يبدو “اللهو الخفي” الذي يسكن مفاصل الدولة أكثر قدرة على الدوام في توجيه الرأي العام حيث يريد، وقد نجح في دفع صحف أمس الاثنين 24 يناير/كانون الثاني، وقبل ساعات من بزوغ فجر الذكرى الحادية عشرة لثورة الخامس والعشرين من يناير، للحديث في المقام الأول حول خلافات الفنانين والعديد من أخبار الفضائح، وفي القلب منها فيلم متهم بالترويج للمثلية الجنسية، ومن ثم اقتفاء أثر زوجين من مشاهير الوسط الفني هما أحمد حلمي ومنى زكي بطلة الفيلم، وما أشيع كذبا حول انفصالهما..
وحول الأزمة التي تعيشها الممثلة منى زكي أصدرت نقابة الممثلين بيانا دعمت خلاله الممثلة، مؤكدة حرية الإبداع في دولة مدنية، تؤمن بأن الحرية جزء أساسي من وجدان الفنانين المصريين، تحميه النقابة وتدافع عنه.. ومن جانبه أكد الفنان أحمد سلامة عضو نقابة المهن التمثيلية، إنه لا صحة لما يتداول عن شطب اسم الفنانة منى زكي والفنان إياد نصار من النقابة، بسبب فيلم «أصحاب ولا أعز»، مشيرا إلى أن تلك الأخبار شائعات لا أساس لها من الصحة.. كما اهتمت الصحف بالتفتيش في مستجدات وقائع قضية إمبراطور الفضائيات السابق.
وواصلت الصحف تجاهل ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني والاحتفاء بأعياد الشرطة، وأبرز تصريحات المسؤولين في هذا السياق وجّه الدكتور محمد معيط وزير المالية، تحية إجلال وتقدير لرجال الشرطة البواسل، وشهداء الواجب الوطني، الذين يُضَّحون بأرواحهم في سبيل حفظ أمن الوطن وسلامة المواطنين.. كما أكد الكاتب المقرب من القصر الرئاسي ياسر رزق أن «25 يناير ليست مؤامرة لأن الجيش المصري لم ينحز إلى متآمرين؛ من شاهدناهم في الشارع ليسوا متآمرين والدستور المصري ينص على أن 25 يناير ثورة، وعلينا أن نقدر تضحيات الشعب. وتابع: المخابرات الحربية توقعت انتفاضة في الشارع المصري خلال شهر مايو 2011 ». وكشف: «قبل أحداث يناير بفترة كان هناك اجتماع مع بعض أحزاب القش والرئيس المتوقع جمال مبارك، وقالوا إن مصر ليست تونس، وأصبحوا كموجودين في غرفة يتسرب إليها الغاز وهم لا يشعرون». وأضاف: «التقديرات كانت لدى اللواء عمر سليمان وأشار البعض إلى أن أقصى توقع أن ينزل 100 ألف شخص إلى الشوارع».
ومن تقارير المحاكم: قرر قاضي المعارضات في محكمة كفر الزيات، الاثنين، إخلاء سبيل 11 متهما بكفالة 2000 جنيه على ذمة التحقيقات في قضية الطالبة بسنت خالد.. ومن أخبار الراحلين: أعلن ميشيل غالي، مساعد الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، وفاة زينب ابنة الشاعر الراحل، عن عمر يناهز 30 عاما، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل حول سبب الوفاة وموعد تشييع الجثمان. يُذكر أن زينب ابنة الراحل أحمد فؤاد نجم من آخر زوجاته أميمة عبد الوهاب، وله ابنتان غيرها هما نوارة ابنة الكاتبة صافيناز كاظم، وعفاف ابنة زوجته الأولى فاطمة منصور.
نخبة خائنة
استدعى عبد الله السناوي في “الشروق” السنوات السابقة من عمر الرئيس الراحل مبارك والأحداث التي شهدتها والتي اعتبرها حتمية تاريخية مفضية لثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني: كادت السلطة بجميع مكوناتها، تشبه أوراق خريف تتساقط، لا هي مقتنعة بقدرة الرئيس على الحكم، ولا هي قادرة على إكساب موقعه احتراما يعوزه. هكذا بدت مصر قرب نهايات حكمه أقرب إلى حالة «كرب ما بعد الصدمة» حسب تعبير عالم النفس الدكتور أحمد عكاشة.. لم يكن أحد يعرف إلى أين تذهب مصر، ولا ماذا بعد مبارك؟ أنهك البلد عشر سنوات كاملة تحت وطأة سيناريو «التوريث» وأنذرت أحوال المعيشة المتدهورة بانفجارات اجتماعية توشك أن تهب.. “النظام في شيخوخة.. والنخبة خائنة”. كان ذلك نقدا حادا غير مألوف في فبراير/شباط (2007) ورد على لسان الأستاذ سلامة أحمد سلامة، وهو كاتب صحافي عهد عنه التأني في إصدار الأحكام وانضباط الألفاظ على المعاني التي يقصدها، عبّر عن قدر الغضب المكتوم في المجتمع، الذي على وشك أن ينفجر في وجه نظام نالت منه الشيخوخة السياسية، وعن قدر ضيق آخر بالنخبة السياسية التي تكلست في مواقعها وأفكارها وقدرتها على اجتراح التغيير، لإنقاذ البلد مما وصل إليه. هكذا هبت عاصفة يناير من خارج السياق، الذي ضربته الشيخوخة السياسية. لم يكن ممكنا لقانون الطوارئ أن يوفر استقرارا أو يحمي أمنا أو يكون بديلا عن السياسة.
مهملة لأسباب
اقترح الدكتور سعد الدين ابراهيم في “المصري اليوم” على الباحثة أماني قنديل، البحث عما إذا كانت مراكز البحوث المصرية، قد تناولت أحداث الربيع العربي وتداعياتها بالتحليل، أو هل أصدرت أي مطبوعات بشأن الأحداث الكبرى التي شهدتها المنطقة؟ وكانت الإجابة أنهما لم يُصادفا أي كُتب أصدرها أي من تِلك المراكز. زيادة في التأكيد اقترحت على الباحثة الدؤوبة أن تطوف بأهم تِلك المراكز للاستعلام وسؤال الباحثين فيها. وبدأنا بأقدم تِلك المراكز، ولكل منا تاريخ سابق في العمل فيها، وإصدار دراسات عن الشأن العام المصري من خلالها في حقبات سابقة، مثل الحقبة التي أسس وأدار فيها الراحل الدكتور أحمد خليفة مركز البحوث الاجتماعية والجنائية في خمسينيات القرن العشرين، الذي استقطب فيه مجهودات واجتهادات أساتذة عظام، تفرغوا كل الوقت للعمل في ذلك المركز، مثل الراحل المُبدع سيد عويس، صاحب العمل الأشهر «رسائل إلى الإمام الشافعي» التي قارن فيها رسائل بُسطاء المصريين في القرن العشرين، مع تِلك التي كان يُرسلها الفلاح الفصيح إلى فرعون مصر، قبل أربعة آلاف سنة، وكيف أن كثيرا من هموم المصريين، سواء في علاقاتهم بالسُلطة السياسية، أو الإطار المحلي والعائلي، تكاد تكون هي هي، بلا كثير اختلاف. فكيف ولماذا قصّرت مراكز البحوث، التي نشأت منذ نصف قرن، وما زالت موجودة في مبان أنيقة شامخة، وتضم عشرات الباحثين والخُبراء، في رصد وتحليل ما حدث في مصر والمنطقة بأسرها من تحولات كُبرى؟ واقترح الكاتب على الدكتورة أماني قنديل أن تتوجه بتِلك الأسئلة إلى منَ يشغلون تِلك المؤسسات، وهو ما فعلته بداية في المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، ومركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ومراكز الدراسات في جامعتي القاهرة وعين شمس. وكانت مُلاحظتها الأولى هي هجرة كبار الأساتذة والباحثين إلى بُلدان الخليج، سعيا لعوائد مالية ومعنوية أعلى بكثير مما كانوا يحصلون عليه في مصر. أما المُلاحظة الثانية أو الاستخلاص الثاني فهو ضعف الطلب والحوافز على الجهود البحثية، سواء من أجهزة الدولة، أو مؤسسات القطاع الخاص.
لم نفلس بعد
حرص الدكتور محمد عادل في “الوفد” على اقتفاء أثر الشائعة المنتشرة بشأن افلاس البنوك: الرد على هذه الأكاذيب يأتي من تحليل بسيط بين نسبة القروض والودائع في القطاع المصرفي المصري، سنجدها لا تتجاوز 49% ما يعنى أن البنوك تعاني من فائض في السيولة، وليس نقصا كما يدعي بعض الأقوال على منصات السوشيال ميديا. فحجم ودائع العملاء يزيد على 6 تريليونات جنيه، في الوقت الذي يقل إجمالي القروض عن 3 تريليونات جنيه مصري. الغريب أن عملاء يصدقون هذه الشائعة، ويتواصلون معي، أو مع مديري بنوك للاستفسار عن هذه الأقاويل التي ليس لها أي أساس من الصحة. وربما فهموا خطأ قرار البنك المركزي الأخير بشأن السيولة الطارئة، فاعتقد البعض أن هذه يعني أن البنوك تعاني من أزمة سيولة، فأخذ ينفخ في النار، ويقلب سواد قلبه ويبث سمومه من أجل النيل من مصر واقتصادها وقطاعها المصرفي. وهذا القرار لا يخرج عن إطار تنظيمي وإجراء احترازي يأخذه البنك المركزي المصري من أجل سلامة القطاع المصرفي ومواجهة أي أزمات قد تحدث، بل البنوك من نفسها تأخذ كل المخاطر في الاعتبار ومنها، مخاطر نقص السيولة، والعمليات التشغيلية والعملة، وغيرها من المخاطر التي لا يتسع هذه المقال لعرضها. ويبدو أن هذه الأيام موسم للشائعات مع اقتراب يوم 25 يناير/كانون الثاني، ثورة المصريين على نظام التوريث والفساد والظلم، وانهيار الدولة وتراجعها في عام 2011، واستطاع المصريون تغيير النظام، من أجل حياة كريمة، واليوم يبثون الشائعات من أجل إرباك المواطنين، وبث القلق والخوف على مدخراتهم المصانة في البنوك، التي لم تنقص جنيها واحدا حتى في عز الانفلات الأمني، وعدم وجود دولة ولا أجهزة حكومية. هم يريدون بث الإحباط والخوف وأن يعيش المصري في حالة قلق دائم، يظنون أنهم بذلك يستهدفون النظام الحاكم، ولكن الله خير حافظ لمصر وأهلها. ونؤكد أن القطاع المصرفي المصري لا يعاني من أي أزمة سيولة، بل على العكس لديه فائض في السيولة يتجاوز 3 تريليونات جنيه، ولا توجد بنوك توقفت، ولا أفلست ولا يوجد تجميد لأموال المودعين، بل العكس صحيح يتمتع القطاع المصرفي بقدرة كبيرة على مواجهة الأزمات.
عيد للشرطة فقط
العنوان أعلاه أصرت عليه أميرة خواسك في “اليوم السابع”: سيظل يوم 25 يناير/كانون الثاني 1952، يوما مجيدا في تاريخ الشرطة المصرية وتاريخ مصر، وهو اليوم الذي حاول البعض تحويله ليصبح يوما بائسا لتشويه الشرطة والنيل منها في 25 يناير 2011، حتى يتحول هذا اليوم من عيدٍ للشرطة إلى هدم وانهيار لهذا الكيان المهم في بلدنا، وفي أي بلد آخر يسعى للاستقرار. لعل الذين عاصروا تلك الأحداث يتذكرون كم كان مطلوبا إهانة الضباط وحرق مقرات أقسام البوليس، وكان ظهور أي ضابط في ملابسه الرسمية يعرضه للخطر والاعتداء والتهجم، وهذا الأمر لم تشهده بلدنا في أي حقبة من حقب تاريخها الحديث والمعاصر، وهو ما يثير علامات استفهام كثيرة، كشفت عن بعض إجاباتها السنوات التي تلتها، وتساؤلات أخرى لم نجد لها إجابة، لكن ربما تحمل لنا الأيام كل إجاباتها، حدث كل هذا تحت مسمى الربيع العربي، الذي لم يترك سوى الفوضى والخراب في البلاد التي اجتاحها، وعناية الله وحدها هي التي حفظت هذا البلد مما كان يدبر له. العلاقة بين الشعب المصري وجهاز الشرطة، نجح البعض في إحداث الفجوة المطلوبة بينهما، وكانت أقسام البوليس قد أحرقت، وظل التوجس بينهما قائما، وعندما تولت عصابة الإخوان حكم مصر عملت على مزيد من الفوضى في جهاز الشرطة، ووصل الأمر لخروج مظاهرات لضباط شرطة تطالب بحقهم في إطلاق اللحى، صور هزلية كثيرة شاهدناها على مدى عام أوجعت قلوبنا، لأن كل محاولات الإهانة والتقليل من أبناء هذا الجهاز المهم هي ضرب لهيبة وصورة الدولة المصرية.
بكاء مشروع
سالت دموع الكثيرين، من الحاضرين، ومن بينهم عبدالمحسن سلامة في “الأهرام”، أثناء عرض الفيلم التسجيلي لبعض أبناء الشهداء، في احتفالات عيد الشرطة، أمس، حينما قال أحد أبناء الشهداء إنه يتمنى لقاء والده ليقول له: «أنت واحشني جدا»، والمعنى نفسه ردده طفل آخر قائلا: «بابا وحشني أوي». حكى الأطفال عن افتقادهم لآبائهم، وحرمانهم من متعة الجلوس معهم، والخروج في صحبة الأسرة.. وغيرها من المشاعر الجياشة الطبيعية. هم أبناء الشهداء، الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أن نعيش، وتأثرا بهم، فقد خرج الرئيس عبدالفتاح السيسي عن نص الكلمة المكتوبة، ليوجه التحية إلى الشهداء قائلا: «دحر الإرهاب إنجاز كبير، لكنَّ ثمنه كان كبيرا أيضا»، ووجه التحية لكل الشهداء، والمصابين، الذين ضحوا من أجل مصر، وبذلوا الكثير، في تلك المواقف الصعبة، من أجل دحر الإرهاب، مؤكدا لأبناء الشهداء، وأسرهم، أن مصر لن تنساهم. أبناء الشهداء هم أبطال مثل آبائهم، لأنهم حُرموا من مشاعر الأبوة وهم صغار، والبعض منهم لم ير والده، لأنهم كانوا في بطون أمهاتهم، والبعض الآخر كان رضيعا، ولم يعرفوا شيئا عن آبائهم سوى من «ألبوم» الصور، وحكايات الأمهات، والأجداد. رعاية أبناء الشهداء واجب مستحق على كل مصري، ومصرية.
ليس ضعيفا
استعان جلال عارف في “الأخبار” بلهجة التهديد لردع المتهاونين مع المتحور الجديد: أسوأ ما يحدث في مواجهة كورونا، أن نجد الذين ما زالوا يستهينون بالخطر ولا يلتزمون بإجراءات الوقاية الضرورية، بعد ما سمعوه من أن السلالة الجديدة والأكثر انتشارا «أو ميكرون» أقل شراسة من باقي السلالات. هذه الحقيقة خادعة لحد كبير لأننا أمام متحور ينقل فيه المصاب العدوى إلى ما بين عشرة وخمسة عشر شخصا.. وبالتالي يظل الخطر كبيرا، ويظل عدد الوفيات كما هو، هذا إذا لم تؤد الأعداد الكبيرة من الإصابات إلى ما هو أسوأ، إذا تجاوزت أعداد المصابين طاقة النظم الصحية، وإذا ضربت العدوى الأطقم الطبية، وأثرت في الخدمات الضرورية. الخطر ما زال كبيرا، والاستهانة به لا تجوز. كل إصابة لها عواقبها الصحية والاقتصادية على المجتمع كله. كل إصابة تعني – على الأقل – أن العائلة الصغيرة معرضة للعدوى بدرجة كبيرة، وتعني ضرورة إجراء مسحات للاطمئنان عليهم، وعلاج مطلوب، وربما توقف عن العمل للكبار والدراسة للصغار. وتعني عبئا صحيا ونفسيا واقتصاديا، حتى إذا لم تصل الإصابات لحد الخطر على الحياة، الخطر ما زال كبيرا، و «أوميكرون» ليس ضعيفا كما يقال. ليس ضعيفا هذا الفيروس الذي ينتقل إلى 15 شخصا بعد كل إصابة ويبقيهم في أسرة أياما أو أسابيع، وليست قليلة تلك المعاناة التي تعيشها كل عائلة يداهمها «أوميكرون» ولا تلك الأعباء التي يتحملها المجتمع نتيجة الاستهانة بالفيروس، وليس صعبا على الإطلاق أن نتعامل بجدية كاملة لنحمي أنفسنا وعائلاتنا، ولنحافظ على مصدر رزقنا، بتلقى اللقاح المتوافر والمجاني والآمن، وبالالتزام بإجراءات الوقاية باستخدام الكمامة والبعد عن الزحام. من رحمة الله أن «أوميكرون» أقل شراسة، لكنه ليس ضعيفا، وليس مثل نزلة برد بسيطة. أنت الضعيف دون تلقى اللقاح واستخدام الكمامة.. الحظر موجود، والاستهانة به خطأ فادح، والاستهتار بإجراءات السلامة خطيئة ثمنها فادح.
أسئلة مشروعة
أكد لطفي سالمان في ” الوطن” أن البحث العلمي والتجارب السريرية مشروعة لكل باحث وبتمويل من أي جهة، بما يتوافق وصحيح القانون، لكن ذلك لا ينفي السؤال أو يحرمنا منه أو من متابعة ومراقبة الإجراءات التي اتبعت في تجربة سريرية، بموافقة وزارة الصحة، حول مدى فاعلية عقار «السوفالدي» ومأمونيته في علاج مرضى كورونا، التي أظهر تفاصيلها بحث بعنوان «فاعلية عقارات سوفوسبوفير وداكلاتاسفير أو رافيداسفير ومأمونيتها في علاج مرضى كورونا»، المنشور في تاريخ 11 أغسطس/آب 2021 في مجلة Journal of Medical Virology. وقبل أن يطرح الكاتب أسئلته المشروعة، أكد أمرين؛ أولهما أنه لا يتهم أحدا أو أشكك في ذمته أو ضميره المهني والأخلاقي، ثانيا: هذه الأسئلة ليس الغرض منها إحباط نشاطات البحث العلمي أو تثبيط همة القائمين عليه، إذ أن تقدم أي أمة مرهون بمدى تقدمها البحثي. أما عن سؤالي الأول فهو: هل يتيح القانون لمسؤول حكومي، وهو في منصبه، وبموافقة الجهة التي يعمل فيها، المشاركة في تجربة سريرية بتمويل من شركة دواء خاصة حول فاعلية عقار تنتجه هذه الشركة لعلاج وباء بعينه، أو أي مرض في شكل عام؟ بصورة أدق: هل أعطى القانون مسؤولا في وزارة الصحة، الحق في المشاركة في تجربة سريرية في البحث المشار إليه بتمويل من شركة دواء خاصة، لتحقيق فرضية أن دواء «السوفالدي»، الذي تنتجه الشركة الممولة للبحث، يمكن أن يعالج من وباء كورونا، مع الوضع في الاعتبار أنه ليس منتجا إلا لعلاج مرضى فيروس سي، كما أثبتت التجارب حتى الآن؟ إذا كان ذلك مسموحا به قانونا، فلا مشكلة في ذلك، لكن إن لم يكن ذلك مسموحا به، فنتمنى من جهات التحقيقات والمسؤولين عن إجازة التجارب السريرية في مصر مراجعة هذه الحالة. السؤال الثاني: هل كان من بين من تمول أبحاثهم هذه الشركات مسؤولون حكوميون؟ وثالث الأسئلة: هل يحق لجهة حكومية إعطاء أحد العاملين فيها موافقة لإجراء تجربة سريرية بتمويل من شركة دواء خاصة لديها بالتأكيد مصلحة في نجاح التجربة؟
أخلاق منسية
نبقى مع لطفي سالمان، الذي كشف عن أن التجربة البحثية التي نحن أمامها أجريت على 120 مريضا موزعين على 4 مستشفيات عامة هي: مستشفى حميات شبين الكوم ومستشفى حميات منوف ومعهد الكبد القومي في المنوفية ومستشفى حميات المحلة. هل الباحثون المشاركون في البحث أحاطوا المرضى الذين أجريت عليهم التجارب، بطبيعة التجربة وحصلوا منهم على موافقات بالبصم أو الكتابة، أو من ممثلهم القانوني، كما هو منصوص عليه في البند الثاني من المادة 17 في الفصل السابع من القانون؟ وهل تمتلك اللجان المؤسسية لمراجعة أخلاقيات البحوث الإكلينيكية في الجهات الأربع، وكذلك المجلس الأعلى لمراجعة أخلاقيات البحوث الإكلينيكية، الموافقة المستنيرة من المتطوعين، وفقا للبند الرابع من المادة 8 في الفصل الرابع من القانون؟ إذا كانت هذه الجهات تمتلك هذه الأوراق، فإننا نتمنى منها أن تعلنها للرأي العام إعلاء للحقيقة، وبالطبع مع الحفاظ على خصوصية المرضى كما ينص القانون. ويحظر القانون في المادة 14 من الفصل السادس تحفيز المبحوث للاشتراك في أي بحث طبي، وذلك بمنحه مكافآت أو مزايا نقدية أو عينية. هل اطمأنت اللجان المؤسسية، وكذلك المجلس الأعلى وهيئة الدواء المصرية، لموافقة المتطوعين دون الحصول على مقابل مادي أو عيني، أو أي تحفيز وفقا لنص القانون؟ ويلزم القانون في البند التاسع من المادة 20 من الفصل الثامن راعي البحث الطبي (الجهة الممولة) بإبرام عقد تأمين للمبحوثين المشاركين في البحث الطبي لدى إحدى شركات التأمين المعتمدة في مصر، بغرض مواجهة ما قد يصيب أي منهم من أضرار قد تنجم عن المشاركة في البحث، ويتعين أن يكون العقد المشار إليه في هذا البند شاملا مدة البحث الطبي ومدة متابعته، بحيث يسرى لمدة عام تالٍ للانتهاء من البحث الطبي، على أن تعتمد قيمة هذا التأمين من المجلس الأعلى. وسؤالى هنا: هل هذا الشرط توافر لـ120 مبحوثا المشاركين في التجربة البحثية المشار إليها؟
أوهام أم حقائق؟
يوم الخميس الماضي فوجئ عماد الدين حسين في “الشروق” برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يزعم أن سد النهضة مفيد لمصر والسودان داعيا البلدين إلى ما سماه «تغيير خطاباتهما» ليركز على بناء السد والتعاون والتعايش والتنمية لشعوب الدول الثلاث. من حق آبي أحمد أن يسعى لتنمية بلاده عبر توليد الطاقة من السد، لكن الخلاف الجوهري هو كيف يمكن أن تنمو وتتقدم إثيوبيا، بما لا يضر بمصر والسودان؟ تلك هي المشكلة ببساطة، التي يتجاهلها أحمد وبقية قادة إثيوبيا. إذا كان هو يؤمن فعلا بحق البلدان الثلاثة في التنمية والتعاون، فهناك شيء بسيط جدا كان ينبغي أن يفعله هو وكل قادة إثيوبيا الذين سبقوه، وهو توقيع اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل سد النهضة. هذا هو مربط الفرس، أما غير ذلك فهو مواصلة المنهج الإثيوبي المستمر منذ أكثر من عشر سنوات، والمتمثل في الكذب ثم المراوغة والمماطلة، والتعنت وأخيرا البلطجة والفتونة والتحدي والحلول المنفردة. آبي أحمد وقبله هيلي ميريام ديسالين وميليس زيناوي لم يؤمنوا أبدا بالتعاون والشراكة مع مصر والسودان. جميعهم تملكتهم روح الكراهية والبغض تجاه البلدين، خصوصا مصر، وهو أمر لا يمكن تفسيره بالمنطق أبدا. مفهوم التعاون كما يفهمه أحمد يتمثل في أن تنعم إثيوبيا بكل ثمار التنمية المتمثلة في الطاقة المتولدة من السد، وأن تحجز المياه خلف السد وتستخدمها ليس فقط في توليد الكهرباء، بل في الزراعة والرعي، ثم لا تلتزم بتمرير حصة مصر القانونية من مياه النيل، أو تتفق معها على كيفية تقسيم المياه خلال سنوات الجفاف أو الجفاف الممتد. هي باختصار تريد تحويل السد إلى أداة لمحاصرة وتعطيش مصر وابتزازها.
مسألة وقت
طبقا لما سمعه عماد الدين حسين من قادة إثيوبيا أنفسهم فإنهم يتعاملون مع النيل الأزرق باعتباره نهرا إثيوبيا خالصا، وليس لمصر أو السودان أي حق فيه. ونتذكر جميعا أن وزير الري الإثيوبي قال لدى انتهاء عملية الملء الأول للسد في يوليو/تموز قبل الماضي. «النيل صار بحيرة إثيوبية خالصة.. هو ملكنا الآن». خلال العام الماضي تعثرت إثيوبيا في عملية إكمال بناء السد لأسباب متنوعة منها نقص التمويل، ثم دخلت في حرب أهلية دامية خصوصا مع إقليم التيغراي. وحينما كان آبي أحمد ونظامه في أضعف أحواله ومهددا عسكريا، حاول كثيرا استخدام ورقة سد النهضة لتوحيد الإثيوبيين، وادعى أكثر من مرة أن السودان وأطرافا خارجية يتدخلون لمصلحة التيغراي، لكن هذه المحاولات فشلت جميعا، إلا أن قوى إقليمية تدخلت لمساندته وإعادة تعويمه بطريقة غير مفهوم هدفها الحقيقي حتى اللحظة، والآن وبعد أن استقرت أحوال آبي أحمد العسكرية إلى حد ما، وتراجعت قوات التيغراي إلى إقليمها، علينا أن نتوقع تسخينا ملحوظا في ملف سد النهضة في الفترات المقبلة من الآن وحتى الصيف المقبل حينما يحين موعد عملية الملء الثاني الفعلية، أو الملء الثالث نظريا، باعتبار أن الملء الثاني في الصيف الماضي لم يتم فعليا إلا ببضعة مليارات من الأمتار المكعبة. آبي أحمد سوف يستخدم سد النهضة كثيرا لمحاولة توحيد شعبه والإيهام بأنه انتصر عسكريا على خصومه الداخلين، علما أن ما حدث في إثيوبيا من انقسامات وصراعات وحروب وعمليات قتل واغتصاب يصعب ـ أن لم يكن يستحيل ــ أن يمر بسهولة. ما فعله آبي أحمد أنه وضع بذور تفتيت بلاده في الأرض. والأمر مجرد مسألة وقت ليس إلا. وأوهامه عن تعطيش مصر وابتزازها لن تنجح.
فرص ضائعة
تطل علينا هذه الأيام ذكرى ميلاد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الرجل الذي وصفه فاروق جويدة في “الأهرام” بقوله: إنه كان أكبر قصة حب في حياة جيلنا، لأننا لم نحب أحدا غيره، ولكنه كان حبا من طرف واحد لأنه كان بخيلا علينا فهو الحاكم العربي الوحيد الذي كان قادرا على الحصول على إجماع الشعوب العربية، لو أنه أجرى انتخابات حرة.. كانت مشكلة جيلنا مع عبدالناصر أنه بخل علينا بحق من أهم الحقوق وهو الديمقراطية، رغم أنه لم يكن في حاجة لأن يكون مستبدا.. كانت صدفة غريبة أن الأستاذ هيكل سمع ما قلت والتقينا بعدها ودار بيننا حوار طويل، لم نختلف فيه كثيرا وهو أن عبدالناصر بحكم شعبيته كان قادرا على أن يقدم لمصر تجربة ديمقراطية فريدة.. ولا شك في أن إنجازات الرجل كانت تعطيه الحق في أن يقيم حزبا سياسيا مصريا عربيا لا ينازعه فيه أحد.. كانت وراء عبدالناصر سلسلة من الإنجازات ابتداء بالسد العالي، ومجانية التعليم، وقناة السويس والعدالة الاجتماعية وإنصاف الفقراء.. كل هذه الأشياء كان ينقصها إنسان حر في رأيه ومواقفه وقناعاته وصوت ضميره.. الملايين الذين أحبوا جمال عبدالناصر وما زالوا يستعيدون الآن ذكراه كقصة حب لم تكتمل.. وكان هو الإنسان الوحيد القادر على أن يكملها لو أنه فتح أمامنا أبواب الحرية وكنا أحق الشعوب بها واقعا وتاريخا وأحلاما.. بعد سنوات من رحيله ما زال الخلاف حول تجربته في حكم مصر وبين الكثير من المواقف والإنجازات يطل هذا السؤال: لماذا غابت الحرية؟ أو كما قال له يوما كاتبنا الراحل خالد محمد خالد: دع الزهور تتفتح.. ليته فعلها لكان لنا شأن آخر.. سوف تبقى قضية الحرية ضرورة من ضرورات الإنسان في كل زمان ومكان، حتى لو تعددت أحلامه ومطالبه. كان جمال عبدالناصر بما لديه من الإشعاع والجاذبية قادرا على أن يقدم نموذجا لشعوب العالم في الحرية والأحزاب كما فعل نهرو في الهند، وكما شهدت مصر في عصور سبقت مع أحزابها الوليدة ودستورها منذ عشرات السنين.
منجم أوبر
الكتاب كما اعترف مصطفى عبيد في “الوفد” فكرة أولا، ثم تخطيط ومحتوى ومعالجة ولغة. والفكرة الجديدة لافتة وجاذبة بقدر ما هي محفزة ودافعة للتفكر والتدبر والمحاكاة. لذا فإن كتاب «رحلاتى مع أوبر» الصادر عن المصرية اللبنانية للمهندس المصري الأمريكي فادى زويل، يستحق التفاتا واهتماما وقراءة. فنحن جميعا نستقل التاكسي، أيا كان اسمه (الأبيض، أوبر، درايف) وكثير منا يشغل وقته بالتحاور مع السائق مستفسرا عن الحال، الطرق الجديدة، رسوم الخدمات، وأحوال الكرة والرياضة، وربما غير ذلك. وفي ظروف معينة يحكي السائق حكايات إنسانية لافتة دالة على ظواهر جديدة، أو تغيرات اجتماعية معينة. وقد قرأنا قبل عدة سنوات كتابا مدهشا بعنوان «تاكسي الخميسي» لخالد الخميسي تناول فيه حكايات سائقي التاكسي الذين كان يتحاور معهم، لكن هذه المرة يقدم لنا فادي زويل حكايات ومحاورات مختلفة من مدن الشرق والغرب، فأينما سافر كانت هناك أوبر، في القاهرة مثلما في برلين، وكاليفورنيا، وباريس ودبي. وفادى زويل مهندس مصري متخصص في الشبكات والاتصالات، وحصل على الماجستير من جامعة تكساس آند إم، واستقر في كاليفورنيا، وزار أكثر من ثلاثين دولة محاضرا وخبيرا ومشاركا في مؤتمرات دولية. وينير لنا كتابه الحديث، اختلافات الأدمغة والأفكار وتنوع الثقافات من مجتمع لآخر. ففي مصر مثلا يلتقي المؤلف بسيدة تقود أوبر، وتخبره أنها تعمل في السر لأن أبناءها الذين تقوم بتربيتهم لن يقبلوا بعمل أمهم سائقة، بينما يبدو من المعتاد أن تقود أوبر في دبي وأوروبا سيدات وفتيات. وتصلح أوبر أن تكون نافذة لمعرفة سلوك شعب ما، ففي طوكيو مثلا تعطلت ماكينة الفيزا الخاصة بالسائق، فاعتذر في أدب للمؤلف وأخبره أنه يمكنه الذهاب حتى يلحق بعمله. لكن فادي زويل المصري يندهش من الأمر ويقول للسائق إنه سيهبط إلى أقرب ماكينة فيزا لسحب قيمة الأجرة لدفعها، فيرد السائق شاكرا عرضه «إن هذا خطأ كبير لأنك في دولة اليابان لم تستطع إجراء عملية دفع بنجاح من أول مرة، وأنا أتحمل نتيجة هذه التجربة المؤسفة ولا يمكن أن أعطلك عن عملك للبحث عن النقود»..
خطوة على الطريق
قرار وصفه جلال دويدار في “الأخبار” بالصائب والموفق هذا الذي اتخذه وأعلنه وزير التموين علي المصيلحي القرار – الذي سيحظى بمباركة القيادة السياسية ورئيس الحكومة – تمثل في إعادة تشغيل شركة قها (قطاع عام) للصناعات الغذائية المتوقفة منذ سنوات. القرار جاء مصحوبا بضمها – في كيان واحد – مع شركة أدفينا العامة العاملة في النشاط نفسه. لا جدال في أن وجود هذه الشركة بكيانها الكبير وبشكلها الجديد بعد تطويرها وتحديثها سوف يحقق مصالح المواطنين وصالح الدولة وطنيا واجتماعيا. ذلك ولا جدال سيكون مساهمة إيجابية في توازن الأسعار في السوق لصالح المواطن المستهلك المنهوك بالاستغلال والمغالاة في أسعار هذه المواد الغذائية. حول هذا الشأن فإنه لا يمكن لأحد.. أن ينكر ما كان يتمتع به إنتاج هذه الشركة من تميز ومستوى مرتفع من الجودة إلى جانب الأسعار المناسبة. بالطبع فإن نجاح تفعيل هذا القرار مرهون باختيار إدارة مشهود لها بالخبرة والكفاءة والنزاهة والقدرة على الارتفاع بالإنتاج وجودة المستوى. من ناحية أخرى فإن وجود الشركة ومصانعها في منطقة تتوافر فيها المنتجات الزراعية اللازمة للتصنيع يوفر جانبا من تكلفة النقل الباهظة. في الوقت نفسه فإن ذلك يحقق مصلحة مشتركة للمواطنين والمزارعين المنتجين. استئناف (قها) لنشاطها على الأسس الاقتصادية والإدارية السليمة – كما هو متوقع – سوف يعد تعظيما لدور قطاع الأعمال العام، الذي تم دفعه بسوء الإدارة إلى التصفية. من هذا المنطلق فإن نجاح هذه المبادرة سيكون تصويبا للتوجهات المطالبة بالتصفية الشاملة للقطاع العام. كانت الحجة وراء هذا الإجراء المريب.. خسائره التي سببها الاختيار السيئ للمسؤولين عن إدارته وتشغيله. مشكلة شركات قطاع الأعمال ليست في نوعية نشاطها أو إنتاجها. إنها تتركز في عدم توافر الخبرة لدى من تُسند إليهم إداراتها بالإضافة إلى عدم تمتعهم بالأمانة. والدليل على غياب هذه الصفات يتمثل في أن بعض من تولوا هذه الإدارة.. أقدموا على إنشاء مشروعاتهم الخاصة.. من انحرافاتهم خلال إدارتهم لشركات القطاع العام. لتلافي هذا الذي حدث.. فلا جدال في أن تطورات الأجور التي أصبحوا يحصلون عليها من وراء هذه الإدارة يُعد حافزا لهم للاجتهاد وبذل الجهود المخلصة.
المصدر: الشادوف+القدس العربي