الفساد والتعذيب كلمتان لا يرغب النظام المصري في سماعهما في أي وقت وتحت أي ظرف من الظروف !!
النظام المصري يتهرب من أية اتهامات توجه له بالفساد أو بتعذيب السجناء بالمسارعة بنفي انخراطه تماما في أي وقائع فساد أو تعذيب.
أما الفساد فهو ما يمكن أن تعرف حاله في مصر لو راجعت أين يعيش المسؤول الأول عن أهم جهاز في مصر لمكافحة الفساد، وهو المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات. المستشار جنينة فى السجن منذ سنوات بدون تهم واضحة أو بتهم مضحكة وغير واقعية. كل جريمة جنينة انه أعلن لوسائل الاعلام المصرية إن حجم الفساد المستشري فى البلاد بلغ فى عام واحد نحو 60 مليار دولار !
والحديث عن الفساد في مصر يطول ويطول، وهذا التحقيق سيركز على التعذيب، وسيجعل التركيز أكثر كثافة حول واقعتين حديثتين.
واقعة قسم شرطة مدينة السلام
أثيرت مؤخرا قضية تعذيب المواطنين والسجناء على يد ضباط وأفراد الشرطة المصرية، ففي مناسبة الذكري الحادية عشرة لثورة 25 يناير الشهر الماضي، كشف مقطع فيديو حصلت عليه صحيفة “ذا غارديان” البريطانية تعذيب معتقلين داخل أحد أقسام الشرطة المصرية في القاهرة.
ويظهر الفيديو، الذي التقطه سرّا أحد المعتقلين عبر شق في باب الزنزنة، محتجزين اثنين معلقين في وضعيات مجهدة، نصف عاريين، وأيديهما مغلولة بواسطة مشبك معدني مثبّت خلف ظهريهما. وقال أحد السجناء في الفيديو: “انظر كيف يعذبوننا وزملاءنا، أخبرونا أن الدور علينا بعد ذلك”. ومضى مخاطبًا الرئيس عبد الفتاح السيسي: “سيدي الرئيس، نسأل لماذا الشرطة في قسم شرطة السلام أول تفعل هذا بنا؟”.
منذ نشر مقطع فيديو يوثق الانتهاكات التي تعرض لها السجناء قبل 10 أيام، فقدت العديد من العائلات الاتصال بأقاربها المحتجزين في مركز شرطة مدينة السلام شرق القاهرة.
وفي تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” (Middle East Eye) البريطاني، تقول الكاتبة شاهيندا نجيب إن المصريين المحتجزين في قسم شرطة مدينة السلام بالقاهرة والمتورط ضباطه وأفراده في فضيحة التعذيب، فقدوا أي اتصال بالعالم الخارجي، مما أثار مخاوف من تعرضهم للإخفاء القسري.
ويُعتقد أن عشرات المعتقلين حُرموا من التواصل مع أقاربهم، وصرّح أحد المصادر لموقع “ميدل إيست آي” بأنهم يعتقدون أن المعتقلين أُبعدوا من مركز الشرطة، وأنهم مستعدون لنفي مزاعم التعذيب الذي تعرضوا له.
اختفاء شهود التعذيب
وقال شهود عيان لموقع “ميدل إيست آي”، يوم الجمعة، إن قوات الأمن فرضت إجراءات أمنية مشددة في حي السلام في الأيام الأخيرة، مما حدّ من وصول المدنيين إلى محيط مركز الشرطة.
وصرّح أحد أقارب المحتجزين في مركز الشرطة عند نشر مقاطع الفيديو لموقع “ميدل إيست آي” بأنه فقد الاتصال بأحد أفراد عائلته طوال 10 أيام. وقال المصدر “لم أتمكن من الاتصال به عبر الهاتف أو حتى عن طريق رشوة الحراس، ولم أتمكن من زيارته”.
وأوردت الكاتبة، نقلًا عن المصدر، أن مركز الشرطة يسمح كل يوم خميس للأقارب بإحضار الطعام والملابس والأدوية للمحتجزين، لكنهم لم يتمكنوا من زيارتهم طوال يومي الخميس الماضيين.
وصرّح مصدر آخر كان قريبه محتجزًا أيضًا وقت نشر مقاطع الفيديو، أن قريبه “اختفى” رغم أنه لم يظهر في مقاطع الفيديو، ويخشى المصدر وعائلات السجناء الأخرى من توجيه تهم كاذبة لهم بحيازة المخدرات أو البلطجة، على حد تعبيرهم.
وصرحت العائلات لموقع “ميدل إيست آي” بأنهم حاولوا تقديم شكوى إلى رئيس مكتب التحقيق الرائد أيمن فؤاد، “لكنه رفض مقابلتنا”، وقال إسماعيل، أحد سكان حي السلام، لموقع “موقع ميدل إيست آي” إن “مركز الشرطة تحول إلى “منطقة عسكرية” بعد نشر مقاطع الفيديو، وإن مسؤولين رفيعي المستوى من “جهاز الأمن الوطني جاؤوا إلى مركز الشرطة بعد صدور هذه التقارير”.
وأضاف أن العديد من الأشخاص مُنعوا من الاتصال بأقاربهم المحتجزين، ولم يتمكنوا من تزويدهم بالطعام، وتابع قائلًا “ما زلنا نسمع شائعات عن تعديل وزاري محتمل، وأن الضباط المتهمين قد يُنقلون لأنهم فاسدون”، في إشارة إلى الرجال الثلاثة المتهمين من قبل المعتقلين بالإساءة إليهم، وهم أحمد بدوي وعلي الكساب وعمرو عزت.
وأكد موقع “ميدل إيست آي” أن الضباط الثلاثة هم نقباء شرطة نشطون يعملون في مكتب تحقيقات المركز؛ حيث يُذكر أن أحد الضباط المتهمين نفى المزاعم، ورفض ضابط آخر التعليق، في حين لم يرد ثالث على مكالمات “ميدل إيست آي”، ولم تصدر وزارة الداخلية بعد بيانًا رسميًّا بشأن ما تم الكشف عنه أو تفتح تحقيقًا في مزاعم التعذيب.
ومع ذلك نقلت صحف خاصة عن مسؤولين في الوزارة نفيهم “صحة ما تم تداوله في مقطعي فيديو على صفحات التواصل الاجتماعي لعضو من جماعة الإخوان المسلمين مقيم بالخارج، ادّعى فيه أن بعض المعتقلين في مركز للشرطة تعرضوا للتعذيب”؛ وقد زعم المسؤولون أن اللقطات ملفقة “بهدف نشر الشائعات والأكاذيب”.
وأطلقت وسائل التواصل الاجتماعي والصحف الموالية للحكومة حملة للدفاع عن الضباط؛ حتى إن كساب حصل على تكريم نيابة عن رئيس التحقيقات من حزب “حكاية وطن” السياسي المؤيد للنظام ومعظم أعضائه من ضباط الجيش والشرطة السابقين.
ونقلت الكاتبة عن أحد سكان السلام، القريبين من المخفر، أن مقاطع الفيديو انتشرت على نطاق واسع وتسببت في عداء كبير مع الشرطة، ورغم أنه لم يستطع تأكيد اختفاء السجناء، فإنه قال إن عائلاتهم فقدت الاتصال بهم.
ويُدرك موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أن السلطات بدأت إعداد مقاطع فيديو للمحتجزين، تُجبرهم فيها على دحض مزاعم التعذيب وسوء المعاملة.
والجدير بالذكر أن أجهزة الأمن المصرية تبثّ بشكل روتيني مقاطع فيديو لنزلاء يدلون باعترافات كدليل قبل المحاكمة؛ حيث وثقت جماعات حقوقية العديد من الحالات التي استندت فيها هذه الاعترافات إلى التعذيب وترهيب المعتقلين للاعتراف بجرائم لم يرتكبوها.
قسم شرطة العجوزة
ورغم ذلك، فإن ممارسات التعذيب الواقعية لا يمكن اخفاؤها رغم حرص النظام، فقد نشر شاب مصري مؤخرا تسجيلاً على مواقع التواصل، ظهر فيه وهو يبكي ويشكو من انتهاكات ارتكبت في حقّه في قسم شرطة العجوزة بمحافظة الجيزة.
وقال الشاب إنّه تعرّض لإهانات متعددة وضرب غير مبرر ومعاملة وصفها بأنها غير بشرية، مشدداً على أنّه لم يعد يطيق العيش بسبب ما شهده من عدم الرحمة التي عانى منها طوال الساعات التي قضاها في داخل قسم شرطة العجوزة.
وقد انتشر الفيديو بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تنديد مجتمعي بجريمة التعذيب في أقسام الشرطة وفي مقار الاحتجاز المختلفة في مصر، علماً أنّ الشعب المصري كان قد ثار على ذلك في 25 يناير/ كانون الثاني 2011. وعلى الرغم من أنّ ملف التعذيب كان بمثابة الشرارة الأولى لثورة يناير، فإنّه مستمر في المسّ بكل معاني الإنسانية والحياة حتى يومنا هذا.
وتعليقاً على ما نُشر، وكالعادة، نفت وزارة الداخلية المصرية “صحة ما تضمّنه مقطع الفيديو من ادعاء أحد الأشخاص باحتجازه دون وجه حق لمدة يومين بقسم شرطة العجوزة بالجيزة”. أضافت أنّ “حقيقة الواقعة تتمثل في أنّه بتاريخ 4 يناير (المنصرم)، اصطدمت سيارة يستقلها شخص وبصحبته طفل (نجل زوجته) بسيارة ميكروباص أعلى الطريق الدائري في دائرة قسم شرطة العجوزة، وقد فرّ سائق السيارة من موقع الحادث تاركاً الطفل في السيارة، بسبب صدور حكم بالحبس عليه في إحدى القضايا، وضُبط بصحبته شقيق زوجته وتم تسليم الطفل إلى خاله من دون احتجازه عقب صدور قرار النيابة العامة لرفض والدته الحضور إلى القسم لاستلامه.. وجارٍ اتخاذ الإجراءات القانونية حيال تلك الادعاءات”.
وبينما نفت وزارة الداخلية صحة الواقعة، لم تتطرق إلى ما قاله الشاب عن الانتهاكات، ولا سيّما الضرب، في قسم الشرطة. يُذكر أنّ أيّ رواية بخصوص الضرب والتعذيب في أقسام الشرطة ومقار الاحتجاز المصرية، هي أقرب إلى التصديق من قبل المواطنين المصريين، نظراً إلى سجل جهاز الشرطة ووزارة الداخلية في مصر الحافل بها على مدى عقود.
ولمصر سجلّ إجرامي ومعيب في ما يتعلّق بالوفيات الناجمة عن التعذيب في السجون ومقار الاحتجاز الرسمية. وقد كان مقتل خالد سعيد على يد أمينَي شرطة في السادس من يونيو/ حزيران 2010 بمثابة الشرارة الأولى للثورة. كذلك قضى عصام عطا بعدما عذّبه ضباط في السجن عبر إدخال خراطيم مياه في فتحات جسده حتى الموت، في سجن طرة في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، فيما كان يقضي هناك عقوبة بالحبس لمدّة سنتَين لتورطه في مشاجرة يوم 25 فبراير/ شباط 2011 في منطقة المقطّم.
وكانت دراسة بحثية حول ظاهرة التعذيب في مصر، صدرت في عام 2015، قد كشفت أنّ 76 في المائة من حالات التعذيب كانت في اتهامات لا علاقة لها بالاضطرابات السياسية في البلاد، وإنّما كانت تأتي إمّا بشكل روتيني من دون سبب واضح وإمّا لمحاولة الحصول على اعترافات من المتهم. وذكرت الدراسة التي أعدّتها المجموعة المتحدة للمحامي الحقوقي نجاد البرعي أنّ الفئة العمرية 18-35 عاماً هي الأكثر تعرّضاً للتعذيب بنسبة 58 في المائة، تليها الفئة العمرية 36-49 عاماً بنسبة 23 في المائة، في حين انخفضت نسبة تعذيب الأطفال (دون 18 عاماً) إلى 10 في المائة والشيوخ (50 عاماً وما فوق) إلى تسعة في المائة فقط.
وأشارت الدراسة إلى انتشار التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية بين العمّال المياومين (الذين يتقاضون أجراً يومياً في مقابل عملهم) والحرفيين والعاطلين من العمل، فضلاً عن انتشار التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية بين المتهمين بارتكاب جرائم تقليدية، وكذلك تعذيب الضحايا لدوافع سياسية. وأوضحت الدراسة أنّ 50 في المائة من حالات التعذيب التي تناولتها أتت عن طريق الضرب سواء بالأيدي مباشرة أو بآلات صلبة راضّة، فضلاً عن طرق التعذيب أو استخدام القسوة الأخرى من المعاملة المهينة والحاطة من الكرامة، واستخدام آلات مكهربة غير مميتة وغيرها.
المصريون ليسوا وحدهم من يخبرون طبيعة الانتهاكات الواقعة في أقسام الشرطة ومقار الاحتجاز الرسمية في مصر، بل ثمّة إدراك عالمي لهذه الجريمة. ولطالما صدرت تنديدات عالمية بانتهاكات حقوق الإنسان في ظل النظام المصري الحالي، كان آخرها بيان مشترك في الدورة 46 لـ”مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” في مارس/ آذار 2021، إذ عبّرت 32 دولة عن شعورها “بقلق عميق إزاء مسار حقوق الإنسان في مصر”، وسلّطت الضوء على “القيود المفروضة… على حرية التعبير والحق في التجمع السلمي، والتضييق على المجتمع المدني والمعارضة السياسية، وتوظيف قانون الإرهاب ضد المعارضين السلميين”.
وفي تقريرها العالمي لعام 2022، أفادت منظمة “هيومان رايتس ووتش” بأنّ “محاولات مصر السطحية لخلق انطباع التقدم في حقوق الإنسان لم تخفِ القمع الحكومي الوحشي لجميع أنواع المعارضة عام 2021، واستمرت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، عام 2021، بالسير في الطريق المعتاد للقمع الذي لا يعرف الهوادة”. أضافت المنظمة أنّ “قوات الأمن المصرية تصرّفت بحصانة من العقاب، وارتكبت بشكل روتيني الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، والتعذيب بحق النشطاء السياسيين أو المشتبه بهم وكذلك المواطنين العاديين”.
المصدر: الشادوف+صحف+مواقع التواصل