صدرت تعليمات مباشرة لوسائل الإعلام المصرية بالتركيز على إنجازات “الرئيس” عبد الفتاح السيسي، خلال السنوات السبع الماضية، من عُمر حُكم «الجنرال»، والتي يسعى الإعلام الحكومي لتصويرها على أنها «السبع العجاف» التي سيعقبها رخاء يؤمّنه الانتقال إلى «الجمهورية الجديدة»، وهو الاصطلاح الذي بات يُستخدم، أخيراً، بشكل مكثّف، في انتظار افتتاح المرحلة الأولى من «العاصمة الإدارية».
صحيح أن موعد افتتاح العاصمة تأخّر عاماً بسبب الأزمة الوبائية (كوفيد-19)، إلّا أن ذلك لم يعنِ شيئاً للمواطن المصري، كونه لن يستفيد، على أيّة حال، من «العاصمة الإدارية» التي لن يتمكّن قطاع عريض من السكان من الإقامة فيها، إذ سيقتصر الانتقال إليها على عالم المال والأعمال ورجال الثروة الذين تسعى الحكومة لاستقطابهم، فضلاً عن إتاحة شكل من أشكال التنظيم الحضاري المتمثّل في تجميع الوزارات والهيئات الحكومية والسفارات في مقرّ واحد، وفي أحياء متقاربة عبر نموذج يشبه ما تطبّقه بعض دول الخليج.
وبينما استخدم السيسي مصطلح «الجمهورية الجديدة» تعبيراً عن إتاحة الخدمات الإلكترونية والانتقال إلى العصر الرقمي، لا تزال الدولة تُحصّل رسوم هذه الخدمات بشكل مضاعف من المواطنين، في مقابل رسوم إضافية نظير الخدمات الإلكترونية التي توفّرها، ما يعني أن المواطن يتحمّل من جيبه تكلفه كلّ ما تنفّذه الدولة.
ومن أحدث ابتكارات النظام المصري، ذلك القرار الجمهوري الذي أصدره السيسي، الأربعاء، برقم 232 لسنة 2021، والذي يقضي بإنشاء “مجمع الإصدارات المؤمنة والذكية” في العاصمة الإدارية الجديدة، الواقعة في قلب الصحراء شرقي العاصمة القاهرة، بغرض إصدار جميع المستندات الرسمية للأفراد الطبيعيين المتعلقة بحالتهم المدنية، أو الاجتماعية، أو المالية، منذ تاريخ الميلاد، وحتى الوفاة، أو إثبات تبعيتهم أو عملهم بجهات معينة.
ونصّ القرار على تبعية المجمع لوزارة الدفاع، وليس إلى مجلس الوزراء كما كان مفترضاً، بحيث تكون له الشخصية الاعتبارية العامة، ويعد من وحدات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للمؤسسة العسكرية. ويكون مقره الرئيسي في العاصمة الإدارية الجديدة، وله أن ينشئ فروعاً ومراكز فرعية أخرى في جميع المحافظات المصرية.
كذلك نص القرار الجمهوري على أن يحدد وزير الدفاع بقرار منه الجهة التي تتولى الإشراف على المجمع، والضوابط اللازمة لذلك، ويستهدف ” السجل العسكري لا المدني” جمع المعلومات عن كل مواطن مصري، وأحواله المادية والاجتماعية، بحجة “منع أي محاولات للتزوير أو التزييف، والقضاء على الفساد الإداري، والارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطنين عبر قواعد بيانات سليمة، ومؤمنة بالكامل، وصولاً إلى زيادة الحصيلة الضريبية للدولة بفعل نظام التحكم والتتبع”، وفق القرار.
وفي 7 إبريل/نيسان الماضي، قال السيسي إنّ “تكلفة إنشاء المجمع الجديد للوثائق المؤمنة في العاصمة الإدارية بلغت نحو مليار دولار، بوصفه الأحدث في مجال تكنولوجيا الإصدارات المؤمنة والذكية في الشرق الأوسط”، وشدد على “أهمية الانتهاء من الوثائق الخاصة بالأراضي المملوكة للدولة، ولوزارة الأوقاف (الوقف الخيري)، حتى يمكن استغلالها بالصورة الأمثل، وبإجراءات مؤمنة”.
وأضاف أنّ “المجمع الجديد لا يستهدف منع الفساد فقط، وإنما حوكمة إجراءات الدولة، في إطار التحول تدريجياً نحو الحكومة الذكية في العاصمة الإدارية الجديدة”، لافتاً إلى أنّ “الشهادات والوثائق الصادرة عن مجمع الوثائق المؤمنة يصعب تزويرها، وما دامت الشهادة خرجت منه فإنها تكون مؤمنة بنسبة 99.9%”، على حد قوله.
ووفقاً لمجلس الوزراء المصري، فإنّ مجمع الوثائق المؤمنة سيعمل على تصنيع وإصدار الوثائق والمحررات المؤمنة والذكية، والأنظمة التكنولوجية الخاصة بها. وهو مكون من مركز لتجميع وتحليل ومعالجة البيانات من الجيل الثالث، والتي يربطها بشكل مباشر مع الوزارات والهيئات، وآخر لتصنيع الأوراق المؤمنة، وثالث لتكنولوجيا صناعة “الهولوغرام” المستهدف أن تكون بديلاً عن الأختام، بالإضافة إلى مركزين للطباعة المؤمنة على الوثائق الورقية والبلاستيكية، ومثلهما لتجهيز وتجميع جوازات السفر الإلكترونية.
في «السبع العجاف»، كما يقول النظام المصري، تضاعفت معدّلات التضخّم بدرجة غير مسبوقة منذ الثمانينيات، وفقد الجنيه المصري 120% من قيمته، قبل أن يتحسّن وضعه قليلاً في العامين الأخيرين، محقّقاً استقراراً نسبياً، فيما ارتفعت أسعار جميع الخدمات المقدَّمة بنسب تصل إلى 1000%، وفُرضت ضرائب ورسوم على كلّ شيء، بما في ذلك على التعليم الذي كان مجّانياً قبل أن يتمّ وضع برامج مميّزة له برسوم مرتفعة، وزيادة أسعار المدارس الحكومية بنسبة 500% لجميع المراحل التعليمية.
وباستثناء مشروعات محدودة للغاية، حقّقت الحكومة من وراء غالبيتها فوائد مالية كبيرة ــــ منها على سبيل المثال مشروع تطوير العشوائيات التي بيعت أراضيها بأسعار تفوق قيمتها مقابل تأمين شقق متواضعة لسكّان هذه المناطق، باستثناء مثل هذه المشروعات فإن جميع المصريين، دون استثناء، تضرّروا من جرّاء الرسوم والضرائب والزيادات السنوية التي شملت أساسيات الحياة، من مياه وكهرباء وغيرها.
المصدر: الشادوف+صحف مصرية