ما أصعب ان تكون كاتباً رياضياً، والنيران تشتعل في أرض فلسطين، وما أصعب ان تنقل خبر فوز فريق في مباراة وتألق لاعب بتسجيل هدف، وسكان حي فلسطيني يطردون عنوة، والمصلون في القدس يتعرضون لاعتداءات وحشية، وأهلنا في غزة يقصفون بصواريخ مدمرة، وأهلنا في الأراضي المحتلة في 1948 يشتبكون مع المتعصبين والعنصريين.
لا شك أن نصرة فلسطين للقاطنين في أوروبا، لا تتم الا عبر أعمالنا وحياتنا اليومية، ان كان بالتبرع او الكلمة او نقل حقيقة ما يجري لأصدقائنا وجيراننا وزملائنا، لكن في العصر الحديث لتكنولوجيا الانترنت وروعة «السوشيال ميديا» ومواقع التواصل الاجتماعي، بدأ العدو الصهيوني يستدرك انه خسر الكثير من متعاطفيه في السبعينات والثمانينات والتسعينات، عندما كانت المعلومة التي تقدم الى الشعوب الأوروبية والعالمية، مقتصرة على ما يطرحه الاعلام المملوك له، فكان الجميع لا يعرف سوى «الارهاب الفلسطيني» و»الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، واليوم تغير الحال تماماً عبر التكنولوجيا الحديثة، فباتت هناك وسيلة جديدة للمعرفة، أكثر سرعة ودقة وبالصوت والصورة، لتظهر الى العالم وحشية هذا العدو، وربما تعطي صورة ملطفة عما حصل قبل أكثر من 70 عاماً عندما أجبر مئات الآلاف على هجرة بيوتهم وأراضيهم ليسرقها المحتلون، على غرار ياكوف اليوم، المغتصب الصهيوني الذي قال بصراحة وقحة لسيدة فلسطينية في حي الشيخ جراح: «اذا لم أسرق منزلك أنا سيأتي غيري ويسرقه»!
أسلوب التواصل مع العالم، تطور في السنوات الاخيرة مع اجادة جيل جديد من المهاجرين العرب الى أوروبا لغات ولهجات البلدان التي يقطنونها، فأصبح ايصال الفكرة سهلاً وسلساً. وتضامن مشاهير كثر من كل الحقول مع معاناة الفلسطينيين، وبينهم نجمة هوليوود الاسرائيلية ناتالي بورتمان التي تبرأت من دولتها العنصرية، في حين أعرب العشرات من الرياضيين عموما، ونجوم كرة القدم خصوصا، وقوفهم مع الفلسطينيين، مستخدمين حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يتابعها مئات الملايين حول العالم، وأبرزهم النجم الجزائري رياض محرز، وهو أمر ليس مستغرباً على الشعب الجزائري العظيم، ومحرز الذي لديه 2.6 مليون متابع على «تويتر» نشر علم فلسطين في حسابه مع وسم #أنقذوا الشيخ جراح، ولاقى اعجاب نحو 190 ألف متابع، واعادة تدوير للمنشور من نحو 66 ألف متابع، و11.6 ألف تعليق، وبين هذه التعليقات كان لأحد معجبيه الاوروبيين، فسأله: ما الذي يجري في فلسطين؟ فرد عليه متابع عربي وشرح له باختصار مأساة الشعب الفلسطيني وعنصرية العدو الصهيوني واجباره على طرد الفلسطينيين من بيوتهم، فما كان من هذا المتابع الاوروبي، بفطرته الانسانية ان غرد على حسابه بصورة لقبضة يد ملفوفة بعلم فلسطين تقاوم المحتل. أما بطل إيطاليا مع الإنتر الظهير المغربي أشرف حكيمي، فنشر فيديو في حسابه على «تويتر» لفتاة محجبة يقوم عناصر أمن إسرائيليون بتوقيفها. وكتب المصري أحمد حسن «كوكا» مهاجم أولمبياكوس اليوناني: «لست بحاجة إلى أن تكون عربيا لتدعو من أجل فلسطين، أنت فقط بحاجة الى أن تكون إنسانا». ونشر بطل العالم الفرنسي بول بوغبا صورة له على «إنستغرام» علّق عليها: «العالم بحاجة للسلام والحب، العيد سيحل قريباً، فدعونا نحب بعضنا بعضا. الدعاء لفلسطين». وأرفق تعليقه بوسم #صلّوا لفلسطين. ولو تفاعل 1% من متابعيهم مع هذه التغريدات وتعرفوا على مأساة فلسطين، فلن يتجرأ هذا العدو على المزيد من القباحة أمام أعين العالم، وهذا هو تأثير نجومنا العرب والمسلمين. لكن في المقابل توقعنا من أحد أكبر نجومنا هداف ليفربول محمد صلاح أكثر بكثير مما فعل، ففي حين انتظر الجميع تغريدة على حسابه على «تويتر» او منشوراً على «فيسبوك» أو «انستغرام»، تؤكد تضامنه الكامل مع القدس وأهل فلسطين، ورفض كل ما يتعرضون له من عدوان، فانه بعد 3 ايام من تفجر الاوضاع نشر تغريدة مبهمة تطالب رئيس الوزراء البريطاني وقادة العالم الى وقف اراقة الدماء، بدون أي ذكر للقدس أو فلسطين، ما قاد الى استياء الكثيرين من عشاقه، معتبرين انه فضل مصالحه الشخصية المرتبطة بالدعاية والرعاية مع شركات عالمية، على مساندة أبناء أمته والتعاطف مع أهله وناسه، رغم انه جميع النجوم العرب وغير العرب في اوروبا فعلوها، بينهم زميله في المنتخب المصري محمد النني، بل حتى حسابات الاندية الاوروبية أعربت عن تعاطفها مع فلسطين، رغم عدم الشك نهائياً في انتماء وولاء صلاح، خصوصا ان مثله الاعلى محمد أبو تريكة الذي يعمل محللا في قناة «بي إن سبورتس» القطرية أعلن تأييده بقوله: «تحية لأهلنا في القدس وأهلنا في فلسطين، ربنا ينصرهم ويثبتهم، ويعين من أعانهم ويُخذل من خذلهم، هم يحتاجون إلى الدعاء ونحن أيضا نحتاج دعاءهم، لأنهم أشرف وأطهر شرف الأمة، ربنا ينصرهم على الاحتلال».
المُدهش أنه رغم كل الضخ الإعلامي والسياسي المروج للتطبيع في السنوات الأخيرة، الا انه سقط في أول لحظة مواجهة، وكل التعويل على الزمن واختلاف الأجيال ونسيان الصراع تلاشى في لحظة صمود، وكل الاستثمار في تغيير المفاهيم والأفكار وتشويه القضية والمقاومين المرابطين انهار مع أول هتاف «هنا فلسطين».