كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن مصر تواجه صعوبات ومشاكل في تنفيذ خططها الرامية لبيع أصول الدولة لمانحين خليجيين، حيث شدد حلفاء القاهرة التقليديون في الخليج من أسلوبهم في طريقة دعم البلاد.
ويأتي ذلك رغم أن رئيس البلاد عبدالفتاح السيسي وافق على تقليص بصمة الدولة – بما في ذلك الجيش – في الاقتصاد، للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، بعد توصلها لاتفاق في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وينظر إلى الأموال التي كانت ستأتي عبر بيع الأصول على أنها ضرورية لتخفيف النقص الحاد في العملة الأجنبية، وسد فجوة التمويل التي يتوقع صندوق النقد الدولي وصولها إلى 17 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة.
وتقول الصحيفة، إن الدول الخليجية الغنية بالنفط اعتادت على إنقاذ جارتها خلال العقد الذي أعقب استيلاء السيسي على السلطة، وكان من المتوقع أن يصبحوا أهم المشترين للأصول المصرية.
وحددت مصر 32 شركة من شركات القطاع العام التي تخطط لفتحها أمام مساهمة القطاع الخاص، لكنها لم تُعلن عن تحقيق أي مبيعات كبيرة منذ توقيع صفقة صندوق النقد الدولي.
ويؤكد عدم إحراز تقدم على الموقف الأكثر صرامة الذي يتخذه المانحون الإقليميون، بما في ذلك السعودية والإمارات وقطر، حيث أصبحت العواصم الخليجية أقل رغبة في تقديم الدعم المالي التقليدي، وبدلاً من ذلك تسعى إلى الاستثمار التجاري وتتوقع من الحكومات تنفيذ الإصلاحات، وفقا للتقرير.
وحذر المراقبون من غياب التوافق بين توقعات القاهرة وتوقعات الصناديق السيادية الخليجية، حيث قال أحد المصرفيين الدوليين المطلعين على النقاشات: “يتمثل موقف مصر في بيع الأصول بفرق سعر أضخم من أسعار السوق، لأن المصريين يجادلون بأن الأسواق في حالة انخفاض وأن أسعارها الحالية لا تمثل القيمة طويلة الأجل”.
وأضاف: “هناك تباعد كبير في وجهات النظر بين الجانبين”.
وشكك المراقبون أيضًا في استعداد نظام السيسي، الذي يقوده الجيش، لبدء الإصلاحات، بما في ذلك كبح المصالح التجارية للجيش، والتي توسعت بشكل ملحوظ في عهد السيسي، وتمتد من الزراعة ومزارع الأسماك إلى البناء ومصانع الأغذية.
ونقلت “فايننشال تايمز” عن مصرفي ثان قوله: “هناك حالة من الانزعاج والإحباط التام في السعودية، حيث يقولون: هل يظن المصريون أنه من السهل خداعنا لهذه الدرجة؟.. هم يريدون رؤية إصلاحات حقيقية ووضع خطة إصلاح هيكلية”.
وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان قد أوضح نهج الرياض في تقديم المساعدات من قبل، عندما قال خلال المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس في شهر يناير/كانون الثاني الماضي: “اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط. لكننا نغيّر ذلك الآن. نحتاج لرؤية إصلاحات، ونحن نفرض الضرائب على شعبنا. لهذا نتوقع من الدول الأخرى فعل الأمر نفسه”.
وكان صندوق الاستثمارات العامة السعودي قد التزم مؤخراً باستثمار 10 مليارات دولار في مصر، لكنه انسحب من محادثات شراء “المصرف المتحد” المملوك للدولة، بعد أن أدى الانخفاض في قيمة الجنيه المصري إلى محو مئات الملايين من القيمة الدولارية للمصرف، وذلك وفقاً لمصرفي دولي وشخص آخر مطلع على المفاوضات.
وخسرت العملة المصرية نحو 35% من قيمتها مقابل الدولار منذ موافقة مصر على الانتقال لسعر صرفٍ أكثر مرونة، وذلك بموجب صفقة صندوق النقد الدولي الموقعة في أكتوبر/تشرين الأول.
قطر ترفض عرضا مصريا
في الوقت ذاته، رفض جهاز قطر للاستثمار عرضاً للحصول على حصةٍ في شركة تصنيع بسكويت مملوكة للجيش.
وقال شخص مطلع على المفاوضات للصحيفة: “القطريون لديهم استعداد لضخ المال، لكنهم يريدون استثماراً ذكياً يُدرّ المال أيضاً، أو يبلغ نقطة التعادل في حالات نادرةٍ على الأقل. ولن يرموا أموالهم ببساطة.. بل يحاولون العثور على الفرصة المناسبة”.
بينما قال يزيد صايغ، الزميل الأول في مركز أبحاث Malcolm H Kerr Carnegie Middle East Center، إن الجيش سيقاوم بيع الأصول التي تدر الأرباح.
وأوضح صايغ: “ومع ذلك، تكمن المشكلة الحقيقية [لدى المشترين] في اعتماد شركات الجيش على التمويل الحكومي بالكامل، وذلك في صورة ضمانها لتدفق عقود المشتريات الحكومية عليها… والدعم والقدرة على تحميل الخسائر لخزانة الدولة. ولن تكون هذه الشركات جذابة للمستثمرين الأجانب إلا في حال ضمان استمرار تلك الامتيازات”.
من جهته، علّق صندوق أبوظبي السيادي “ADQ القابضة”، أداة الاستثمار الإماراتية الرئيسية في مصر، مشروعاته داخل البلاد بحسب تصريح مصرفي مطلع على المفاوضات من دبي.
وقال المصرفي للصحيفة البريطانية: “ليست هناك شهية لأي استثمارات جوهرية في الوقت الراهن”، وأردف أن الأوضاع قد تتغير عقب زيارة رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد للقاهرة في الشهر الجاري.
ولا تزال الإمارات ملتزمة بمساعدة القاهرة، لكن من المرجح أن تقدم أبوظبي الدعم عبر برنامج صندوق النقد الدولي، حسبما قال أشخاص على دراية بالأمر للصحيفة.
ودخلت مصر في أزمة، العام الماضي، بعد أن سحب مستثمرو السندات الأجانب نحو 20 مليار دولار من الديون المصرية في وقت قريب من الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، وسط مخاوف بشأن تأثير الحرب على الأسواق الناشئة.
كانت السلطات تعتمد على تدفقات المحفظة الأجنبية الوافدة لتمويل عجز حسابها الجاري.
اضطرت القاهرة إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي وحلفائه الخليجيين، حيث أودعت السعودية والإمارات وقطر ما مجموعه 13 مليار دولار في البنك المركزي.
ولكن في إشارة إلى تحول دول الخليج في نهج المساعدة، قال جهاد أزعور، مدير صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط، لـ”فايننشال تايمز”، في وقت سابق، إن الصندوق قد زاد من تعاونه مع دول الخليج ، بما في ذلك في تصميم البرامج.
وقال: “نتفاعل معهم بشكل أكثر تكرارًا للتأكد من أن التمويل الإضافي (الذي يقدمونه) يساعد أيضًا في تنفيذ الإصلاحات التي تهدف البرامج إلى تحقيقها”.
وأنفق صندوق أبوظبي السيادي نحو 4 مليارات دولار العام الماضي للاستحواذ على حصص أقلية في الشركات المصرية، بما في ذلك أحد المصارف وشركات كيماويات وأسمدة وخدمات لوجستية وتقنية.
وبموجب اتفاق صندوق النقد الدولي، من المنتظر أن تحصل مصر على تمويل إضافي بقيمة 14 مليار دولار من “شركائها الدوليين والإقليميين”، وذلك عبر إصلاحات “تشمل التصفية المستمرة للأصول المملوكة للدولة” بحسب الصندوق.
هل من حلول أخرى؟
يرى المحللون، وفقا للصحيفة، أن القاهرة ليس أمامها كثير من الحلول الأخرى، بخلاف بيع الأصول، لجمع رأس المال، في ظل قلق المستثمرين الأجانب وعرقلة القطاع الخاص نتيجة المحنة الاقتصادية وهيمنة الجيش.
وأوضح فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في شؤون الشرق الأوسط بمصرف “جولدمان ساكس”: “إذا لم ترغب في مواصلة خفض قيمة عملتك وإبطاء النمو من أجل تقليل الطلب على الدولار، فليس هناك خيار سوى زيادة المعروض. والمسار الوحيد المتاح أمام مصر على المدى القصير الآن هو جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة عبر بيع الأصول”.
المصدر: الشادوف+فاينانشيال تايمز