سيناريوهين محتملين لمستقبل مصر الاقتصادي:
1 – السيناريو المتفائل: أن تكثف الحكومة جهودها في تنفيذ أجندة الإصلاحات الطموحة، مما “يعزز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة وتقليص عجز الحساب الجاري تدريجيا من خلال دعم نمو الصادرات بشكل أكبر على المدى المتوسط”. وفي “السيناريو المتفائل لمبيعات الأصول والوصول إلى الأسواق”، يتوقع جولدمان ساكس:
زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل كبير إلى 14 مليار دولار سنويا في المتوسط على مدى السنوات الثلاث المقبلة (ضعف المتوسط التاريخي)؛
زيادة تمويل سوق المال إلى 6 مليارات دولار سنويا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، مقسما بين تدفقات المحافظ الواردة والإصدارات السيادية؛
تقلص عجز الحساب الجاري إلى 2.6% بحلول العام المالي 2026/2025، من 3.5% في العام المالي الحالي.
2- السيناريو المتشائم: في حال عدم اتباع الإصلاحات الاقتصادية، يتوقع جولدمان ساكس:
ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 9 مليارات دولار فقط سنويا على مدى السنوات الثلاث المقبلة؛ تمويل من سوق المال بقيمة 3 مليارات دولار سنويا على مدى السنوات الثلاث المقبلة؛ انخفاض حاد في الاحتياطيات الأجنبية إلى أقل من 13 مليار دولار بحلول العام المالي 2026/2025.
ما وراء التوقعات –
زادت احتياجات مصر من التمويل الخارجي “بأكثر من الضعف في السنوات الأخيرة” لتصل إلى ما بين 20-30 مليار دولار سنويا، حسبما قال بنك الاستثمار. وأدى اتساع عجز الحساب الجاري في مصر وتوقف النمو في الاستثمار الأجنبي المباشر – الذي سجل في المتوسط أقل من 10 مليارات دولار سنويا – إلى اعتماد البلاد بشكل متزايد على الاقتراض الخارجي لسد الفجوة. ويبلغ الدين الخارجي الآن حوالي 49% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لتقديرات جولدمان ساكس، ارتفاعا من 17% في عام 2016. وإجمالا، جعل هذا الاختلال الخارجي مصر “معرضة بشدة لاختلال محتمل في قدرتها على الاقتراض من الخارج”.
ما زلنا خارج أسواق المال بالفعل – أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى هروب المستثمرين من الأسواق الناشئة المعرضة للمخاطر كمصر، ليحدث “توقفا مفاجئا” – خرج 20 مليار دولار من استثمارات المحافظ من البلاد، مما يمثل “الانعكاس الأكثر حدة والأكثر استدامة لتدفقات رأس المال في تاريخ مصر”، حسبما كتب جولدمان ساكس. ومنذ ذلك الحين، استمر الأداء الضعيف لسندات الدولة المقومة بالدولار. وقال بنك الاستثمار إن اتساع الهوامش على السندات المصرية يشير إلى أن المستثمرين يواصلون النظر إلى ديون البلاد على أنها محفوفة بالمخاطر.
وخيارات التمويل البديلة – كصندوق النقد الدولي ودول الخليج – قد لا تكون خيارا: أشار بنك جولدمان ساكس إلى أن المقرضين الذين يسارعون عادة لمساعدة مصر في أوقات الأزمات يركزون الآن بشكل أكبر على الحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي. ولا يزال الدعم المقدم من صندوق النقد الدولي ضئيل إلى حد ما عند مقارنته باحتياجات مصر التمويلية، كما أن التعهدات من جانب دول الخيلج لمصر كانت “بطيئة في التحقق”.
الأنباء عن توقف محادثات بيع الأصول تزيد الأمر سوءا: يمكن أن يكون توقف المفاوضات لبيع الأصول المملوكة للدولة – بما في ذلك المصرف المتحد والمصرية للاتصالات – قد أضر بثقة المستثمرين إلى حد ما في احتمالات نجاح برنامج الطروحات، بحسب جولدمان ساكس.
في سياق متصل – باعت مصر 0.04% فقط من إصدار السندات المقومة بالعملة المحلية والبالغ قيمته 3 مليارات جنيه يوم الاثنين، وفقا لبلومبرج. وقبلت الحكومة عرضا واحدا فقط لشراء سندات لأجل ثلاث سنوات بقيمة 1.1 مليون جنيه بعائد 21.7%، بعد أن طلب المستثمرون عائدات تصل إلى 28%. وتأثر الطلب على أدوات الدين المصرية المقومة بالجنيه بشدة إثر مخاوف المستثمرين من تخفيض آخر للعملة المحلية، بحسب الوكالة.
من ناحية أخرى، واصل الجنيه انخفاضه في العقود المستقبلية غير القابلة للتسليم لأجل 12 شهرا هذا الأسبوع ليصل إلى مستوى 41 أمام الدولار للمرة الأولى، وفقا لبلومبرج.
رابط التقرير هنا:
المصدر: الشادوف+وكالات