ما أن خمدت فتنة الفنانة منى زكي قليلا، إلا ومثلت الفنانة حورية فرغلي بالنسبة للصحف الباحثة عن صخب يلهي الأغلبية عن الاهتمام بالقضايا الكبرى، صيدا ثمينا وقد تصدرت حورية أمس الثلاثاء 1 فبراير/شباط تريند غوغل كأكثر بحث عنها، بسبب حديثها عن حياتها وعمليتها الجراحية الأخيرة في الأنف، خارج مصر، وأن أول ما قامت بشمه بعد العملية هو الحشيش أو «الماريجوانا». واحتفت الصحف بتصريحات الممثلة التي أشارت فيها إلى عيب خلقي يحول بينها وبين الإنجاب.
وفي المقام الأول واصلت الصحف اهتمامها بالمباراة الرياضية الكبرى المتوقعة بين المنتخب الوطني لكرة القدم ومنتخب الكاميرون.. وفي الشأن السياسي تساءل كتاب حول الغموض، الذي يكتنف أهم ثرواتنا على الإطلاق، إذ ترفض إثيوبيا التراجع عن موقفها بشأن الإقرار بحقوقنا التاريخية في نهر النيل.
ومن المعارك البرلمانية: فتح المهندس أحمد السجيني رئيس لجنة الإدارة المحلية في مجلس النواب، النار على الحكومة بسبب ملف التصالح في مخالفات البناء، حيث أكد في ندوة موقع “برلماني” أن أي قانون يهدف لجمع المال مصيره الفشل، موضحا أن بداية تطبيق قانون التصالح كانت خاطئة. وحول العلاقات العربية: حل على القاهرة الفريق جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، الذي استقبله وزير الخارجية سامح شكري، وأحاط الرجوب وزير الخارجية بآخر المستجدات في الأراضي الفلسطينية، وما تشهده الساحة الفلسطينية من تحديات واستحقاقات خلال الفترة المقبلة؛ كما تم تناول الرؤى حول فرص تحريك مسار العملية السياسية والاتصالات مع الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية. في ما أكد الوزير شكري على مساندة مصر للجهود الفلسطينية الرامية إلى تعزيز الوضع الفلسطيني على الأصعدة السياسية والاقتصادية كافة، بما في ذلك دعم المتطلبات التنموية في سائر أنحاء الأراضي الفلسطينية؛ وتهيئة المناخ الملائم لإحياء مسار المفاوضات بين الجانبيّن الفلسطيني والإسرائيلي.
ومن حوادث القاهرة المؤلمة التي شهدتها منطقة الشرابية، حيث يقيم محمد شكري مدير إحدى المدارس الإعدادية في المنطقة، والبالغ من العمر 58 سنة، مع أسرته المكونة من زوجته منال حسب النبي، 52 سنة، وأبنائهم «سارة 26 سنة، تعمل مدرسة، وعمر 23 سنة، طالب في كلية الهندسة، ومحمد 19 سنة، طالب، وسما 15 سنة، طالبة، وسمية، 13 سنة، طالبة»، الذين فارقوا الحياة جميعا دفعة واحدة، واكتشف أحد أقاربهم موتهم فجأة، ولم تعرف الأسباب بعد. ومن أخبار الراحلين: توفي اللواء عبد السلام المحجوب وزير التنمية المحلية ومحافظ الإسكندرية الأسبق الذي نعاه العديد من رجال الدولة، وبدوره نعاه رئيس مجلس الشيوخ اللواء محمد المحجوب قائلا: فقدنا شخصية وطنية عظيمة.
لا تسقط بالتقادم
عاد بنا أحمد عبد التواب في “الأهرام” لمطالب ثورية اختفى أصحابها: إذا كان يتعذر عقد محاكمة جنائية لمن هدَّدوا النظام الجمهوري بمؤامرتهم الفاشلة لتوريث الحكم من مبارك لنجله، فينبغي أن يأتي يوم قريب نشهد فيه محاكمة شعبية لهم، حتى لو لم يحضروها، وحتى لو لم تترتب عليها أحكام عقابية، ولكن لكي تتحدد المسؤوليات وأخطارها والمسؤولين وأدوارهم، عن هذا التهديد الخطير، لأن هذا التحديد، حتى مع خلوه من عقوبات، ينأى بمصر عن أن تنزلق مجددا في خطر شبيه، لأن هذه المحاكمة سوف تعكس الإدراك العام بخطورة مجرد أن يفكر أحد أو مجموعة في مثل ما فكروا فيه، وتوهُم إمكانية حدوثه، والضلوع في السعى لتحقيقه، وعلى الثغرات التي تسمح بكل هذا، مثل تسخير أجهزة الدولة للتخديم على مؤامرتهم. ثم، ورغم انفضاح أهدافهم داخليا وخارجيا، فإنهم يصرون كذبا على إنكارها، كما أنهم، ورغم الرفض الشعبي ومن النخب، ثم، وحتى بعد أيام من اشتعال ثورة تصر على إسقاط النظام، كانوا يخططون للالتفاف على المطلب الشعبي، ليعاودوا الكرة عندما يَعبُرُون أزمتهم وحتى بعد أن قبرتها ثورة يناير/كانون الثاني، بفضل مساعدة الجيش، فلا تزال المؤامرة والمتآمرون في مأمن فإذا كان من مصلحة المتآمرين الصمت على مؤامرتهم، فإن المصلحة العامة تضار بهذا الصمت. لم يدرك المتآمرون، غم ما أُشيِع عن بعضهم أنهم دهاة، أن مجرد لقطة فوتوغرافية واحدة، من عشرات الآلاف، كانت تفضح ما يطبخونه من وراء ستار، بوهم أنهم قادرون على التكتم والمداراة والخداع والإيهام، فنجل الرئيس يتقدم كل المسؤولين الرسميين، وكل منهم خلفه بمسافات محسوبة يعرفونها جميعا ويلتزمون بها، مع سعادة طافحة على وجوههم جميعا، وأعينهم جميعا عليه، دون أن يلقنه أحد شيئا عن أهمية ألا يبدو بهذا التجهم وإفشاء آخر دون أن ينتبهوا، ومع إعلام انتهكوا كل علومه وفنونه، وروَّضوه على ترتيب الأخبار، ليس وفق أهميتها، وإنما التزام بتراتبية البروتوكول، كانت أخبار الوريث، الذي لم يكن له أي صفة في البروتوكول، تسبق أخبار رئيس الوزراء. أضِف أيضا أن العواجيز منهم كانوا يرددون معه اللغو عن فكر جديد.
أيامنا الحلوة
عاد بنا جورج إسحق في “الشروق” لأجواء ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني: قبل أحداث خالد سعيد، بدأت ردود الفعل والاحتجاجات تظهر ممثلة في حركة كفاية، التي خرجت إلى شوارع الجمهورية بأعداد كبيرة في القاهرة، وأعداد أصغر في الأقاليم، للتنديد بحكم مبارك وفساده. وشاركت حركة كفاية أيضا في الاحتجاج على الانتخابات البرلمانية سنة 2005، وكذلك شاركت في أحداث المحلة سنة 2008، وكانت حركة كفاية هي الشرارة الأولى لإشعال الاحتجاجات على الأوضاع الداخلية في شكل تظاهرات في الشارع. في هذه الأثناء أيضا قامت حركة كفاية بعمل مظاهرات ضمت مئات الآلاف في المنصورة، احتجاجا على المناخ العام في مصر وقتها، ومنها تفجير كنيسة القديسين (يناير/كانون الثاني 2011) في عمل إرهابى أوقع 24 قتيلا «بينهم مسلمون» كما أصيب 97 شخصا.. واستمرت حركة كفاية في احتجاجاتها، خاصة مع وجود انتخابات وبرلمان مجهز سابقا، أفضى إلى برلمان مشوه، وقامت حركات وطنية كثيرة بإنشاء برلمان بديل احتجاجا على هذا البرلمان المزيف. قامت جماعات كثيرة، مثل جماعة 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين، بتكوين جماعات ضغط، مثل الجمعية الوطنية، ساعدت في الاحتجاج على هذه الانتخابات، وعلق مبارك تعليقا سخيفا وقتها «خليهم يتسلوا»، ورددت عليه أنا، إننا سوف نتسلى بنتائج غير متوقعة.
الحرية للجدعان
نبقى مع جورج إسحق وذكريات محفورة في ذاكرة المصريين: في 18 يناير/كانون الثاني 2011 قام أربعة أفراد مصريين بإشعال النار في أنفسهم وهم «محمد فاروق حسن من القاهرة، وسيد علي من القاهرة، وأحمد هاشم من الإسكندرية، ومحمد عاشور سرور من القاهرة»، وقام أحد المواطنين بتخييط فمه واعتصم أمام نقابة الصحافيين مطالبا بإسقاط وزير الصحة السابق حاتم الجبلي. واتفقت القوى المعارضة في مناسبة عيد الشرطة على أن يتجمع الناس في مظاهرة شعبية تطالب بالعدالة، فاجتمعت القوى قبل يوم من المظاهرة، في مقر حزب الغد، واتفقوا جميعا على أن يتظاهروا أمام دار القضاء العالي، ما عدا الإخوان المسلمين الذين ادّعوا بأن الأمن يمنعهم من التظاهر، ولذلك لم يظهروا يوم 25 يناير، بل ظهروا يوم 28 يناير، وبالفعل يوم 25 يناير تجمع المتظاهرون أمام دار القضاء العالي ــ حيث كانت أول مظاهرة لكفاية أمام دار القضاء العالي في 12 ديسمبر/كانون الأول سنة 2004 ـ ثم انتقلت هذه المظاهرة إلى ميدان التحرير واندلعت الثورة ضد النظام القائم في كل أنحاء مصر. وأول شهيد سقط في هذه الثورة كان في مدينة السويس، ومجموع القتلى في هذه المظاهرات بلغ 846 ضحية. ونتيجة لهذا الضغط أعلن نائب الرئيس عمر سليمان تنحي الرئيس مبارك عن رئاسة الجمهورية في 11 فبراير/شباط 2011.. وكلّف قيادة القوات المسلحة بإدارة البلاد. وصدرت قرارات بمنع بعض الوزراء من السفر، وصدرت أحكام على بعض الوزراء وأبناء الرئيس، وعاشت مصر 18 يوما من أمجد أيام الثورة، التي اختطفت من قبل الانتهازيين، الذين ادعوا أنهم شركاء ولكن كان هدفهم هو حكم البلاد بتنحية كل القوى الأخرى، إلى أن استطاع الشعب في 30 يونيو/حزيران أن يقضى عليهم وينحيهم عن السلطة. بعد كل هذا، وتباعا لوضع الاستراتيجية لحقوق الإنسان، نتمنى أن يفرج عن كل أبناء ثورة 25 يناير/كانون الثاني الموجودين في السجون وفتح باب الحريات بجدية، وإتاحة الفرصة للأحزاب أن تمارس دورها الطبيعي، لتحقق جزءا من مطالب الشعب التي طالب بها في 25 يناير ببناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.
فلنهدمه ونستريح !
كمن يبحث عن إبرة في كوم قش قال محمد عصمت في “الشروق”، ما زلنا نبحث عن طريقة دبلوماسية ودودة لإقناع إثيوبيا بالموافقة على توقيع اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل سد النهضة، دون أن نلقي بالا للتأكيدات الإثيوبية المتكررة، بأنهم لن يوقعوا أبدا مثل هذا الاتفاق، ولا إلى ما يقوله كبار مسؤوليهم بأن النيل بعد انتهاء بناء السد سيصبح «بحيرة إثيوبية»، وبأن على مصر أن تتواءم مع كونها دولة صحراوية. الحظ كان حليفنا العام الماضي، عندما فشلت إثيوبيا في ملء 18 مليار متر مكعب من المياه خلف السد، لأسباب تتعلق بقلة إيرادات النيل، وهو ما يوفر لنا فرصة أخيرة للاقتناع بعبثية المفاوضات الماراثونية مع إثيوبيا، وأن نلجأ إلى أساليب أخرى ـ لا بديل سواها ـ بتدمير سد النهضة مهما كانت العواقب والتبعات، لأن إثيوبيا بمجرد أن تنهي الملء الثالث في موسم الفيضان المقبل، ستضع كل أوراقنا العسكرية على الرف، حيث أن ضرب السد في هذه الحالة سيغرق السودان وسيعرض حياة ملايين السودانيين لخطر الموت، وفي هذه الحالة سنكون نحن في مصر والسودان أكثر حرصا من إثيوبيا نفسها على سلامة السد.
كل المسؤولين الإثيوبيين، كما يرى محمد عصمت، يقولون الآن بصراحة تامة إنهم لا يعترفون بالحصص التاريخية ـ التي يسمونها استعمارية ـ المخصصة لمصر، وهو ما أكدت عليه مؤخرا وزارة الخارجية الإثيوبية على موقعها الرسمي، في حين يختلف الخبراء المصريون على الكمية التي تخطط إثيوبيا لقطعها عن مصر، وإن كان البعض منهم يتوقع قطع 63% من هذه الحصة، ولا يمكن استبعاد إقدام إثيوبيا على هذه الخطوة فعلا، وأن المسألة مسألة وقت لا أكثر ولا أقل، خاصة أنها تخطط أيضا لبناء 100 سد على النيل الأزرق خلال السنوات المقبلة، وشرعت فعلا في التعاقد مع شركات غربية لبناء بعضها، وهي السدود التي ستمكن إثيوبيا فعلا من حجز المياه بالكميات التي تريدها، لتؤكد لأول مرة في التاريخ وإلى الأبد هيمنتها الكاملة على نهر النيل. مجلس الأمن الذي ذهبنا إليه العام الماضي ليضغط على إثيوبيا لتوقيع الاتفاق الملزم، أدار لنا ظهره، أمريكا تحت إدارة بايدن ومعها بقية دول أوروبا «تنصحنا» بالاستمرار في التفاوض، وهي تدرك جيدا أنها لن تفضي إلى أي نتيجة، والسودان بكل خلافاته السياسية بين مكوناته المدنية والعسكرية، وأزماته المعيشية الطاحنة، لم يعد خطر سد النهضة على سلم أولوياته، وحتى المعسكر العربي، فقد نجح آبي أحمد في اختراقه بزيارته الناجحة التي قام بها منذ يومين لدولة الإمارات، والتي أثمرت عن تعزيز العلاقات الزراعية والتجارية بين البلدين، أما الدول الافريقية المتعاطفة مع قضيتنا، فليس لها تأثير يذكر في تغيير التوجهات الإثيوبية العدوانية ضدنا.على الحكومة المصرية أن توضح لشعبها ما الذي ستفعله خلال الشهور القليلة المقبلة قبل أن «تقع الفاس في الراس»، وتتمكن إثيوبيا من تخزين ما تريده من المياه في الملء الثالث.
مبادرة يتيمة
نبقى مع البحث عن حل لسد النكبة بصحبة سليمان جودة في “المصري اليوم”: خلال أقل من أسبوع زار القاهرة ضيفان افريقيان مهمان، كان أولهما الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، وكان الرئيس السنغالي ماكي صال هو الضيف الثاني. فالمبادرة العربية الوحيدة في ملف سد النهضة جاءت من الجزائر، وكان وزير خارجيتها رمطان لعمامرة، قد حمل مبادرة بلاده السنة الماضية إلى أديس أبابا والخرطوم والقاهرة.. ورغم أن زيارة تبون كانت تضم عناوين كثيرة، من بينها القمة العربية المقبلة التي يستضيفها هذا العام بلد المليون شهيد، إلا أن البناء على المبادرة الجزائرية كان في المقدمة من العناوين. ولا تزال الجزائر صاحبة صوت مسموع من مكانها على البحر المتوسط، ليس فقط في محيطها العربي، الذي تمثل فيه الدولة الأكبر من حيث المساحة، ولكن أيضا على امتداد رقعة القارة السمراء.. وهذا ما يُحيي الآمال في أن تكون مبادرتها الشجاعة سبيلا إلى أن يكون النهر الخالد ملعبا لتحقيق الأهداف المشتركة بين العواصم الثلاث، لا مجالا للنزاع بينها على المياه. أما الرئيس صال فهو الرئيس الرابع للسنغال في مرحلة ما بعد الاستقلال، بعد الرؤساء ليوبولد سنغور، وعبده ضيوف، وعبدالله واد… ورغم ما تبين خلال الزيارة من وجوه التعاون الكثيرة بين القاهرة وداكار، في الطاقة وفي الثقافة وفي الآثار، إلا أن أهم ما في زيارته هو توقيتها الذي جاء قبل أيام من انتقال رئاسة الاتحاد الافريقي إلى السنغال، بعد أن ظلت الكونغو الديمقراطية ترأسه طوال العام الماضي.. وإذا كان الاتحاد لم ينجح في قطع خطوات إيجابية في قضية السد طول السنة، فهناك أمل كبير في أن ينجح في ذلك تحت رئاسة السنغال من موقعها على الخريطة في أقصى غرب القارة. وما يعزز هذا الأمل أن قارئ الكتاب سوف يلحظ اهتمام الرئيس صال بأمر القارة الافريقية كلها، لا بوضعية بلاده وحدها فيها.
الوطنية و «الوطنطنية»
فارق كبير على حد رأي الدكتور محمود خليل في “الوطن” بين الافتعال والانفعال، ويتعاظم خطر هذا الفارق عندما يتعلق الأمر بمسألتي «الوطنية» و«الوطنطنية». الافتعال حالة يندفع فيها الشخص إلى التمثيل، فيأتى أداؤه ركيكا وتعبيره مزيفا.. في حين يعني الانفعال تمكن إحساس بالفرح أو الغضب من الشخص يدفعه إلى التعبير الصريح المريح عما يجيش بخاطره، فيأتي أداؤه أشد دقة وأمانة في التعبير عن أحاسيسه ومشاعره. الفارق بين الممثل الجيد والآخر الرديء هو ببساطة الفارق بين من يستطيع الانفعال بالدور ويحس به إحساسا حقيقيا فيؤديه بشكل طبيعي، والآخر الذي يفتعل فيبدو إنشائيا مصطنعا، وهو ما يُعجزه عن التأثير فيمن يتابعه. كل المصريين يحبون بلادهم ويربطهم بترابها رباط عميق.. نحن من أكثر الشعوب التصاقا بالأرض التي أنجبتنا.. والمصري أسرع الناس إلى الهتاف بعبارة «يا غربتي» عندما تضطره الظروف إلى السفر.. وما أكثر الأغاني التي أنتجتها القريحة المصرية، وتحدثت عن أوجاع الغربة والارتحال عن الأهل والوطن. الإحساس بالانتماء إلى المكان إحساس شديد الخصوصية لدى المصريين، ولهذا السبب تجد أن أغلب انفعالات المصري وهو يعبر عن انتمائه إلى تراب بلاده عميقة الصدق، لأنها ناتجة عن إحساس طبيعي راسخ. من حين إلى آخر يظهر بين جنبات هذا المجتمع أفراد «وطنطنيون» يجيدون التعبير عن الوطنية بـ«الافتعال» وليس «الانفعال». والمستمع إلى أناشيد بعضهم في محبة الوطن والهيام به يتعجب حين يجدهم ينسون غناءهم أمام شخللة المصالح.. لا يقل هؤلاء سفاهة عن الذين يستغلون وجودهم في الخارج فيسيئون إلى هذا الشعب وإلى الأرض التي نبتوا من ترابها، لأنهم لم يفوزوا بما يحلمون به. الوطنية الحقيقية هي أبعد ما تكون عن الطنطنة، إنها إحساس عميق لدى الفرد بأن الوطن الذي ينتمي إليه هو المعنى الحقيقي للسكن، يأخذ منه ويعطيه، يستظل مع الجميع تحت سمائه بقاعدة تكافؤ الفرص، وبمبادئ المواطنة التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات، ولا يوجد فضل أو ميزة لأحد على أحد فيه، إلا بالجهد والاجتهاد، وهو لا يعرف النقمة على أرضه وأهله حتى ولو جاروا عليه، تماما مثلما كان يردد الشاعر: «بلادي وإن جارت عليّ عزيزة.. وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام».
حرية بالصوص
أوضح وليد طوغان في “الوطن” أن المجتمعات تتغير بالأخلاق وتبنى بها.. وتهدم بها أيضا، لذلك فللمجتمعات حق الدفاع عن نفسها.. وقتما يستلزم الأمر. أشار إلى أن الأخلاق مطروحة في فاترينات النزاع الثقافي والهيمنة. لا بد من الاعتراف بحروب ثقافية تستهدف تغيير المعتقدات الجمعية، في نزاع ثقافي يبدأ من محلات البيتزا.. وينتهي عند البنطلون الجينز المقطع من عند الركبة، الولايات المتحدة أنفقت في الثمانينيات ملايين الدولارات لإيهام مواطني شرق أوروبا أن الهامبرغر هو الأكلة الصحية الأطعم والألذ في العالم، بينما كان المواطن نفسه يلعن البرغر.. ويصب ملايين اللعنات على تزايد محلات البيتزا. في النزاع مع الاتحاد السوفييتي نفذت الأجهزة الأمريكية للمواطنين السوفييت، من مفاهيم الحرية المغلوطة، والأكلات المزينة بالصوص والمستردة. حروب الذوق كانت مطروحة في الملعب، إلى جانب حروب المخابرات، والنزاع على جغرافيا نشر الأسلحة. بالأحرى كانت حروب الثقافة والقيم جزءا من حروب المخابرات. في الشهر التالى لسقوط الاتحاد السوفييتي، بعد بروسترويكا غورباتشوف، كان ملايين السوفييت يتزاحمون على أول محل برغر افتتحوه في بيترسبرغ.. قبل أن يكتشف الروس أن التغيير ليس مجرد «أكلة».. وأن الحرية ليست في البيبر صوص أو المستردة.
نبقى في “الوطن” بصحبة وليد طوغان الذي أشار إلى أن حروب القيم تستهدف تغيير الأخلاق، وتغيير الذوق، وبالتالي تغيير البنية الاجتماعية. تستهدف تلك الحروب الاستمالة الثقافية، مرة بحجة الحرية، ومرة بدعوى التجديد. الأخلاق هي الفكر الجمعي لتمييز ما هو صائب أو خير عما هو خاطئ أو شر. منظومة القيم هي الدافع الأول لمجتمع ما نحو الفضائل. المعتقدات القيمية هي السند الأقوى للشعوب في تكوين أنظمة حكمها وقوانينها، وهي المعيار الأهم في تعامل الشعوب مع قضاياها المختلفة وعلى رأسها الانتماء. للأخلاق الجمعية تأثير في طريقة تصرف الفرد ونظرته لنفسه ولمجتمعه.. ولوطنه. لا تسير المجتمعات دون معايير أخلاقية نحو الخير. يظل الأفراد بلا قيم بلا مصدر ملزم للامتناع عما هو خاطئ.. أو شر. الفنون أو ما يعرض متلبسا بلبس الفنون، واحد من أكثر أساليب حروب القيم. تبقى الدراما والسينما الأكثر تأثيرا، لأنهما الأكثر جاذبية، والأكثر قدرة على الإبهار.. والأكثر جذبا لمختلف الأعمار والفئات. الفضاء واسع تصعب السيطرة على مواده المذاعة أو المعروضة في أكثر من وسيلة. لكن هذا لا ينفي أن كثيرا من تلك الوسائل، تستهدف قيم المجتمع وأخلاقه تحت مسميات مختلفة. كثيرا ما تستغل الحريات استغلالا مضادا. سقوط الأخلاق في مجتمع ما، وتغيير قيمه، بتغيير ذوقه، يسهل وقوعه أسير ثقافة أخرى في الطريق لمجتمع جديد.. بثقافة وذوق جديدين. تدعم قيم الشعوب تماسكها الجمعي، وفي حالة ما إذا تغيرت الأخلاق، فمن السهل إجراء أي تغيير سياسي بعد تغيير الانتماءات. لذلك تظل الأخلاق قضية أولية قبل القانون. نطاق الأخلاق أوسع وأشمل من نطاقات القانون. تتعلق المنظومة الخلقية بنظرة الإنسان لذاته، ولوطنه، بالتحكم في ضميره وتكوينه، فيما تقتصر نطاقات القانون على السلوك الظاهر. المسألة أكبر من فيلم.. وأوسع من الكلام عن حدود حرية الإبداع.
ذنب الآباء
الظاهرة التي تهدد المجتمع اهتم بها كرم جبر في “الأخبار”: كرة من النار يمتد لهيبها إلى كل بيت، اسمها فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي، ومنذ أيام سقطت الضحية الثانية، الفتاة المنتحرة، بعد تداول صور خادشة للحياء لها، فخافت من الفضيحة وفضلت الموت على الحياة. الأمر لا يتوقف على ذلك. السب والقذف والشتائم وانتهاك الأعراض والابتزاز والكذب والزيف والخداع، وغيرها من مفردات العالم الفسيح لمواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت خطرا يهدد الجميع، ولا أحد بمنأى عنه. فماذا نفع؟ أولا: دور الإعلام هو تحفيز الوعي والتنبيه والتحذير، والمبادرة بالإبلاغ عن المواقع المسيئة، والإسراع بغلقها رغم صعوبة ذلك، ثانيا: المشاركة المجتمعية في ملاحقة الصفحات المزيفة، ويا ريت تكون البداية بالمشاهير والشخصيات العامة، بحيث يبلغون على الفور بتزييف صفحات تحمل أسماءهم، والقيام بحملة تحت عنوان «امسك مزيف» لفضح المزورين. ثالثا: العدالة الناجزة، وهي السيف الباتر الذي يساعد في التصدى لهذه الظاهرة المخيفة، وينبغي التوسع في نشر الأحكام القضائية لخلق حالة من الردع العام، وليعرف كل مسيء أنه لن يفلت من العقاب. الخطر يهدد الجميع، ولا سبيل إلا بخلق «حالة استفاقة»، بتوعية الشباب في البيوت بأن الموبايل يمكن أن يكون قنبلة موقوتة، أو أداة لإيذاء الآخرين، إذا أُسيء استعماله، والمشكلة هنا هي انعدام الرقابة الأسرية، وانتشار الثقافات الإباحية. ولا بد أن يعرف الجميع أن هذه الأفعال بمثابة جرائم يعاقب عليها القانون، دون رحمة أو هوادة، لأن اغتيال سمعة البشر كارثة، ليس من حق أحد أن يكون جلادا أو متلصصا أو منتهكا لأعراض وسمعة الآخرين، في زمن يتسلح فيه البعض بانعدام التربية والأخلاق والوازع والضمير، ويتباهون بالفضائح وهتك الستر والتشفي. ذنب البنات المنتحرات في رقبة كل أب لم يرب أبناءه وتركهم كالحيوانات الضالة يهددون الأبرياء، وفي رقبة كل أسرة لم توفر الحماية لبنتها وتركتها للخوف والذعر والهلع من الفضيحة، ولو احتضنوها ووفروا لها الحماية ولاحقوا الجناة، ما أقدمت على الانتحار.
قائد بالفطرة
الثناء على فخر العرب يتواصل بعد انقطاع ومن المشيدين به حمدي رزق في “المصري اليوم”: تفاعل المفكر المغربى سعيد ناشيد مع صورة كابتن مصر محمد صلاح محتضنا نجم المغرب أشرف حكيمي مواسيا بعد هزيمة المغرب، بكلمات تجسد ما يمثله صلاح من رقي إنساني حضاري. يقول ناشيد على صفحته على فيسبوك: «محمد صلاح كحالة حضارية بالفعل، ذلك النجم المصري الأصيل الذي استطاع بفطرة سليمة، أن يستوعب قيم التمدن، وهدوء الطبع، والتحكم في النفس، واشتغل على بناء الذات أمدا ممددا.. لذلك لا نراه يصرخ، لا نراه يولول، لا نراه يتظاهر، بل نراه كبيرا في أفعاله وردود أفعاله.. تحية إكبار للكبير محمد صلاح الذي قلب الموازين، وهنيئا للمنتخب المصري انتصاره المستحق». صورة أبو مكة، محتضنا حكيمي لفّت العالم، وتصدرت «التريند»، صورة بألف صورة مما تعدون، صورة بألف كلمة إعجاب، صلاح ابن حضارة عظيمة، من صغره، وهو عارف من قلبه وروحه أنه مصري.. يا له من قائد بالفطرة لمنتخب يحمل إرث الحضارة المصرية العظيمة. صلاح أيقونة مصر، يضرب الأمثال جميعا، ابتسامته فوق الصعاب، مرتسمة على وجهه الجميل، ثقة ومحبة، يلعب الكرة بمتعة، لا حقدا، ولا أَثَرة، ولا نقمة، حالة تصالح مع الذات، مع النفس، مع زملائه.. مع الجميع، حتى صبية الملاعب يتصور معهم في غبطة. في فريقه قائد محنك، يحفز الهمم، ويواسي، ويطبب، ويدفع إلى الأمام، وإذا انتصر فهو متواضع عند النصر، وعند الانكسار فارس مغوار، ينهض سريعا ويواصل الركض. عينه لا تفارق اللحظة، لا يتعاظم وهو كبير كرويا، يذهب من فوره لحكيمي الحزين يواسيه، ويضمه إلى صدره، مواسيا شعب المغرب الكريم في صورته مع حكيمي، وهو المنتصر، ويكرمه لأنه يعرف قدر موهبته، الموهوبون يحبون الموهوبين. صلاح يأسر القلوب جميعا بأفعاله المحسوبة بدقة، ويتنافسون (حتى الحكام) على تحيته، حالة إنسانية قبل أن تكون كروية، تعجب من أين له كل هذا الألق، من يحبه ربه يحبب فيه خلقه، وخلق كثير يبتدرونه الحب. تخيل بعض الحكام الأسوياء يشاهدون إبداعه باستمتاع ويخشون عليه من الإصابة، ويحمونه من الالتحامات الجسدية خوفا عليه، إحساس جميل أن تحيطك كل هذه العناية.
من يطالع برنامج معرض القاهرة الدولي للكتاب في عامه الثالث والخمسين يشعر وفق ما قاله الدكتور محمد أبو الفضل بدران في “الوفد”، ينتابه شعور بأن المعرض تحوّل إلى «مولد» بالمعنى الإيجابي، فقد ذهب الناس من الطبقات كافة ليقرأوا ويشتروا ويستمعوا ويشاهدوا الندوات والأمسيات الشعرية، والحوارات، ويتعرفوا على حضارة اليونان، ويشتركوا في حوار مع فلاسفتها وأدبائها وإنتاجها العلمي والمعرفي المؤثر قديما وحديثا، وجميل أن الجانب العربي له حضوره اللافت، وإن لم يكن بالحجم المنشود وهذا ما يجب تداركه في الأعوام التالية، وربما أثرت كورونا في هذا الحضور، لكنها لم تمنع الجمهور المصري من الحضور والطواف حول الكتب في «مولد» الكتاب، وهذا أفرحني لسببين، أولهما أن هذا الحضور الجماهيري يثبت أن شبابنا بخير، وأنه عاشق الثقافة وصانعها وأنه متعطش للفن والمعرفة وأن الكتاب لم ينفض قارئوه وأن تطويره التقني مطلوب أيضا وأن الحياة أقوى من البرد القارس ومن كورونا. فرحي بالشباب المنظّم، ولاسيما كتيبة مصطفى عز العرب، واللجان التي أعدت ونفذت في تطوّع يُحتذى به في العالم فرح كبير، مثل هذا المعرض لا يأتي بهذا الجمال إلا بعد جهود لجان تعبت وسهرت فلهم جميعا كل الشكر والتقدير. كما أن حجز التذاكر إلكترونيا سهّل أمر الدخول وطغيان الكتب الإلكترونية لا يخيفنا، لأن الورق وسيلة وليس غاية، على الرغم من أني أنتسب لجيل ورقي؛ وكم كنتُ أتمنى لو أن كل جامعاتنا الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد، سيّرت رحلات لطلابها من خارج القاهرة للمعرض، حتى يتثقفوا ويشاركوا في هذا الحدث المبهر، ونُفرد لكل جامعة ساعتين أو أكثر في خيمة الجامعات، تقدم فيه نشاطها الثقافي والفني، وكلي أمل في أن أخي الأستاذ الدكتور هيثم الحاج علي رئيس الهيئة العامة للكتاب، الذي أهنئه على النجاح المبهر، سيعمل على تنفيذ هذا المقترح في الأعوام المقبلة. ومن الممكن إشراك أنشطة كل مراكز الشباب والجمعيات والمؤسسات الثقافية في مُولد الكتاب» فهو «مُولد» وصاحبه حاضر “ابن الحاج علي”.
أمل بعيد
آمال عريضة لمن يعملون في مهنة الكتابة عبّر عنها مرسي عطا الله في “الأهرام”: هذا الإقبال الجماهيري الواسع على معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، رغم برودة الجو ورداءة الطقس، تمثل رسالة أمل للصحافة الورقية، بأنها أبدا لن تموت، طالما بقيت متعة القراءة عنوانا للمزاج العام، في أمة استهل المولى عز وجل رسالته لها في أول آية من القرآن الكريم عندما نزل الوحي «جبريل» على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في غار حراء قائلا: «اقرأ» فرد عليه الرسول الكريم «ما أنا بقارئ» فقال: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ». إن الإقبال على معرض الكتاب بهذه الصورة المبهجة يمثل تأكيدا على رسوخ اليقين بأهمية القراءة والاطلاع، وقد كانت الصحافة الورقية هي أول تطور من عصر الكتاب إلى عصر الصحيفة وما زالت هذه الصلة قائمة ومستمرة وقاسمها المشترك هو حب القراءة والاستمتاع بمعرفة ما بين السطور. ومهما قيل عن تراجع مؤقت في الإقبال على الصحافة الورقية بسبب الإبهار الذي حملته التكنولوجيا الحديثة، عبر الأثير الفضائى ومن خلال الشبكة العنكبوتية «الإنترنت» أو لأسباب اقتصادية، ليس من الصعب تجاوزها برؤى وأفكار جديدة، فإن كثيرا من دول العالم بدأت تدرك مخاطر هذا التحول على حساب الصحافة الورقية، التي كانت وما زالت وستظل هي أفضل أداة من أدوات الرأي العام، تعمل في خدمته، تنقل إليه وتنقل عنه، بعيدا عن السقطات المرعبة في وسائل التواصل الحديثة، لقد آن الأوان لصحوة حقيقية تتشارك فيها المؤسسات الرسمية والمنظمات المدنية، من أجل إنقاذ ما تبقى من رصيد لم ينفد بعد للصحافة الورقية، حتى يمكن إعادة الاتزان الأخلاقي والمجتمعي، الذي ينزلق بسرعة رهيبة نحو منحدرات مخيفة، بعد أن انتقلت آلية التوجيه والتأثير من دوائر الصحافة الملتزمة إلى تيارات وأفراد يملكون وحدهم الآن مساحات هائلة في وسائل التوجيه والتواصل الاجتماعي، وينحون بها إلى حيث يشاءون، دون رقيب أو حسيب. إنني أتمنى على الدولة وكل القائمين على شؤون الصحافة في مصر، أن يلتقطوا الخيط من رسالة الإقبال الجماهيري الهائل على معرض الكتاب الدولي لإنقاذ الصحافة الورقية، التي هي أحد عناوين القوة الناعمة لمصر منذ بداية العصر الحديث.
المصدر: الشادوف+ القدس العربي