في ظل ظروف مناخية قاسية وأزمة اقتصادية تلهب ظهور البسطاء في مصر، عاد انقطاع التيار الكهربائي إلى الساحة، وزادت الحكومة المصرية أسعار رغيف الخبز، وارتفعت أسعار المحروقات مجددا، وبدأ صراخ الفقراء يتزايد بعد أن خمدت الاحتفالات الإعلامية والسياسية بصفقة القرن الذين روجوا لها بأنها نقلة نوعية في إدارة الدولة المصرية.
أزمة الديون الخارجية تقضي على موارد الدولار الشحيحة في مصر، وتلتهم مليارات الدولارات التي جمعتها مصر من صفقة رأس الحكمة، الأزمة تتضاعف والحكومة مطالبة كما ذكرت في مقالات سابقة، بسداد نحو 42 مليار دولار خلال الأشهر المقبلة، وذلك يعني أن قيمة الصفقة التي كان جزءا كبيرا منها إسقاط ديون مستحقة للإمارات، سيذهب ما بين ديون خارجية وتوفير الدولار اللازم لاستيراد المنتجات الغذائية الأساسية كالقمح ومنتجات البترول والمواد الأولية من حديد أو صلب وخلافه.
قال (الرئيس السيسي) إنه أمام خيار صعب إما قطع الكهرباء أو زيادة أسعارها، والمواطن أيضا أمام خيار صعب إما الصمت دون اعتراض أو السجن مع قائمة اتهامات بالغة الخطورة، فوسط تلك الأحداث التي لا يستفيق منها المواطنين، ليس من حقه الاعتراض أو الانتقاد، فالكلمة تراها الحكومة كالرصاصة من شأنها تكدير السلم العام، وذلك لا يكون إلا في مصر، فصاحب الكلمة مضطهد ومهدد ومطارد.
في الربع الأول من العام الجاري، بلغ إجمالي شحنات الوقود المستوردة نحو 3.3 مليار دولار، بزيادة تصل إلى 6% مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي، الذي شهد واردات بقيمة 3.1 مليار، وذلك رغم تصريحات رئيس الوزراء التي أكد خلالها أن مصر ستحقق الاكتفاء الذاتي الكامل من المواد البترولية في 2023.
ويأتي تراجع تحويلات العاملين في الخارج، وانخفاض إيرادات قناة السويس ليعرقل جهود حل أزمة التقد الأجنبي التي هي جوهرية في سير الاقتصاد المصري، المعتمد بشكل شبه كلي على الاستيراد، ورغم محاولات إيجاد بدائل لتوفير النقد عبر بيع الأصول، والمبادرات المتنوعة كمبادرتي تسوية الموقف التجنيدي والسيارات، إلا أن الحكومة تظل في مواجهة نفقات دولارية أكبر بكثير من إجمالي المداخيل، وتلك ليس لها حل إلا بالتوسع في القطاع الصناعي والتصدير الذي يوفر إيردات تكفي حجم المطلوب، ولكن ذلك الطريق يغفله السيسي وفريقه.
ومما يزيد الأمر تعقيدا إنخفاض إيرادات قناة السويس 50%، بعد أن أثرت فيها اضطراب حركة الشحن في البحر الأحمر، بحسب تصريحات وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد، وذلك يبرهن أن مصادر الدخل الدولارية لمصر يجب أن يتم تعزيزها وتنمية الطرق البديلة التي لا تتأثر بشكل كبير بما يحدث في المنطقة، فلطالما اعتمدت الحكومة على تحويلات العاملين بالخارج، التي تهبط وتزيد مع كل حركة في سعر الصرف أو خبر يتحدث عن تعويم مقبل، كذلك السياحة التي أضيرت بسبب الأحداث الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة.
وبينما تشتكي الحكومة من عدم تحمل المواطنين لتلك الصعاب العالمية التي تواجهها، يشعر المواطن بالقلق من انقطاع التيار الكهربي الذي يعتقد أنه سيكون أسوأ بكثير عند دخول ذروة الصيف، ولم تفلح تصريحات المسؤولين في تهدئة تلك المخاوف، إذ أن نشرات الأخبار تأتي وقت انقطاع التيار الكهربائي فلا تصل إلى مسامع البسطاء، ولا يشعر إلا بحرارة مسكنه.
ورغم أن الحكومة رفعت الدعم عن الكهرباء بشكل كامل منذ 2021، وأعلنت التوسع في بناء المحطات التي قالت أنه أوجد فائضا في الإنتاج يتم بيعه لدول أخرى، إلا أنها تبرر انقطاع التيار بارتفاع درجات الحرارة بصورة كبيرة ونقص الغاز والوقود اللازم للتشغيل، التي أكدت في وقت لاحق، أنها حققت الاكتفاء الذاتي من إنتاجه.
(الرئيس السيسي) ورئيس وزرائه تفاخرا مرارا وتكرارا بإنجارات شراء ثلاث محطات لتوليد الكهرباء من شركة سيمنز الألمانية – قيل عنها أنها المحطات الأكبر والأحدث في العالم – إلا أن حكومة السيد الرئيس حاولت بيع محطتين من تلك المحطات في محاولة لتخفيف سداد الأقساط والديون الناجمة عن الشراء، لكنها فشلت بسبب العقود مع الجهات الضامنة.
وعمدت وزارة الكهرباء بعد ذلك، إلى مضاعفة الإمداد الكهربي للدول المجاورة وتخفيف الأحمال داخل مصر للالتزام بالعقود المبرمة، وأقنعت المواطنين بأن الأزمة العالمية الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، ومن قبلها الجائحة، ومن بعدها الأحداث في غزة، هي سبب رئيسي للمعاناة، وليس سوء التخطيط أو رداءة التطبيق، ولا يحق للمواطنين الاعتراض.