حذرت السعودية ودول الخليج العربي الأخرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أن أي خطة إنقاذ مالية يتعين أن تتضمن خفض القاهرة لقيمة عملتها الوطنية(الجنية المصري) وتعيين مسؤولين جدد لإدارة الاقتصاد المتداعي في البلاد.
ونقلت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية نقلا عمن وصفتهم بمسؤولين مصريين وخليجيين قولهم إن تلك الشروط الخليجية، خصوصا السعودية سوف تزيد من صعوبة الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها مصر بعد سنوات من المساعدات السهلة من مؤسسات التمويل الدولية ومن البلدان الخليجية أيضا.
ويمر اقتصاد الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان بحالة يرثى لها بعد أن ضربت جائحة كوفيد قطاع السياحة، وأدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع العالمية، مما أدى لارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 40٪ وبعد ان اصبحت العملة المصرية من أسوأ العملات أداءً على مستوى العالم هذا العام، مما دفع ملايين آخرين من المصريين للوقوع في براثن الفقر، وفقا للصحيفة.
ومنذ تولى السيسي الحكم عام 2014، لا تمارس أي سلطة الرقابة الإدارية أو المالية على تصرفات الجيش، الذي واجه في السنوات الأخيرة اتهامات متكررة بالفساد، ونهب أموال الدولة، من خلال إسناد مشاريع تطوير الطرق والجسور الجديدة لأجهزته بـ”الأمر المباشر”، من دون اتباع إجراءات المناقصة للحصول على أفضل العروض.
وكان مدير جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش اللواء وليد أبو المجد قد أعلن تنفيذ الجهاز 227 مشروعاً لمصلحة الدولة بقيمة 100 مليار جنيه (الدولار = 30.95 جنيهاً) خلال عام 2022، في مجالات أهمها النقل والإسكان والصحة والري والكهرباء.
واستثنت قرارات ترشيد الإنفاق، التي أصدرها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في يناير/ كانون الثاني الماضي، على خلفية أزمة شح الدولار وتراجع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، جميع المشاريع التي يشرف عليها الجيش وأجهزته أو يتولى تنفيذها لصالح الدولة.
منذ استيلاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على السلطة في عام 2013، قدمت دول الخليج عشرات المليارات من الدولارات لمصر في شكل مساعدات وودائع مباشرة لدعم حليف يعد أيضًا شريكًا أمنيًا رئيسيًا في المنطقة، والآن يلجأ مرة أخرى الى أكبر المانحين لمصر، حيث زار السعودية في رحلة مفاجئة الأحد الماضي لحشد المزيد من الدعم المالي للقاهرة، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر.
لكن في حين غرد السيسي عن لقاء الحاكم الفعلي للسعودية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فإن زيارته لم تسفر عن أي وعود تمويل سعودية فورية، كما قالت المصادر. وقال مسؤولون مصريون وخليجيون إن جيران مصر الأثرياء يريدون عوائد أفضل لأموالهم الآن حيث يركزون على إعادة تشكيل اقتصاداتهم المعتمدة على الطاقة. وقال المسؤولون إن على رأس قائمة مطالبهم ضرورة قيام القاهرة بمزيد من التخفض لقيمة الجنيه المصري، مما قد يجعل الاستثمارات الخليجية في مصر أكثر ربحية.
وطلبت دول الخليج من الجيش المصري تقليص مشاركته في الاقتصاد لصالح دور أكبر للقطاع الخاص، وهي خطوة من شأنها أن تسمح للشركات الخليجية بالاستحواذ على حصص في قطاعات انتاجية مصرية. وقال المسؤولون إن دول الخليج تريد أيضًا قيادة مصرية أكثر فاعلية لإدارة شؤونها المالية، وسط سنوات من المخاوف بشأن سوء الإدارة والفساد.
لم تفعل مصر، حتى الآن، سوى القليل لتلبية مطالب دول الخليج، ويتوقع المحللون أن تسمح القاهرة قريبًا للعملة بالانخفاض بحدة، مسجلة بذلك رابع تخفيض لقيمة العملة من قبل البنك المركزي المصري منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022.
ولم ترد وزارة الخارجية المصرية على طلب للتعليق من جانب الصحيفة الأميركية، كما لم ترد السعودية والإمارات على الفور على طلبات التعليق من نفس الصحيفة ( وول ستريت ججورنال).
تمكن الاقتصاد المصري من الصمود بفضل صندوق النقد الدولي، ووافق الدائن الدولي العام الماضي على إقراض مصر ثلاثة مليارات دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة ومدد في ديسمبر (كانون الأول) الشريحة الأولى من تسع شرائح، لكن خبراء الاقتصاد يقولون إن خطة الإنقاذ ليست كافية لسد فجوة التمويل التي تواجهها مصر في السنوات المقبلة حيث تسعى إلى سداد ديون تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
وقال صندوق النقد الدولي إنه يتوقع أن تجلب مصر تمويلا إضافيا بقيمة أربعة عشر مليار دولار من الخليج ودول أخرى في إطار زمني مدته أربع سنوات، للمساعدة في تغطية الاحتياجات التمويلية الفورية للبلاد، كما كلف القادة “العسكريون” المصريون صندوق الثروة السيادية بجمع 2.5 مليار دولار بحلول يونيو.
ستأتي بعض الأموال من حملة الخصخصة التي أطلقتها السلطات المصرية مؤخرًا لبيع حصص في اثنتين وثلاثين شركة مملوكة للدولة، على الرغم من أنه من المتوقع أن يستمر هذا البرنامج حتى أوائل عام 2024.
توقفت المفاوضات مع صناديق الثروة السيادية والشركات في الخليج بشأن أصول حكومية مختلفة، وفقًا لأشخاص مطلعين على المناقشات، دون أن تؤتي أي صفقات ثمارها، وهم يرون أن الجنيه المصري لا يزال مبالغًا فيه، بحسب المصادر، على الرغم من انخفاض العملة بأكثر من 40٪ مقابل الدولار الأمريكي خلال العام الماضي.
قالت المصادر ايضًا إن دول الخليج تتفق أيضًا مع صندوق النقد الدولي على أن مصر بحاجة إلى كبح جماح الإنفاق المالي وتقليص دور جيشها في الاقتصاد. وفي العقد الماضي، كلفت القوات المسلحة بمسؤولية مئات من مشاريع البنية التحتية وتم توسيعها لتشمل قطاعات تتراوح من الأغذية والمشروبات إلى الأسمنت.
قال أيمن سليمان، الرئيس التنفيذي للصندوق السيادي المصري، في مقابلة إن الصندوق يساعد في إدارة بيع 14 شركة من أصل 32 شركة مملوكة للدولة ويهدف إلى الإعلان عن صفقتين قريبًا، مما يساعد الصندوق على الوصول إلى هدف جمع 2.5 مليار دولار، وقال “الهدف قابل للتحقيق”.
في الوقت نفسه، قال إن المستثمرين المحتملين لديهم مخاوف بشأن الاقتصاد، بما في ذلك مسار أسعار الفائدة والجنيه المصري، وقال إن عقلية المستثمرين “تجارية بحتة” مع التركيز على “التقييم والعوائد والحوكمة”.
وبين عامي 2013 و 2020، زودت دول الخليج مصر بما مجموعه 97 مليار دولار من ودائع البنك المركزي والاستثمار المباشر وأشكال أخرى من المساعدات المالية، وفقًا لتتبع كارين إي يونج، الباحثة في الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط في معهد أمريكان إنتربرايز، وقادت المملكة الطريق، حيث قدمت أكثر من 46 مليار دولار.
عندما بدأت الحرب في أوكرانيا تضر بالاقتصاد المصري في أوائل عام 2022، أودعت بعض دول الخليج ثلاثة عشر مليار دولار في البنك المركزي المصري، مما ساعد السلطات المصرية على تعزيز احتياطياتها من العملات الأجنبية، وشملت 5 مليارات دولار من السعودية في مارس من العام 2022 الماضي.
ومع ذلك، نما الإحباط من دول الخليج في وقت لاحق من العام الجاري، حيث نظر صندوق النقد الدولي في شروط حزمة الإنقاذ. وقد رفضت الإمارات التصرف كضامن بتحويل أكثر من نسبة مئوية من إجمالي قيمة القرض كوديعة إلى البنك المركزي المصري، وفقًا لمسؤولين مطلعين على المناقشات، وقال المسؤولون إن هذا الرفض الإماراتي دفع القاهرة للجوء إلى السعودية والكويت، لكنهما رفضا المساعدة أيضًا. ولم يستجب صندوق النقد الدولي لطلبات التعليق.
لقراءة الموضوع الأصلي فى صحيفة وول ستريت جورنال باللغة الانجليزية، افتح هذا الرابط
المصدر: الشادوف+ وول ستريت جورنال