ذكرت مصادر مصرية مطلعة أن مقترحات قدمت لرئاسة الجمهورية المصرية بشأن طريقة التعامل مع حالة الغضب الشعبي الذي أصبح ظاهراً الآن تباينت بدرجة ملموسة، بما كشف وجود خلافات واضحة بين الأجهزة الأمنية المحيطة بالجنرال عبد الفتاح السيسي منذ نجاح الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 ضد الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب لمصر بعد ثورة 25 يناير 2011 .
وقالت المصادر إن خلافات ظهرت مؤخرا بين الأجهزة الأمنية المختلفة في مصر بشأن طريقة التعامل مع أزمة ارتفاع الأسعار، في وقت اختارت فيه الدائرة المقربة من السيسي طريقة الحشد الإعلامي، وتحذير الناس من أن أي تحرك في الشارع سيؤدي إلى انهيار البلد، حسبما قال المذيع مصطفى بكري في برنامجه التلفزيوني.
في المقابل، قالت المصادر لصحيفة ( العربي الجديد ) إن ذلك جاء فيوقت اعتمد فيه مسؤولون بجهاز الأمن الوطني، التابع لوزارة الداخلية، رأي آخر يتمثل في وجوب امتصاص غضب الجماهير، وترك مساحة ( تنفيس للناس) للتعبير عن الغضب من خلال الفيديوهات والهاشتاغات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم إلقاء القبض على أصحابها، ولكن في الوقت ذاته مراقبتهم عن كثب، وضمان عدم تحول الحركة إلى حراك في الشارع.
وأضافت المصادر أنه “حتى قبل أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، التي تسببت في أزمة اقتصادية كبيرة، كانت هناك حالة من التباين والخلاف حتى داخل الجهاز الأمني الواحد”، لافتة إلى أنه “داخل جهاز المخابرات العامة، هناك شخصيات تملك وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظر القيادات في طريقة التعاطي مع الشارع، وطريقة إدارة الحكم بشكل عام”.
وقالت المصادر إنه “من الطبيعي على مدار سنوات سبقت حكم السيسي، وسبقت الثورة المصرية (25 يناير/كانون الثاني 2011)، أن يكون قد ألحق بالجهاز الكثير من أبناء القادة السابقين بالقوات المسلحة والمخابرات، ممن يطلق عليهم أبناء (الرئيس المخلوع حسني) مبارك وأبناء عمر سليمان وأبناء سامي عنان، وهم لا يزالون يعملون داخل الجهاز، على الرغم من أن مهمة اللواء عباس كامل الرئيسية عندما تم تعيينه رئيساً لجهاز المخابرات العامة، كانت اختبار الولاءات وتطهير الجهاز من أية عناصر قد تشكل خطراً على نظام السيسي. وهو ما نجح فيه إلى حد كبير، ولكن مع ذلك لا يزال هناك من يمتلك رؤية مختلفة لأسلوب إدارة الدولة، ومن يتحين الفرصة لاستعادة السيطرة”.
وأكدت المصادر أنه “حتى وقت قريب، كانت هناك حالة رفض من أبناء النظام السابق داخل جهاز المخابرات العامة، لوجود اللواء عباس كامل على رأس الجهاز، نظراً لأنه ليس من أبناء الجهاز أصلاً وأنه هبط عليهم بالباراشوت من القوات المسلحة، وتحديداً من إدارة المخابرات الحربية التي كان يديرها السيسي، قبل تعيينه وزيراً للدفاع ثم رئيساً.
وحرص السيسي على الإبقاء على كامل مديراً لمكتبه في هذه المناصب الثلاثة، لكنه اضطر إلى الدفع به لجهاز المخابرات العامة من أجل تطهيره من المعارضين”.
ولفتت المصادر إلى أنه “في الفترة الأخيرة، جرى ما يشبه المصالحة بين قياديي الجهاز، في محاولة لاحتوائهم وضمان عدم قيامهم بأي نشاط قد يؤثر على استقرار نظام الحكم، مثلما حدث في السابق، عندما ظهرت بعض التسريبات، وتم استغلال بعض المعارضين في الخارج للهجوم على النظام، في محاولة لإضعافه”.
وأوضحت المصادر أن “أصحاب وجهات النظر المختلفة من داخل النظام، يستغلون أوقات الأزمات لمحاولة إثبات وجهة نظرهم، المتمثلة في رفض التعامل بخشونة مع الناس، خصوصاً حين يشتد الغضب الشعبي، كما يحدث الآن، ووصل الأمر إلى ظهور الناس علناً على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تنتقد النظام من دون خوف، لأنه لو حدث الانفجار فلن يُبقي على أحد”.
وقالت المصادر إن “الدائرة المقرّبة من الرئيس، والتي تدير الأزمة حالياً، تعلم جيداً أن هناك بعض المخالفين لسياستها داخل الأجهزة الحساسة بالدولة، لكنها تعلم أيضاً أن الخطر الأكبر ليس من هؤلاء، لأنه في النهاية يتم التعامل معهم والسيطرة عليهم، ولكن الخطر من الغضب الشعبي الحقيقي، والذي ظهر في الفيديوهات العفوية التي خرجت من كل ربوع مصر، وفيها يتحدث الناس بعقلانية وبعيداً عن الإساءة”.
وفسّرت المصادر عدم إلقاء القبض على أصحاب هذه الفيديوهات بأنها جاءت “مفاجئة ومربكة وغزيرة، وأن القبض على أصحابها يمكن أن يؤدي إلى نتيجة عكسية”، مشيرة إلى أنها “حدثت في السابق عند اشتعال الغضب الشعبي بسبب قانون مخالفات البناء، حين ظهر مواطنون في جميع أنحاء البلاد، يصرخون ويهددون بأن أي محاولة لهدم منازلهم سوف تقابل بعنف”.
وقالت المصادر إن “الأجهزة الأمنية كوّنت خبرة لا بأس بها في التعامل مع مثل هذه المواقف، إذ لا تتعامل بعنف في بداية الأمر، لكنها تحرص على ضبط الإيقاع وضمان عدم تفاقم الأمر، خصوصاً مع معرفة الحالة التي وصل إليها الشعب، وما يعانيه الناس من ظروف صعبة بسبب ارتفاع الأسعار، لكن تلك الأجهزة مع ذلك تواجه ضغطاً كبيراً تحت تأثير تنامي الغضب الشعبي، وهو ما يؤدي إلى ظهور التباينات بين قيادات تلك الأجهزة”.
واعتبرت المصادر أن السيسي “يعلم جيداً ما يدور حوله في ما يتعلق بالأجهزة الأمنية المحيطة به، ولذلك فإنه يحرص في مثل هذه الظروف، على أن يظهر في جلسة مع كل من وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، ورئيس المخابرات العامة (كامل) ووزير الداخلية محمود توفيق”.
وقالت إن الأيام القليلة الماضية “كشفت أيضاً عن بعض التباينات بين الأجهزة الأمنية داخل النظام، في بعض الملفات مثل النقابات والأحزاب وحتى ملف وزيرة الصحة هالة زايد”.
وبحسب المصادر فإن الأجهزة الخمسة التي تتنافس في ما بينها للحصول على حصة أكبر من السلطة والنفوذ هي: (المخابرات العامة، والمخابرات الحربية، وجهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، وجهاز الرقابة الإدارية، بالإضافة إلى المكتب الخاص برئيس الجمهورية الذي يديره اللواء محسن عبد النبي).
ولفتت المصادر إلى أن الأخير “كان سبباً في تفجر الكثير من الخلافات مع مدير المخابرات العامة الحالي اللواء عباس كامل، بعد تبادل الطرفين الاتهامات سابقاً بالمسؤولية عن تسريبات نشرت من داخل مكتب الرئيس، وهو ما جعل عبد النبي يصر على إخلاء مكتبه كمدير جديد لمكتب الرئيس خلفاً لكامل، من أي وجود لضباط محسوبين على سلفه”.
وقالت إن “كامل حرص على عدم توسع نفوذ أي من الأجهزة الأخرى على حسابه، وهو ما ظهر في مواقف مختلفة، كما حصل حين قاوم محاولات الرقابة الإدارية للإيقاع بالوزيرة هالة زايد، وعندما قاوم محاولات عبد النبي، لبناء جهاز إعلامي يتبعه بشكل مباشر. وفي سياق ذلك تمت إطاحة كثير من رجال عبد النبي في الوسط الإعلامي، مثل وزير الدولة للإعلام السابق أسامة هيكل، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم السابق، الراحل ياسر رزق”.
وأكدت المصادر أنه “مع ذلك فإن عبد النبي حصل في الفترة الأخيرة على مساحة أكبر داخل النظام، ترسخت مع حرص السيسي، على مرافقته له بشكل رسمي وللمرة الأولى في زيارته الأخيرة للسعودية (في 8 مارس/آذار الحالي)، وذكر اسمه في البيان الرسمي السعودي والتركيز عليه في اللقطات المصورة للقاء السيسي مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان”.
وقالت المصادر إن “السيسي، يعلم جيداً أن الحفاظ على حالة التنافس بين الأجهزة، يمكن استغلالها بشكل إيجابي يخدم النظام نفسه، وتحفيز كل طرف على العمل كما يعتبرونها أداة جيدة لحفظ استقرار النظام”.
المصدر: الشادوف+العربي الجديد