( قابل للكسر) فيلم مصري رائع وعمل فني متميز برغم بعض الملاحظات الفنية والإخراجية.. الأهم في هذا الفيلم بالنسبة لي شخصيا كوني من عشاق حنان مطاوع، هذه الممثلة المتميزة التي تسبقها عيناها لتصميم الحالة الوجدانية التي يتطلبها الدور والشخصية والحقيقة.. لو أننا في أزمنة تقدر الجمال والفن لكانت حنان مطاوع نجمة مصر الاولي..
أحيانا تتنوع المعالجات الدرامية لأكثر قضايا الواقع المصري تشابكا وتعقيدا بين ماهو سردي مباشر دون جماليات فنية ودون مؤثرات تشتبك مع أوتارك الوجدانية والسمعية والبصرية من ناحية، وبين معالجات اخري تتلمس طريقها الي قلبك من خلال هذه الجماليات وسحرها، والي عقلك لتماسها مع قضايا حيوية تشغل بال البشر والحجر من ناحية أخرى.
وسط هذا الركام جاء فيلم (قابل للكسر)، وهو من انتاج العام ٢٠٢٠ الماضي. وهو كتابة وتأليف وإخراج أحمد رشوان.. والإنتاج اكتمل بالجهود الذاتية، مما جعله ينتمي لفئة الأفلام المستقلة. قامت بدور البطولة في الفيلم الرائعة حنان مطاوع مع رانيا شاهين وفاطمة عادل وعمرو جمال وخالد خطاب وحنان يوسف.
والفيلم كرؤية وحبكة درامية يحمل أكثر من رسالة: علاقة الفتاة المسيحية بصديقاتها من الأسر المسلمة وتضحياتها معهم، وهي تعيش وحدها وتتنظر الانضمام لأسرتها المهاجرة الي كندا وكيف لهذه العلاقة الذوبان في تفاصيل السرد والحكاية والاحداث.. أيضا يطرح الفيلم قضية الهجرة خارج البلاد وكيفية التعاطي مع هذه المفارقة التي تجعل النظر الي كل وسيلة للحياة بوصفها وسيلة مؤقته يمكن احتمالها.
ومن رسائل الفيلم أيضا،وهي الاهم، الأنساق القيمية والأخلاقية الرديئة التي تتعرض لها هذه الفتاة النبيلة، تلك الأنساق التي صارت منتشرة وتسيطر وتسود وتحكم العلاقات في المجتمع المصري. يتصدى الفيلم الي علاقة الحب الغامضة بين هذه الفتاة المسيحية وبين شاب مسلم يصغرها سنا ويختلف عنها ديانة ومذهبا.. والمراوغة الدرامية تتم عبر هذه العلاقة التي تأسست في اللاوعي لكل منهما.
المدهش في جميع هذه الرسائل واعتقد انها قضية الفيلم الرئيسية اي الرسائل والعلاقات قابل للكسر والالتواء وفقا لتابوهات التخلف المحيطة.. ويبدو أن المخرج انحاز لفكرة أن قابلية هذه الأنماط والعلاقات جميعها للكسر.. والانحناء وأوحي بهذا الإنحياز في ايحاءات ومشاهد عديدة في الفيلم من حيث الجماليات.
تكمن عبقرية الفيلم في قدرته الهائلة علي توصيل هذه الرسائل من خلال مشاهد رمزية وجمل حوارية معبرة ايضا من اروع جماليات الفيلم هذا الاداء الراقي جدا لكل من حنان مطاوع وحنان يوسف ورانيا شاهين على الرغم من تحفظي علي إحجام أو عدم جرأة حنان مطاوع على تأدية المشاهد الرومانسية علي نحو كانت الدراما في حاجة ملحة اليها.
كان من المقرر أن تكون هناك قبلة أو جنس أو أحضان قوية في المشاهد التي تضمنت حالات ضعف انساني بينها وبين الشاب الذي تحبه لانهم وضعونا ووضعوا المشاهدين في هذه الحالة عنوة دون أن تكتمل بتأكيد هذا الضعف والإنهيار الإنساني في أقوى تجلياته الحسية والجسدية، ولم تمض قدما فكرة أن تتناسب هذه المشاعر الغامضة مع عدم الاحتكاك والتلامس الجسدي علي هذا النحو.
ربما لو ممثلة تجيد أدوار الاغراء والعري كانت لتخدم الدراما أكثر من حنان مطاوع المعروفة بتحفظها في هذه المشاهد، مما أضعف الحبكة في هذه الجزئية.. أيضا من نقاط ضعف الفيلم عدم الاهتمام أو تجاهل التصوير الخارجي. معظم مواقع التصوير (لوكيشن) الفيلم وكادر التصوير داخل أماكن مغلقة سواء شقق أو بيوت أو مكاتب مما أضفي قتامة نسبية علي البهجة داخل الفيلم لكن تظل رسائل أحمد رشوان الجبارة هي السمة العامة لجماليات الفيلم.
اتسمت بعض المشاهد ببطء الإيقاع لكنها كانت جاذبة من حيث الحوار والأداء.. تميز الفيلم بأنه من الأفلام القليلة جداََ جداََ في السينما المصرية الحديثة الذي تكون فيه بطلة العمل مسيحية.. وهذا نمط جديد يخالف الإتجاه العام المكتسح في صناعة السينما في مصر.. اتجاه عنصري لعدد كبير من المنتجين والمؤلفين والمخرجين الذين يتجاهلون طقوس ونمط حياة وتفكير أصحاب الديانات والمذاهب غير المسلمة من المصريين.
والحقيقة هذه النتيجة وحدها كافية لرفع القبعات لأبطال وصانعي هذا الفيلم.. وهذه أحد مميزات هذا الفيلم .
الملفت ايضا في الفيلم الاشارة الى المسيحيين المصريين وربطهم بالهجرة خارج البلاد.. ولا أدري إذا كانت هذه رسالة خامسة مقصودة للفيلم أم لا ، لكن ما أعرفه هو أنها تعبر عن فكرة الوطن الطارد لأقلية دينية تعاني من الاضطهاد والتهميش.
وظني أنها رسالة مقصودة تم التعبير عنها في جمل حوارية سريعة ربما غير مباشرة خوفا من الرقابة، ولم يلفت نظري أو مسامعي الموسيقي التصويرية في مسارات الفيلم وأحداثه.. لم اشعر بها.. واتصور ان ذلك يؤكد ملاحظتي الأساسية بأن المخرج وضع جل تركيزه علي القصة وأداء الممثلين ولم يعر اهتماما كافيا للجوانب الجمالية الأخرى كالتصوير والموسيقي والديكورات.
الموسيقي والكاميرا والديكور متوسطي الأداء.. والجوانب الفنية عموما تم إهمالها لصالح الدراما وأداء الممثلين.
أكثر ما أعجبني في الفيلم ما قرأته اثناء بحثي عن اسم احمد رشوان هو قيام عدد من الممثلين في هذا الفيلم بالتطوع بأجورهم ومنهم من لم يحصل علي أجره حتي الآن.. وبالرغم من ذلك نجح الفيلم وفاز في عده مهرجانات محلية واقليمية!!
لم اكن اعرف من هو الممثل أحمد رشوان لكن يبدو أنه ينتمي الي مجموعة من الأسماء الجديدة التي ربما تنقذ السينما المصرية من بكابورت السبكي ومحمد رمضان وعبدة موته.. تحية الي كل أبطال وصناع الفيلم.. وتحية خاصة للفنانة حنان مطاوع.
حجاج نايل
حقوقي مصري مقيم فى كندا
استشاري لدي مؤسسات الأمم المتحدة
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
مقالات الرأي تعبر عن آراء أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أو سياساته التحريرية