دعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الأمريكية السلطات المصرية إلى إلغاء أحكام الإعدام الصادرة بحق 12 عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، بينهم عدد من قادة الجماعة، فيما تزايدت الدعوات الجماهيرية التي تنتقد تلك الأحكام الجائرة وغير العادلة وتطالب السلطات المصرية بالعدول عن تنفيذها.
وكانت محكمة النقض المصرية قد أصدرت يوم الاثنين الماضي حكماً باتّاً في قضية اعتصام رابعة العدوية، بتأييد إعدام 12 من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين المحبوسين حالياً، وهم عبد الرحمن البر، وصفوت حجازي، ومحمد البلتاجي، وأسامة ياسين، وأحمد عارف، ومحمد الفرماوي، ومصطفى الفرماوي، وأحمد فاروق، وهيثم العربي، ومحمد الزناتي، وعبد الرحمن عطية، وإيهاب وجدي.
وقضت محكمة جنايات القاهرة في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، بإعدام 75 متهماً، بينهم قيادات في جماعة الإخوان، ومعظمهم خارج البلاد، لاتهامهم بـ”القتل والتجمهر والاعتداء على الأشخاص والمنشآت والانتماء إلى جماعة محظورة ومحاولة قلب نظام الحكم”.
وقضت بالسجن المؤبد على مرشد الجماعة محمد بديع، والوزير الأسبق باسم عودة، و44 آخرين، وبمعاقبة 374 متهماً بالسجن المشدد لمدة 15 عاماً، وأيضاً بالسجن عشر سنوات لـ23 متهماً، بينهم أسامة محمد مرسي، و22 آخرين كانوا أطفالاً وقت الواقعة.
وقال نائب المدير التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وشماليّ أفريقيا في “هيومن رايتس ووتش” جو ستورك، في بيان: “كانت محاكمة رابعة صورة زائفة للعدالة، لذلك من المشين أن تؤيد المحكمة العليا 12 حكماً بالإعدام”. وكانت القضية تشمل في البداية أكثر من 600 متهم.
وأشارت المنظمة إلى أنه يمكن الرئيس عبد الفتاح السيسي العفو عن المدانين في غضون 14 يوماً من صدور الحكم النهائي، وطالبته بتخفيف الأحكام. وتابع البيان: “على غرار المحاكمات الجماعية الأخرى، فشلت هذه المحاكمة في إثبات مسؤوليات فردية واعتمدت بشكل كبير على مزاعم الأمن القومي الجوفاء”.
من ناحيتها، شبهت الاعلامية المصرية المعروفة السيدة / سمية الجنايني أثر تلك الأحكام الجائرة فى التاريخ السياسي المصري بالأثر السلبي لأحكام واقعة قرية دنشواي فى دلتا مصر فى العام 1906 حينما قامت محكمة صورية بإصدار أحكام بالإعدام ضد مجموعة من الفلاحين العزل ضحايا هجوم الجنود الانجليز المسلحين عليهم فى قريتهم .
أرسلت كتيبة إنجليزية من مائة وخمسين فرداً من القاهرة إلى الإسكندرية وفي الطريق نزلوا للاستراحة في نطاق محافظة المنوفية حاليا حيث سأل خمسة ضباطٍ عبد المجيد باشا سلطان كبير ملاكي المنطقة عن مكانٍ لصيد الحمام، فدلهم على دنشواي المشهورة بكثرة حمامها، وبالطبع كان الحمام لالتقاط الحب يتجمع عند أجران الغلال وهي أبراج مخروطية من اللبن تُخزّن فيها غلال الموسم.
وتتلخص الواقعة المؤلمة وفقا لمصادر متعددةٍ في أن إمام مسجد القرية ( حسن محفوظ) أقبل صائحاً بهم لكي لا يحترق التبن في الأجران ويأخذوا حذرهم لوجود النساء والأولاد، لكنهم لم يفهموا ما يقول وأطلق أحد الضباط عياراً أخطأ هدفه فأصاب “أم صابر” زوجة مؤذن المسجد، فوقعت عن الجرن وماتت في الحال، واشتعلت النار في التبن.
هجم الإمام على الضابط محاولا جذب البندقية منهُ مستغيثا بأهل البلد وصارخاً: “الخواجة قتل الحرمة (المرأة) وحرق الجرن. الخواجة قتل الحرمة وحرق الجرن”. تجمهر الأهالي فيما هرع بقية الضباط لنجدة زميلهم، وعلم العمدة فأرسل في الحال شيخ الخفر (أو “الغفر” بالعامية المصرية) وخفيرين لإنقاذ الضباط.
في خضم الهلع من الطرفين توهم الضباط بأن الخفراء سيفتكون بهم، فأطلقوا النار وقتلوا شيخ الخفر. أشعل هذا الموقف غضب الأهالي أكثر وحملوا على ثلاثة ضباط بالطوب والعصي قبلما يخلصهم الخفراء من بين أيديهم، والآخران -الكابتن بول قائد الكتيبة وطبيبها- هربا عدْواً نحو ثمانية كيلومترات في الحر الشديد حتى وصلا قرية (سرسنا) حيث وقع الكابتن طريح الأرض ومالبث أن قضى نحبه من ضربة شمسٍ بحسب تقرير الطبيب الشرعي الإنجليزي، أما الطبيب فركض إلى المعسكر واستصرخ الجند فأسرعوا إلى الكابتن فوجدوه ميتاً وقد تجمع حوله بعض أهالي سرسنا الذين فروا بعد ما رأوهم، فاقتفى الإنجليز أثرهم وقبضوا عليهم إلا واحداً هرب قبل أن يُشدّ وثاقه واختبأ في فجوة طاحونة تحت الأرض فلحقه الإنجليز وقتلوه شر قتلة، (في رواية أخرى أنهم رأوا شاباً محنياً على الكابتن يريد إسعافه بشربة ماءٍ فأقبلوا عليه بالحراب طعناً حتى قضى نحبه).
تألفت المحكمة من بطرس غالي باشا وزير الحقانية بالإنابة رئيساً وعضوية أحمد فتحي زغلول باشا الأخ الأصغر لـ”سعد زغلول” (الذي كان وقتئذٍ في فرنسا لدراسة القانون.
كان رد الفعل الإنجليزي وبالأخص المعتمد البريطاني اللورد كرومر قاسياً جداً وسريعاً، فقد أقام محكمةً عرفيةً عقدت أولى جلساتها في 24 حزيران/يونيو بعد تحقيقٍ دام أحد عشر يوماً فقط، وقدّم 92 قرويًا للمحاكمة بتهمة القتل العمد، ألصقت التهمة بستٍ وثلاثين منهم في 28/ 6/ 1906 (خلال أربعة أيامٍ!!). حُكم بإعدام الإمام حسن محفوظ وثلاثة قرويين وآخرون تراوحت أحكامهم بين الأشغال الشاقة المؤبدة (محمد عبد النبي مؤذن القرية زوج أم صابر المقتولة، وآخر) وخمس عشرة سنة وسبع سنين وسنة وآخرون بالجلد خمسين جلدةً، مع أن هيئة الدفاع ترافعت بأن تصرف الفلاحين كان عفوياً وردّ فعلٍ على ظروف الحادثة، وتقرر تنفيذ الأحكام ثانيَ يوم صدورها دونما طعنٍ وفي قرية دنشواي نفسها وأمام الأهالي.
جرى تنفيذ الأحكام بهمجيةٍ لا تقل عن بربرية العسف والظلم الذي جرى في إطار المحكمة الهزلية، فقد تم تنفيذ الأحكام في القرية على مرأىً ومسمعٍ من الأهالي الذين ماخرجوا إلا دفاعاً عن أرواحهم وأملاكهم.
تحول هذا الظلم سريعا إلى غضبٍ عارمٍ مكبوت، فقام الزعيم الوطني مصطفى كامل (1874-1908) مؤسس “الحزب الوطني” القديم بحملةٍ صحفيةٍ داخليةٍ وأخرى دوليةٍ وجولةٍ في أوروبا للتشهير بمظالم الاحتلال وفضح سياسته، وأثار الرأي العام الأوربي حتى في بريطانيا نفسها فكتب الكاتب الإنجليزي الكبير جورج برنارد شو عام 1906: «إذا كانت الإمبراطورية البريطانية تود أن تحكم العالم كما فعلت في دنشواي في مصر، فلن يكون على وجه الأرض واجبٌ سياسيّ مقدسٌ وأكثر إلحاحاً من تقويض هذه الإمبراطورية وقمعها وإلحاق الهزيمة بها».
وشددت الاعلامية سمية الجنايني فى كلمتها على ان الأيام تتغير وتتبدل، وحذرت كل من شارك فى تلك الأحكام الظالمة بالإعدام ضد مواطنين مصريين سواء في القضية الأخيرة وغيرها من قضايا الإعدام الأخرى بأن التاريخ لن يرحمهم، مثلما خلد خيانات المشاركين فى محاكم دنشواي.
المصدر: الشادوف+وكالات