يعتقد باحثون أن الآثار الضخمة مثل أهرامات الجيزة وآثار حضارة المايا فى المكسيك وغيرها هي من بقايا حضارات عاشت وازدهرت وانطمرت قبل ظهور الانسان على الأرض، وأن هؤلاء البشر الذين استوطنوا الأرض كانوا عمالقة يتميزون بالطول الفارع والقوة البدنية الكبيرة !!
وبغض النظر عن المواصفات الجسدية والبدنية لهؤلاء البشر، فإن بعض علماء المسلمين مثل الداعية المصري الشيخ محمد متولي الشعراوي لا يستبعد فرضية وجود بشر على الأرض قبل آدم، في تفسيره لمن استشهدت بهم الملائكة عندما قالت:” أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء”-سورة البقرة- الآية 30
إذن، ما هي الحكاية.
الحكاية أن الإعلان عن اكتشاف علمي جديد في الصين، أدى لإثارة السؤال مجددا، هل بنو آدم أول من سكن الأرض، أم أن هناك مخلوقات قبلهم استخلفهم الله فى الأرض، فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء ؟!!
باختصار، تم اكتشاف جمجمة فى الصين يعود تاريخها لنحو 150 ألف عام، وتعد دراسة الجماجم والهياكل العظمية أهم الوسائل المتبعة فى البحث والتنقيب عن أصول وأعمار الأجناس البشرية والحيوانية التي سكنت الأرض في الحقب القديمة.
وأدت دراسات منفصلة على تلك الجمجمة قامت بها مجموعة من علماء الأنثروبولوجي الدوليين من استراليا والصين وبريطانيا للإعلان عن اكتشاف نوع بشري جديد أطلقوا عليه اسم “الرجل التنين” (Dragon Man).
ولم تأت هذه التسمية لكون هذا النوع البشري الذي تم الاعلان عنه ينفث النار أو يطير كالتنين الأسطوري، بل نظرا لاكتشاف أحفورية جمجمته في مدينة “هاربين” (Harbin City) الصينية، عاصمة مقاطعة ” هيلونغجيانغ” (Heilongjiang) والتي تعني “نهر التنين”.
وقد مُنِح النوع البشري الجديد اسم “هومو لونغي” (Homo longi) للتمييز بينه وبين الانسان العاقل ( Homo Sapiens) الذي يعد أقدم حفرية موجودة للجنس البشري المعروف حاليا ( بنو آدم ).
ورغم أن هذه الجمجمة أُكتُشِفَت لأول مرة فى العام 1933، فإنها كانت مخبأة منذ ذلك الحين. إذ خبأها متعهد عمال صيني عن أعين الغزاة اليابانيين ولم يسلمها لرئيسه الياباني حين اكتشفها. ولإخفائها تماما، قام بدفنها في بئر مهجورة بقيت فيها طيلة 85 عاما إلى أن أخبر مكتشفها أسرته بها قبل وفاته مباشرة.
وبالفعل عثرت الأسرة عليها عام 2018 وتبرعت بها لمتحف علوم الأرض التابع لجامعة “هيبي جيو” (Hebei GEO University) الصينية. وقد تُركت هذه الجمجمة دون أن يؤرخ لعمرها الدقيق أو للسلالة التي تنتمي إليها منذ اكتشافها.
ومؤخرا، قام فريق دولي، يضم علماء من بريطانيا وأستراليا والصين، بسبر أغوار هذه الجمجمة. إذ أشارت 3 دراسات بحثية منفصلة عنيت بتلك الجمجمة، ونشرت في دورية “ذي إنوفيشن” (The Innovation) في 25 من يونيو/حزيران الماضي، إلى أن هذه الجمجمة هي الأقرب صلة إلى جنسنا البشري.
وبحسب تقرير نشره موقع “يوريك ألرت” (Eurek Alert)، يقول تشيانغ جي أستاذ علم الحفريات بجامعة “هيبي جيو” والمشارك بالدراسات الثلاث “أحفورة هاربين تعد واحدة من بين أكثر حفريات الجماجم البشرية اكتمالا في العالم”.
ويضيف “هذه الحفرية احتفظت بالكثير من التفاصيل الشكلية المهمة لفهم تطور جنس الإنسان ومعرفة أصل الإنسان العاقل (Homo sapiens)”. ورغم أن هذه الجمجمة امتلكت بعض سمات الجماجم البشرية القديمة، فإنها تختلف عن جمجمة الإنسان العاقل الحديث.
فقد احتوت على تجاويف مربعة للعين وحواف سميكة للحواجب وفم أعرض وأسنان كبيرة. وكانت هذه الجمجمة أكبر كثيرا من جمجمة الإنسان العاقل أو أي نوع بشري آخر. غير أن حجم دماغ هذه الجمجمة يشبه حجم أدمغة جنسنا البشري. وكان حجم الجمجمة جديرا بالملاحظة، إذ تُظهر -على ضخامتها- قدرة على حمل دماغ مماثل في الحجم لدماغ الإنسان الحديث.
وعن هذه سمات هذه الجمجمة يُعَقب جي قائلا إنها “تمتلك مزيجا من السمات البدائية والأخرى الخاصة بها التي تميزها عن جميع الأنواع البشرية الأخرى” الأمر الذي أدى إلى تصنيفها بأنها نوع جديد.
وقد كشف التحليل الكيميائي للرواسب الموجودة بالجمجمة أنها تنتمي لرجل يبلغ 50 عاما، ولم يعرف سبب وفاته. ويعتقد العلماء أن هذا الرجل وقبيلته قد عاشوا في بيئة مليئة بالغابات والسهول. إذ يرون أن حياتهم كانت مشابهة لحياة الإنسان العاقل، وكانوا يصطادون الثدييات والطيور ويجمعون الفاكهة والخضراوات، وربما كانوا يصطادون الأسماك كما يذكر الفريق.
كما أظهرت الرواسب التي اكتُشفت فيها العينة إلى أنها ترجع إلى الحقبة البلاستوسينية الوسطى، أي للفترة من 800 ألف إلى 125 ألف سنة مضت. وقد أظهر تأريخ اليورانيوم الإشعاعي أن الجمجمة يرجع عمرها إلى 146 ألف سنة مضت.
ويشير الدكتور محمد عبدالرازق أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بكلية الآداب جامعة المنصورة، أن التوصل إلى تحديد تاريخ أدق لانقراض إنسان “نياندرتال”، خطوة أولى ومهمة في فهم أفضل لطبيعته، كما أن اعتماد التقنية الجديدة في التأريخ لهذه الكائنات عبر مادة الكربون المشع، يمكن أن تساعد في مزيد من الاكتشافات”.
وأضاف أن “كل الكائنات الحية تمتص مادة الكربون من الغلاف الجوي أو من الطعام، بما في ذلك الكربون 14، الذي يتحلل بمرور الوقت”، لافتا إلى أن “ما تبقى من هذه المادة يساعد في تحديد الوقت الذي عاشت فيه، وهو ما ساهم في تحديد العمر الافتراضي لإنسان نياندرتال”.
وتظهر آثار وجود هذه الأجناس البشرية في خريطة الجينوم البشري منها على الأقل 2 في المئة من إنسان “نياندرتال”، مع العلم أن دراسات أخرى للحمض النووي أظهرت أن سكان شرق آسيا ورثوا نحو خمس الحمض النووي لإنسان “نياندرتال” مقارنة بالأوروبيين.
وفي هذا الصدد يذكر كريس سترينجر عالم الأنثروبولوجيا القديمة في متحف التاريخ الطبيعي في لندن أنه “قد يكون هناك التقاء قد حدث بين أسلاف جنسنا البشري العاقل وبين إنسان لونغي. خاصة وأننا لا نعرف متى اختفت سلالة إنسان لونغي”.
ولطالما اعتقدت الدراسات المعنية بفهم أصول الجنس البشري أن إنسان نياندرتال (Homo neanderthalensis) الذي انقرض قبل 35 ألف سنة، هو الأقرب صلة إلى نوعنا البشري الحديث. غير أن هذا الاكتشاف يباعد بيننا وبين إنسان نياندرتال خطوة إضافية حيث أن عمر الجمجمة تم تحديده بأكثر من 145 ألف سنة.
وبحسب التقرير الصحفي -الذي نشره موقع “ذا كونفرزيشن” (The Conversation)- فإن المقارنات التي عُقدت سابقا بين نوعنا وبين إنسان نياندرتال تصبح أقل أهمية لفهم السبب الذي مكننا من أن نكون على ما نحن عليه الآن كبشر عاقل.
وبالتالي، فإن هذه الجمجمة الجديدة تعيد رسم شجرة العائلة البشرية من جديد. إذ يقترح العلماء أن التمايز بيننا وبين إنسان نياندرتال ربما يكون أقدم بـ 400 ألف عام مما اعتقده العلماء سابقا.
كيف نفسر علمياً وجود أحافير بشرية تعود لملايين السنين رغم أن عمر آدم عليه السلام على كوكب الأرض يقدره العلماء بحوالي أربعة عشر ألف عام فقط؟ وهل يمكن طرح فرضية تناقش موضوع انقراض البشر قبل أبينا آدم عليه السلام لسبب غير معروف علميا حتى الآن، لكن ربما هناك دليل فى القرآن الكريم يشير الى ذلك الانقراض دون تحديد واضح؟!!
وقبل أن ينقض عليّ عدد من القراء الكرام بالهجوم يجب التوضيح بأن من أعد هذا التحقيق لا يتفق مع النظريات القائلة بأن أصل الإنسان من قرد ( نظريات التطور الطبيعي لدارون وغيره) حيث إنها مرفوضة دينياً وغير مثبتة علمياً. والحديث هنا عن احتمالية وجود أجناس أخرى من البشر عاشت على كوكب الأرض ليس لها علاقة بنا نحن بني آدم.
وهنا يمكن الاستشهاد بكلمات الشيخ محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، بقوله: “هنالك أشياء ثبت علمياً وتجريبياً أن عمرها ملايين السنين، ويظن بعض الناس أن ذلك يتناقض مع القرآن، ولكن لا ، لأن الله سبحانه وتعالى لم يقل أن أول الخلق على الأرض هو آدم !! بل أن أول الخلق من جنسكم هو آدم.. إذن فمن الجائز أن يكون هنالك خلق آخر !” وفقا للشيخ الشعراوي.
ومن هذه الأجناس (النياندرتال Neanderthal) والذي عاش على كوكب الأرض منذ أكثر من مليون ونصف المليون عام وانقرض قبل 35 ألف سنة. وكان حجم دماغهم مقارباً لحجم أدمغة البشر وامتلكوا قدرات الصيد والمحادثات الأساسية التي لا ترقى للمستوى الذي نمتلكه نحن.
وأطرح أمامكم عدداً من الأسئلة والاستفسارات من القرآن الكريم بشأن انقراض البشر قبل آدم عليه السلام ومنها:
في قول الله عز وجل: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ)، والسؤال: كيف عرفت الملائكة الكرام أن الخليفة على الأرض سيفسد فيها ويسفك الدماء؟ قد يكون الجواب هو ما فعلته أجناس البشر التي سبقت آدم عليه السلام من إفساد وظلم. ولمن يقول إن هذا فعل الجن فالسؤال هو كيف تسيل الدماء من الجن وهم خلقوا من النار؟
النقطة الثانية في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ). فالمعلوم أن الاصطفاء عادة يكون لشخص أو عدد من الأشخاص من بين مجموعة.
والسؤال هنا عن اصطفاء آدم عليه السلام، حيث كيف يصطفى وهو الوحيد في زمانه إن لم يكن هنالك بشر قبله؟ وبالمقابل ألا يمكن التفكير بأن اصطفاء آدم عليه السلام جاء على أجناس البشر من قبله والتي لم تمتلك تلك القدرات العقلية التي وهبها الله عز وجل لآدم وذريته؟
على النقيض من تلك الآراء يري بعض العلماء أن مسألة وجود بشر على هذه الأرض قبل آدم عليه السّلام لا أصل لها ولا دليل ثابت من الكتاب ولا السّنة النبوية، وإنّما ما يتناقله النّاس حول ذلك مجرّد روايات ذكرت في كتب التّفسير وأقاويل لم تُثبت، ومن هذه الرّوايات الرواية الشّهيرة التي ذكرت في كتب التّفسير وعلى رأسها تفسير الإمام الطّبري.
ففي معرض تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) [البقرة: 30]، يذكر الإمام الطبري عن ترجمان القرآن عبد الله ابن عبّاس رواية مفادها أنّ جماعة من الجنّ سكنوا الأرض قبل آدم عليه السّلام، فأفسدوا فيها وسفكوا الدّماء، فأنزل الله الملائكة إلى الأرض لتطردهم منها، وحمل المفسّرون تفسير هذه الآية على هذا المعنى بسبب قول الملائكة واستفهامها الذي يبيّن أنّ ثمّة قوم سكنوا هذه الأرض، والحقيقة أنّه لا يلزم من سؤالهم ذلك هذا المعنى وإنّما قد يدلّ على معانٍ كثيرة لا يعلمها إلاّ الله تعالى.
وختاماً، حاول هذا التحقيق تقديم تفسير علمي يجمع بين ما نؤمن به كمسلمين بأننا أبناء آدم وحواء، ولا شك في ذلك حسب ما ورد في القرآن الكريم، وبين الحقائق العلمية والاكتشافات التي تشير لوجود أجناس بشرية عاشت على الأرض منذ ملايين السنين والتي انقرضت ولم تستطع البقاء.
وأختم بقول الله عز وجل: ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ). صدق الله العظيم
تحقيق أجرته الزميلة / سمية الجنايني
المصدر: الشادوف+ترجمات